رواية (عين التّينة) للروائي صافي صافي في اليوم السابع

ر

القدس: 12-6-2025 من ديمة جمعة السّمان

ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية الأسبوعيّة  رواية ( عين التينة) للروائي صافي صافي، بحضور عدد من الأدباء والمثقفين. الرواية التي تقع في 143 من القطع المتوسط، وموزعة على 26 فصلا قصيرا صدرت عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين- الأمانة العامة/ رام الله، وزيّن غلافها لوحة من تصوير المؤلف، وأخرجها فنيا سناء صباح.

ابتدأت الندوة مديرتها ديمة جمعة السمان، التي رحبت بالحضور، وعرّفت بالمؤلف من خلال سيرة ذاتية مختصرة، ثم تحدثت عن الرواية بإسهاب، قالت:

يُعدّ الكاتب صافي صافي شخصية أدبية عميقة تُجيد إثارة الأسئلة أكثر من تقديم الإجابات. فهو في كتاباته، كما في شخصيته، لا ينتظر من أسئلته سوى أن تلامس عقول القرّاء، لتحكّ أدمغتهم وتستفزّهم نحو التحليل والتأمل، كأنه يقصد بتساؤلاته أن يبلغ القارئ إلى أقصى نقطة ممكنة من البحث عن الحقيقة، تلك الحقيقة التي يدرك صافي تمامًا أنها عصيّة، وربما مستحيلة الإمساك.

يتجلّى في حضوره الأدبي شغفٌ دائم بتعرية المعاني، وتحفيز الفكر، ومساءلة المسلّمات، بحيث يترك أثرًا فكريًا مستمرًا لدى من يقرأه أو يلتقيه، بعيدًا عن الأجوبة الجاهزة التي تشلّ التفكير وتختصر الطريق إلى الحقيقة، وكأن الحقيقة في عرفه رحلة لا تنتهي، وليست محطة يمكن الوقوف عندها.

تنعكس هذه الروح الفلسفية العميقة في روايته “عين التينة”، التي صدرت مطلع عام 2025 عن اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين في رام الله. جاءت الرواية في نحو 143 صفحة موزّعة على 26 فصلاً قصيراً، وبدت وكأنها رحلة إلى عمق الذاكرة الفلسطينية الممزوجة بالحنين، والحلم، والانتماء.

نجح الكاتب في نسج علاقة خفية بين السارد والمكان، فبين التخيّل الذاتي واستدعاء المكان، وبأسلوب السرد بضمير المتكلم، أدخل القارئ إلى عمق الوعي السردي والشخصي، في مرآة الذاكرة المعبّرة عن ذات الكاتب وشخصيته كلاجئ من قرية مهجّرة.

تتجلّى إيجابية الرواية في توظيفها لتقنية الرحلة كأداة لتركيز الأحداث، إذ لا تتعدّد الشخصيات الرئيسية (عدا حنان، صديقة السارد، ومها.. وبعض المسافرين)، ومع ذلك تفيض بالمضامين حول الانتماء، والاحتلال، وعلاقة الإنسان بالمكان.

 تتبعثر الأسئلة حول هوية الفلسطيني الممزّقة بين المنفى والحلم والعودة، فتأتي هذه الأسئلة منسجمة تمامًا مع شخصية الكاتب: تساؤلات مستمرة لا تبتغي إجابات واضحة، بل تثير القارئ ليتفاعل مع النص، ويصنع إجاباته بنفسه.

 تنكشف هذه التقنية بجلاء في رحلة السارد بين “عين التينة” و”بيسان”، حيث تتشابك الحوارات والمشاهد السياسية والتاريخية والاجتماعية، إلى أن يصل السارد إلى لحظة صوفية تتجلّى في مشهد حميمي في السجن، لحظة تُعبّر عن ذروة التوتر والوجد، تلك اللحظة التي صاغها الكاتب بلغة حسية قوية. كما تحمل الرواية أيضًا غنى في اللغة، إذ يفيض النص برمزية المكان ويستحضر تنوّع الطبيعة الفلسطينية بكل نباتاتها البرية ووجوه ناسها وتضاريسها، كأن الكاتب يؤنسن الطبيعة ويوحّدها مع الإنسان. يظهر ذلك جليًّا في التفاصيل الصغيرة والحنين الدافق الذي يتسرّب من سطور الرواية. غير أن هذا التدفّق اللغوي، رغم عمقه، قد لا يروق لجميع القراء؛ إذ يأتي أحياناعلى حساب التركيز الروائي والحبكة التقليدية، وقد تجعل النص يبدو مُحلّقًا أكثر من كونه متجذرًا في الأحداث والزمان والمكان.  كما أنّ التّقطيع السردي بين الفصول القصيرة – ستة وعشرون فصلاً متوالياً – وهو ما قد يضعف تماسك الإيقاع ويمنح القارئ إحساسًا متقطعًا، يعرقل الانسياب السلس للأحداث. إضافة إلى ذلك، يترك النص مساحة كبيرة لتداخل العلاقة بين الحب والصداقة عند السارد وحنان؛ فتبدو العلاقة غامضة أحيانًا بين العاطفة والنضال أو غيره، ومع ذلك، فإن الرواية بهذا النهج تُحافظ على خصوصيتها؛ إذ لا تسعى لتقديم بطولة فردية، بل تجعل من المكان والذاكرة بطلاً حقيقيًا، وتجعل القارئ يتساءل – كما يتساءل الكاتب في حياته وأدبه – عن معنى الوطن، والهوية، والوجود نفسه.

