القدس: 8-11-2018 ناقشت ندوة اليوم السابع في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية ( ليت)، باكورة انتاج الشابة الفلسطينيّة رهف عزالدين السعد، وتقديم ابراهيم جوهر. تقع الرواية الصادرة عام 2018 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية في ١٩٧صفحة من القطع المتو سط، ويحمل غلافها الأوّل لوحة للفنانة صفاء دبس، وصمّمها شربل الياس.
بدأ النقاش ديمة جمعة السّمان فأشادت بالرّواية.
وقال ابراهيم جوهر:
التحدي باللغة والحدث وإثبات قدرة الجيل على الإبداع
وكأني بالكاتبة “رهف السعد” تتحدّى: تتحدّى ذاتها أولا ومنتقدي الجيل ثانيا ثم شياطين الإنس أخيرا.
رواية الأديبة الشّابة “رهف عزّ الدّين السعد” التي انتقت لها عنوانا من قائمة الحروف المشبّهة بالأفعال(ليت) هي هذا التحدّي الجميل المكوّن من جمل حادّة في عمقها ودلالاتها وإيحاءاتها، ومن مواقف سيقول كثيرون من القرّاء: نحن نعرف هذا الموقف أو ذاك: مررنا به فتألّمنا أو أحببناه.
“ليت…” عنوان إشكالي في تشويقه وجرأة اختياره عنوانا يغني ويختصر اللغة ويوحي. وكذا الأمر مع شخصيات هذه الـ “ليت…” التي سيحبها القارئ تارة أو يتضامن معها فيحزن ويشفق ويغضب ويسأل… وغني عن البيان أنّ شخصيات سلبية ستجد من يحقد عليها ويلعنها.
في هذا التّشكيل القصصي الآسر في تشويقه وتوزّعه ترسم لنا “رهف” بقسوة هذه المرّة حياتنا. إنها تطلعنا على حياتنا بصورتها البانورامية الكليّة.
قلت لها بعد قراءتي الأولى لـ “ليت…”: أنت تضعيننا في أجواء “بوليسية” فيها المغامرة والمؤامرة والحسد والغيرة وفيها اللؤم والخديعة كما فيها الجمال والطيبة. فيها التّمرّد ووسوسة الإنسان الشّيطانية التي تُكشف أخيرا لأن الحقّ لا بدّ باق وإن غاب مؤقّتا.
ربما تكون شهادتي بحق “رهف” مجروحة – وأنا لا أخفي انحيازي لما تكتبه ومحبتي وفخري بها – وهي ابنتي المشاكسة التي ظلّت تناديني: عمّو بابا، مذ أخبرتها بقصة الشاعر “تميم البرغوثي” حين قال عن أبيه في الغربة والبعد: عمّو بابا…
هذه الصفحات التي تستقرّ الآن بين يدي قارئها هي صفحات من ثقافة ووعي ورسائل وانتقاد. فيها التشويق والمتعة والفائدة، وفيها دليل على إرادة الإنجاز.
وكتبت رفيقة عثمان:
نسجتِ الكاتبة رواية اجتماعيّة واقعيّة تحتوي على مئتي صفحة، تدور احداث الرواية حول صراعات إنسانيَّة نشأت في أسرة صغيرة؛ بين الخير والشّر؛ اختارت الكاتبة أبطالها محدودي العدد تتكوّن من: الأمّ صابرين والأب راضي والأبناء؛ الأخوين حسام وشريف، والأختين دلال وناي، والجد رياض شديد، والعم داغر.
حرَكت الكاتبة الشخصيّات في الرواية، ونجحت في خلق الصراعات الناجمة داخل الأسرة، منذ بداية الرواية، حتّى نهايتها، وصوَّرت ديناميكيّة العلاقات الأسريّة، وقلّدت لكل شخصيّة دورا يُسيّر الأحداث؛ كانت صابرين البطلة الرئيسيّة في الرواية، والتي تحمّلت الصعاب والمشاكل؛ لتعيل أبناءها، وتحميهم من طمع عمّهم داغر الحاقد، بعد فقدان زوجها وحبيب قلبها راضي؛ داغر كان سببا في إبعادهم عن أبيهم رياض، طمعا بالميراث، ورفضه لزواجهما، حاول داغر التقرّب من صابرين بعد فقدان زوجها؛ لكنها رفضته، فطعنها بشرفها. بانت الحقيقة بعد أن حاول العمّ داغر، الاعتداء على صابرين، وأنقذها صديق زوجها رفيق بإطلاق رصاصة، وأرداه قتيلا؛ فانكشفت الحقيقة للجد رياض، واحتوى صابرين وأبناءها في كنفه.
في نهاية الرواية، حقّق كل فرد من افراد الأسرة حلمه؛ ونجحت صابرين بمساندة أبنائها، بتحقيق حلمها وحلم زوجها، وأدّت صابرين رسالة الأبويّة على أكمل وجه، رغم العقبات والمشاكل التي واجهتها، ورحلت إلى جوار زوجها. وتزوّج كل الأبناء وأنجبوا أطفالا، وأسموهم على أسماء أجدادهم.
المشاكل الاجتماعيّة في الرواية، تبدو غالبا شائعة ومتكرّرة على مرّ العصور في مجتمعنا العربي، سواء على الصّعيد المحلي أو في الأقطار العربيّة؛ لهذا ألاحظ بأن الكاتبة لم تذكر عنصري المكان والزمان؛ الذي دارت فيهما الأحداث بالرواية. من الممكن ان تُفسر لوحة الغلاف ذلك، وهي عبارة عن رسمة لساعة دائرية، بدون عقارب، وتبدو الأرقام داخلها مبعثرة، وليست في أماكنها كما يجب أن تكون؛ هذه الصورة تعبر عن رسالة الرواية؛ التي ترنو إليها الكاتبة؛ وهو السخرية من الزمن، وان القيم لم تعد كما كانت بالزمن الماضي، وهي تتراجع وتتخبّط، ولم تعد منضبطة داخل دائرة الحياة. بالضبط كما صوّرت الكاتبة الصراعات الاجتماعيّة بالرواية، والصراع مع الزمن.
