القدس: 10-11-2022 من ديمة جمعة السّمّان: ناقشت ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة المقدسيّة في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية اليافعين “مايا” للأديب المقدسيّ جميل السلحوت الصّادرة هذا العام 2022 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع في 102 صفحة من الحجم المتوسط، ويحمل غلافها الأّول لوحة للفنّان التّشكيليّ محمّد نصر الله، ومنتجها وأخرجها شربل الياس.
افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السمان فقالت:
يقال: ” ما أعزّ من الولد إلّا ولد الولد”. من يقرأ رواية الأديب جميل السلحوت المخصصة لليافعين “مايا”، والتي صدرت عن مكتبة كل شيء الحيفاوية وتقع في102 صفحة من القطع المتوسط، وزيّن غلافها لوحة الفنان الفلسطيني محمد نصرالله، تزداد قناعاته بهذه المقولة.
السّلحوت لا يعزّ ويحبّ أحفاده فحسب، بل يرسم لهم مستقبلا في خياله كما يحبّ ويشتهي. وهذا ليس الإصدار الأول الذي يحمل اسم أحد أحفاده وحفيداته، فلكلّ حفيد وحفيدة إصدار أدبيّ يحمل اسم كلّ واحد منهم.
والملاحظ هنا أنّ معظم شخوص الرّواية هم من أفراد العائلة، سلوكيّاتهم تتماشى مع شخصيّاتهم الأصلية الحقيقيّة، “إلا من تحمل الرّواية اسمه”، إذ يترك لخياله رسم شخصيّة الحفيد كما يتمناه مستقبلا.
“مايا” في الرواية هي ابنة الصّف الخامس الأساسي، أي أنّها بخيال السّلحوت بعمر الحادية عشر، مع أنّها في حقيقة الأمر لم يتعدّ عمرها السّنتين. ولم يلتق بها وجاهيّا، ولم يتحدّث إليها إلا عبر تقنيّة سكايب، إذ أنّها تعيش في شيكاغو، ولم يتسنّ له السّفر هناك مؤخرا بسبب جائحة كورونا.
وكان قد كتب قصّة تحمل اسم شقيقتها الكبرى لينا، والتي أطلق عليها اسم الدّلع “لنّوش” كما اعتادوا أن ينادوها. كانت في القصة طالبة في المرحلة الأساسيّة، بينما في الواقع كان لا يزيد عمرها عن تسعة أشهر فقط لا غير.
السّلحوت يحلم أن يكبر أحفاده يحملون الصّفات التي رسمها في مخيّلته لهم، يريدهم أذكياء، يحبّون جدّهم جميل وجدّتهم حليمة، متمسّكون بوطنهم فلسطين، يحرصون على إتقان لغتهم الأمّ العرببّة، يتمتّعون بشخصيّة قويّة ومنطق مقنع، لهم تأثير على من حولهم، مع الاحتفاظ بطفولتهم البريئة، الّتي لا تخلو من بعض الفكاهة.
وكما عوّدنا الأديب جميل السّلحوت في رواياته للأطفال واليافعين وحتى للكبار، يحرص على تقديم النّصائح غير المباشرة للقارىء، كما يقدّم المعلومات الوافية دون نقصان للاستفادة منها، والحصول على التّفاصيل الكاملة، التي تجيب على جميع الأسئلة التي قد تطرأ في ذهن القارىء.
كما كان هناك دعوات غير مباشرة، وجّهها الكاتب بحرص شديد إلى الجاليات العربية التي تعيش خارج الوطن، أن اهتموا بأن يتقن أبناءكم اللغة العربية الأمّ، فهناك العديد من الوسائل الّتي تساعدكم على ذلك، كما ازرعوا بأبنائكم حبّ الوطن، وخطّطوا بالعودة إلى مسقط رؤوسكم، وهيّئوا أبناءكم إلى تلك اللحظة التي ستجمع شملهم مع العائلة داخل الوطن. ابقوا على تواصل معهم، واحرصوا على أن تكون زياراتكم للوطن سنويّة على الأقل، ولا تقطعوا حبل المودّة الذي يجمعكم معهم.
كما ركّز الكاتب على أهميّة التّواصل بين الأحفاد والأجداد، للحفاظ على علاقة حميمة بين الطرفين، إذ أنّ ما يقدّمه الأجداد للأحفاد، لا يقدّمه الآباء والأمّهات لهم.
يتمتّع الأجداد بحكمة تفوق حكمة أبنائهم، بحُكم الخبرة المتنوّعة والعمر الطّويل. كما أنّ الآباء لا زالوا يعيشون تحت ضغوط الحياة ومسؤوليّاتهم اليوميّة تجاه أبنائهم، والتزاماتهم بتوفير الحياة الكريمة لهم. ممّا لا يعطيهم الوقت الكافي لقضائه مع أطفالهم.
العلاقة الحميمة بين الأجداد والأحفاد تساهم في بناء وتطوير شخصيّة الطّفل وإكسابه المهارات المختلفة، والمعلومات الغنيّة، كما توفّر له حنانا من نوع آخر، هو في أمسّ الحاجة إليه.
كما شملت الرّواية رحلات سياحية داخل الوطن فلسطين، في القدس وبيت لحم وأريحا ويافا وحيفا وعكا، وما فيها من مساجد وكنائس وأسواق وأماكن سياحيّة، كما أشار إلى طبيعة العلاقة الحميمة بين أبناء الشّعب الفلسطيني الواحد، التي لا تميّز بين مسيحي ومسلم، فهم أبناء الوطن الواحد الذين يعيشون تحت نير الاحتلال، يتعرّضون لذات الانتهاكات الإسرائيلية.
كما عرّج الكاتب على مدينة قرطاج في تونس، ووصف ما فيها من أسواق قديمة تراثيّة.
وتناول الكاتب تفاصيل حول “شلالات نياغارا”، وطقسها البارد، ونصح بزيارتها في فصل الصّيف، وتجنّبها في فصل الشّتاء. كما قدّم العديد من المعلومات المكثّفة والأرقام، والّتي كان من الممكن الاختصار منها.
كما عرّف السّلحوت القارىء على الحياة الطّبيعيّة في ولاية شيكاغو، حيث يسكن ابنه قيس وزوجته وبناته الثلاثة، فهناك السّناجب الأليفة التي تأكل الفستق من أيادي الأطفال، وهناك الأفاعي الخضراء غير السّامّة، والتي لا تشكّل خطرا على من يتعامل معها، عكس الأفاعي السّامّة داخل فلسطين، والتي تهدّد حياة كلّ من يقترب منها.
وقد أعجبتني نهاية الرّواية، فبعد أن قرّر قيس زيارة فلسطين في العطلة الصّيفيّة، وهيّأ أسرته لذلك، وقد كانت الزّيارة حلم الطّفلة مايا، تعيشه ليل نهار، تحلم أن تنام في حضنَي جدّيها اللذين يحبّانها، خيّبت آمالهم جائحة كورونا، إذ توقفت رحلات الطّيران، وأغلقت المدارس، وتمّ تأجيل الزّيارة مدّة سنتين.
كانت نهاية جميلة من الكاتب، وصف من خلالها تأثيرات جائحة كورونا النّفسيّة قبل الجسديّة على الشّعوب.
رواية “مايا” تحتوي على العديد من المعلومات التي تسهم بتثقيف اليافعين، أنصح بدخولها إلى المدارس، فهي تشكّل إضافة للمكتبة العربية.
وكتب محمود شقير:
رواية “مايا” للأديب جميل السلحوت، وهي مكرسة لليافعين، وفيها تحفيز لهم ولمن ولدوا منهم وعاشوا خارج بلادهم فلسطين على حب البلاد والعودة إليها والإقامة فيها على نحو دائم.
مما يحسب لصالح الرواية أن جميل السلحوت جعل من ابنه قيس بطلًا للرواية، ومن زوجته مروة وبناتهما الثلاث لينا وميرا ومايا بطلات لها، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فثمة ذكر للجدّ جميل وللجدّة حليمة ولرجال وأولاد آخرين في العائلة ولنساء وبنات فيها، بحيث أصبحت بعض جوانب الحياة الشخصية لهؤلاء وأولئك مادة للروائي ينسج منها عالمًا فسيحًا ينتفع منه أطفال كثيرون في فلسطين وفي غيرها من الأقطار.
