القدس: 8-8-2024- من ديمة جمعة السمان: ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية رواية “في قلبي…” للكاتب المقدسيّ رضوتن صندوقة، وتقع الرّواية الصادرة عام 2024 عن مكتبة كل شيء في حيفا ويحمل غلافها الأوّل لوحة للفنّان التّشكيليّ ماهر شهاب القواسمي في 200 صفحة من الحجم المتوسّط، ومنتج الرّواية وأخرجها الأستاذ شربل الياس.
افتتحت الأمسية مديرة الندوة ديمة جمعة السّمّان فقالت:
رواية “في قلبي …” تدعو للتّفكير في الحبّ كوحدة متكاملة لا تنفصل عن الوطن.
قد يبدو من الغريب أن يجتمع القانون مع الرومانسية في شخص واحد، إذ أن كاتب رواية ” في قلبي”، محام وكاتب عدل، فهو ليس كاتبا فحسب، بل هو محام متمرس. ويبدو أن هذه الازدواجية كانت السبب في إضفاء عمق فريد وفهم عميق للعواطف البشريّة والتّعقيدات الحياتيّة في روايته.
استطاع كاتبنا أن يجسّد في روايته جمال الحبّ وتحدّياته بطريقة تعكس رؤيته القانونيّة والتزامه بالعدالة والمبادىء.
ما يميّز الرّواية ليس فقط كونها باكورة أعمال الكاتب، بل القصّة الملهمة التي تقف خلفها. فقد استطاع الكاتب المحامي أن يجمع القانون ورِقّة المشاعر الانسانيّة في هذه الرّواية.
استمرّت رحلة كتابة رواية ” في قلبي” سنوات طويلة، كان الدّاعم الأكبر له في هذه الرّحلة هي والدته المسنّة، التي شجعته بحبّ وإيمان كبيرين. ولكن غيّبها الموت قبل أن ترى ثمرة تعبها وتشجيعها، رحلت قبل أن ترى الرواية النور، فأصبح إكمال الرواية أكثر من مجرد حلم لابنها رضوان صندوقة، أصبح وفاء لوعد وذكرى عزيزة.
هذا العمل الأدبي ليس فقط كلمات جميلة، بل أيضا قصّة حبّ وتفان من الكاتب لوالدته الرّاحلة، إذ قرأناها بين سطور الرّواية، بعد أن أهدى الكاتب العمل لروح والدته بكلماته المؤثرة:” إلى روح أمّي التي رأت الحروف الاولى للرّواية، وهي مضغة، ثم علقة، ولكنها لم تر مخاض ولادتها بعد أن غيّبها الموت”.
في رواية ” في قلبي” يقدم الكاتب رؤية عميقة ومعقدة لمفهوم الحب والوطن.
يقول: ” الحب سواء للحبيبة أو للوطن لا يتجزأ، فالحبّ يحتاج للوطن حتى نعيش فيه، ولا قيمة للوطن من غير حب”.
هذا النّص يتجاوز الحبّ الرّومانسي ليشمل حبّ الوطن، ويعكس تجربة بطل الرّواية “فارس”، فهو الكاتب الصّحفي الوطني الشّجاع، الذي يناضل ضد الظّلم، وضدّ النّظام القمعيّ، ما أدى إلى اعتقاله والتّحقيق معه من قبل والد حبيبته -المسؤول في النّظام-.
من خلال هذا السياق يمكننا أن نرى أنّ حبّ الكاتب لوطنه لا يقلّ عن حبّه لحبيبته، بل إنّه يرى أنّ الحبّ الحقيقي لا يمكن أن يتجزّأ أو ينفصل، وأنّه يمكن أن يكون مصدر قوّة وإلهام في مواجهة القمع والظّلم.
ولم يكتف الكاتب بمناقشة الحب والوطنيّة فحسب، بل تطرّق أيضا إلى قضايا اجتماعيّة هامة، تعكس معاناة النساء في مجتمع يفرض عليهن الزواج بالإكراه، مما يحرمهن من حقهن في اختيار شريك حياتهن بحرّيّة.
كما يتطرّق “صندوقة” إلى قضية زواج البدل وتبعاته السّلبية، إذ أنّ بعض العائلات تعامل نساءها كسلعة تباع وتشترى دون اعتبار لمشاعرهن ورغباتهن.
من خلال هذه القضايا، يعبّر الكاتب عن نقده العميق للممارسات الاجتماعية الظالمة التي تقمع النّساء وتحرمهنّ من حقوقهنّ الاساسيّة.
هي رسالة قويّة تدعو إلى احترام المرأة وحقها في الحب والحرية والاختيار.
هذا التناول الشّامل للقضايا الاجتماعية يعكس مدى التزام الكاتب بالنضال من أجل العدالة والمساواة.
رواية عميقة شاملة، كتبت بلغة شاعريّة جميلة، تعكس حسّ الكاتب المرهف.
إلا أنّني رأيت بعض المبالغة في أحاسيس ومشاعر البطل فارس، التي لم تكن مقنعة في بعض المواقع، مما أثّر على الحبكة الروائية بعض الشيء، بصورة لم تكن لصالح العمل الروائي.
رضوان صندوقة قدّم لنا رواية إنسانيّة بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى.
الرواية لون جميل وجامع لقضايا اجتماعية وانسانية متنوعة، لا شك أنها إضافة للمكتبة العربية.
وقال محمود شقير:
يكتب المحامي رضوان صندوقة قصة حب حافلة بالمشاعر الجياشة، وبالمفاجآت السارة حينًا المؤلمة حينًا آخر. بطل القصة اسمه فارس، جاء لكي يعالج قلبه لدى طبيبة اسمها غدير، ومنذ لقائه الأول بها يشتعل قلبه حبًّا وشغفًا بها، ويشتعل قلبها حبًّا وشغفًا به.
تتخلّل قصة الحب هذه قضايا اجتماعية فرعية تقع على هامش اهتمام فارس الصحافي الذي يقرض الشعر وغدير الطبيبة، وبعضها يقع في صلب اهتمامه واهتمامها، كأن يتحكم فيه أبوه ويجبره على الاقتران بواحدة من بنات العائلة، غير آبهٍ لعلاقة الحب التي ربطته بغدير، ويتحكم فيها أبوها ويجبرها على أن توافق على خطبتها لعسكري مسؤول، غير آبهٍ لعلاقة الحب التي ربطتها بفارس، بل إن هذا الأب، صاحب الرتبة العسكرية، يعتقل فارسًا ويودعه السجن لكي يبتعد عن ابنته.
هناك، علاوة على ذلك نقد في مكانه الصحيح لزواج البدل، ونقد لتزويج البنت غصبًا عنها لرجل يكبرها في السن، فتصبح حياتها جحيمًا معه، وتنتهي بالطلاق.
2
منذ الأسطر الأولى، يمكن ملاحظة مدى تمكّن الكاتب من لغته، بحيث استطاع من خلالها أن يبحر في استدراج ما في دواخل شخصياته من مشاعر حب الرجل للمرأة، وحب المرأة للرجل، ولا أبالغ إذا قلت إن اللغة الشعرية المنتقاة هي البطل الرئيس في هذه الرواية، حيث المجازات الباذخة والصور الفنية المدهشة، والتعابير اللغوية التي تلامس مخزون الصور والتجارب الحسية لدى القارئ، فتدفعه إلى مشاركة المحبين مشاعرهم، وإلى التعاطف معهم من دون تردد أو استنكاف.
لكنني لاحظت أن ثمة مبالغة في استخدام اللغة بحيث تبدو في بعض المواقع فائضة عن الحاجة، أو أكثر مما يقتضيه المشهد المراد تصويره، وأضرب مثلا على ذلك حين جرى أول لقاء بين الصحافي فارس والطبيبة غدير لكي تفحص دقّات قلبه، ” وإذا بها متسارعة في خفقانها، كما لو كانت أحصنة عربية أصيلة، تعدو صوب ساحة المعركة، أو تركض خببًا، هروبًا من أرض جرداء؛ باحثة عن أرض خضراء”ص17.
ثمة ملاحظة أخرى لها علاقة باللغة، وهي تتمثّل في التماثل والتشابه والمستوى ذاته في لغة كلٍّ من فارس وغدير وأسعد وجميل وهيفاء؛ حدّ الإحساس بأن الراوي العليم الذي هو قناع المؤلف رضوان صندوقة قد وزّع لغته الشعرية بأقدار متساوية على شخوصه، فلم نعد نعرف، إلا على نحو يسير، ملامحهم الخاصة التي طغى عليها حضور لغةٍ، هي لغة المؤلف.