قدَّم الكاتاب إبراهيم جوهر، ( وهو معلم سابق للكاتبة في موضوع اللغة العربيّة) مقدّمة للرواية، مفسرا معنى العنوان “ليت”، ونبذة عن الطالبة رهف. يبدو لي بأن المقدمة التي قدّمها الكاتب جوهر، قُدمت دعما للكتاب والكاتبة، ليست ضروريّة في بداية الرواية، فهي لا تتيح للقارئ التفكير المطلق والتحليل المنطقي؛ لتفسير العنوان كما يراه القارئ مناسبا له، والحكم على جودة الرواية؛ وجود مقدمة من الكاتب تُحد من التفكير نحو فكر واحد موجه، برأيي الرواية الجيدة تفرض نفسها على القارئ وليست بحاجة لأي مقدمات من طرف آخرمهما كان مركزه.
اختيار العنوان “ليت” من الحروف المشبهة بالأفعال، وردت بشكل متكرر في الرواية، كأمنيات للشخصيات ، بمعنى ” لو حصل كذا وكذا. أو يا ليتني فعلت كذا أو كذا”. عبارة تقال عند الندم، أو عند استحالة تحقيق الأمور المرغوب فيها. برأيي هذا العنوان غير متكامل، فهو مبتور، وبحاجة الى تكملة لإكمال المعنى، في النهاية يبقى الاختيار للكاتبة. كما ورد صفحة 55 “لا أحد يعلم ، كلمة ليت دائما ترافق ندمنا أو أملنا الباقي. ليتنا اخترنا ذلك المنزل، ليتنا قبلنا بتلك الوظيفة ليتنا لم نخرج من المنزل والكثير من أل ” ليت ” لكن في أوقات كثيرة لا تفيد كلمة ليت حرفيا ولا حتى معنويا.”. برأيي ليت تدل على الضعف، وقلة الحيلة.
استخدمت الكاتبة أسلوب الرسائل الورقية التي دارت بين بعض الشخصيات في الرواية بين دلال وحبيبها وليد، كما ورد صفحة 150-151، هذا الأسلوب يبدو تقليديا، ربما لو استخدمت الكاتبة أسلوب الرسائل الألكترونية؛ تماشيا مع الحداثة وتطورات العصر؛ لتتناسب مع عمر الكاتبة في ادخال الحداثة لأسلوب الرسائل.
تعتبر لغة الكاتبة رهف لغة فصيحة وبليغة، تكاد تخلو من اللهجة العامية، استخدمت المحسنات البديعية، بأسلوب أدبي راقٍ؛ قلّت الأخطاء اللغوية والنحوية في الرواية.
احتوت الرواية على التناص الأدبي، من شعر الشاعر المرحوم سميح القاسم، كما ورد صفحة 92 ” منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي، في كفي قصفة زيتون، وعلى كتفي نعشي……”. كما ويوجد تناص صفحة 158 مع أغنية يا عاشقة الورد من كلمات والحان زكي نصيف ” يا عاشقة الورد إن كنت على وعدي .. فحبيبك منتظر يا عاشقة الورد.. حيران أينتظر؟ والقلب به ضجر… فحبيبك لا يهوى إلا ورد الخد”. والتناص أيضا كان من قصيدة إنما لا تذهبي، للشاعرالسوري ياسر الأقرع، صفحة “176 ” إني انعدام الكون في سكراته ….بالموت صمتا إنما لا تذهبي”. واستخدام الكاتبة رهف للتناص الأدبي، يدل على سعة ثقافتها، ونضجها الفكري والعاطفي.
قارئ الرواية يلاحظ تعددية الرواة، وعدم وضوح هويتهم بالتحديد، ووضع القارئ في موقف التخمين لشخصية الراوي؛ تارة تكون الراوية هي الكاتبة، وتارة أخرى يكون الراوي الشخصية المتحدثة دون مقدمات لهوية الراوي المُتحدث؛ ممّا خلق بلبلة في فهم حيثيات الحوار بين الشخصيات.
تبدو الأفكار غير مترابطة، في بعض الصفحات، وتبدو كأنها مبتورة وغير مكتملة؛ كما ورد صفحة 55-55، وكانت تتمة الأحداث صفحة 74-75.
خلاصة القول: رواية “ليت” رواية احتوت على معظم عناصر الرواية، تحمل رسالة اجتماعية، بانتصارالخير على الشر؛ استخدمت أسلوبا سرديا شيقا، ولغة بليغة رصينة؛ روايتها تُبشر بولادة كاتبة جديدة، صاحبة موهبة ذات قدرات تفوق عمرها الزمني؛ وممكن التنبؤ لها بمستقبل زاهر في عالم الكتابة الروائية.
وقالت نزهة أبو غوش:
خلق الشّخصيّات الايجابيّة في الرواية
في روايتها “ليت” تناولت قضايا مجتمعيّة نابعة من أعماق المجتمع العربي الفلسطيني أوّلا والعربي ثانيا.
وقد أبرزت المعايير والقيم الاحتماعيّة من خلال شخصيّات الرّواية، وأعطت لكلّ شخصيّة دورا يلائم الأحداث المتعاقبة في الرّواية.
شخصيّة الأمّ صابرين تمثّل شخصية الأمّ المضحيّة الصّابرة، المربيّة المتألّمة دون شكوى؛ هي رمز للقوّة والشّجاعة والعمود الأساسي الّذي تعتمد عليه الأسرة.
عاشت تلك الشّخصيّة متأرجحة بين حبّها لأبنائها، ودفاعها عنهم بكلّ قوّتها وخاصّة بعد وفاة زوجها؛ وبين دفاعها عن نفسها من براثن المجتمع الّذي لا يرحم، نحو – سلفها – أخ زوجها الّذي حاول مرارا التّحرّش بها، وخلق الاشاعات حولها بعلاقات مشبوهة مع صديق زوجها سابقا. هذه الحرب الشّعواء أدخلت صابرين في حالة نفسيّة قاسية، مذبذبة، منهارة؛ لأن الأبواب كلّها قد أُغلقت أمامها، حتّى أن بعض أبنائها قد دخل في قلوبهم الشّك؛ وخاصة وهي تعيش في قرية.