ومما يحسب لصالح الرواية كذلك أن يجري تعريف الأطفال بالمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين ووضعها كلها على قدم المساواة من دون تفرقة أو تمييز، ومن ثم التعاطي مع أعياد الميلاد المجيدة ورأس السنة الميلادية الجديدة بروح إيجابية طيبة، لولا جملة وردت على لسان مروة حين حاولت ثني ابنتها مايا عن الإصرار على زيارة فلسطين في فترة أعياد الميلاد حين قالت لها: “لاعلاقة لنا بهذه الأعياد”؛ وهي لا تقصد المعنى السلبي لهذه الجملة، بل كانت تقصد أن الصلوات في هذه الأعياد تخص إخوتنا المسيحيين ولا تخص المسلمين، لكن جملتها برغم ذلك قد تفهم بمعناها السلبي، فالحقيقة المؤكدة تقول إن الأعياد المسيحية مثلها مثل الأعياد الإسلامية هي جزء من ثقافة الشعب الفلسطيني التي لا تقبل التجزئة.
2
تكثر في الرواية تساؤلات مايا وأختيها في محاولاتهن لاكتساب المعرفة، وهذا بحد ذاته أمر إيجابي ومطلوب في الواقع وفي أدب الأطفال سواء بسواء، وتكثر في الرواية المعارف والمعلومات والأغاني التي يقدمها الراوي للبنات وللقراء من اليافعين بأسلوب ذكي ومن دون إثقال على النص الروائي، مثلًا: رياضة اليوغا وأصولها، ومثلًا: شلالات نياغرا في الولايات المتحدة وغير ذلك.
وفي الرواية حيز للرقص وللعب الذي تمارسه البنات مع صديقاتهن من بنات الجيران بشغف واستمتاع، وحيز للحوار بين قيس ومروة وبناتهما، حيث تتفق الآراء حينًا وتختلف حينًا آخر، ويكون لمايا الطفلة الأصغر رأي حرّ في ما تراه مناسبًا وما تراه غير مناسب، ويكون للبنات الثلاث رأي في ساعة الذهاب إلى النوم؛ برغم إلحاج أمهن على ضرورة النوم المبكر للتوفر على حالة من النشاط والحيوية في اليوم التالي، وهذا كله جيد وصحيح.
3
لكنني تمنّيت لو أن المناكفات الصغيرة التي حدثت بين قيس ومروة على مسامع البنات حينًا وبعيدًا منهن حينًا آخر لم تقع على هذه الشاكلة، وعلى النحو الذي قد يؤثر على سلوكهن، وعلى سلوك اليافعين الذين سيقرؤون الرواية، ثم إن هذه المناكفات كانت تتخذ في بعض الأحيان شكلًا فيه إبطال قيس لرأي زوجته وتقديم وجهة نظر مخالفة حين تحتكم إحدى بناتهما إليه؛ ما يضطر الزوجة إلى التغاضي والسكوت.
وتمنّيت لو لم تمسك ميرا بالأفعى غير السامّة، ما قد يشجع أيّ طفل على الاقتداء بها من دون التدقيق في نوع الأفعى التي قد تكون سامة، وتمنّيت لو لم يأتِ شرطي إلى البيت للتأكد من عدم تعرّض مروة لأذى حين صاحت خوفًا من الأفعى التي أطلقتها ابنتها في البيت.
4
لغة الرواية سهلة سلسة تتساوق مع القاموس اللغوي لجيل اليافعين؛ غير أن صوت المؤلف طغى في الصفحات الأولى من الرواية على صوت الطفلة مايا؛ إذ كان يضع كلامه في تلك الصفحات على لسانها، فيبدو الكلام أكبر من قاموسها اللغوي ومن وعيها، خصوصًا وهي تتحدث عن حبّها لفلسطين وعن حبها لجدّها جميل وجدّتها حليمة، وعن الجرائم الوحشية التي يرتكبها المحتلون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين، إلا أن هذا الأمر لم يستمر في صفحات الرواية اللاحقة التي أبرزت شخصية مايا على نحو جيد، وجعلت أجواء الرواية ممتعة ملائمة لليافعين من البنات والبنين.
وقالت صباح بشير:
يبدو أنّ مايا تفهم جيّدا ما تريد، وهي على حقّ، فالعيش مع الأجداد سعادة كبرى، ووطننا أجمل بلدان العالم وأكثرها قداسة.
هكذا كتب الأديب جميل السلحوت في روايته الجديدة “مايا” لليافعين، وهو الكاتب المدجّج بالمعرفة والثّقافة العامّة، التي تؤهّله للولوج إلى عوالم الطّفل بذكاء، والتّعاطي مع هذا العالم بأبعاده الكاملة، ومن الواضح أنه قد تبنى خطّة تربويّة، أخلاقيّة وجماليّة واضحة؛ ليطرحها من خلال أعماله لليافعين، وقد نُشر له سابقا العديد من الأعمال لهذه المرحلة العمريّة بالذّات، وإيمانا من الكاتب بأهميّة هذه المرحلة، وأن الطّفل هو النّواة الأساسيّة لمجتمع الغد، فقد ركّز في رواية “مايا” كباقي أعماله على اللّغة، كوسيلة هامّة للوصول إلى القارئ الصّغير، وذلك لإكسابه المفردات والمفاهيم التي يستخدمها للتّفكير في العالم من حوله.
من هنا فقد اختار كلماته وعباراته بعناية فائقة، وبطريقة تصويريّة معبّرة تحمل المضامين المبتغاة، أرفق النصّ بالكثير من المعلومات العامّة، التاريخيّة والثقافيّة وبعض القيم النبيلة، لتكون وسيلة لإثراء الطّفل بالمعرفة والتّجارب، والوصول به إلى متعة شعوريّة وجماليّة، تعزّز من قيم الانتماء لديه، وتحفّزه على الاستقلاليّة والتغلّب على المصاعب، ضمن رؤية هادفة تترك الأثر الطّيّب في نفسه وأفعاله، وتعلّمه السلوكيّات المقبولة، التي تساعده على السّير قدما نحو النّجاح والتّفكير الحرّ المستقلّ.
تعدّدت الأفكار وتشعّبت الرّواية، من حيث الحجم والوقائع والشخوص، الإثارة والمتعة، تنمية حب الاستطلاع والاستكشاف، وتنوّع الأحداث التي تلبّي احتياجات الطّفل، مما يحقّق عنصر التشويق؛ ويسهّل استيعاب النصّ بجوانبه الجماليّة المختلفة، كذلك عالج المؤلّف نصّه بأسلوب إيجابيّ بسيط، فاختار الموضوعات التي تحاكي الطّفل، جاعلا من أبطال روايته يسيطرون على سير تطوّرها وأحداثها، ورغم سيّر الأحداث المعاكسة التي تميّزت بترتيب معيّن، إلا أن النّهاية جاءت واقعيّة، فقد طُرحت بطريقة مقبولة، وافقت سير الوقائع التي عاشها العالم في السّنوات الأخيرة. وهكذا فقد وظّف الأديب السّلحوت أدب الأطفال في إعداد قرّائه الصغار؛ ليكونوا الجيل القادم من الكبار، وذلك بتعليمهم أفكار وقيّم تنظيم المجتمع من حولهم وتعريفهم بها، وتوفير المعلومات التي تثري طرق تفكيرهم، فيما يتعلّق بالعالم، وتشكيله بطرق مختلفة أفضل.
بقي أن أذكر أنّ أبطال هذه الرّواية هم أشخاص حقيقيّون، فالطّفلة مايا هي حفيدة الشّيخ السلحوت.
وقالت د.روز اليوسف شعبان:
يهدي الكاتب روايته لحفيداته بنات ولده قيس وزوجته مروة: لينا، ميرا ومايا، كما يهديها لجميع الأطفال المشرّدين عن أوطانهم.
يستهلّ الكاتب روايته بحلم جميل حلمته حفيدته مايا، التي تعيش مع أهلها في مدينة شيكاغو في أمريكا. والدها قيس وهو ابن الكاتب، تعلّم في الجامعة في شيكاغو وعمل هناك وتعرّف على مروة وهي تونسيّة الأصل وتزوجّها.
رأت مايا نفسها تزور فلسطين وتقضي عطلة الصيف مع جدّها جميل وجدتها حليمة، وتزور معهما الأماكن المقدسّة في القدس: قبّة الصخرة والمسجد الأقصى، كنيسة القيامة، أسواق القدس وغيرها.
تبدي مايا رغبة جامحةً أمام والديها في زيارة فلسطين، لتنام في حضن جدتها وتقضي مع جدها وجدتها وأقاربها أسعد الأوقات. يعد الأب قيس ابنته مايا بمحاولة ترتيب زيارة للقدس في عطلة عيد الميلاد كما طلبت منه مايا أسوةً بصديقتها ماليسّا وأسرتها التلحميّة، حيث سيقضون عيد الميلاد في مدينتهم بيت لحم.