3
ولكي يبتعد الكاتب عن الواقع اليومي لمجتمعنا وما فيه من تناقضات لجأ إلى تغييب المكان الفلسطيني، وإلى ابتداع مكان متخيَّل ينقصه الحب لكي يكتمل، فلم يكتمل، بل إنه أخذ بطل الرواية “فارس” إلى السجن، فاحتمل السجن وظل مؤمنًا برسالة الحب، في حين أن غدير لم تعد موجودة في أفق حياته، بل كانت زميلته في العمل: هيفاء حاضرة في ذلك الأفق، وكان واضحًا أنها تمنحه حبّها من دون شروط، ولم يكن حتى نهاية الرواية يبادلها حبًّا بحب، مع بقاء هذا الاحتمال ممكنًا.
4
ربما كان المكان المتخيَّل مناسبًا لإيصال قصة الحب بين فارس وغدير إلى ذروتها، لكن ذلك أوقع الرواية في بعض الملابسات التي تشوّش صدقيّة السرد حين نقارنها بمعطيات واقعنا الذي نعرفه؛ ذلك أننا نعاني من احتلال إسرائيلي يحاول تهويد مدينتنا وطمس هويتنا، وفي الرواية نظام عسكري مستبد يحرِّم الحب ويحاصره على يدي والد غدير، فهو السجّان الذي سجن “فارس” مرتين.
وثمة التباس آخر يصعب تصديقه حين نقارنه بواقعنا الراهن، وهو يتمثّل في تحكّم والد فارس في أمر زواجه؛ وهو الشاعر الصحافي صاحب القلم الحر، فلم يستطع فارس مجابهة أبيه حين ألزمه بخطبة ابنة العائلة ليلى، بل إنه هرب من البيت. ويتمثّل في تحكّم والد غدير؛ وهي الطبيبة ذات الاختصاص، فلم تستطع مخالفة أبيها الذي أجبرها على أن تقبل خطوبة زميله الضابط لها، ثم فسخه للخطوبة بسبب السفر إلى الخارج.
ذلك التحكّم في مصير الأبناء والبنات تجاه مستقبلهم ومستقبلهن لم يعد قدرًا لا فكاك منه، ولم يعد أحد يمارسه، إلا ربما في حالات قليلة نادرة، في بيئات لم تنل حظها الكافي من العلم.
برغم هذه الملاحظات، أتوقّع للكاتب المحامي رضوان صندوقة حضورا أكيدا في فضاء الثقافة الوطنية الفلسطينية بعد هذه الرواية التي تنبئ بالكثير.
وكتب جميل السلحوت:
رواية “في قلبي…” هي الرّواية الأولى للمحامي المقدسيّ رضوان صندوقة.
طالعت هذه الرّواية فأدهشتني وسيطرت عليّ من سطرها الأوّل حتّى آخر كلمة فيها، فعنصر التّشويق قادني لقراءتها في جلسة واحدة.
تتحدّث الرّواية عن قصّة حبّ رومانسيّة بين رجل وامرأة، وتشعّبت إلى حكايات وقصص أخرى عن زواج فاشل، لكنّها بقيت مترابطة بخيط شفيف؛ لتخدم الهدف الأوّل، وهو السّلطة الأبويّة القمعيّة، الّتي تتحكّم بحياة الأبناء، فلا تعطيهم أبسط حقوقهم، ومنها حقّهم الفطريّ بالزّواج ممّن يحبّون، وما دام القمع يبدأ من الأسرة والبيت فإنّه يمتد ليعمّ المجتمع، الّذي أفرز سلطات مستبدّة.
وقد لفتت انتباهي الّلغة الأدبيّة الشّاعريّة والشّعريّة الّتي كتبت بها الرّواية، فقد بدا لي الكاتب كأنّه يتغنّى بجماليّات الّلغة، وساعدة في ذلك أنّ روايته رومانسيّة، والرّومانسيّة هي:” هي إناء الحبّ والعشق والغرام وتتشكّل من مزيج من الإحساس بالتّعلّق القويّ والجذّاب والممتع والعاطفيّ في إطار خياليّ حالم جميل تجاه شخص آخر، وغالبا ما تتجمّع هذه الأحاسيس في وحدة من الجاذبيّة العاطفيّة التي تتدرّج صعودا إلى التّمازج الجنسيّ.”
لكنّ الحبّ في رواية “في قلبي…” تدرّج إلى قمّته الّتي كان يجب أن تصل بين فارس الّذي يقرض الشّعر، وبين عشيقته الدّكتورة غدير إلى الزّواج، لكنّ السّلطة الأبويّة رفضت ذلك، ففرض الأب على ابنته أن تكون خطيبة لرجل آخر؛ ليبقى الشّاعر العاشق ” فارس” وعشيقته الدّكتورة غدير يعيشان لوعة الحبّ، الّذي لم يكتمل كما يشتهيان، وحكاية فارس وغدير ذكّرتني بقصّة” قيس وليلى” المعروفة في الأدب العربيّ. فهل تأثّر الكاتب رضوان صندوقة بها، أم أنّ روايته جاءت عفو الخاطر؟
والحبّ والرّومانسيّة مترابطان كما تقول د. نرمين الحوطي في مقال نشرته في صحيفة الأنباء الكويتيّة بتاريخ 4-7-2008:” الحبّ والرّومانسية جزء لا يتجزأ، فالرّومانسيّة هي النّواة الأساسيّة للحبّ، والحبّ هو الطّاقة المولّدة للرّومانسيّة، فهما مشاعر يحتاجها البشر، فبدون هذه المشاعر لا يستطيع الإنسان العيش، فهما النّسمات الجميلة التي يستنشقها الإنسان، وهما الماء العذب الذي يروي ظمأه، ولكن ما الفرق بينهما؟ الحبّ هو العلاقة الناجحة بين شخصين، وهو لا يخضع لشروط لأنّ كلّ شخصين حالة خاصّة تختلف عن غيرها. وهو من ضروريّات الحياة، أمّا الرّومانسيّة فهي محاولة من البشر لتجميل الواقع، حيث تتجزّأ إلى الخيال والحلم، ويتمّ من خلالها إضفاء السّعادة على الحياة.”
وواضح أنّنا أمام كاتب رومانسيّ، ولو لم يكن كذلك لما استطاع كتابة هذه الرّواية.
لكنّ السّؤال هو هل عاش الكاتب حالة الحبّ الّتي كتب عنها؟ وسواء كان الجواب “نعم” أو “لا” فإنّ هذا لا يغيّر شيئا من قيمة الرّواية، مع التّذكير بأنّ الكاتب يكتب في نصوصه شيئا من حياته، ومع التّأكيد بأنّ حبيبة الكاتب أو حبيب الكاتبة ليس شرطا أن يكون إنسانا من لحم ودم، وقد يكون وليد خيال خصب.
ما علينا، فالرّواية لم تقتصر على حالة العشق بين فارس وغدير، والّتي أفسدتها
” السّلطة الأبويّة”، عندما وقفت سدّا منيعا بين زواجهما، بل تعدّتها إلى حكايات أخرى، فإحداهنّ فرض عليها زواج البدل، وتمّ طلاقها عندما اختلفت بديلتها مع زوجها وتطلّقا، فتطلّقت هي الأخرى بضغط من حماتها وهي حامل؛ لتنجب طفلا عاش في كنف والدته بعيدا عن والده.
وهناك زواج العمّة الّتي تزوّجت من مغترب في الخليج لا تعرف شيئا عنه، وتفاجأت بأنّه في السّتينات من عمره، فقضت معه مرغمة عشر سنوات، مات بعدها؛ لتمضي بقيّة حياتها أرملة.
وواضح أنّ الكاتب قام بدور السّارد العليم، فقد حرّك شخوص روايته كما يريد، ولم يترك لهم حرّيّة الحركة، حتّى أنّه لم يترك لهم في أكثر من موقف حرّيّة الحوار، ليتحاوروا مع غيرهم، بل كان يسرد ما يقولونه على ألسنتهم بلغة الغائب.
ويبدو أنّ الكاتب قد استفاد في قصص وحكايات روايته من مهنته كمحام، فمن خلال القضايا العائليّة والأسريّة الّتي استلمها كمحام اطلّع علىى الكثير من القضايا المجتمعيّة الّتي ولّدت مشاكل مثيرة أيضا.
وماذا بعد: تعتبر هذه الرّواية إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة، الّتي تفتقر لروايات الحبّ، وهي موجودة بين أفراد شعبنا مثله مثل بقيّة الشّعوب، وإن طغى الهمّ السّياسيّ على الأدب الفلسطينيّ، مع التّأكيد أنّ هذه القراءة السّريعة للرّواية لا تغني عن مطالعتها والتّمعّن فيها، وهذه الرّواية تنبئنا بمولد روائيّ جديد سيكون ه شأن في عالم الرّواية بشكل خاصّ، وعالم الأدب بشكل عامّ.