وكأن الرواية تقول إن الجواب ليس هو المهم؛ المهم هو أن تُبقي الباب مفتوحًا أمام الأسئلة. ولعل هذا ما يجعل “عين التينة” تتجاوز كونها حكاية سردية لتصبح نصًّا فلسفيًا أدبيًا يليق بكاتبٍ عميق الفكر مثل صافي صافي.

في النهاية، تظلّ “عين التينة” رواية صافية اللغة، مشحونة بالتاريخ والذاكرة، يسيطر عليها المكان، تنضح بالتساؤل الدائم، وتحفر عميقًا في قلب القارئ لتوقظه على درب البحث عن حقيقة قد لا تُدرك بالكامل.

بهذا المعنى، تُعدّ الرواية إضافة مهمّة للرواية الفلسطينية الحديثة، ومرآة صافية لشخصية كاتبٍ لا يكتفي بإثارة السّؤال، بل يحرّضنا جميعًا على ملاحقة الحقيقة.

وقال محمود شقير:

1

يكتب الروائي د. صافي صافي روايته بالاستناد إلى الرحلة التي تهدف إلى التعرّف على معالم البلاد التي خضعت لاحتلال ليس له مثيل، احتلال إحلالي إقصائي يهدف إلى طرد أصحاب البلاد الأصليين، وإحلال مهاجرين من كل بقاع الدنيا في مكانهم.

ويتمّ السرد بلغة حسّيّة موحية عبر استخدام ضمير المتكلم، بحيث تتقاطع سيرة السارد في الرواية مع سيرة المؤلف في جوانب عديدة لا تخفى على من يعرف صافي صافي الذي يعيش في رام الله، ويعيش السارد كذلك في رام الله، وقد اعتاد صافي صافي أن يذهب مع عدد من زملائه وزميلاته في رحلات داخلية في طول البلاد وعرضها، مشيًا على الأقدام في بعض جوانب الرحلة، وعبر المواصلات في جوانبها الأخرى، وذلك بهدف ممارسة رياضة المشي، وللتعرّف على نحو حميم إلى تفاصيل البلاد، وإلى التمتع بطبيعتها الخلابة.

وسنلحظ أن السارد في الرواية الذي يستقبل صديقته حنان المقيمة في المهجر، القادمة إلى فلسطين لزيارة مدينة بيسان، مسقط رأس أبيها، يستذكر معها أيامهما حين كانا طالبين في الجامعة، ثم يتعهد بأن يأخذها إلى بيسان.

الجدير ذكره أن حنان ظهرت في رواية سابقة لصافي صافي هي “زرعين”، وفي هذه الرواية يلجأ الكاتب إلى الرحلة في البلاد لتقديم أحداث روايته.

2

مع هذه الرواية الجديدة تثور الأسئلة: لماذا حملت الرواية العنوان: عين التينة ولم تحمل عنوانًا دالًّا على الهدف الذي جاءت من أجله حنان، وهو مدينة بيسان؟ لماذا تحمّلت عين التينة التعبير عن مضمون الرواية وتركت بيسان للظهور في آخر الرحلة وفي آخر الرواية؟

ربما فعل المؤلف ذلك تاركًا الأمر لاجتهادات القراء ولتأويلاتهم، وربما جاء هذا العنوان بسبب الاصطدام المباشر مع المستوطنين الشباب الذين يستعدّون للالتحاق بجيش الاحتلال، وبسبب حرمان السارد وصديقته حنان ومن معهم من أفراد الرحلة من الوصول إلى رأس النبع الذي يغذي عين التينة، هذا الحرمان الذي ما زال حتى اليوم يمنع الفلسطينيين من الظفر بحريتهم وبعودتهم الى بيوتهم وقراهم ومدنهم التي شردوا منها تحت وابل من رصاص العدوان.

وربما كانت هناك مقاصد أخرى واجتهادات.