لكن قيس يتعذّر عليه الايفاء بوعده، فيعد ابنته بترتيب زيارة للوطن خلال العطلة الصيفيّة، ويقوم بحجز التذاكر. في هذه الفترة ينتشر وباء الكورونا ويُمنع الناس من السفر ومن الخروج من بيوتهم، فتلغي شركة الطيران رحلاتها، وتبلغ عائلة قيس بهذا الأمر. تحزن مايا جدّا وتنتظر الفرج، لكنّ السنة الدراسيةّ تفتتح دون الطلاب حيث يتعلّم الطلاب عبر تقنيّة (زووم)، في حين لا زالت مايا تنتظر بفارغ الصبر زيارة جدّها وجدّتها في القدس.
يسلّط الكاتب جميل السلحوت في روايته على عدّة مواضيع هامّة أراد أن يوصلها لليافعين ألا وهي:
- حبّ الوطن والتمسّك في الجذور الفلسطينيّة والثوابت الوطنيّة مهما تغربنا أو بعدنا عنه. يقول العم أحمد زوج هالة جدّة مايا من أمها:” نحن الفلسطينيين تسكننا القدس ومقدّساتها حتّى وإن كنّا بعيدين عنها”. ص 14. أمّا الجدة هالة التونسيّة فتقول عن القدس:” القدس تسكن قلب كل عربي مسلم ولن يهدأ ضمير الأمّة ما دامت القدس محتلّة”. ص 14. كذلك الطفلة ماليسّا زميلة مايا وهي من بيت لحم تقطن مع أسرتها في شيكاغو، تقول لمعلّمتها حين تساءلت أين نحن من البلاد المقدّسة؟ أجابتها ماليسّا:” إذا كنت أنت بعيدة عن البلاد المقدسة فأنا قريبة منها، فهي تسكنني كونها بلادي وبلاد آبائي وأجدادي”. ص 40.:” أمّا الطفلة مايا فحبّها لوطنها وللقدس خاصّة يبدو جليّا من بداية الرواية حتى آخرها.
- سياسة التضليل والجهل التي تتبعها أمريكا لشعبها وإيهامهم أنّ المسجد الأقصى بني على أنقاض الهيكل. فنجد أنّ معلمة مايا تقول عن صورة قبّة الصخرة التي وضعتها مايا على طاولتها:” هذه صورة جميلة لجبل الهيكل”. ص 24. لكنّ مايا ردّت عليها بقولها:” بل هذه صورة مسجد قبّة الصخرة”. ص 24.وحين سألتها مايا عن الهيكل أجابت المعلمة:” الهيكل معبد يهوديّ قديم، بنى المسلمون هذا المسجد على أنقاضه”. ص 24. وبعد حوار بين المعلّمة وطلابها تقرّر المعلمة التوقف عن الحديث عن البلاد المقدسّة لجهلها فيه فيقول لنا الراوي:” تشتت المعلمة بين ما قالته ماليسّا وما قالته لينا فابتعدت عن الموضوع”. ص 41.
- وحدة الشعب الفلسطيني ، والتأكيد على هويّته وانتمائه لفلسطين، بغض النظر عن المعتقدات الدينيّة. فالكاتب يتعمّد أن يذكر على لسان مايا المسلمة أنّها زارت كنيسة المهد وكنيسة القيامة والعديد من الأديرة مع جدّيها، إضافة إلى زيارتها لقبّة الصخرة والمسجد الأقصى. كذلك الفتاة ماليسّا المسيحيّة تقول لمعلّمتها التي سألتها إن كانت مسلمة:” بل أنا فلسطينيّة عربيّة مسيحيّة. وفي وطننا فلسطين لا فرق بين مسلم ومسيحيّ”. ص 41.
- التمسّك باللغة العربيّة والتحدّث بها وقراءتها، فهي رمز بقاء أمّتنا وكياننا. فنجد أنّ قيس وزوجته مروة يعلّمان بناتهما اللغة العربيّة، ويشجعانهنّ على حفظ الأغاني مثل أغاني فيروز ومشاهدة أفلام الكرتون باللغة العربيّة.
- الحبّ الشديد من قبل الأجداد للأحفاد، والعلاقة المميّزة التي تربط الأحفاد بالأجداد. تتساءل مروة:” هل يعقل أن الأجداد يحبّون أحفادهم أكثر من أبنائهم؟ فيجيبها زوجها قيس: طبعًا فهذا أمر معروف عبر الأجيال المتعاقبة. فالمثل العربي يقول:” ما أغلى من الولد إلا ولد الولد”. ص 46.
- العلاقة الأسريّة الجميلة التي تعتمد على احترام رغبات كلّ فرد وإتاحة المجال له بالتعبير عن رأيه. فمايا رغم صغر سنّها إلّا أنّ والديها احترما مشاعرها واستمعا لها وتقبّلا حلمها بزيارتها لجدّيها في القدس برضى ومحبّة.
- يظهر الكاتب أهميّة الحوار في العمليّة التعليميّة واحترام المعلّمة لكلّ ما قالتها مايا وماليسّا عن وطنهما فلسطين وعن المسجد الأقصى وقبّة الصخرة. فمن المهم جدّا إعطاء الطالب فرصة للتعبير عن آرائه ومعتقداته حتّى لو كانت تختلف عن آراء ومعتقدات المعلّمة.
- قيمة المسؤوليّة والاهتمام بالنظافة في أمريكا. يقول الراوي:” الأعشاب الخضراء على أرصفة الشوارع تبدو منسّقة بشكل لافت، فالبلديّة لا تسمح لأحد بأن يخلّ بمنظر الطبيعة، كل إنسان مسؤول عن النظافة وعن قصّ الأعشاب المحاذية لبيته، والعناية بحديقة منزله. أما الأماكن العامّة فالبلديّة مسؤولة عن نظافتها وعن قص الأعشاب وتقليم الأشجار”. ص 20.
- اهتمام الشرطة بشكوى المواطنين وخاصّة إذا تعلّق الأمر بالنساء. فحين صرخت مروة عند رؤيتها للأفعى في بيتها، اتصل الجيران بالشرطّة ظانين أنّها تعرّضت لاعتداء، وما هي ثلاث دقائق حتى وصلت الشرطة. ص 64.
- إكساب اليافعين معلومات عن شلالات نياغرا الساحرة الواقعة بين أمريكا وكندا.
في نهاية الرواية يعترف قيس بخطأين ارتكبهما. الأوّل أنه لم يسافر مع عائلته إلى فلسطين في عطلة عيد الميلاد، والثاني أنه أخذ عائلته في رحلة إلى شلالات نياغرا في موسم الشتاء وتساقط الثلوج، الأمر الذي تعذّر عليه متابعة السفر بسبب تراكم الثلوج فعاد مع أسرته إلى بيتهم في شيكاغو.
لغة الرواية: استخدم السلحوت لغة سهلة قريبة من اليافعين، كما تخللت لغته أغانٍ معروفة لفيروز وأغانٍ شعبيّة فلسيطنيّة، إضافةً إلى الأمثال الشعبية. اعتمد الكاتب في روايته على أسلوب السرد والحوار، وحاول أن يكون موضوعيّا في سرده خاصّة أنّه يكتب عن حفيدته المولع بها والمولعة به، هذه الحفيدة التي تتمتّع بذكاء حادّ وبقدرة على النقاش والحوار والتعبير عن نفسها وعن معتقداتها.
حظيت الرواية بموتيفات الحداثة مثل: الرؤيا التي شاهدتها مايا حين زارت القدس، الأحلام والاستذكار فنجد أنّ ماليسّا تستذكر وطنها وهي في الحصّة فحين سألتها المعلّمة لماذا تبتسمين يا ماليسّا أجابتها:” أضحك على جمال ذكرياتي في البلاد المقدسة”. ص 40.
في الختام يمكن القول إنّ رواية مايا رواية جميلة لليافعين، تغرس في نفوسهم حبّ الوطن والتمسّك بالثوابت الوطنيّة، والحفاظ على الموروث اللغويّ والحضاريّ والثقافيّ، ومهما تغرّب الإنسان عن وطنه ورأى بلادا جميلة، يبقى وطنه هو الأجمل، وسيبقى الحنين والشوق للوطن يداعب قلب الإنسان المغترب حتّى يعودَ لوطنه، فلا راحة ولا سكينة إلّا داخل الوطن مع الأهل والأقارب والأحباب.
وقال الدكتور عزالدين أبو ميزر:
يهدي الكاتب روايته لحفيداته أبناء ولده قيس وزوجته مروة: لينا، ميرا ومايا، كما يهديها لجميع الأطفال المشرّدين عن وطنهم.
الأديب الشيخ جميل السلحوت غني عن التعريف بأسلوبه السلس والسهل الممتنع وأكبر دليل أنك من قراءة أول صفحة تشدك باقي الصفحات إليها بشوق شديد وإن اختلفت معه أحيانا في رأي أو وجهة نظر. وقد قرأنا له الكثير الكثير وفي مختلف المجالات.