وقالت نزهة الرملاوي:
المكان: وطن حبّ مفقود.
الزمان: زمان البحث عن حبيبة مختلفة متخيلة
تصنيف الرواية: اجتماعية، رومانسية
بطل الرواية: فارس رجل عاشق يبحث عن الحبّ، ولو عجز عن الزواج، بين جدران قلب الحبيبة يبحث عن الحياة..
غدير: امرأة تبحث عن الزوج ولو بعيدا عن الحبّ، تبحث عن الدفء في بيت زوجها ص200.
الأسلوب والتقنيات: استخدم الكاتب أسلوب الاسترجاع ( الفلاش باك) والأسلوب الوصفي مع التعابير الشعرية المكثفة لكتابة أحداث روايته، بالاضافة الى الأسئلة المحفزة لإثارة تفكير القارئ، وإسقاط رؤية الكاتب من خلالها.
أفكار الرواية: تطرقت الرواية إلى أحداث رافقت الشاب فارس، ذلك الشاعر العاشق، الذي ملأ صفحات حياته شعرا حزينا لغياب حبيبة مرسومة في خياله، وهي أشبه بوطن الحبّ الذي يتمنّى أن يكون.
شاءت الأقدار أن يجتمع فارس بالطبيبة غدير التي كان يحلم، ويراها عن قرب في المشفى حينما ذهب إليه بعد إحساسه بوجع في صدره. أحبها من أول لقاء، وبعد لقاءات أفرغ كلّ منهما ما في قلبه، حدّثها فارس عن سبب تعبه وزيادة خفقان قلبه، وأخبرها أنه تائه يبحث عن وطن الحبّ الذي نسيه منذ زمن طويل، وأشارت هي إلى بحثها عن ذلك العزيز المفقود ( وطن الحبّ) لكنّها أخبرته أن لا يتعب نفسه ويبحث.
وما دمنا أمام رواية رومانسية، إذن لا بد من الاهتمام باثارة النّزعة العاطفية للقارئ، مما دفع الكاتب لرسم كمّ هائل من التعابير التي خدمت رؤيته، ولكن تلك العبارات والتعابير الوصفية وبشكل لافت في معظم الصفحات، ساعد في خلق حالة
سردية مبتذلة فاقت الحدّ، وجاء ذلك على حساب الرويّ وتطوّر الحدث.. رغم شعور القارئ بوهجها وبحبّ فارس لغدير. الا انها بددت المشاهد السردية في الرواية.
كما جاء في معظم صفحات الرواية، حيث وصف الحبيبة بالشامخة كجبال لبنان ولها حضور وكبرياء، نضرة الوجه، ونجمة تتربّع في السّماء، في عينيها بريق يلمع طيبة تسحر الحاضرين، ص (16) والكثير من الصّفات كما ورد في الصفحات(18) و (20) وصفها كالشّمس في كبد السّماء اذا ابتسمت، واذا سكتت كانت كالقمر، أغرق الكاتب بوصف غدير حين حضرت للقاء ص ( 82) كأرز لبنان وجبل طوبقال .. وكما أشرت لم يترك الكاتب صفة جميلة إلا ووصف بها الحبيبة، بحيث لا يمكننا حصرها في هذه القراءة.
تطرقت الرواية في الصفحة (31) إلى سفر الأبناء وانشغالهم وابتعادهم عن الآباء، مما أدى إلى فراغ روحي لديهم، ( تركوا والديهم وحيدين وأحضانهم شاغرة إلا من الأحزان). تطرقت الرواية إلى عزوف بعض الشباب عن الزواج، لأنهم لم يجدوا نصفهم الآخر، بمعنى أصح لعدم ايجادهم امرأة، تشبه تلك الصورة المتخيلة لأمرأة تسكن فيهم، كبطل الرواية فارس الذي أصبح عمره ثمانية وثلاثين عاما، ولم يجد فتاة أحلامه بعد. وصور الكاتب بمصداقية ضغط الأهل والحاحهم لتزويجه، حتى يفرحوا به ويحملوا أولاده بين أيديهم.
طرح الكاتب سؤال جيد ( هل ما عاشه الآباء يصلح اليوم للأبناء؟ص54.
تناولت الرواية بعض حالات الزواج في مجتمعنا العربي، وبينت بأبعادها الاجتماعية سيادة الآباء وتسلّطهم، بغضّ النّظر عمّا تحمله قلوبهم، لا يهتمّون بمشاعر أبنائهم وعواطفهم، أو حريتهم الشّخصية والتّفكيرية أثناء اختيارهم للشّريك.
وبالرّغم من عمل الكاتب كمحام، إلا أنّي لم ألحظ دورا لشخصية المحامي في القصص المكتوبة، فقد استخدم وظيفة الصحفي والكاتب لمقارعة المتسلطين، وتفريغ رؤيته وسياسته الاجتماعية من خلال الكتابة.
من القصص التي أوردها الكاتب والتي كانت تشغله لإيمانه بمبدأ حرية اختيار شريك الحياة، زواج أخته (إلهام) التي فرض عليها زواج البدل، فقد تزوجت من سامر المحاسب المدلل وأخيها خالد تزوج من أخت سامر، وعاشوا جميعا في الخليج، لكن إلهام عادت بورقة طلاق بسبب تحريض وتدخلات من والدة سامر كي يطلقها؛ بسبب طلاق خالد لابنتها، وجنين في أحشائها، ولدته بعيدا عن والده.
اذن نحن أمام رواية واقعية، فقد تعرضت ل (زواج البدل) وإن بدا قليل في مجتمعنا المدنيّ والريفيّ، وأظنّ أنه بدأ بالتلاشي أو التقزّم أمام تعلم الأبناء والبنات، والتغيير الملحوظ في المستوى السّلوكي والمعرفي، بسبب تغيّر المستوى التعليميّ والتكنولوجيّ في عصرنا الحالي.
وتطرقت الرواية إلى زواج المغتربات في الخليج، منها زواج عمّة فارس الشّابة انشراح الّتي كانت تروي قصتها في معظم الأوقات، ويعود بها الزمن للوقت الذي زوّجت فيه من ستينيّ مغترب يقيم في الخليج، خوفا من العنوسة، ولم تعرف انشراح عنه شيئا، وجدته صورة مخالفة لما قيل عنه، وكما رأته في صورة أرسلت إليها عاشت معه عقدا من الزّمن، بعد موته أمضت بقيّة حياتها أرملة.(68)
أظن أن هذه الظاهرة منتشرة في بلاد عربية كمصر أكثر من بلادنا.
اظهر الكاتب مدى الخوف الذي لازم فارس للبوح عن عشقه لغدير التي تبادله المشاعر، وصف الكاتب حلم اللقاء والرسائل بينهما بلغة شاعرية فائضة، اعترفت غدير عن كبريائها الذي لا يساعدها بالإفصاح عن حبها.
من المفارقات أن يذهب فارس العاشق (الذي لقي فتاة أحلامه) لخطبة ليلى تلك الفتاة التي اختارها أهله؟ هل طغى القبول والخنوع على مشاعر الحبّ والعواطف الجياشة في لحظات؟ أم هروبه متعمدا كان أكثر واقعية ودهشة، لأنه يحارب هذه النوعية من العلاقات والعادات في اختيار الازواج.
حمل الكاتب في فكره مبادئ عديدة، كحرية الفكر والمواجهة، وحرية الاختيار وعدم التسلط، وعدم الاجبار والاكراه، ووعد نفسه قبل الارتباط بأي انثى، أن يراها كما يراها قلبه، وكما حلم بها.
ومن المبادئ التي آمن بها حبّ الوطن الذي لا يضاهيه حب، وقد سجن من أجل ذلك الحبّ وفقد والده وفقد غدير التي لم تزره وهو في السّجن إلا مرة واحدة، ولم تأتي لتقديم واجب العزاء.
من المفارقات ارتباط غدير من رجل عسكري اختاره والدها لها، لكنها تركته لانها لا زالت تحبّ فارس، وعاد وهج الود والحب كما كان بينهما ص”133″.
شخصيّة فارس شخصية قوية متطورة متحررة، كان يبدي رأيه فيما يسمع وفيما يرى، ولم يعجبه آراء والد غدير الذي طالبه بتسييس قلمه للنظام وعدم تدخله في أشياء أخرى.
كفر فارس بالنظام الذي لا يؤمن بالحبّ ويبقي على الجهل الموروث، ولا يريد السّكوت عن الحقّ، وقال لغدير حين زارته في السجن: (في ظل هذا النظام وطالما كان أبوك هو المحقق والقاضي والسّجان، ومن يتحكم بالحريات، فإن مدة السّجن قد تطول) وهذا رمز لعدم قبول الذل والتقدم نحو الحريّة بكلّ وثبات وعزم.