السّؤال الّذي يطرح نفسه هنا: لماذا لم تجد صابرين من يدافع عنها في القرية؟ أين الأهل؟ أين الأقرباء؟ لم تظهر ردّة فعل أهل البلد بعد الفضيحة، أيّ التّهمة الملفّقة. وهل تقبّل المجتمع القروي بأن يعيش صديق الزّوج مع الأسرة، يساعدهم ويخدم الأولاد ويرعاهم كما والدهم المرحوم؟ هنا وضعت الكاتبة حلّا ربما يكون منطقيّا ، لكن ماذا بالنّسبة للمعايير الاجتماعيّة الموجودة والّتي تسيطرعليها الأفكار السّلبيّة في معظم الأحيان؟
شخصيّة الإبنة ناي، شخصيّة انسانة حملت قضيّة مهمّة، عالجتها الكاتبة بحنكة ورويّة، حيث أنّ قضيّة مرض السّرطان مستفحل في هذا العالم، وخاصّة سرطان الثّدي عند النساء، والمخاوف تزداد بينهنّ من هذا المرض الخبيث القاتل، وقد أعطت الكاتبة أملا بالعلاج من هذا المرض والحياة بشكل طبيعي بعد العلاج. ظهرت في شخصيّة ناي أكثر مظاهر ما يعانيه المريض، نحو الألم والخوف، والاكتئاب، والخوف على الآخرين من بعده، وفقدان الأمل في كلّ ما يصبو إليه هذا الشّخص المريض؛ وقد برزت في شخصيّة ناي كلّ تلك المظاهر، وبدا نفورها من الحياة بارزَا، وبعدها عن محبوبها خوفا على مشاعره بعد فقدانها. استطاعت الكاتبة هنا أن تصوّر للقارئ طبيعة هذا المرض القاهر، ومدى ضرورة وقوف الأهل والأصدقاء حول المريض.
أمّا شخصيّة دلال فقد برزت من خلالها بعض تقاليد المجتمع المحرّمة على الفتاة، نحو لقاء المحب والاعتراف بالحب، وقد تصبح شرعيّة بعد طلب الشّاب الفتاة أمام أهلها. كذلك شخصيّة الطّبيبة تسنيم مع الطّبيب حسام، فقد أظهرت تمنّعها عن مقابلة حسام، لكنّ تقبّل الأُمّ صابرين لدخولها كفتاة محبوبة لابنها قبل الخطوبة يعتبر تطوّرا ملحوظا في الرّواية.
أمّا مرونة الأمّ صابرين وتفهّمها لوضع بناتها اللواتي أحببن ورغبن الزّواج بمن أحببن، فهي أيضا خطوة إيجابية وضعتها الكاتبة السّعد، إِذ أنّه ما زال هذا الجزء يحمل بعض الصّعوبات في مجتمعاتنا.
شخصيّة منصور شخصيّة إيجابية بكلّ المقاييس، حيث أنّه تمسّك بمحبوبته ناي وطلب منها الزّواج، رغم معرفته بخطورة مرضها، وما يؤول إليه هذا المرض، فهو رمز للشّخصيّة الصّادقة المضحيّة. هنا أيضا نلحظ مبادرة الكاتبة رهف لخلق شخصيّة إيجابيّة في المجتمع بعكس ما يحصل في الواقع.
الشّخصيّات في رواية الكاتبة يكتنفها بعض الغموض، مثل شخصيّة أشرف الّذي استشهد صديقه خالد، فلحق به دون أيّ مبرر، فقد راح ينادي: ” تعالوا واقتلوني” لم يكن موته مقنعا في الرّواية، وقد وصفت الكاتبة بأنّ موته هو انتقام لصديقه.
أمّا شخصيّة الجد فهي تخلق بعض التّساؤلات: هل صحيح يمكن أن يسامح الأبّ بمقتل ولده، حتى إِذا ارتكب الخطأ؟
مسامحة الأب لقاتل ولده والعيش معهم بكلّ أريحيّة ونسيان ما جرى، يعتبر حلّا إيجابيا خلقته الكاتبة في روايتها، لعلّ المسامحة تعمّ مجتمعاتنا، وينبذوا عادات الثّأر المستأصلّ في دمهم.
وكتب إلينا محمود شقير:
تبدو الموهبة واضحة في هذه الرواية الأولى؛ الصادرة عن مكتبة كل شيء/حيفا في العام 2018؛ التي كتبتها الشابة الواعدة رهف السعد. ذلك أن كتابة الرواية ليست بالأمر الهيّن، وهي بحاجة إلى دربة ومراس، وإلى تجربة متنوعة وثقافة واسعة.
من يقرأ هذه الرواية سيجد أن لغة الكاتبة جيدة لا تشوبها شائبة إلا في حالات قليلة نادرة، وأن نفسها الطويل في الكتابة يؤهلها لأن تكون في المستقبل القريب روائية متميزة، وأن قدرتها على التحكم في مصائر عدد غير قليل من شخوص روايتها تدلل على وعي بمتطلبات الرواية الناجحة.
كما أن احتفاء الكاتبة بقدرة المرأة على تحمل المسؤولية والنهوض بها رغم كل الصعاب، وتصديها للغدر وللخسة وللمرض ولغيره من أعباء الحياة، يضيف ميزة أكيدة إلى الرواية؛ يعزّزها تأكيدها على الصمود والمقاومة؛ لمواصلة الحياة بكرامة وشرف وإباء.
غير أن الرواية لم تتمكن من تخطي عثرات البدايات الأولى، وهذا متوقع ولا يدعو إلى أي إحباط. فقد لاحظت أن السرد قليل في الرواية والحوار كثير، كما لو أننا نقرأ نصًا مسرحيًّا أو سيناريو لمسلسل تلفزيوني، وكان من المحبذ لو حافظت الكاتبة على توازن بين السرد والحوار.