ورواية مايا كما عنونها هو وصنفها تختلف عما كتب من روايات فهي رواية خاصة بشخوصها المكونة من عائلة وصهرين مسلمين وعائلة نصرانية صديقة. والأسماء حقيقية وليست من نسج الخيال
وتدور أحداثها بين القدس وبيت لحم كمقدسات وبين شيكاغو كبلد اغتراب
وشلالات نياغارا كمكان نزهة في غير موعده.
وهذه أول رواية للأديب تبدأ بحلم (وهوالخيال الوحيد في الرواية) والذي لم يتحقق لأسباب ذكرها كأحلام الفلسطينيين وبوعد لغيرهم قد تحقق ولكن الأمل الحقيقي والاصرار الموجود في الرواية يقول أن الحلم قريبا سوف يتحقق وأن الوعد الذي ظنناه تحقق هو وهم ويزول.
قلنا إن الرواية عائلية بشخوصها، ورأس هذه العائلة هو كاتب الرواية نفسه، ولكنها رواية متنوعة وعميقة في معانيها.
تحدث عن الوطن وما يعنيه للمغترب
عنه قسريا وتحدث عن القدس وما تعنيه فى نفس وعقل كل مسلمي ومسيحيي أهل فلسطين المغتربين وغير المغتربين وتحدث بشغف عن الشوق والحنين وتعلق القلوب بوشائج الحب لهذه المقدسات.
وتحدث عن الاحتلال الغاشم وما يرتكبه من جرائم بحق الفلسطينيين
وقارن بين السكن والوطن.
وبين بشكل جميل التآلف الأسري وكيف هو حب الأجداد للأحفاد بكلمات تخرج من القلب لتقع في القلب بصدق وعفوية واعية.
وصحح مفاهيم مغلوطة ركبتها الآلة الإعلامية عن سبق إصرار وترصد ومغالطة مقصودة.
وأظهر ما يجب أن يكون عليه اليافع من فطنة ومعرفة وحب للتساؤل لكسب المزيد من المعرفة وبناء الشخصية بالإقناع القائم على الحجة والبرهان ولا يعتمد الكذب والتضليل.
كل ذلك بكلمات كلها صدق وإحساس مرهف حسب حالة ما ومن يصف.
وانتقل بنا إلى رحلة الصيف في الشتاء وكعادته فهو دقيق الوصف في أدب الرحلات ويجعلك تعيش مع المسافر مرافقا محببا اليه وليس دخيلا عليه ذاكرا الولايات والمدن التي عبرها المسافرون من شيكاغو إلى الشلالات وأهم المعالم والتواريخ.
الرواية رائعة بشخوصها رائعة بدقة وصفها رائعة بما آلت له من استنتاجات بعد العرض وكان كاتبنا موفقا في كل ذلك. بلغته السهلة والتي تندر فيها الأخطاء لغوية او مطبعية.
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
القارىء لرواية”مايا”يجد نفسه أمام سرد تسجيلي واقعي بكل حذافيره، بداية من العنوان الذي يحمل اسم حفيدة الأديب جميل السلحوت الطفلة مايا في الصف الخامس، وهي البطلة التي تسكن مع عائلتها في شيكاغو حيث تلفت القارىء بشغفها لزيارة وطن والديها في فلسطين، وحين يتم موافقة الأهل وتحديد موعد الرحلة،تباغتهم الكورونا وتلغى الرحلة.
هل الرّواية تحاكي هموم اليافعين ومشاكله؟ لا…لا أجد ذلك في الرّواية، إذ أنّ موضوع الحنين وحب الوطن المطروح في الرّواية لا ينحصر عند اليافعين وهو ليس بمشكلة، الحنين يخص كلّ مراحل العمر حتى نهايته، فالشوق الجارف لزيارة الوطن، هو حالة يصاب بها كلّ مغترب عن بلاده، وبالنسبة للمفاهيم المهمة التي طرحها الأديب السلحوت والتي يتداولها الاحتلال”كجبل الهيكل” بدل قبة الصخرة، والتي جاءت كتوعية وإشارة حمراء لمن يحاول المساس وتزييف الحقائق، هي أيضا لا تخص فقط اليافعين،بل عامة، وهي لا تنحصر عند اليافع الفلسطيني المغترب، بل هي تتردد على مسامعنا يوميا في الوطن، وتسبب لنا الإزعاج خاصة في عملنا عند المحتل. جاءت النهاية بحلول الكورونا وعدم مقدرة عائلة مايا السفر إلى القدس بسبب الإغلاقات، وقد تمّ عرض النهاية بصورة عاجلة كخبر تقريري.
يمكن القول أن الرواية هي سرد يحث على التوعية والثقافة والتمسك بجذور الوطن، وتبرز العلاقات الطيبة الجميلة بين الأحفاد والأجداد، مع الاشارة إلى أنّ الأديب لم يتطرق لهموم اليافعين الخاصة.
غلب الحوار بكثافة على حساب تطور الشخصيات والحبكة التي كانت ضعيفة.
أسلوب الأديب_إن القارىء لكتابات السلحوت يعرف مدى تمسك الأديب في ترسيخ التوعية عند القارىء بشكل كبير، وفي هذه الرواية نجده يبرز المعلومات الثقافية والتراثية،(شلالات نياغرا،الأغاني الفيروزية،اليوغا،سمك المسجوف العراقي )،والمعلومات العامة التي تتعلّق بخاصية القدس وفلسطين كالأماكن المقدسة.
استخدم الأسلوب الواقعي،وحقيقة جميع الشخصيات،أسماء عائلة الأديب السلحوت. زوجته وأحفاده والعائلة في أمريكا.
جاء السرد بلغة سهلة مفهومة،استخدم الحوار باللغة والأمثال كما اعتدنا في معظم كتاباته،”شرّ البلية ما يضحك”،الجائع” ياكل الضب اللي سلّم ع الرّب”.كما واستخدم الوسائل التقنية للاتصالات بين الدول “سكايب”ح لتتمكن عائلة مايا من الحديث مع الاهل في القدس.
وقالت دولت الجنيدي أبو ميزر:
رواية مايا رواية جميلة كتبها الأديب جميل السلحوت باسم حفيدته مايا هذه المرة، وهو الذي عودنا أن يكون أحفاده أبطال بعض رواياته وقصصه. وبطلة روايته هذه هي حفيدته مايا الطفلة الذكية المهتمة بدروسها والمعتمدة على نفسها في دراستها والمحبة لأهلها، خاصة جدها جميل وجدتها حليمة والتي تعيش بعيدة عنهما في شيكاغو وهم في القدس. وقد أهدى هذه الرواية لها ولأُختيها لينا وميرا ولجميع أطفال العالم المشردين من أوطانهم.
كتب هذه الرواية كما يكتب دائما بأسلوب سردي سهل وجميل، يحبّه القارئ ويتابعه بشغف واهتمام عن حلم مايا بزيارة جدها وجدتها لأبيها في القدس، وقضاء العطلة الصيفية عندهما، ومرافقتهم في زيارة الأماكن المقدسة، وعن شوقها وحنينها لهما والعلاقة الروحية بينها وبينهما. وطلبها من والدها السفر الى القدس مثل مليسا التلحمية وأهلها الذين سيزورون اهلهم في بيت لحم. ووعدها والدها بذلك، ولكنه لم يتمكن من الوفاء بوعده. ويجدد وعده لها ليأخذها في العطلة الصيفية هي وشقيقتيها ووالدتهما، ولكن التذاكر التي حجزها لهم ألغيت بسبب جائحة كورونا وإغلاق المطارات.
وللتخفيف من غضبها اصطحبها وأمّها وأختيها في رحلة إلى شلالات نياغرا بين أمريكا وكندا.وهنا يصف لنا الكاتب الطريق من شيكاغو إلى الشلالات، ويصف لنا الشلالات وصفا جميلا دقيقا يشعر القارئ أنّه معهم في الرّحلة، ولكنهم عادوا إلى شيكاغو بسبب الثلوج.
من خلال هذ الرواية يقدم الأديب جميل السلحوت رسائل تربوية ووطنية للأطفال ولغيرهم .
أولها أن الوطن أغلى ما يملك الإنسان مهما تغرّب أو بعد عن وطنه، ودور الأهل في تعليم الأولاد وتثقيفهم؛ ليبقوا على اتّصال روحي وعاطفي وثقافي مع الوطن الأمّ ومع الأهل؛ ليستطيعوا مواجهة أيّ ادعاءات مضلِّله ضده مقصودة أوغير مقصودة. وزيارته في كل فرصة سانحة وزيارة أماكنه المقدسة مثل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والجوامع والكنائس والأديرة في القدس، وكنيسة المهد في بيت لحم، وتعليمهم أن هذه الأماكن جزء من عقيدتهم الدينية، ويحدثونهم عن العلاقة المتينة بين المسلمين والمسيحيين. وحثهم على زيارة المدن الهامة في فلسطين مثل يافا وحيفا وعكا وجميع مدن فلسطين، وحتى مدن الدول المجاورة مثل عمّان والسلط وجرش وغيرها في الأردنّ، وعن العلاقة بين الأردن وفلسطين، وأن بعض الجنود الأردنيين استشهدواعلى أسوار القدس وهم يشاركون في الدفاع عنها ودفنوا فيها. وكذلك المدن الهامة في بلدان أخرى مثل قرطاج وتونس العاصم وبنزرت وغيرها في تونس. وان كل الشعوب العربية تحبّ فلسطين والفلسطينيين.وهذه ثقافة ضرورية للطفل المغترب، ليدعم انتمائه لوطنه وولشعبه ولأمّته.