صور الكاتب السّجن وظلمته، وعذاباته، ورفاق فارس بالسجن الذين آمنوا بمبادئه القائمة على الحبّ والأمن والسّلام.
فيما اعتبرت سهر غياب غدير سياطا جلدت فارس العاشق “182”
اتّسمت لغة الرواية بالوضوح والشاعرية، الصور الشعرية كانت جميلة جدا وفي محلها،(86) و (87)، وأعتقد أن روح الشّعر الساكنة في قلب رضوان صندوقة، بدت واضحة ومنتشرة في معظم الصفحات أكثر من السّرد الروائي.
الرسالة التي ختم الكاتب صفحاته بها أفادت (أن الحبّ يحتاج للوطن حتى نعيش فيه، ولا قيمة للوطن من غير حبّ) ص”192″.
نهاية الرواية كانت جميلة فيها أمل بتحرير المعتقلين بعد خطف جنود النّظام، الذين تحدّوا الحبّ وخانوا الوطن.
” الحبّ أقوى من أن يحبس خلف جدران، وأقوى من القيود التي تلتفّ حول سواعد العاشقين”.
وقال المحامي حسن عبادي:
يعالج الكاتب قصة حب من النظرة الأولى بين بطله فارس، صحافي وأديب ومُنظّر… وعاشق، ومطبّبة القلوب، غدير، وثالثهم ملكَة اللغة الانسيابيّة الشاعريّة الحاضرة بينهما في كلّ اللقاءات، في عيادتها وفي الحديقة العامة وعبر شاشة الهاتف والحاسوب، ملازمة لهم كلّ الوقت.
يتناول الكاتب قضايا اجتماعيّة ساخنة، فالكاتب ابن بيئته وقضايا وحكايا شئون العائلة التي ترافقه في شغله المهنيّ كمحامً تلاحقه عبر صفحات الرواية، ويركّز على قضايا الزواج والفراق وما بينهما، السلطة الأبويّة و”حقّها” بالتدخلّ بهوية الزوج/ الزوجة واختياره، غير آبه بمشاعر وأحاسيس الابن/ الابنة وشيء اسمه الحب؟ فوالد غدير/ الطبيبة الجامعيّة يختار لها ويقرّر بدلاً عنها خطوبتها لعسكريّ نتاج مصالح شخصيّة بحتة. وكذلك الأمر بالنسبة لفارس، الفهمان والعاشق المغوار، يختار له والده واحدة من بنات العائلة زوجة له؛
نعم، ما خلّى المثل شي ما قاله” السكافي حافي والحايك عريان”.
وكذلك الأمر زواج البدل وما يترتّب عليه من مشاكل وإجبار الطرف الراضي على الطلاق بسبب مشاكل الزوج البديل؛ الطلاق حال اختلاف البديلة مع زوجها نتاج ضغوطات العائلة؛
وزيجة “المصلحة” والزواج بالإكراه لرجل طاعن بالسن هرباً من العنوسة؛ وجبروت الحموات واستبدادهن.
وتبقى لغة الكاتب بطل الرواية دون منازع، صفحة 19-20 مثالاً، بعيدة عن الحب والمشاعر والأحاسيس، التي تبدو شعاراتيّة أحياناً وبعيدة عن أرض الواقع، وكما كانت تقول جدّتي، رحمها الله، “حكي كُتُب”. حبّذا لو تحدّثت شخوصها بلغتها المتفاوتة، من القلب، وأحاسيسها وليست لغة حوارية مونوتونيّة حديديّة. حبّذا لو تفاوتت لغة هيفاء العفويّة و/ أو عوض الثرثار و/ أو سهى البريئة الصادقة، كلّ بلهجته وحواريّته الانسيابيّة.
راق لي عنصر التشويق عبر صفحات الرواية، والقفزات بين شخوصها، وتبدّل الأزمنة والأمكنة، ولكن لم ترق لي انهزاميّة شخوصه ومياعة مواقفهم وعدم الثبات على حقهم في اختيار قرينهم وشريك حياتهم. يا لها من مقولة رجعيّة. اللغة الرومانسية وحدها لا تكفي.
ظهرت عبر صفحات الرواية ثقافة الكاتب الموسوعيّة فجاءت بنيويّة دون ابتذال؛ فاستحضر ابنة إيسس (ص. 16)، “الأسود يليق بك” (ص. 39)، “المعادلات الخوارزميّة” (ص. 49)، “معارك دونكشتيه” (ص. 63)، برنارد شو: “ما دامت أبواب السجون مفتوحة، فلم يعد مهما من منّا سيدخل أوّلا” (ص. 152)، و”رسائل غسّان كنفاني إلى غادة السّمان” (ص. 155)، و”عائد إلى حيفا” و”رجال في الشمس” (ص. 158) وجين وبستر، صاحبة “صاحب الظلّ الطويل” (ص. 162) وغيرها.
راقت لي مقولته “ما يفيدنا إكليل من الورود تضعونه على قبورنا بعد وفاتنا، وقد استكثرتم علينا زهرة، تقدّم لنا في حياتنا” (ص. 33)؛ وجاءني المثل الجزائري: “عندما كان حياّ كان يشتاق إلى ثمرة وعندما مات غرسوا نخلة جنب قبره”.
ذكر الكاتب كلمة “حب/ قلب/ وطن الحب” مئات المرات عبر صفحات الرواية بتكرار محبط ولو جاء ذكرها مرّة واحدة فقط لكان وقعها وأثرها أكبر بكثير، فكان يكفيها ما جاء في صفحة 197 “مرّت ثلاث سنين عجاف على تلاقي فارس مع غدير، سنة فاضت بها القلوب بسنابل الحبّ، وسنة أذابت مهجة القلب، وسنة دقّت أفراح العيون، واستمرّ جفاف القلب إلّا من بصيص أمل، ثلاثة أعوام، وهو ينقّح الكلمات والسطور، وعشرة أعوام ويزيد، وهو يبحثُ عن وطن الحبّ …”
مباشرة بعد انتهائي من قراءة الرواية، قرأت مجموعة قصصيّة للكاتبة أصيل سلامة، ابنة رفح النازحة في خانيونس، “قمر 14 وقصص أخرى”، وكتبت قصة قصيرة جدّاً تحمل عنوان “وطن”:
“رأى فيها وطنه فأحبّها
تعلّق بها، أدمنها بجنون،
ثم تزوّجت من غيره
يا للمسكين! نسي أنّ الوطن يغزوه محتلّون.”
فكتبت برقيّة لصديقي المقدسيّ محمود شقير في ساعة متأخّرة من الليل، أرفقت بها النصّ: “مساء الخير، أصيل سلامة تلخّص رواية “في قلبي” لرضوان صندوقة!”.
نعم؛ إن الحب أكبر من أن يحبس خلف جدران، وأقوى من القيود التي تلتفّ حول سواعد العاشقين.
وكتبت هدى عثمان أبو غوش:
العنوان “في قلبي”يتكون من حرف جر واسم مجرور في محل خبر، والمبتدأ محذوف جوازا.كما أنه يثير في القارىء تساؤلات عمّا في القلب من أسرار،وماذا يخبىء في أعماقه أهو الفرح أم الحزن؟ولكن من المؤكد أن فحوى الرّواية لها علاقة بالعاطفة بسبب ذكر القلب، وضمير المتكلّم يشير إلى أن أحد أبطال الرواية يبوح ما بقلبه، لذا نجد أرى أن العنوان موفق.
“في قلبي”هي باكورة أعمال الكاتب المحامي المقدسي رضوان صندوقة،وقد وجدت في قلمه رحيق الكاتب الذي سيزهر في حديقة الأدب إن شاء الله، وفي روايته التي أمامنا حاول الكاتب أن يكتب رواية اجتماعية عاطفية، تزخر بالمشاعر والأحاسيس، فكرتها هي دعوة لنحيا الحب دون عراقيل، وأن يتوج الحب بالزواج، فالحب رغيف الحياة،يقول:” أن تعيش الحبّ في وطن الحبّ دون قيود” وجدير بالذكر أن الكاتب صندوقة كان جلّ تركيزه على الزواج من منطلق الحبّ لا غير، فهو لم يفسح المجال للزواج من إنسانة مثلا تربطهما التفاهم أولا والاحترام المتبادل والفكر المشترك، وكأن بالحبّ وحده سرّ نجاح العلاقة الزوجية فقط. لقد نسج الكاتب روايته بخيوط اللغة الشعرية، والإنشائية بلسان ضمير الغائب، والسّارد العليم، مستخدما الحوار بالفصحى، فمن خلال شخصية فارس الصحفي والشاعر تتجلى العاطفة القوية وهو يبحث عن الحبّ المفقود في حياته، وقد بلغ الثمانية والثلاثين، وقد وجده في قلب الطبيبة غدير في الثلاثين من عمرها، وهي أيضا كانت متعطشة للحبّ، غير أن الظروف حالت دون زواجهما.