وثمة اكتظاظ في عرض الوقائع اليومية بأسلوب تقريري إخباري أثناء الحوار، ولنأخذ مثلًا على ذلك الحوار الذي دار على مائدة الجدة صابرين ص194؛ إذ جرى الحديث عن ذكرى وفاة راضي زوج صابرين، ثم جرى الحديث عن مشروع هندسي تشرف عليه دلال، ثم حديث عن قصة حبها لوليد وطلبه يدها من أمها، ليتبعه حديث ناي عن طفل كان مصابًا بالسرطان ثم تماثله للشفاء؛ وحديث عن تقدُّم منصور لخطبة ناي التي شفيت من السرطان للمرة الثانية؛ وهكذا إلى أن تصل بنا الساردة إلى القول إن هذا العشاء الذي جمع أفراد الأسرة من حول الجدة صابرين إنما هو الأخير؛ وهو عشاء الوداع.
وقد كشف الحديث عن هذا الوداع خللًا في جريان الزمن في الرواية. ذلك أن الساردة تخبرنا على الصفحة 190 أن الأحداث تجري الآن بعد مرور عشرة أعوام؛ لكن صابرين تقول على الصفحة 194 إن خمسة أعوام مرت على وفاة زوجها راضي، الذي علمنا بموته منذ الصفحات الأولى للرواية، ويختلّ جريان الزمن من جديد حين تموت صابرين بعد العشاء الأخير؛ وتخبر زوجها راضي أنها تجيء إليه بعد ثلاث وعشرين سنة من افتراقهما. وبالطبع كان يمكن تلافي هذا الخلل ببساطة وبقليل من الانتباه.
وقالت رائدة أبو الصوي:
الرواية مشوّقة جدا. غزيرة في القضايا الاجتماعية الهامة التي طرحتها من خلال شخصيات الرواية الرئيسيين، الأمّ صابرين والأبناء حسام وشريف وناي ودلال .
عنوان الرواية فيه شعر ، رواية كتبتها كاتبة والدها شاعر ، أسلوب السرد والأحداث وتصوير المواقف التي من خلال السرد يبدو أنها حدثت في السبعينيات أيّام الشارلستون وأغاني أمّ كلثوم وزكي ناصيف.
الرواية فيها عمق بالطرح مهما كانت قراءات واطلاع الكاتبة على كتب صعب جدا أن تصدر رواية بهذا التّميّز .
الرواية واسعة جدا على كاتبة شابة ،هل من المعقول أن نقول فرخ البط عوام، وأنّ الابداع الأدبي ينتقل بالوراثة؟
عصارة من الخبرات والاطلاع والثقافة في مختلف القضايا وضعتها الكاتبة في هذه الرواية الرائعة.
عزفت على أوتار حساسه، على هموم المجتمع الانسانية والسياسية والصحية والعاطفية. طرحت قضية فقدان صديق لصديقه.
فقدان شريف لخالد في حبكة أكثر من رائعة، من قراءتي للرواية وجدتها مشتركة بين الشعر والأدب .
الرواية تحث على الصبر . الكاتبة موفقة جدا في اختيار اسماء الشخصيات . اسم الوالدة صابرين وابنتها المريضة بالسرطان ناي، وابنها الدكتور حسام، وابنها الوطني شريف، وابنتها المدللة دلال، وزوجها راضي، وشقيق زوجها الخبيث اللئيم داغر، وحماها الطيب رياض، وزوجة ابنها الدكتورة نسيم، بالنسبة لنسيم لو اختارت الكاتبة اسم نسمة لكان مناسبا أكثر .
يوجد بعض الأخطاء المطبعية بالسنوات.
الرواية توفر فيها كمال البداية والحبكة والنهاية .القضايا التي تقض مضاجع الناس
يا لَيْتها تختفي .لقد عشنا رواية فيها عنصر الدراما قوي. والانتقال بالمشاهد من مكان الى آخر جميل، والنهاية كانت أكثر من موفقة .
الرسائل التي احتوتها الرواية كثيرة ،ومن أهمّها التمسك بالأمل والشرف والأخلاق وأنّ الحق لا يضيع .
وكتبت هدى عثمان أبو غوش:
في هذه الرّوايّة تطرح الكاتبة في القسم الأوّل من الرّوايّة قضيّة الأرملة صابرين في مقاومتها لشّر وطمع داغر عمّ أولادها في الإستيلاء عليها، ومحاولة تشويه سمعتها في المجتمع، وتتوالى الأحداث حين يهمّ باغتصابها، وتنتهي القضيّة بقتله على يد رفيق صديق راضي زوج صابرين.
تنتقل الكاتبة في الرّوايّة من الناحيّةالإجتماعيّة إلى الناحيّة السيّاسيّة والوطنيّة، حيث نجد ثورة شريف وانتقامه لمقتل خالد وكتابة أوراقه ووصيّته إلى أُمه صابرين بنشر الكتاب بعد مدة محددة، ويبدو تأثر الكاتبة بأحداث الانتفاضة في القدس خاصة في ثورةالشباب من أجل إعلاء فكرتهم، ونرى ذلك من خلال ردّ شريف الثائر حين حاولت أُمّه أن تمنعه من الكتابة حيث يقول” أُمي الغاليّة انتقامي وانتقامك هو نشر هذا الكتاب، هو ايصال هذا الكتاب للعالم كله؛ كي يعلموا أنّ هناك شبابا ثائرين في ركن من العالم البشع الذي نعيش هنا”، وقد استشهدت الكاتبة بقصائد وطنيّة لمحمود درويش، وسميح القاسم.
ثم انتقلت الكاتبة رجوعا للناحيّة الإجتماعيّة زواج الأبناء والأحبّة. وهنا تطرقت إلى قضيّة البوح بالحب والإعتراف به من خلال علاقة دلال بوليد.
العنوان “ليت”، يبدو العنوان مبهما وبعد قراءة عدة صفحات في البدايّة، نجد تفسيرا لمعنى ليت في الرّوايّة ذات الإيحاء السّلبي، فليت هنا تتصل بعلاقة الشخصيّات مع بعضها وتفيد لو أنّه لم يقع الحدث بسبب تصرف إحدى الشّخصيّات. وقد انتهت الرّوايّة ب”ليت” ذات الأمل والنّور على لسان “دلال”، حين قالت لزوجها حين سألها إذا نطقت بليت فأجابت”ليتني عشت معك ألف حياة لا حياة واحدة فقط”
لا شكّ أنّ للكاتبة قلما لا يستهان به في الكتابة، إلاّ أنّه بحاجة للعنايّة والاهتمام.