وثانيها أهمية العلاقة الأسرية ودور الأهل بالإهتمام بالأطفال ومشاعرهم وأحاسيسهم وتثقيفهم لصقل شخصياتهم، ودور الأب والأمّ في تربية الأطفال والتعاون فيما بينهم للقيام بذلك وتعليمهم اللغة العربية ومساعدتهم على فهمها بسماع الأغاني ورؤية أفلام الكرتون العربية.
ثالثها جعل الأطفال المغتربين وغيرهم على علاقة وطيدة مع جميع أهلهم مهما بعدت المسافات، ووضع العودة نصب أعينهم، والعمل على ذلك؛ ليبقوا على اتصال روحي وعاطفي مع الوطن والأهل، ولأن هؤلاء الأطفال سيصبحون آباء وأمّهات.
وقال عفيف قاووق:
رواية “مـايـا” للكاتب الفلسطيني جميل السلحوت، والتي يتوجه بها لليافعين ويُهديها لحفيداته الغائبات عنه “لينا، ميرا و مايـا”. ونكتشف بسهولة أن شخوصها هم فعلا حفيدات الكاتب، وكأن الرواية جاءت لتسجل وتتخيّل بعض يوميّاتهنّ وأحلامهنّ خلال إقامتهنّ في ديار الغربة وتحديدا في أميركا. رواية كُتبت بلغةٍ سهلة وبجملٍ صغيرة وبسيطة وحوارات تلقائية بعيدة عن أي تعقيد؛ لتناسب مستوى وإدراكات أجيالنا اليافعة. هذه الرواية أرادها الكاتب صلة تواصل مع الفتيّة المنتشرين في ديار الإغتراب وجسر عبور لهم إلى الوطن الأمّ من خلال تزويدهم بشحنةٍ تذكيريّة عن فلسطين وفرادتها وجرعة حنين؛ كي يبقى هذا الوطن حيّا في قلب وعقل كل فلسطيني أينما وجد، وإلى أي فئة عُمريّة إنتمى. بداية موفقة وفريدة إفتتح بها جميل السلحوت روايته، وهي الحلم الذي عصف بمايا وجعلها تتخيل أنها أمضت عطلتها الصيفيّة في فلسطين مع جدّيها جميل وحليمة، هذه الرؤيا المُتخيّلة إذا أردنا تفسيرها، أمكننا القول أن حقّ العودة والحلم به لا يزال يقُض مضاجع الكُلّ، ويُبقيه القاسم المشترك والجامع لكافة الأجيال الفلسطينية المتعاقبة مهما طال إغترابها وإنتشارها في بقاع العالم. ألم يقل العم أحمد “نحن الفلسطينيين تسكننا القدسُ ومقدّساتُها حتّى وإن كنّا بعيدين عنها”، لتعقب زوجته التونسية هالة قائلة: “القدس تسكن قلب وعقل كلّ عربي ومسلم، ولن يهدأ ضمير الأمّة ما دامت القدسُ محتلّة”(ص14). في رسالته إلى اليافعين ومن خلال هذه الرواية أضاء الكاتب على عدة مواضيع ونقاط وإن كانت هذه الإضاءة جاءت أحيانا بشكل عابر دون الإسترسال والتوسع فيها، فأتت مخفّفة وسهلة الهضم في ذهن القارىء اليافع. ومن هذه النقاط والمواضيع نذكر ما يلي:
- ضرورة التشبث بالوطن: لأجلِ تعريف الجيل الجديد المُغترب والمتواجد بعيدا عن القدس وفلسطين بعظمة هذا الوطن ومقدساته، أسهب الكاتب في توصيف الأماكن والتغني بفلسطين وجمالها كما عبرت السيدة هالة جدّة مايـا لأمّها إذ تقول: ” فلسطين ساحرةٌ يا أمي فهي عبارة عن متحف كبير، أرضها خصبة يزرعونها بمختلف أنواع الخضار والفواكه، فتبدو جنّة الحياة ّ الدنيا، وجوهرتُها القدس تحوي أقدس مقدسات المسلمين والمسيحيّين، من يشرب من ماء القدس سيحنّ إليها دائما”. كذلك فقد تطرق الكاتب إلى بعض أماكن العبادة لكلا الديانتين فتحدث عن المسجد الأقصى المبارك الذي يجاور كنيسة القيامة في القدس، وأيضا كنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة العذراء في الناصرة، إضافة إلى بعض المساجد التاريخية كمسجد الجزّار في عكّا وجامع حسن بيك في يافا، وغيرها من الأماكن الأثرية والتاريخية مثل سور القدس، الذي لا يوجد له مثيل في أي مدينة في العالم..ليس هذا فحسب، فقد تجسد الإنتماء الوطني لدى كلّ من مايا وزميلاتها في ردهنّ على سؤال معلمتهنّ حول جنسيتهنّ فكان جواب ماليسّا ” أنا فلسطينيّةٌ من بيت لحم أحمل الجنسيّة الأميركيّة، وزميلتها لينا قالت: ” وأنا مثلها عربيّةٌ فلسطينيّةٌ مسلمةُ من القدس وأحمل الجنسيّة الأميركيّة،(ص41).
- التضليل الإعلامي الغربي والأميركي: هذا التضليل كان حاضرا في هذه الرواية من خلال الحوارألذي جرى بين معلمة المدرسة والتلميذتين الفلسطينية مايا والأردنيّة عُنود، عندما إدّعت المعلمة أن صورة مسجد قبّة الصّخرة التي بحوزة مايا ما هي سوى “صورةٌ جميلة لجبل الهيكل، وهو معبد يهودي قديم بنى المسلمون حسب زعمها هذا المسجد على أنقاضه، فإنتفضت الفتاتان لتؤكدا أنّ هذا هو مسجد قبّة الصّخرة وهو المكان المقدس منذ القدم ولا صحة لمزاعم المعلمة التي وجدت نفسها مضطرة لإنهاء الحوار والعودة إلى الدرس.
- التذكير بممارسات الإحتلال: لم تخلُ أية رواية فلسطينيّة من التطرق لموضوع الإحتلال وممارساته القمعية، وهذا ما تناولته رواية مايا، لأجل بث الروح الوطنية والتضامن مع فلسطينيي الداخل، وتصف مايا هذا الإحتلال بأنه “إحتلال وحشي يسيطرعلى وطننا بقوِة ّ السلاح، يقتلُ ويدّمرُ ويعتقلُ، لقد رأيتهم بعينيّ وهم يدخلون المسجد الأقصى المبارك ويعتدون بالضّرب على المُصلّين، كما رأيتهم وهم يعتدون بالضّربِ على المارّة عند باب العامود. (ص23).
- وحدة الشعب الفلسطيني: مثلما تجاورت كنيسة القيامة مع المسجد الأقصى في القُدس كذلك فإن الشعب الفلسطيني بمختلف أطيافة متمسك بوحدة المصير والتعاضد والتكافل فيما بينه، وهذا ما تجسده الرواية من خلال العلاقة المتميزة بين مايا وصديقتها ماليسّا من بيت لحم، وأيضا العلاقة الأسرية بين عائلة مايا المسلمة وعائلة جارها التّلحميّ داود عيىسى وزوجته عبير. فالتنوع الدينيّ مصدر غنى ووحدة للشعب الفلسطيني حيث الأماكن المقدسة في فلسطين يرتادها الجميع المسلم والمسيحي، تقول مايا “جدي جميل وجدتي حليمة حدثاني كثيرا عن القدس ومقدّساتها، وزرت وإياهم القدس عدة مرات، صلينا في مسجدها الأقصى وزرنا كنيسة القيامة (ص16). أمّا زميلتها ماليسّا فقد أجابت معلمتها عندما سألتها إن كانت مسلمة قائلة:
” بل أنا فلسطينيّة عربيّة مسيحيّة، وفي وطننا فلسطين لا فرق بين مسلم ومسيحيّ”(ص41). وأيضا زميلتهما الأردنية عنود تقول مؤكدة:” أن َالمسجد الأقصى هو ثالث الحرمين، ومعراج خاتم النبي، وأن َ كنيسة المهد في بيت لحم من أقدس مقدسات العالم المسيحي ففيها ولد نبيّ الله عيىس بن مريم عليه السلام، كما أن كنيسة ِ القيامة في القدس لا تقلّ قداسة ففيها قبر السيد المسيح، (ص36).