هناك بعض الملاحظات التي لفتت انتباهي أثناء قراءتي للرواية: إن هروب فارس من بيت والده لفترة طويلة بسبب محاولة الضغط عليه ليتزوج ليلى هو أمر غير مقنع، خاصة لأنه شاب وصحفي جريء متمرد، فهذا يناقض شخصيته، عدا عن ذلك فإننا في مجتمع متطور اليوم كلّ يختار عروسه بحرّية.
- غلب على السّرد ازدحام المحسنات البديعية مع جريان الرومانسية، خاصة التشبيهات وأحيانا كانت مبالغة.مثل:(ابتسامتها شامخة كجبال لبنان)، (عيون غدير تلألأ كأرز لبنان)،(وهو المهاجر من الصحراء العربية، والظمآن منذ آلاف السّنين). جاء هذا الزخم حين بدأت علاقة فارس العاشق بحبيبته الطبيبة غدير، وحسب رأيي فإن ذلك كان على حساب السّرد، الحدث والحبكة، أحيانا كانت التشبيهات تثقل على القارىء، بالمقابل كانت المحسنات في الصفحات الأولى للرواية جميلة، وكذلك السّرد.
كان هناك تكرار لبعض المفردات، وأحيانا جاء تكرار نفس الكلمة في عدّة سطور قليلة مثل: (الأحزان ،جدران،صمت،انتظار،سماء).
تطرق إلى زواج البدل وزواج القاصرات، فوصف من خلال قصة هيفاء مدى اضطهاد المرأة واستغلالها. استخدم الاقتباس من الأدب والشّعر.
جاءت شخصية الطبيبة غدير متناقضة، فهي المتعلمة والقوية حسبما تمّ وصفها، لكنها ضعيفة أمام سلطة والدها،لم تحاول التّمرد، والدفاع عن حبّها، ورضغت لظروف والدها.
رواية “في قلبي”رغم ما تحمله من عنصر المبالغة في حزن العاشق، وتصوير حرمان العشاق من تحقيق أحلامهم في وطن الحبّ،إلا أنه دقّ أجراس القلوب العاشقة والظمآنة، في صرخة نعم للحبّ، نعم للوفاء.
وقال بسّام داود:
رواية اجتماعية واقعية جميلة اشارت الى الكثير من القضايا الاجتماعية .
اللغة جميلة الاسلوب جميل شيق يشد القارئ .
تدور احداث الرواية حول قصة حب جميلة بين الصحافي الاديب فارس وطبيبة القلب غدير حيث وجد كل منهما نصفه الاخر في حبيبه”وجدوا وطن الحب” الذي من المفروض ان تكون نتيجته الزواج، لكنه اصطدم بمعيقات من تخلف وجهل وتسلط تمثلت بوالد غدير آدم المحقق والموالي للنظام الحاكم الذي استغل مركزه وسجن فارس، ورفض زواجه من ابنته، واجبرها على خطبة رجل عسكري تابع للنظام من اجل مصالح شخصية .
وقد احتوت الرواية على الكثير من القضايا الاجتماعية :
زواج البدل: وما يترتب عليه في حال حصول خلاف بين زوج وزوجته، ليمتد هذا الخلاف ليشمل الزوجة البديلة وتدفع الثمن كما هو متعارف عليه في عرف الانتقام الاسري ليصل احيانا الى الطلاق .
زواج الإكراه: وما ينتج عنه من مشاكل اسرية قد تؤدي الى الطلاق وتشتت الاسرة وضياع الاطفال وسببه تحكم الآباء في مصير الابناء والبنات تجاه مستقبلهم .
3الزواج المبكر: تزويج الابناء او البنات قبل بلوغهم سن النضج والوعي وعدم قدرتهم على تحمل مسؤوليات الزواج الكبيرة لانهم اصلا بحاجة الى الرعاية والاهتمام .
الزواج التقليدي: خاصة الذي يتم عن طريق الخاطبة وما يصاحبه من خداع وعدم الافصاح عن الحقائق، لتجد الزوجة نفسها في جحيم الحياة الزوجية .
تسلط بعص الحماوات وما يتبعه من ظلم وقسوة وتعنيف لزوجة الابن .
شخصية الابن المدلل الضعيفة المنفذ لتعليمات امه بحذافيرها دون اعتراض لتكون زوجته هي الضحية .
لسوء حظ فارس الصحافي الاديب المثقف انه احب ابنة رجل متخلف موالي لنظام فاسد قمعي يعمل على تكميم الافواه وتقييد الحريات حتى الكتابة عن الحب عندهم ممنوع وتعتبر تمرد على الاستقرار وتشكل خطرا على اركان النظام السائد، فيخشون كل كلمة تكتب من قبل أيّ أديب أو مثقف لما فيها من خروج على العرف الموروث، وتحريضا ضد الجهل الذي يتمتع به شيخ القبيلة وازعاجا لجمهور الشعب النائم وحثا على الانقلاب على سياط الجلادين .
وقد كشفت الرواية على استغلال المسؤول لمركزه لتحقيق مآرب شخصية، كما كشفت ان النظام الفاسد يعمل على تجنيد الاشخاص للتعامل معه لدعم اركانه من خلال تقديم مغريات لهؤلاء العملاء كخلق وظائف جديدة لهم وجعلهم اسيادا.
– اوضحت الرواية ان هناك فرقا بين من تختاره بقلبك وبين من يختار قلبك .
-اشارت الرواية للصراع مع النفس بين الحب والنسيان بين حاجة القلب وسطوة الاخرين بين سطوة العقل ونداء القلب .
-مشكلة العاشق انه يلغي الواقع وعقله ولا يسمع ولا يرى الا من خلال قلبه .
-نختتم الرواية بوصية العاشق الذي لمح الى ان الفوارق الطبقية الموجودة في نفس الانسان لا زالت موجودة عند البعض وقد تكون سببا في الوقوف امام الحب وتحقيق هدف المحبين .
فقال : لا تكتب شعرا يا ولدي او ان تهوى بنت السلطان
لا تبن قصرا فوق الغيم لا تزرع زهرا في بركان
وكتبت وجدان شتيوي:
رواية اجتماعيّة رومانسيّة عاطفيّة بامتياز، بلغتها الشّاعريّة المرهفة التّي تمتّع القارئ وتجذبه لكلماتها بسلاسة.
تدور الرّواية حول البحث عن وطن الحبّ بوصف الحبّ وطنًا للإنسان لا يمكنه العيش بمنأى عنه.
بطل الرّواية فارس طالما كان يحلم بالحبّ ويكتب عنه الأشعار، ويتمنّى الوقوع فيه حتى التقى بالطّبيبة غدير في عيادتها التًي قصدها لعلاج قلبه الرّقيق، وأحبّها من اللّقاء الأوّل، وبادلته الشّعور.
كان فارس يرفض الإجبار في الزّواج، إذ وصف فارس حالة الزّواج عن غير رغبة وقناعة في قوله:
“كم أكره جمود العواطف، التي تجعل من الخيول شياها، تنتظر سكّين قاتلها، وفي الأغلب، القاتل هو الرّاعي ذاته، كأنّ وظيفتها إشباع بطون أصحاب الموائد، أو من يبحث عن فرحة عابرة، ولو على حساب جرح يمتدّ لسنوات”، كما شبّهه بالسّجن وقال عنه أنّه: “بيع للجسد، واغتصاب للرّوح إذا كان إرضاء لرغبات الآخرين”.
وقال أيضا وكأنّه يشير لأهميّة شرط الحبّ للزّواج: “ليس كلّ من يساكننا يسكننا، وليس كل من يرافقنا يكون قريننا”.
اكتسب فارس تلك القناعات من التّجارب الفاشلة التّي أبصرها حوله بدءا بزواج أخته إلهام في بلاد الخليج زواج بدل أدّى لطلاقها مع طفل فقط بسبب طلاق بديلتها، دون أيّ ذنب منها.
وعمّة أبيه انشراح التّي لم يكن يسمح لها أهلها بالذّهاب للمدرسة زوّجوها في عامها الثّامن عشر من خلال صورة جعلتها تبصر نفسها زوجة كهل ستينيّ في الغربة.
طالما كانت حكاية زواجها أيضا تبعث الخوف عنده، فقد أصرّ أن يعيش الحياة بالحبّ، ويسرج قلبه قنديلا، ينار بحبّ لا ينطفئ.