من اللافت في الرّوايّة أنّ الكاتبة تنتقل من حوار إلى آخر ومن مشهد إلى آخر دون أن يكون فاصلا بينهما، فعلى سبيل المثال، عند انتهاء صابرين من حوارها مع زوجها راضي في صفحة(١٣) وهي تتحدث عن تلقيها مكالمة وقبولها للعمل، مباشرة يدخل حوار صابرين مع صاحبة العمل دون أن يكون أي وصف عام عن مكان العمل أو وصف صاحبة العمل أو غيره. وكذلك تكرّر الكاتبة عدة مشاهد دون وصف ومقدمة، حتى أنّ القارئ يشعر أن الحوار يظهر فجأة.
هنالك ملاحظة أيضا بالنسبة لصياغة الجملة، فالكاتبة لم تكن موفقة في بعض الجمل وصياغتها. فمثلا كرّرت هذه الجملة “مشيت ومشيت حتى وصلت إلى ذكريات قديمة” وكان بإمكان الكاتبة تفادي تكرار الفعل كأن تقول مشيت طويلا مثلا.
وفي موضع آخر تقول” يكتب عن ألمه بل يكتب ألمه ويكتب بألمه لألمه” وهنا كرّرت الكاتبة الألم عدّة مرّات وكان بوسعها إيجاد البديل.
في الصفحات 112 -113 لا يوجد تناسق إما أن يكون خطأ في الصفحات أو مرة أُخرى تقحم الكاتبة المشهد الجديد بشكل مباشر دون مقدمات.
وكتب الدكتور عزالدين أبو ميزر:
قبل ان ابدأ حديثي عن الرواية وأنا لست بالنّاقد الأدبي الذي درس النقد وفنونه، وتمرّس فيه، وأتقن ما يجب أن يقال وما لا يقال، وانما هو حديث انسان ذوّاقة للأدب، يستطيع أن يميز بين الغث والسمين، وبين الكلمة الجاذبة والكلمة المنفرة، لي في فن الشعر باع غيري يقيّمه ويتحدت عنه، وفي فنون الأدب الأخرى ما يغنيني عن كثرة السؤال.
إنني هنا كقاريء عادي وبه هذه الصفات أبدأ حديثي عن رواية الأديبة الشابة رهف بالعنوان( ليت )، أخت (لو) والتي هي حرف تمني، والتي هي في لساننا العربي لايتحقق ما بعدها أبدا، وخاصة أختها العزيزة لو والت دائما تذكرني بوالدتي الأميّة -رحمها الله- عندما كان أحدنا يذكر (لو) تقول لو (لوءه) أي شكلها معوجّ، ولست أدري من أين أتاها هذا التعبير، وهي التي لا تعرف للكلمات شكلا ولا هيئة.
وليت التي رددتها الكاتبة مرّات ومرّات وبشكل لافت وباصرار، وجعلت منها عنوان روايتها، كنت أراها في موقعها من الرواية أحيانا فأقول معها: ليت…وأحيانا أخرى أعيدها معها، ولكن بضد ما قالت، فأقول ليت رهف لم تقل ليت.
لقد قرأت الرواية وجذبتني جذبا غير عادي،ّ بشخوصها المنتقاة أسماؤهم بعناية فائقة، وبسردها وبحبكات مواقفها، ودمعت عيناي أثناء قرائتها مرتين.
خطها الصغير أتعب عينيّ، ولذا قرأتها على مرحلتين، ولو كان الخط أكبر قليلا لربما قرأتها دفعة واحدة، برغم طولها لوجود عنصر التشويق فيها.
وكنت كلما قرأت جزءا من الرواية، يركبني شيطان الشك استغرابا وتساؤلا؛ فأقول في نفسي: أيصدر عن ابنة العشرين كل هذا؟ فتملؤني الفرحة والغبطة بها في زمن قل فيه السمين وكثر فيه الغث والرديء. شك هو في صالح الكاتبة، وليس ضدها، فنزار قباني في العشرين أصدر ديوان قالت لي السمراء فلا عجب ولا غرابة.
لا أقول ما قاله أخي ابراهيم جوهر من أن الرواية بركان من الكلمات والمواقف الحياتية، وإن كان في وصفه لم يجانب من حيث الكمّ والزّخم الحقيقة، إلا أن البركان دائما يكون مدمرا، والرواية بنّاءة وبشكل واع، وخاصة عند فكّ رموز عقدها ومواقفها، وإن كان باستعمال الحرف ليت أحيانا كثيرة وما فيها من صفة البركان هو غير المتوقّع في توقيته ونتائجه، كبعض مواقف الرواية والتي ما كان ذهن القاريء يتوقعها أو مهيّأً لها وهذه براعة في السبك والحبك.
لا شك أن الكاتبة متمرسة في فن الكتابة، وإن تكن هذه هي روايتها الأولى، إلا أنها قد تكون المرة المئة أو أكثر في تجارب أخرى أقل مساحة وأضيق مجالا، مهّدت لها الطريق أمامها؛ لتخرج لنا بهذه الرواية الجميلة والرائعة.
عالجت الكاتبة مواقف إنسانية شتّى، وبرعت في إيجاد حلول جيدة لمعظمها حسب وجهة نظرها، وإن كانت أحيانا تقطع الصلة في مواقف حتى ليساور القاريء أنها وقعت في عيب فنّي؛ لنراها بعد صفحة أوصفحتين تعود لتصل ما انقطع من خلال موقف آخر تلاه، أوتقاطع معه، فتتّضح الصورة ويغيب الإشكال ويتلاشى العيب، ولست أدري ما أسمّي هذا وأهل الخبرة أقدر مني وأبرع في توصيفه وتقييمه سلبا أو أيجابا.
جميل إدخال بعض الأغاني والأشعار التي تصف الحال والمواقف بين الحين والحين فتشرح مكنونات النفس البشرية.
لست أدري هل استشارت الكاتبة -وأظنها فعلت- أهل الخبرة والاختصاص في
المواقف الطبية والمرضى في وصفها للمرض وظواهره، وما يعتري المريض من مصاحبته له؛ لتوخي الدقة والصدق والحقيقة في المعلومة.