- التكامل الأردني الفلسطيني: إشارة ولو عابرة تطرقت إليها الرواية؛ لتأكيد التكامل أو التوأمة بين الشعبين الأردني والفلسطيني، وإلى قرب المسافة بين الضفتين الشرقيّة والغربيّة لنهر الأردن، وتستذكر الفتاة الأردنية عنود العدوان وهي زميلة مايا في المدرسة إذ تقول:” بكى جدّي وهو يروي لنا بفخر عن استشهاد ابنه البكر عمّي أحمد، الذي استشهد على أسوار القدس في الحرب، وأنّه ُ دِفَن ِ في مقبرة باب الرّحمة دون أن يراه والداه (ص22 ). وعن التقارب الجغرافي ما بين الأردن وفلسطين تقول عنود العدوان نقلا عن جدها: ” هذه مدينة أريحا، لولا الإحتلال لصلّينا صلاة الظّهر في المسجد الأقصى فهو لا يبعد عنّا أكثر من نصف ساعة في السّيّارة، فتجيبها مايا: عندما زرنا أريحا قال لنا جدي جميل وهو يشير إلى الضفة الشرقية إن مدينة عمّان تقع على تلك المرتفعات ولولا الإحتلال أيضا نصل إليها بأقل من نصف ساعة. هذه النقاط التي يمكن إستخلاصها في الشق الفلسطيني أو العربي من الرواية، وإذا إنتقلنا للشق الأميركي منها فإننا نسجل النقاط التالية: لمحة تعريفية موجزة عن شلالات نياغارا: أثناء رحلة عائلة مايا برفقة الأهل لقضاء عطلة الميلاد ورأس السنة، تطلعنا الرواية على أهمية موقع شلالات نهر نياجرا الواقعة على الحدود الأميركيّة الكنديّة، حيث يبلغ ارتفاعها 54 مترا في الجانب الكنديّ و56 متّرا في الجانب الأمريكي وأن ضفّة ّ النّهر الشّماليّة تقع في الجانب الكندي، والضّفة الجنوبية تقع في الجانب الأميركي، وتم استغلال ُالمنطقة بطريقة رائعة؛ لتكون منطقة جذب ّسياحي لما تحتويه من مطاعم ومحلاّت سياحية(ص80). النظام العام وتعامل الشرطة مع المواطن: أشارت الرواية إلى حسن التنظيم وتنسيق الشوارع والممرات، فخلال ذهاب مايا إلى مدرستها لاحظت كيف أن ” الأعشاب الخضراء على أرصفة الشّوارع تبدو منسًقة بشكل لافت، ولا يُسمح لأحد أن يُخلّ بمنظر الطبيعة، وكل إنسان مسؤول عن النّظافة وعن قص الأعشاب المحاذية لبيته، أمّا الأماكن العامة فالبلديّة هي المسؤولة عن قص الأعشاب وتقليم الأشجار التي تزيّن الشّوارع. هذا في الشأن البيئي، أمّا لناحية التعامل مع المواطنين وتحديدا مناصرة الشرطة للنساء بشكل عام فقد قدمت الرواية لنا نموذجا عن هذا الأمر، عندما خافت مروة والدة مايا من أفعى الحدائق وصرخت بصوت عال ظنّ جيرانها أنها تتعرض للتعنيف، فاتصلوا مباشرة بالشرطّة التي حضرت بسرعة لمعرفة حقيقة الأمر والتأكد من عدم تعرضها لأي أذى أو عنف من قبل الزوج، (ص 64 ). الإنتشار العربي في دنيا الإغتراب: تطرقت الرواية الى حجم الجاليات العربية في أميركا وتحديدا في ولاية ميتشغن ومدينة ديترويت التي تضم أكبر جالية عربية، كما أن الجالية الفلسطينية موجودة بشكل لا بأس به مثلا نجد أغلب عائلة قيس والد مايا موجودة في أميركا، يقول قيس مخاطبا إبنته:” سنزور شلالات نياجرا، وبعدُها سنزور ولاية لويزيانا، وسنلتقي بعَميّكِ داود وابنه علاء، وبعمّكِ راتب وزوجته فلسطين وأبنائه أمينة، ضرغام وحسين، كما سنلتقي ّ بعمّتِك فاطمة وابنها محمّد. ختاما لا بد من التوقف والسؤال لماذا لم يحقق الكاتب جميل السلحوت حلم مايا بالعودة إلى فلسطين؟ وأبقاها في أميركا بعد أن جعل من جائحة كورونا التي عصفت بالعالم والتي أوقفت معظم الرحلات الجوية حائلاً دون ذلك، أم ان حُلم العودة لا يزال بعيد التحقّق ؟ وسأختم بالآية الكريمة ” إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا”.
وكتبت فاطمة كيوان:
محاور القصة:
- مفهوم الوطن لدى أبناء الجالية العربية بالشتات.
بكل ما يحوي من معتقدات ومقدسات وآثار.
2- محور العائلة وعلاقة الأجداد بالأحفاد، فهم من يصنعون لنا الحياة بكامل أدوارها من بطولات وانتصارات وهزائم وانتكاسات أحيانا.
كذلك اللغة كمحور أساسي للحفاظ على الهوية والانتماء للوطن.
وأهمية الأماكن من حيث التاريخ والمقدسات وحتى البيئة وجمال الطبيعة.
هذه المحاور كلها تطرق اليها الكاتب الشيخ جميل في روايته مايا لليافعين، والتي أهداها لحفيداته، وبطلتها حفيدته الصغرى مايا ابنة الصف الخامس القاطنة مع والديها قيس ومروة وشقيقاتها لينا في مدينة شيكاغو في أمريكا اثر انتهائه من الدراسة وزواجه بمروة واستقراره هناك، شأنه شأن العديد من أبناء الأسر العربية الذين خرجوا للتعليم، واستقروا في الغربة؛ ليحاولوا شق درب النجاح والمستقبل، لكن الوطن بقي راسخا في وجدانهم وقلوبهم وأورثوا هذا الحب لأبنائهم، فلا يمكن نسيان الوطن الأمّ الذي ولدوا وعاشوا وماتوا فيه ( 67).
وهذا طغى على الأحداث والحوار وكان بمثابة رسالة موجهه للأبناء في الشتات للعودة إلى وطنهم، وأن علينا أن نبقى نسكنه ويسكن قلوبنا مهما بعدت المسافات. فالإنسان المغترب يحمل همّه حين يعتدى عليه وعلى أبنائه ويشعر بالغصة (ص 38)، ويفرح حين يزوره ويسعد بأحضانه ويتنقل بين ربوعه وبلدانه ومقدساته التي يرتبط بها وجدانيا بعمق، فالوطن عامة والقدس خاصة أرض الديانات وبلد المقدسات. فحضرت في القصة الكنيسة في القدس وبيت لحم كما حضرت القبه والمسجد. فتعدد ذكرها بأكثر من صفحة وعلى لسان مايا تارة، وتارة أخرى على أسنة الأخوات والأهل وجاء صفحة (40) في إجابة ماليسيا للمعلمة:
” إذا كنت أنت بعيدة عن البلاد المقدسة فأنا قريبة منها.. هي تسكنني كونها بلادي وبلاد آبائي”
وفي صفحة 26 تتحدث مايا عن أهمية المقدسات والرموز الدينية، فهي تحمل الصور في قلبها وحقيبتها معا. وفي حوارها مع المعلمة حول الصور حين قالت المعلمة عن قبة الصخرة أنها الهيكل فكان رد مايا قاطعا أنها مسجد قبة الصخرة، ولا وجود للهيكل مما اضطر المعلمة للانسحاب بلباقة من الموضوع.
وكل هذه الأحداث صورت على أنها حلم حلمت به مايا، فزارت الوطن فلسطين وبيت جدها ونامت بين أحضانهم.
أمّا الغرض النبيل الثاني الذي تناولته القصة فهو اجتماعي – محور العائلة وعلاقة الأجداد بالأحفاد. وهو موضوع عالجه الكثير من الأدباء، لكنه يبقى من ركائز عناصر التواصل وتعزيز الود والتلاحم في الأسرة.
فالمثل العربي يقول: ما أغلى من الولد الا ولد الولد
والمثل الإغريقي: ص46.
“ابنك ولدته مرة وحفيدك ولدته مرتين”
فالكاتب يشعر بالشوق والحنين للأحفاد ولأبناء؛ ليعانقهم ويروي لهم الحكايات عن طفولته الشقية ما بين الأشواك.