إذ قال: ”ما أجمل أن يكون في حياتنا لحظة حب نعيش من أجلها، نناضل للحفاظ عليها، ونموت دفاعا عنها”.
وفي قوله تذوّق من رحيق الحب فصار حرّا فكيف يعود إلى قيد العبيد! إشارة إلى أنّه يرى بالحبّ حريّته.
عرضت الرّواية نموذجا آخر من ضحايا الأهل وسلبهم حق أبنائهم في الاختيار في الزواج هو هيفاء المتفوّقة التي ساقها أهلها إلى الزّواج في عمر السّادسة عشرة كما تساق الخراف إلى الذّبح، وعانت مع زوجها وأمّه ما عانت، حتى آل بها المطاف إلى الطّلاق بطفل، لكن ذلك لم يمنعها من تجاوز آلامها وإكمال تعليمها بمساعدة جدّتها، والأستاذ جميل وهنا إشارة إلى أنّ الإنسان يمكنه تجاوز العقبات إن وجد الدّعم والمساندة ممّن حوله.
لسوء حظّ فارس لم يسعد بحبّه طويلا فسرعان ما ظهرت غيوم الظّروف والأقدار المعاكسة لأحلامه ورغباته في الحبّ، وظلّت تخفت وهج حبّه، إذ ابتدأت صدمته الأولى حين وجد نفسه معتقلا، يتجرّع أصناف التّعذيب، و يُهدّد من رجل عسكريّ أخبره أنّه خطيب محبوبته غدير، فلم يحتمل كذبها عليه، وحاول نسيانها، لكنّه لم يفلح بذلك، وعادت غدير بعد تركها خطيبها، أخبرته أنّ والدها وراء كلّ ما مضى، وذكّرته بحبّهما الكبير، حتّى خضع أخيرا لحكم قلبه بعد عدّة لقاءات، ومدّ حبّ وجزر عتاب، وتقدّم لخطبتها ليتفاجئ أنّ والدها هو من حقّق معه في اعتقاله، وطلب منه أن يبحث عن زوجة أخرى له وبعدها بفترة سجن مرّة أخرى، ورغم أنّه تحرّر بعد فترة في صفقة تبادل بعد اختطاف المقاومة جنودا من رجال النّظام، إلّا أنّه لم يهنأ بحريّته، فقد فُتح باب سجنه، وأدخل سجن الحسرة على حبّه الضّائع مجدّدا بخطبة غدير مرّة أخرى.
في الرّواية رسالة للأهل ألّا يتدخّلوا في قرارات أبنائهم في الارتباط، ويجبروهم على الزّواج ممّن لا يريدونه؛ فالحبّ ليس قرارا ولا أمرا برمجيّا ينفّذ بكبسة زرّ، وسلطة الحبّ على القلوب أقوى من سلطة أيّ نظام.
ولا يمكننا أيضا طلب الحبّ فجماله يكمن في تلقائيّته، كما في حال هيفاء التّي كانت تعترف بحبّها لفارس، وتظهره باستمرار، وهي تعلم أنّ قلبه معلّق بغيرها، ولا يمكن أن يكون الحبّ مجرّد ردّ فعل على اعتراف حبّ ولا مجاملة لصاحبه.
وربّما قصد الكاتب باختيار عنوانه “في قلبي” أنّ بطل الرّواية لم يتحرّر من حبّه، ولم ينسه، فاحتفظ به حيّا في قلبه. وهذا حال كثير من قصص الحبّ التّي لا تكتمل يظلّ في القلب مكانها أو تخرج منه في رواية يملؤها الإحساس.
وكتبت رائدة أبو الصوي:
أبدأ من لوحة الغلاف التي رسمها الفنان المقدسي المبدع ماهر شهاب القواسمي
اللوحة التي تتناعم مع احداث القصة .
لوحة النافذة التي يخترقها شعاع الضوء ويفصل بين الضوء وبين بطل الرواية الصحفي
( فارس) قلب فارس الذي يحمله بين يديه .
شعرت بطاقة ايجابية عندما قلبت صفحات الرواية، في البداية اللغة الجميلة التي تحلى بها الكاتب واسلوبه في السرد.
اهداء الرواية لوالدته الله يرحمها ووفائه لذكراها العطرة .
بطل الرواية الصحفي فارس البالغ من العمر 38عام . كان من خلال الاحداث فارس مهيوب
تصوير المواقف جعلتني اشعر باني اتابع مسلسل جميل فيه الاحداث متسلسلة بعذوبة
شعرت اني مع الابطال في مكتب الصحافة مع اسعد وهيفاء وجميل .
بدأت رواية (في قلبي) عندما شعر فارس بألم في صدره فتوجه الى عيادة مختصة بأمراض القلب والصدر .
وهنا تتابع الاحداث بانسيابية في صفحة 14 تخيلت البطل فارس يتقمص شخصية الكاتب رضوان صندوقه باناقته والبدلة السوداء وربطة العنق الحمراء اكتشفت في الرواية شاعر لديه لغة عذبة، مثال على ذلك : ص( 24) : حين اخط اسمك يا اماه على جدران قلبي.
اعجبني الوصف في الرواية وتخيلت بيوت القدس القديمة التي كانت تغطى بشجر الياسمين ،صدقاً شممت رائحة الياسمين وأنا اقرأ الرواية اشتغل لدي عنصر الخيال بقوة . أعجبتني الصورتان المعلقتان على الحائط المقابل لسرير بطل الرواية فارس
الصورة الاولى (لحصان عربي أصيل) يرفع قدميه الأمامية إلى الأعلى والصورة الاخرى صورة ( غروب الشمس تنزوي خلف البحار ) .
ص 47 ليس كل من يساكننا يسكننا …وليس كل من يرافقنا يكون قريننا ) )
تطرق الكاتب الى مساوئ زواج البدل ،الذي تكون نهايته في كثير من الحالات الفشل والسبب يكون المقارنة، وأيضاً تطرق الكاتب الى زواج الشاب الوحيد ضعيف الشخصية الغير مسؤول الذي لا يتحمل أعباء بناء اسرة الاناني .
الرواية اجتماعية بامتياز
ما اقسى العبارة التي كتبها الكاتب عن شقيقة البطل فارس (الهام )، بعد طلاقها عادت الى بيت والدها بطفولة شاخت قبل أوانها وشهادة ( طلاق) ، ستتوظف بها بقية حياتها بوظيفة ( مطلقة)، ما اكثر الالهامات هذه الايام
في الرواية تشويق وعلم نفس وعلم اجتماع …فيها حياة رواية تدعوا الى التفكير كثيراً قبل اتخاذ أي خطوة في الحياة خصوصا التي تتعلق بتقرير المصير كالزواج .
محتوى الرواية يستحق الأبرار والاستمتاع به بالرغم من وجود بعض النصوص الموجع إلا أن هناك بصيص أمل .
حكاية عمة ابا فارس( انشراح )
كانت بالماضي للاسف الشديد تحدث كثيرا الزواج بالوكالة . يعني العروس لا تشاهد العريس . ياتي وكيل العريس لاستلام العروس وتسليمها للعريس ( ثقافة الجهل)، قصة حزينة ضحيتها شابه في مقتبل العمر والسبب قرارات من نحب التي تدفن فينا ارواحنا واحلامنا، الاهل في كثير من الاحيان هم السبب في ضياع احلام بناتهم عندما يحاولو ان يرتاحوا من المسؤولية عن البنات ويلقونها على من لا يستحقها . والنتيجة في كثير من الاحيان الفشل
قصة الهام وقصة الحاجة انشراح وقصة هيفاء، مآسي والسبب سوء الاختيار وتدخل الاهل اللاعقلاني، نهاية قصة الصحفي فارس والطبيبة غدير وموقف والد غدير . هنا عنصر المفاجأة
في الرواية قراءة لما بين السطور أفكار تنويرية واقعية فيها تلميح وليس تصريح
خصوصا في ص ( 150) .
في الرواية حوار جذاب وذكاء عاطفي ، في صفحة (171) عندما قال فارس لغدير
لقد كتبت لك ، فقاطعته قائلة ( لقد اعتزلت القراءة) .
وكيف رد لها الصاع صاعين ، عندما سألته اختها سهى ما هي آخر كتاباتك يا فارس ؟
قال : وأنا اعتزلت الكتابة .
في صفحة ( 178) أعجبتني الإشارة الى مقولة ( باولو كويلو)
لا تضيعوا وقتكم بالشرح لأناس لا يسمعون إلا ما يريدون سماعه.
وكتبت د. روز اليوسف شعبان:
“في قلبي” رواية البحث عن الحبّ، في وطن ضاع فيه الحبّ، وبات السّعي للوصول إليه، يتطلّب جهدا كبيرا.