وأزيد على ما سلف ان الكاتبة بالنسبة لي جعلتني بأسلوبها الشيّق أتقمص حالة كل شخصيّة من شخوص روايتها، وكيف أتصرف لو كنت مكانها، عدا شخصية داغر المقيتة والمقززة والمنفرة والتي يرفض أي انسان سويّ أن يكون محلها، وإن كان يوجد الكثير منها في المجتمعات المتخلفة،ولا نجدها في المجتمعات الراقية والتي تتقبل الآخر بكل رحابة وصدق. ولست أدري ان كانت الكاتبة انتبهت أنّ حروف اسم داغر هي نفس الاسم غادر بالتّمام والكمال – وأن لكل امريء من اسمه نصيب.
وقال عبدالله دعيس:
ليت، حرف يفيد التّمني، وعنوان لرواية! ليتَ، وهل تتحقّق الأمنيات؟ ربما، ولكن ليس كما نرجو وعندما نرجو. تسير الحياة ويتفاعل فيها البشر. بنازع الخير ونازع الشرّ يتحرّكون ويتصارعون، يهيمن الشرّ أحيانا، لكنّ أشعة الخير قد تسلّل من بين ركام الباطل، وقد تنكسر أشرعة الخير ويغرق مركبه في ظلمات محيط الشرّ. وهناك تنطلق الألسنة ب (ليتَ)، تحمل الأمنيات قائلها وتحلّق به في عالمها؛ ليعود أحيانا بخيبة أمله، ويعود مرّة أخرى مكلّلا بنجاح منقوص.
هكذا حاكت الكاتبة الشّابة رهف السعد روايتها، وشكّلت توليفة اجتماعيّة تحمل في ثناياها روح المجتمع العربيّ، وأمنياته وانكساراته. تدور أحداث الرّواية في أسرة واحدة، لكنّ كلّ فرد من أفرادها يقوده طموح، ويحمل همّا يماثل شريحة كاملة من أي مجتمع عربيّ، فاستطاعت الكاتبة أن تلخّص المجتمع في أسرة، وأن تعكس ثقافته، وهمومه ونجاحاته في هذه الأسرة: تبرز التقاليد، والتّمرد عليها، والظلم الاجتماعي والسّياسي، وتدعو من بين ثنايا سطورها إلى الثورة عليهما.
تستطيع بطلة الرّواية صابرين أن تصمد أمام حيف عائلة زوجها، وظلم مجتمعها، وتحمل أبناءها إلى برّ الأمان، ويعود الجد رياض باشا؛ ليرفع عنها الظلم الذي حمله عليه ابنه داغر، ويدفع داغر ثمن ظلمه رصاصة في رأسه. لكنّ العسف السيّاسي يستمرّ، ويستمرّ التسلّط على المجتمع، يضحّي شريف ومن قبله صديقه خالد بحياتهما، من أجل إحداث تغيير في الحكم الجبريّ الذي يقيّد حريّاتهم، لكنّ هذا الحكم يستمرّ، وانتقام شريف لا يؤتي أكله. ثم تعود الكاتبة لتحكي هموم العائلة اليومية، وحكايات حبها وعشقها ونجاحها وقهرها للمرض. لكنّها لا تعود لذكر شريف ولا تقهر السلطات التي قتلته، فهل يرمز السرطان الذي انتصرت عليه نايأيضا لأولئك الذين يحكمون بلادنا بالحديد والنّار، وهل سننتصر عليهم كما انتصرت ناي على مرضها؟ وهل سيعود دم شريف ليضيء الدرب لغيره من الثوّار؟ تساؤلات تتركها الكاتبة في ذهن القارئ عندما يصل إلى نهاية روايتها السعيدة، التي تتحقّق فيها أحلام الأبطال جميعهم، إلا أنّ حلم شريف لا يتحقّق؟
رغم قلّة عدد شخصيّاتها، وانحصار اهتمامهم بهموم يوميّة عاديّة، قد تحدث في أيّ عائلة، وقد نسمعها في أي حديث يتداوله مجموعة من المتسامرين، إلا أنّ الرواية جمعت في طيّاتها مواضيع شتّى: ففيها العشق والحب والإخلاص والتضحية، والتمرّد على الموروث وعلى الواقع السياسي، كما فيها القهر والتسلط والظلم. فيها الموسيقى والقراءة والطبّ، وفيها همّ المرض والانتصار عليه بالإرادة القويّة والإصرار على متابعة الحياة. وتخلص الكاتبة إلى أنّ الحبّ ينتصر على المرض، فعودة ناي إلى علاقتها بمنصور، كانت حافزا لها للتغلب على مرضها، وسببا لشفائها وتحقيق أحلامها. فهل كان جهد شريف سيثمر لو اتّخذ الحبّ سبيلا بدل الثّورة؟ أم لا بدّ للظلم من رادع؟ وهل غاب شرّ داغر إلا بعد أن تلقّى رصاصة رفيق؟
لم تختر الكاتبة مكانا محدّدا، وتركت الأحداث تدور في قرية ومدينة متجاورتين في مكان ما، يدل تفاعل الأحداث فيه على أنّه في مجتمع عربي. هذا المجتمع الذي مهما فرّقته الحدود المصطنعة، يبقى ينبض بنفس القلب ويشتعل فتيله بنفس الزّيت الصافي النّقي. أما الزمان فكان واضحا خلال الرّواية، يمكن للقارئ الحاذق أن يحسب سنواته وشهوره، فالأحداث تدور في سنوات التسعينات والعقد الأول من القرن الحالي، ثمّ لتكون النّهاية في عام اصدار الرّواية. وقد أحسنت الكاتبة في وصف الشّخوص وإدارة الحوار بينهم، والحوار الدّاخلي الذي أفصح عن مكنونات صدورهم.
استخدمت الكاتبة أسلوب تعدّد الرّواة، فهي تتنقل بين الرّاوي العليم وبين الشخصيات كرواة، لكنّ الانتقال بين هؤلاء الرواة لم يكن سلسا وكان مربكا للقارئ، خاصة أن هذا الانتقال كان يحدث كثيرا خلال الحوار، حيث يكون القارئ مستغرقا في قراءة الحوار بين شخصيتين، ليكتشف أن الحوار انتقل إلى شخصيات أخرى دون فاصل.