الجدة حليمة تتراكض للرد على الهاتف والسكايب؛ لتروي قلبها برؤية الأحباب. أمّا مايا فتؤكد أمام والديها أن جدها وجدتها يحبانها أكثر منهما، وأنها حين تزورهم في بيتهم بجبل المكبر ستنام بين أحضانهم.
وتؤكد لوالديها ذلك بسؤالها للجدة بذكاء ص 30 ان كان ذلك ممكنا أم لا؟ فتجيب الجدة بنعم وليس فقط بل داخل عينيها. فالأجداد هم مرسى الدفء والأمان للأحفاد. ومركز العلم والمعلومات أيضا يثري الصغار بالحكم والمواعظ والأغاني والحكايات.
برع الكاتب الشيخ جميل المتمرس بالكتابة والضليع بفن القصة بجذب انتباه القارئ بسلاسة اللغة من خلال الحوار ما بين الشخصيات عامة مثل قيس ومروة والبنات مايا ولينا. وحتى ماليسيا والمعلمة ، ومايا وزميلاتها بحوار ذكي؛ ليرسل لنا دلالات حول المشاعر الانفعالات للشخصيات حين يتم الحديث عن الأماكن والمعتقدات والمقدسات. بذوق وبراعه في الحبك القصصي يجذب ذوق اليافعين ويستقطبهم لاتمام القصة.
وظف الأغاني والأشعار بشكل جيد من حيث المضمون والكلمات واللحن .. فكان انتقاؤه رائعا وملائما لذوق فئة الهدف.
خاصة أن لغة الرواية جاءت بالفصحى..بعيدة عن العامية المحكية وبهذا تصل إلى القارئ الوطن العربي مهما اختلفت لهجاته. وفي القصة أيضا تنويه لأهمية الحفاظ على اللغة الأمّ العربية واتقانها خاصة لو كنت مغترب وفي الشتات من أجل الحفاظ على كينونتك وأصلك .
وكالعادة في معظم كتاباته يأخذنا السلحوت للأماكن داخل الوطن بما فيها من جغرافيا وآثار ومقدسات وغيرها. فهنا يأخذنا للقدس وبيت لحم بما فيهم من مساجد وكنائس وأديرة ومعابد وأسواق . ويستطرد للعلاقات الإنسانية ما بين الطوائف .. والمناخ الاجتماعي كذلك لعناصر البيئة والطبيعة في شيكاغو وطريقة الحياة.. النظيفة المرتبة الهادئة البعيدة عن الضجيج والمليئة بالخضرة والحياة.. ويأتي بمثال عن الأفعى غير السامة التي تلعب معها ابنة قيس ميرا. في الحديقه وتدخلها البيت، ثم عن علاقة الحكومة بالمواطنين وعن خوف الجيران على بعض وحرصهم على بعض حين سمعوا صراخ في بيت قيس فاستدعوا الشرطة ليتبينوا الأمر.
كذالك يأخذنا لجولة في أحضان الطبيعة لشلالات نياغارا الساحرة بمناظرها وموقعها من خلال جولة لأسرة قيس ليلة رأس السنة، وكم كان الطقس باردا ومثلجا؛ لينوه لنا باختيار الوقت المناسب صيفا لزيارتها. حيث اعترف قيس بخطئه بالتوقيت.
أنهى الكاتب قصتة بالحديث عن جائحة كورونا والتي كانت سببا في حرمان عائلة قيس من زيارة الأهل؛ ليلتقي الأجداد بالأحفاد وتأثيراتها الاجتماعية والنفسية عامة.. واعتراف قيس للمرة الثانية بخطئه بعدم إرسال مايا مع جيرانه في رحلة للوطن عشية رأس السنة الميلادية، وهي التي بادرت بالفكرة ليتبناها أهل ماليسيا.
وقال عبدالله دعيس:
تبدأ رواية مايا للأديب جميل السلحوت برؤيا جميلة للوطن وتنتهي بحرمان من رؤية الوطن، ويعيش الوطن في كلّ صفحة من صفحات الرّواية، وكأنّه هو الغائب عن العيون الحاضر في القلوب؛ فارتباط الفلسطينيّ بأرضه قويّ حتّى لا يكاد ينفصل عنها بوجدانه وإن ساقه القدر ليعيش بعيدا في بلاد الغربة. وهذا الحبّ والارتباط بالوطن ينتقل إلى الأبناء الذين ولدوا في بلاد الغربة، لكنّهم يرضعون حبّ الوطن مع لبن إمهاتهم، ومع حكايات آبائهم وأجدادهم، فيحبّونه وكأنّهم نشؤوا وترعرعوا فيه.
يختار الكاتب أن يحكي عن عائلته التي تعيش في أمريكا، وينقل يومياتهم، ليعطي لليافعين صورة مغايرة عن الغربة وعن الحياة خارج فلسطين، فوجود الاحتلال في فلسطين ينغّص حياة الفلسطينيّين ويضيّق عليهم ويشعرهم بالمرارة، لكنّه لا يقلّل في حال من الأحوال ارتباطهم بوطنهم، وحبهم له وتشبّثهم في الحياة فيه مهما كانت الصّعوبات، أمّا من اضطرّ لمغادرة البلاد، وربما عاش في بحبوحة من الرزق في المهجر، فلا يجد لذّة الحياة إلا بذكر وطنه، وتعيش روحه في أكناف الوطن وإن ابتعد الجسد عنه.
يتعرّض الكاتب إلى نظرة الأطفال الذين ولدوا خارج البلاد إلى وطنهم الأمّ وارتباطهم به. فهل فعلا يشعر هؤلاء بكلّ هذا الحبّ لوطن آبائهم؟ وهل ارتباطهم به يفوق ارتباطهم بالبلاد التي نشؤوا فيها وتقبلتهم وآوتهم؟ وما شعورهم حين يدركون أنّ الغرباء هم سادة بلادهم، يطاردونهم ويضيّقون عليهم سبل العودة أو العيش الكريم في بلاد آبائهم؟ قد تشكل هذه الازدواجيّة في الانتماء معضلة لدى بعض الأبناء، فينطلق بعضهم للعيش في البلاد التي لم يعرف غيرها دون أن يلقي بالا لحكايات الآباء عن وطن بعيد لا يعرف عنه شيئا، أمّا الآخرون فيرتبطون وجدانيا بوطنهم الأمّ ويرسمون صورة مثاليّة له في أذهانهم، ويدافعون عنه بكلّ قوة وكأنهم جزء أصيل منه.
اختار الكاتب أن يتحدّث عن الصّنف الثّاني فقط، وجعل القدس وبيت لحم وما فيهما من أماكن مقدّسة، محور حياة الأطفال العرب الذين يعيشون في شيكاغو، وأراد بذلك أن يرسل رسالة إلى الأطفال في فلسطين، بأنكم محظوظون بوجودكم في بلادكم مهما كانت صعوبة العيش في ظل الاحتلال، وأن يعزّز الانتماء للوطن لدى الأطفال أبناء المغتربين.
تظهر شخصيّة الكاتب بقوّة في أحداث الرواية، وتطغى مشاعر الحبّ للأبناء والأحفاد والشّوق للقائهم على الرّواية، وإن كانت الرّواية موجّهة لليافعين وتتحدّث بلسان الأطفال، إلّا أنّ لغة الجدّ وحكمة الكبار تطغى على أحداثها، وكأنّ القارئ اليافع يستمع لجدّه يكلّمه بكلّ حبّ وحنان وعاطفة جيّاشة عن وطنه البعيد. وكعادة الكاتب يعرّف قرّاءه ببعض الأمثال الشعبيّة وحكايات من طفولته، ثمّ يجعل الأطفال يستمعون لأغاني فيروز. وهنا لا نستطيع أن نفصل بين شخصية الكاتب وشخصيات الأحفاد في الرّواية. فهل فعلا يمكن أن تكون هذه الأمور هي محور اهتمام الأحفاد وأسلوب حياتهم؟
لغة الكاتب سهلة سلسة مناسبة لسن اليافعين، لكن الرّواية تفتقد للأحداث المثيرة والخيال الجامح الذي ينتظره اليافعون ويرفع عنصر التشويق لديهم، وتأتي رحلة العائلة إلى شلالات نياغارا في فصل الشتاء لتضيف نوعا من التشويق والتّرقب، وتعطي معلومات كثيرة عن جغرافيّة أمريكا، وهي امتداد لأدب الرّحلات التي برع فيه الكاتب، لكنّها لا تخرج الرّواية كثيرا عن رتابتها وتسلسل أحداثها. أما نهاية الرّواية فهي مفتوحة تمهّد لفصل آخر يزور فيه الأحفاد فلسطين، ويرون ما كانوا يسمعون عنه ويختبرون ما حُدّثوا به.