الرّاوي فارس صحافيّ متمرّس، كلمته مؤثّرة، لذا كان رجال السّاسة يخشون مقالاته، ويحسبون لها ألف حساب. هذا الشابّ الذي يقترب عمره من الأربعين، لم يعثر على حبيبته، إلّا عندما زار الطّبيبة غدير، وهي طبيبة قلب، ذهب إليها لمعاينته، بعد ألمٍ ألمَّ به في قلبه. فوقع في حبّها وبادلته الحبّ، وقد اعترف لها بحبّه منذ اللقاء الأوّل، وهذا أمر غريب، فكيف يقع المريض في حبّ طبيبته منذ اللقاء الأوّل، ويعترف لها بذلك بل ويسمعها أعذب الكلام؟
يمرّ هذا الحبّ بأوقات عصيبة، فوالد الطّبيبة غدير سجّان، وقد استدان من أحد رجالات الدّولة، واضطرّ للموافقة على خطوبة هذا الرّجل من ابنته الطّبيبة. وهذا أيضا مستهجن، فكيف يتصرّف الأب مع ابنته كأنّها سلعة تباع؟ علما أنّها طبيبة وتملك حريّة القرار والاختيار؟ يعرف فارس بخطوبة غدير فيحزن ويأسف ويعتبر ذلك خيانة لحبّهما، ورغم اعترافها له بأنّها لم تختر خطيبها وإنما أرادت إنقاذ والدها، إلا أنّ فارسا بقي غاضبا. بعد فسخ خطوبة غدير، زارته مع أختها في السّجن، وذلك بعد سجنه بتهمة التّحريض ضدّ سياسة الدّولة، من خلال مقالاته الّتي ينشرها، يقوم السّجان والد غدير بالتّحقيق معه وبتعذيبه في السّجن.
بعد جدال حادّ بين غدير وفارس، حاولت الاقتراب منه، لكنّه أبعدها وخرج إلى ساحة السّجن، ألقى خاتمه بعيدا، وقرّر نسيانها، وقد شجّعه أصدقاؤه في السّجن على نسيانها، خاصّة أنّهم عرفوا بخطوبتها مرّة أخرى. ثم يُحرّر فارس من السّجن بعد أن نجحت المقاومة من خطف جنود من رجال النّظام، وسطع الأمل في عيني فارس من جديد، لكنّ التساؤلات التي انبعثت من داخله عكّرت صفو حريّته:” ما قيمة الحياة إذا ضاع الوطن؟ إذا كان الحبّ غير موجود فلماذا نناضل من أجل الوطن؟ هل لنزرع فيه فراغنا وآمالنا؟
إلى جانب قصّة فارس هناك قصص أخرى، تصوّر التميّيز الصارخ في حقّ المرأة، ومنعها من متابعة التّعليم وحقّها في اختيار شريك حياتها.
رأينا ذلك في قصّة انشراح التي زوّجها أهلها بمساعدة إحدى النّساء اللّواتي يعملن على تزويج الرجال والنّساء لقاء أجر تتقاضاه، أعطتهم صورة شاب في الثّلاثينات يعمل في إحدى الدول العربيّة، وعندما سافرت إليه العروس اتّضح أنّه في السّتينات من عمره، في حين كانت هي في الثّامنة عشرة فقط. صدمت انشراح حين رأته، لكنها لا تملك قرارها بالطلاق أو الرحيل، فعاشت معه عقدا من الزمن، حتّى وفاته، قضت سنوات من الألم والحرمان، ثمّ عادت بطفل إلى أهلها.
قصّة أخرى هي قصّة هيفاء التي زوّجتها أمّها رغما عنها، ومنعتها من متابعة تعليمها، فعانت الذلّ والهوان في بيت زوجها جراء معاملته الفظّة القاسية واحتقاره لها، إضافة إلى معاملة حماتها المهينة لها، التي سرقت صيغتها واتهمت هيفاء بالإهمال والتّسبّب في ضياعها، حتّى اكتشفت هيفاء الحقيقة، ووجدت صيغتها في غرفة حماتها؛ فأصابها انهيار عصبيّ، ولبثت في المستشفى شهرا كاملا، خرجت بعدها عازمة على طلب الطّلاق. تابعت دراستها وعملت في نفس الصّحيفة التي يعمل فيها فارس، وقد أحبّته وحاولت استمالته إليها لكنّها لم تفلح.
طرح الكاتب مواضيع اجتماعيّة هامّة، خاصّة تلك المتعلّقة بوضع المرأة المتدنّي في المجتمع، دون أن يطرح حلولا لهاـ فصوّر المرأة إنسانا مهانا ضعيفا، حتّى الطّبيبة غدير رضخت لسلطة والدها ووافقت على الخطوبة الأمر الذي يبدو غريبا.
كذلك إرغام والد فارس على تزويجه من فتاة اختارها له، يبدو غريبا أيضا، علما أن فارسا متعلّم مثقف مستقلّ. فلماذا لم يخبر فارس والده أو اخته بأنه يتعرّف على فتاة؟ وأنّه يحبّها؟
ظهرت في الرّواية بعض المبالغات، فكيف يمكن لفارس أن يقع في حبّ غدير حتى الهيام من النظرة الأولى؟ وكيف له أن يتغزّل بها من اللقاء الأوّل؟ بل ويرفع التّكلفة ويناديها باسمها؟
وكيف يقضي رفاق فارس في السّجن وقتهم في الحديث عن قصّة حبّ فارس وغدير؟ أين حديثهم عن السّجن واعتداء السّجانين عليهم، أين حديث السّياسة، وكيفيّة الخروج من هذا السّجن اللعين؟
ولماذا غيّب الكاتب المكان والزّمان في روايته علما أنّهما عنصران هامّان لهما دلالات كبيرة؟
رغم ذلك، فإنّ رواية في قلبي رواية شائقة كتبت بلغة جميلة شاعريّة كما في الأمثلة التّالية:”
نظرت إلى عينيها
قلت هنا نبع شعري
هنا أرقد بسلام
احتارت العيون بعد اللّقاء ماذا تقول
ما زال في قلبي جرح
ما زال في عيني كلام
أشعاري أزهار ذابلة
على عرش الحبّ معذّبة”. ص 37.
وفي ص 86 نجد كلاما شاعريّا جميلا:”
أيّتها الجالسة على مقعد الانتظار
لن أقول أحبّيني بقدر حبّي
أعلم أنّه محال
وأنّ قمّة الجبال
إن علت ما بلغت الأقمار.
وكتبت د. رفيقة عثمان:
من الممكن تصنيف الرّواية تحت المُسمّى، الادب الرومانسي، والسّياسي.
ظهرت أحداث الرّواية حول قصّة حب نشأت بين بطليّ الرّواية: الشّاب فارس الرواية، والفتاة الطّبيبة غدير؛ حيث تعارفا على بعضهما البعض أثناء علاج فارس عند الطّبيبة غدير بعيادتها.
نسج الكاتب صندوقة روايته، من وحي الخيال، فاختار بعض الشّخصّيات المحدودة؛ لسرد الرّواية، فأحداثها سلسة، وغير معقّدة؛ مُستخدمًا لغة عربيّة فصيحة بسيطة وسلسة، لغة قريبة من مدارك اليافعين وما فوق. تخلّلت الرّواية قصائد شعريّة نثريّة من إبداع الكاتب.
من خلال قراءتي للرّواية، لفت انتباهي تعدّد الأخطاء النّحويّة، والمطبعيّة في كافّة أحداث السّرد؛ برأيي الشّخصي تتحمّل دار النّشر، عدم الاهتمام بتنقيح الرّواية قبل الإصدار، ومن ثمّ يتحمّل الكاتب المسؤوليّة في إصدار الرّواية على أحسن وجه.
بدايةً أودّ أن أتطرّق لتسمية العنوان: “في قلبي”. يبدو لي بأنّ العنوان غير مكتمل، يبدأ في شبه جملة، وإعرابه جر ومجرور في محل خبر، إذن أين المبتدأ؟ حبّذا لو أكمل الكاتب تسمية العنوان؛ ليكون ذا معنى. مثلًا: في قلبي أنثى، أو في قلبي خوف، أو على غرار عنوان رواية “في قلبي أنثى عبريّة”، للكاتبة التّونسيّة خولة حمدي” وما إلى ذلك.
استطرد وأسهب الكاتب، في وصف حالات الحب والعشق، بالتّعبير بلغة العشق والغرام، والحوارات واستخدام الرّسائل المُتبادلة بين العاشقين: فارس وغدير؛ لدرجة التّكرار المُبالغ فيه. برأيي من الممكن اختصار هذا الإسهاب، والتّقليل من عدد الصّفحات في الرّواية، واختصارها لنصف الصّفحات.