لغة الكاتبة جميلة وأسلوبها مشوّق، لكنّ ذلك يتفاوت خلال الرّواية، فالصفحات الأولى منها حتّى الصفحة 55 تحديدا، لا تشدّ القارئ كثيرا، وتشبه إلى حدّ كبير القصص التي يكتبها المراهقون عندما تبدأ أعينهم تتفتّح على الكتابة، فهناك العديد من الأحداث السريعة وغير المقنعة، فمثلا صابرين التي لا تستطيع تسديد أجرة البيت بعد وفاة زوجها، تعود لتشتري البيت من أخ زوجها داغر، ويذعن لها بسهولة بعد أن تهدّده بنشر الشائعات عن البيت، لكنّ أسلوب الكاتبة ولغتها وصياغتها للأحداث تتطوّر مع تطوّر أحداث الرّواية، وكأنّ الكاتبة بدأت متردّدة ثمّ أمسكت بناصية النّص، وبدأت تطوّعه وتقوده بخطا ثابتة بعد ذلك.
أرادت الكاتبة أن تكون أسماء شخصيّاتها دالّة عليها وعلى سلوكها، فدلال بنت مدلّلة، وناي تعزف النّاي، وشريف يقوده شرفه إلى التضحية، ورفيق يرفق بالعائلة ويعاونها، وداغر ظالم قاس، ونسيم لطيفة طيّبة، وصابرين تصبر على أهوال الدنيا وعذاباتها. أرى أنّ الكاتبة ذهبت بعيدا في ذلك، فالأسماء لا تدلّ دائما على شخصيّة حاملها، وإن كان لكلّ من اسمه نصيب.
ولم تعتنِ الكاتبة كثيرا في تنسيق الفقرات، ووضع علامات التّرقيم المناسبة؛ فالأسطر مبعثرة في الصفحات وغير مكتملة، ولا يوجد فواصل بين الفصول تعين القارئ على فهم الرّواية. فهل قصدت الكاتبة ذلك؟ وهل أرادت أن تكون السطور مبعثرة تماما مثل أرقام الساعة على الغلاف؟
ينتصر الحبّ في نهاية الرّواية، وتتكلّل كلّ قصص العشق بزواج وذريّة وأولاد. ويضع القارئ الرّواية جانبا، وقد خرج منها بالمتعة والفائدة، وأثارت في نفسه الكثير من التّساؤلات، وحمل إعجابا كبيرا للكاتبة الشّابة التي امتلكت ناصية الكلمات، وأسهبت في الحديث عن تجارب الحياة رغم حداثة سنّها، مما يدلّ على سعة ثقافتها واطّلاعها، وعلى امتلاكها موهبة، ستأتي بالأفضل وستتطوّر في قادم الأيّام.
وقال عزالدين السعد:
رواية ليت .. مفعمة بالحدث المشوّق الذي يسلب القارئ سيطرته على ذاته، فيغوص متعمقا في أحداث الشخوص وأقوال الرواة … يدور في حدائق غنّاء من الفكر والفلسفة الحياتية،يصيخ السمع لمعزوفات شدوٍ تترقرق حبا وانبهارا .. يروح ويجيء بين بساتين الأحداث رغم قسوتها حينا وجمالها حينا آخر؛ فيجد الحياة متجسدة في كل ما فيها من الخير ونقيضه وفيضان عواطفها وانحسارها وقسوة طعمها وانفراج أساريرها … فليت هي قصة الحياة .. قصة تجمع أقدار من فيها لتتجدد جيلا فجيلا فجيلا .. تضع تجربة كل جيل لمن يليه ماثلة أمامه؛ ليأخذ فيها من دروسها وعبرها ويرتقي نحو الأفق المتاح وتجدد الأجيال .
ليت … رواية تداورك وتحاورك وتدور بك بين الشخوص والأحداث المتتالية المحتقنة حد الانفجار؛ ليأتيك راو يهتف بك؛ ليعيدك الى سنين سابقة وأحداث، جمالية اللولبية المتدارَكَة في حث خطاك؛ لتلتهم الوقت وتقطع سبيل انجراف في متاهة ليست بالمتاهة، كأنك فوق غمام ويحطك سيل مفاجآت من علٍ .
تحدجك الأسماء المختارة بعناية فائقة فمن ” صابرين “… حاملة على كاهلها أعباء السنين، تتسامى عن كل آفة وتتخطى كل معضلة بالعشق الأبدي للأب الحبيب راضي .. الذي تأبى الاعتراف بفراقه، رغم الموت تحاوره وتختلي به وتصغي لنصائح يحملها الأثير عبر الجبال والبعد والفراق الذي تنكره؛ لتعيش بين ظهراني القهر على أمل ب “حسام ” ولدها الأكبر سندها وسيف حقها المهند، الذي تداور وتناور مواقفه مقنعة نفسها، أنه يكبر وتجد في إصراره تحقيق أحلامها، وراضي تريده طبيبا وعلى الدرب الطويل. رواية تتعارك فيها مع الواقع المختل الذي يعاند شفافية روحها الصابرة، فتسعى بعواطف مغروسة ب “ناي” … ابنتها المرهفة الحس المتقدة المشاعر، تأمل بل تنافس بأشد قوة أن تقتني لها الناي الذي تريده قبل أن يحتل قلب ابنتها عمّ كاسمه يضمر الشر” داغر”، هو سبب المصائب وأصلها تتذكر صابرين (وكثيرا ما تفعل ) كيف أوغر صدر أبيه رياض بيك شديد على راضي؛ ليمنعه من إتمام الدراسة الجامعية التي تمسك بها رغم ذلك، وخالف رأي أبيه فتزوج صابرين، وتدور الدوائر لينتقم داغر منها مرتين أخرتين، الأولى يتآمر مع نفسه الأمارة بالسوء؛ ليتهمها مثبتا طمعها بمال أبيه، فيتخلص منها ومن راضي ويخرجهما من البيت الكبير بعد رفض راضي لسرقة والدهما، فيلفق التهمة متسلسلة، فقد أعطاها مفاتيح البيت والمخازن لإطلاق سراح زوجها الذي سجنه والدهما في القبو، الذي سرعان ما يخبرها راضي بعدم وجوده في بيتهم، لكن الولد شديد يطردهما من حياته …. بعد وفاة راضي يحاول أن يراودها على الزواج به قبل انتهاء العزاء، فتطرده شرّ طردة، وتذهب لتجد عملا يعيلها وأطفالها وتدفع له ثمن البيت مستعينة ب “جهاد” المحامي صديق راضي …. أنغمس أكثر فأكثر بغر إرادتي في دهاليز الأحداث التي تتمنطق كالبركان مرة في السرد ومرات بالحدث … لكن الراوية المركزية صابرين تقطع الزمن حاملةً القارئ إلى محاور عديدة منها أن ” دلال” كانت ابنة سنة واحدة عند وفاة راضي، و “شريف ” ابنها الثاني كان يكتب القصص مبكرا… لا تتراكم الأحداث كثيرا حتى تحملك إلى حدث يتصدره الفرح، فتدخل منه نحو لولبية جديدة من الفزع عن رسالة ونص يحمله داغر؛ ليغدر بها مرة أخرى متهما إياها بعلاقة مع ” رفيق ” صديق راضي المسافر منذ 17 عاما، ثم تحملك الرواية بإحكام بالغ لمؤامرة يرسمها داغر ليهز أركان صابرين بالتشويق والصعود تباعا نحو ذروة أخرى، تجد عناصر كل قصة تروى تناور استمرار الحياة، هنا البحث عن الحقيقة وهناك يكبر الصغار وتتنوع المطالب وتتقارب مع أحلام صابرين وراضي القديمة.