وكتبت وفاء بياري:
رواية ممتعة مشوّقة كتبت بلغة سهلة مناسبة لليافعين ولجميع الأعمار من هواة القراءة والمطالعة.
— تحمل الرواية بين طياتها وسطورها العديد من القيم والمعاني التربوية الوطنية والإنسانية والمعرفية.
— شخوص الرواية هم في الواقع حقيقيون بوجودهم وأسمائهم .. كالأجداد الأفاضل الجد جميل والجدة حليمة، وأبنائهم من بينهم قيس وزوجته مروة وبناتهم لينا وميرا ومايا، المغتربون في شيكاغو وكذللك جيرانهم التلحميين “بيت لحم” داوود وعبير وابنتهم ميلسا والجدّة هالة التونسية وبناتها مروة وصفاء والعم احمد وغيرهم.
– يسلط الكاتب الضوء في روايته على الطفلة (مايا) تلك الطفلة الذكية الخلوقة المحبة لوالديها وأجدادها، ولوطنها الأمّ فلسطين ومدينة القدس مسقط راس والدها قيس وجديها في جبل المكبر.. ومدى تعلقها بهذه المدينة الساحرة والوطن الجميل بكل تفاصيله.
– ص 15 في الحديث الذي دار بين مايا وجدتها هالة التونسية والمفارقات بين مدينة قرطاج ومدينة القدس، فكلتاهما من المدن القديمة والجميلة بعمرانها وتفاصيلها، إلا أن مايا خاطبت جدتها قائلة بأن”في القدس أشياء لا توجد في غيرها من مدن العالم تماما مثلما لاتوجد مدين تشبه القدس” حيث بدأت بتعداد معالمها الدينية والتاريخية غير الموجوده لا في قرطاج ولا في أيّ مدينة من مدن العالم.
– تأثير حكايا الأجداد للأحفاد عن القيم النبيلة المتمثلة في حب الوطن والتعلق به .. وانعكاس ذلك بالإيجاب على عقلية الأحفاد وترسيخها في ذهنهم. كحديث الأجداد جميل وحليمة لحفيداتهم عن مدينة القدس وعظمة تاريخها ومقدساتها، وأسواقها وأسوارها وروعة سكانها وهوائها .. إلخ بل واصطحابهم للحفيدات لزيارة تلك الأماكن السياحية لتعزيز قيمة حب الوطن فيهم.
– جاء في الرواية توجيه للتلاميذ القراء خصوصا المغتربين منهم لالتقاط الصور التذكارية في الأماكن المقدسة في القدس وغيرها من مدن فلسطين، فذلك فيه تذكير دائم للأطفال المغتربين بوطنهم الأمّ، وحديثهم لزملائهم عنه عند التقائهم في ساحات المدارس.. كتبادل أحاديث كل من مايا وأخواتها مع جيرانهم التلحميين وزميلتهم عنود التي يقطن أجدادها في الأردن، وهم من أصول أردنية وأحاديثهم المشوّقة عن القدس وفلسطين، سواء من خلال سماعها من قبل الأجداد أو من خلال تكرار الزيارات المباشرة لها .. وعن ذاك التبادل الثقافي والمعرفي حول زيارة مدن فلسطينية من قبل مايا وأخواتها، وزيارة أماكن ومدن تاريخية في الأردن من قبل عنود .. فهذا التبادل الثقافي بين الزملاء يثري المعرفة لدى كل منهم.
– جاء في الرواية ذكر للعديد من المعالم التاريخية في بلادنا كالقدس، حيفا، يافا، عكا وغيرها من مدن فلسطين التاريخية.
– ورد في الرواية تعريف بقرب الحدود بين الضفة الشرقية ( الاردن) والضفة الغربية( فلسطين) حيث يفصل نهر الأردنّ بينهما، مشيرا الى الاحتلال الغاشم الذي يقف عائقا دون الوصول بوقت قصير الى كل من الضفتين .. بالرغم من قصر المسافه بينهما.
– ص22 و23 حديث مايا لصديقتها عنود عن الاحتلال الوحشي وممارساته الجائره بحق المصلين والاعتداء على الماره عند باب العمود.
– ص 24-25 المشادة الكلامية التي جرت بين مايا ومعلمتها في الصف حول صور لمسجد قبة الصخرة والمسجد القبليّ في الأقصى والتي كانت بحوزة مايا وادعاء المعلمة أنها صور لجبل الهيكل، مما أثار ذلك غضب مايا وزميلتها عنود وآخرين .. وإصرارهن على هويتهن الفسطينية العربية، وإن كانت مايا مسلمة وميلسّا مسيحية، فلا فرق بين مسلم ومسيحي في بلادنا .. مما أشعر ذللك المعلمة أنها في ورطة صعبة فتركتهن وشأنهن..
– ص 46 أمثال عديده تناولها الكاتب في روايته مايا .. كحب الأجداد للأحفاد ( ما أغلى من الولد الا ولد الولد ) وغيرها من أمثالنا الشعبيّة.
– ص 52-55 توجيه الوالدين قيس ومروة لبناتهما لأهمية استخدام اللغة الأمّ اللغة العربية، وذلك من خلال التحدث معهن بالعربية، ومن خلال برامج الأطفال العربية التي تبثّها الفضائيّات العربيّة، وكذلك عن طريق الأغاني والأناشيد بالعربية .. كإعجاب مايا وحفظها لبعض أغاني فيروز مثل تك تك يا ام سليمان .. وطلعت يا محلا نورها .. وأناشيد من بلادنا مثل شمست شميسه وغيرها ..
– ص 64 جاء في الرّواية إشارة إلى مستوى الاهتمام بالفرد في أمريكا.. وذلك عندما صرخت مروة بأعلى صوتها حين رأت أفعى الحدائق مع أنها غير سامة.. والتي أطلقتها ميرا لتحبو على سجادة الصالة.. وعند سماع الجيران للصراخ اتصلوا بالشرطة التي بدورها لبت النداء على الفور .. حضروا ثم انصرفوا بعد تحققهم من سبب الصراخ ..
– ومن طريف ما قرأت في الرواية هو خوف جد مايا من الأفاعي حتى لو كانت ميتة، مع انه كان قد أكل في طفولته لحم ثعلب ولحم ضبع..ص 62.
– في الرّواية توجيه للتلاميذ القراء حول الاهتمام بثقافات الشعوب كما عن دول الصين وكوريا وفيتنام وغيرها واصطيادهم الأفاعي، ليأكلوها كما يأكلون الحشرات والجرذان والصراير وغيرها.
– في الرواية تعريف ايضا بالوطن الأمّ وطن الآباء والأجداد الذين ولدوا فيه وعاشوا وماتو ودفنوا فيه، وطننا الأمّ فلسطين .. وفي الرواية دعوة القصوى لعودة المغتربين الى البلاد وانخراطهم في مجتمعهم والمشاركة في بنائه والحفاظ عليه من الغرباء.
– في الصفحات 70-80 اثراء معرفي للقراء من حيث الوصف الدقيق والمشوق لشلالات نياغارا، والتي زارتها أسرة قيس ومروة في عطلة عيد الميلاد المجيد القصيرة .. مفضلين بذلك زيارة البلاد في العطلة الصيفية الطويلة للاستمتاع بمشاهدة القدس، وبعض المدن الفلسطينية بين الأهل والأجداد .. إلا أن جائحة كورونا حالت دون تحقيق هذه الزيارة التي لطالما انتظرتها مايا وأخواتها طويلا … ص 97-98 .
– التعريف برياضة اليوجا كإثراء معرفي للقراء التلاميذ .. ص92 .. والتي تعرفت عليها مايا من خلال امرأة عجوز كانت تمارسها في بهو أحد فنادق نياغارا.
رواية مايا بشكل عام غنية بالقيم الإنسانية والمعرفية والوطنية.. ومن بين الرسائل التربوية التي حملتها الرواية هي التأكيد على الآباء والأمّهات المغتبرين لتربية أبنائهم على حب الوطن والانتماء له من خلال وسائل عديدة كالزيارات المتكررة لبلادنا فلسطين وزيارة أماكنها المقدسّة والتاريخية. وحديثهم المستمر عن أرض الوطن بكامل تفاصيله من تراث وحكايات الأجداد، وجرائم الغزاة الطامعين في بلادنا .. وكذلك الاهتمام بتعليهم لغتنا العربية.. وهذا سيساعد كل مغترب للتفكير يوما ما بالرجوع الى البلاد والانخراط بمجتمعه الصامد وليكونوا عنصرا مهما في المساعدة في بنائه وتطويره والحفاظ عليه من عبث الغرباء.
يبقى أن نقول أن رواية “مايا” هي رواية الحنين إلى الوطن.
وشارك في النّقاش عدد من سيدات صالون حيفا الثّقافي اللواتي حضرن الندوة.