خلت الرّواية من عنصري الزّمان والمكان، ولم يذكر أسماء الأماكن الّتي تواجد بها البطلان؛ بينما ممكن الاستدلال حول الزمنكيّة؛ وفقًا لأسماء الشّخصيّات، والأحداث الدّائرة لإيصال رسالة الكاتب؛ ولكون الكاتب فلسطيني الجنسيّة، من الممكن التخمين بمكان مجريات الأحداث، أو من الممكن لمكان في إحدى الدّول العربيّة؛ المُتمثّلة بالحكم المُستبد والظّالم، وقمع حريّة التّعبير السّياسي، واغتيال حريّة المواطنين.
أنهى الكاتب روايته، بنهاية محزنة، بافتراق الحبيبين، وسجن البطل فارس، من قِبل المُحقّف آدم، واللّذي تبيّن بأنّه والد محبوبته غدير؛ حيث اشترط عليه بالكفّ عن الكتابة في مواضيع الحب والسّياسة؛ وأن يكون مواليًا للدّولة، مقابل تزويجه لابنته غدير. رفض فارس ذلك العرض، وفضّل السّجن، عن خيانته لوطنه، تخلّت الدّكتورة غدير عن حبيبها، وتزوّجت من غيره. هذه الفكرة تُحسب للرّولية في تغلّب العقل على العاطفة، فداءً للوطن.
ظهر الصّراع في الرّواية، في الحالات الاجتماعيّة كزّواج القاصرات في جيل مبكّر، والزّواج بالإكراه، وزواج المصالح المُتبادلة؛ فامتاز الصّراع بالصّراع الذّاتي، والصّراع الخارجي، وما يترتّب عليهما من نتائج سلبيّة.
طغت العاطفة الرّومانسيّة على معظم أحداث السّرد، كذلك تحلّت الرّواية بعاطفة الحزن، وعاطفة الانتماء الوطني.
خلاصة القول: تعتبر رواية ” في قلبي” الإصدار الأوّل للكاتب الفلسطيني رضوان صندوقة، وهي تناسب الفتيان والفتيات بمرحلة المُراهقة.
وهذه البداية في الإصدار فيها نوع من المُغامرة، والجُرأة بالاندفاع نحو إصدار الرّواية المذكورة أعلاه. لا شك بأنّها بداية موفقّة إلى حدّ ما.
وقال عبدالله دعيس:
عندما نطالع عنوان رواية الأستاذ رضوان صندوقة (في قلبي…) وننظر إلى صورة الغلاف التي رسمها الفنّان ماهر شهاب القواسمي، يلوح لنا ظلام السّجن وقيوده، وسجين يحمل صورة قلب كبير. نقف عند هذه العتبة لنتساءل: هل هذه رواية رومانسيّة تحكي عن المحبّين ولوعاتهم، أم رواية وطنيّة تحكي عن حبّ الوطن والتّضحية من أجله؟ وما أن نبدأ بالقراءة حتّى نكتشف أنّ الرّواية تجمع كلا الأمرين، وأنّ الكاتب يتحدّث عن فلسفة الحبّ، فالحبّ هو كلٌّ واحد لا يتجزّأ، فحب الوطن لا ينفصل عن حبّ الجنس الآخر، وأنّ المخلص في حبّه لأنثاه هو ذاته المحبّ لوطنه، وأنّ الذي يتخلّى عن وطنه أو يخونه لا يمكن أن يكون عاشقا حقيقيّا، وإنما كاذب مخادع، فالحبّ مشاعر إنسانيّة لا تتجزّأ.
والرّواية واقعيّة رومانسيّة. ومع أنّ الكاتب لا يذكر زمنا ولا تاريخا، لكنّ الأحداث تدلّ على زماننا، فالشّخصيّات تتواصل عن طريق مواقع التّواصل الاجتماعي، والعرب يرزحون تحت حكم أنظمة دكتاتوريّة تحارب الحريّة وتقمع الأحرار. ولم يحدّد الكاتب مكانا معيّنا تدور فيه أحداث الرّواية، فهي تقع في بلد عربيّ لم يحدده، وكأنّه يريد أن يقول إنّ حالنا واحد، فكما تجمعنا اللغة، تجمعنا أيضا العادات والتّقاليد، ونعيش جميعنا تحت سياط الاحتلال ونوّابه ممّن يسمّون أنفسهم حكّاما أو ضبّاطا. والسّجون في بلداننا جميعها، مشرّعة أبوابها لكلّ من دقّ ناقوس الحريّة، أو تاق لتنفّس عبيرها.
ولغة الرّواية، في معظمها، جميلة شعريّة عذبة، والكاتب يتفنّن في صياغة العبارات، ويستخدم البديع والتّشبهات العديدة لإبراز فكرته. لكن أحيانا نشعر أنّه يراوح حول نفس الأفكار ويعيدها مرارا وتكرارا بعبارات أدبيّة متعددة، وكأنّ الهدف يصبح هو الكلمات بحدّ ذاتها وليس الفكرة، وبعض التّشبيهات يشعر القارئ أنّها متكلّفة. لكن بشكل عام اللغة جميلة رزينة شاعريّة تنبض بالحياة والعاطفة الجيّاشة. ففارس بطل الرّواية يعبّر عن مشاعره ونظرته للمرأة والحبّ مرّات كثيرة خلال الرّواية، وبطرق مختلفة وبأدوات مختلفة، وكثيرا ما تتكرّر نفس الأفكار ونفس المشاعر والخواطر في مواضع مختلفة.
يصل القارئ إلى ما يرمي إليه الكاتب وإلى فكرة الرّواية عندما يصل إلى نهاياتها. لكن، في بداية الرّواية يبدو فارس كشخص ذكوريّ لا يهتمّ بمشاعر المرأة، وإنما بمشاعره هو فقط، وتبدو شخصيّته نرجسيّة أنانيّة، فهو يبحث عن حبيبته ولا يهتم بالأخريات اللاتي مرّ بحياتهنّ ولم يقتنع بحبهن، ماذا عنهنّ هن؟ وهل هناك دور لمشاعرهن؟ الرّواية تركّز على مشاعر الرّجل أكثر من تركيزها على مشاعر الأنثى: فالمرأة في الرّواية إمّا ساذجة ترضى بزواج متسرّع وتبذل نفسها لزوجها بينما هو يترفّع عنها، أو أمّ ماكرة توقع بالنّساء الأخريات، أو تجبر ابنتها على الزّواج، أو امرأة تحبّ من طرف واحد بينما لا يهتمّ الذكر بمشاعرها، أو متقلّبة المشاعر غير مخلصة تفضّل مصلحتها الآنية على الحبّ وحتّى على حبّ الوطن.
ينتقد الكاتب بعض العادات الاجتماعيّة المتعلّقة بالزّواج، مثل زواج البدل والزّواج المبكّر، والتّسرّع في الزّواج وتزويج البنت لزوج غنيّ أو لأنّه يعيش في دول الخليج حتّى ولو كان يكبرها سنّا أو لا يناسبها. ويريد الكاتب أن ينتصر للحبّ والتأنّي في اختيار الشّريك على أساس من الحبّ، ويعبّر على لسان شخصيّته الرئيسيّة فارس، أنّه لا يؤمن بالحبّ الذي يأتي بعد الزّواج. وقد عبّر الكاتب عبر الحوارات بين فارس وغدير ومن خلال ما كتب فارس لغدير، عن عظم الحبّ الذي كان يسيطر على قلب فارس وعن رهافة إحساسه، لكن لاحظت أنّ بعض اللقاءات بين الحبيبين كانت شهوانيّة وإن طغت عليها مشاعر الحبّ والعشق البريء، فنرى فارس يشعر بالغضب والانكسار عندما ابتعدت عنه غدير ولم تسمح له بمتابعة شهوانيّته. وأتساءل هل هذا هو الحبّ الذي يريده الكاتب؟ وهل علينا الاختيار بين الزّواج بالإكراه وبين الإحجام عن الزّواج واتّباع الشّهوات؟ أليس كلاهما شرّا وخطيئة؟
لقد تحرّر الكاتب مما يفرضه معظم الكتّاب الفلسطينيّين على أنفسهم، ويجدونه واجبا عليهم، ألا وهو الحديث عن حياة الفلسطينيّين في ظلّ الاحتلال، وخرج برواية رومانسيّة وجعل مسرحها العالم العربيّ الكبير، وهذا مما يحسب له.
وفي النّهاية فإنّ رواية (في قلبي…) هي عمل أدبيّ جميل وخطوة أولى في مجال الإبداع الأدبيّ لكاتب واعد.