ليت … شعلة تزداد وهجا كلما تعافى الحدث وتعمق الزمن، يكبر فكر كل من الأفراد، ولكل طريقته في التعامل مع علاقاته وفلسفته الذاتية …حيث تقوم الكاتبة بتوظيف تعريف فكري أو جملة موسيقية أو مقولة؛ لتشحذ فكر الشخصية والتعريف بما يجول بخاطرها .. خاطرالشخصية ذاتها مع استمرار إدخال شخوص بل أسماء فيها إيحاء ك “خالد” صديق شريف الكاتب، أو نسيم الحبيبة التي يطغى حبها فيحمل الطبيب حسام على أجنحة العشق إليها.
تترابط الأحداث مخفية في طياتها أنواع حوار مسترسلة كان على كاتبتنا ربما أن تشير بلفتة من المتحدثين بتحديد الحوار إسمياً أو كما أجادت في مواقع عدة بمنح الراوي أن يفيدنا .
تحتدم في الرواية هموم هذا الجيل جيل الكاتبة من حيث طرح تلاطم أمواج الفكر والمبادئ والتربية؛ فتجدها مع دلال في سن المراهقة، تتقدم وتخطو خطوات حذرة تدفع فيه للتفكير بمحصلات ونتائج أي علاقة بين فتاة شاب، تجد الوعد للأم يقف أمام استمرار وعد دلال مع ” وليد”؛ لننتبه للإسم فهو ينبئ بميلاد شيء جديد، يتكون رغم ما يحيط به، تؤنبه دلال وتحاصره بكلماتها عن الحالات المشابهة والدوافع، وتعيد على مسامعه بسخرية سيرورات علاقات طيارة، لكن بوقع ثابت جاد .. إصرار وليد هو ما يولد القفة والاستمرار، أما ناي فمعها تتداور الأيام لتطرح أخطر أمراض العصر السرطان ومقاومته والخوف والهلع والنصر؛ لتدخل شخصية داعمة ” منصور ” يوحي بالتفاؤل الاسم والمواقف والوصول لنهاية سعيدة رغم العقبات والانتكاسات … واقعية الأحداث تحملك لتجد هذا الجيل نحمله فوق طاقته، هذا الجيل الذي يناكف الفساد يتحداه ويناوره ويحاوره، فعندما يُقتل خالد صديق شريف، يعاهده على المضي على طريقه، فيجمع كل ما يستطيع من مواد ودلائل وقرائن في كتاب … هلاّ ننتبه في كتاب سيُحدث القارعة، لكن بعد دم ثان لكاتبه شريف، ماذا تقولين لنا؟ بل توثقين الحقيقة مكتوبة بالدم؛ ليتطهر وينقى ما نحن فيه … يحدوك الأمل وأنت تقرأ العشاء الأخير لصابرين التي أنجزت مهماتها التي كانت جبلا لتنام نومتها الأبدية بعد ثلاث وعشرين سنة فتذهب لراضي لتكمل المشوار .
كل هذا الجبل تعتليه ليت .. عنوان يصرخ وينفجر كما قال أستاذنا الناقد والكاتب ابراهيم جوهر في تقديمه لرواية ليت .. من يجرؤ على تقديم بركان للناس؟ أنا أفعل … وأنت فعلت.
كبرت بأسرع مما توقعت يا ابنتي رهف.
وكتب ناصر التميمي:
تملكني الفضول لأقرأ هذه الرواية؛ لأكتشف عالم الشباب وكيفية تفكيرهم، فأبحرت بين ثنايا الروايه وعشت معها. تبدأ الرواية بحكاية حزن موت زوج صابرين وترك الأمّ والأطفال يواجهون الحياة، وكيف حاول العمّ الزواج من أرملة أخيه صابرين، وعندما رفضت حاول الإبقاء بها وطعنها في أغلى ما تملك، ونجح في ذلك في البداية، وأخذ منها أبناءها، ولكن لا بد للحق أن ينتصر، انتصر الحق وكشف داغر على حقيقته، وكانت نهايته القتل، ورجع أبناء صابرين إلى حضن والدتهم، يجمعهم دفء بيت واحد، وكسبت ود الجد، وحافظت على صداقة رفيق، ونجحت في تحقيق حلم حياتها بأن تجعل ابنها حسام طبيب رغم الظروف القاسية .
أثناء قراءتي للروايه تقطعني الكاتبة؛ لتدخلني في موضوع آخر، فتنتابني الحيرة ولا ألبث أن أتفاجأ بحدث آخر لإكمال الحدث الأول، ولكن عنصر التشويق وكثرة المواضيع التي احتوتها الرواية يشدني كي أكمل القراءة .