3

في كل الأحوال، يكتب د. صافي صافي روايته بعيدًا من الصيغ الجاهزة ومن الرؤى المعتادة المكرورة، ويحاول أثناء حوارات الغزل التي يوجهها السارد إلى صديقته حنان استثمار قدرات اللغة العربية في تقديم المعنى الظاهري للمفردة وإبقاء المجال متاحًا لتقديم المعنى الموحى به في الوقت ذاته، ما يمنح المتلقي فرصة للتفاعل مع هذا الأسلوب الموارب في استخدام اللغة، ولتفعيل مخزون المفردات وإيحاءاتها لديه، ولمتابعة ما تفضي به الرواية من مشاهد حسية، ومن رؤى فكرية واجتهادات ذات صبغة صوفية.

4

تشتمل الرواية على أبعاد معرفية مستمدّة من ثقافة الكاتب حينًا، ومن الحوارات التي كانت تدور بين السارد وصديقته حنان، ومن الخبرات المكتسبة لبعض شخوص الرواية، ومن التراث الشعبي الفلسطيني، وتمتد هذه الأبعاد المعرفية لتصل إلى عنصر التوثيق الذي يستمد مادته من مصادر معروفة ليقدم للمتلقي المادة التي يقصد المؤلف توصيلها بالانسجام مع تفاصيل السرد في روايته، ما يجعل د. صافي صافي يتخذ من قدوم حنان لزيارة فلسطين ذريعة لتقديم رواية معرفية لا تنشغل بالحدث وبالحكاية قدر انشغالها بالمعرفة الخاصة بفلسطين، وقدر اهتمامها بدحض الرواية الصهيونية التي تبرر احتلال فلسطين وتغيير ملامحها الأصلية التي لا تنجح في طمس الحقيقة.

5

حين تصل الرحلة منتهاها بالوصول إلى بيسان، لا يكترث السارد ولا تكترث حنان بالشوارع وبكل الإضافات العمرانية التي تهدف إلى تغيير الصورة الأساسية للمدينة الفلسطينية  التي جرى احتلالها. كانت حنان تبحث في بيسان عن أبيها وجدّها وعن الذكريات التي كانت لهما هناك.

وكان القمع الاحتلالي هو الذي أوقع السارد وصديقته حنان وبقية فريق الرحلة في الاعتقال التعسفي، هذا الاعتقال الذي لم ينجح في فصم علاقة الحب التي تأكّدت بعد طول غياب بين الخارج الفلسطيني والداخل الفلسطيني، بين السارد وصديقته حنان في حضن المدينة الفلسطينية بيسان.

وقالت نزهة أبو غوش:

البنية السردية واللغة: الرواية تنتمي إلى النمط التأملي الهادئ، حيث يتقدم السرد عبر الحوار الداخلي والمكاشفة بين الشخصيتين المحوريتين: الراوي وحنان. لا تعتمد الرواية على الأحداث المتسارعة أو الصراعات الحادة، بل على الحفر في الذاكرة، والتأمل في الزمن، واستدعاء المعاني المغيبة، بأسلوب شعري ولغة موحية تميل إلى الرمز والانسياب العاطفي.

الزمن في الرواية هو زمن الوجدان، وليس الزمن الخطي. ننتقل بين الماضي والحاضر، ونعبر مع الشخصيتين في رحلة مكانية – روحية، يتقاطع فيها الواقع مع الحلم، والحاضر مع الذاكرة، والحنين مع الحسرة.

  تحليل الشخصيات:

  حنان: تمثل الشتات الفلسطيني، ولكن ليس الشتات الجغرافي فحسب، بل شتات الهوية، والرّوح. هي ابنة فلسطين التي لم تولد فيها، ولكنها مشبعة بها حتى العمق. تحلم بالعودة لا لأن هناك بيتًا بانتظارها، بل لأن هناك معنًى ينتظر التحقّق. حضورها في الرواية هو حضور السائلة والموقظة، تسأل وتحفّز، تشكّ وتثير الحنين، وتعيد للراوي أسئلته القديمة

 الراوي: هو ابن الداخل الفلسطيني، لكنه غريب في وطنه. يعيش الواقع الفلسطيني بكل تمزقاته: الوطن المُحتل، الزمن المُلتبس، والحب الذي لم يكتمل. تتقاطع تجربته مع تجربة حنان، لكن من الداخل، حيث الغربة ليست جسدية بل شعورية. يمثل الراوي الوعي الفلسطيني الحائر: هل الوطن هو ما نراه؟ أم ما نتخيله؟ هل الحب ممكن في ظل الفقدان؟ هو صوت الحنين، ولكنه أيضًا صوت التساؤل.

الرموز والدلالات:

بيسان: ليست مجرد مدينة، بل رمز لفلسطين المغيّبة، والفردوس الضائع، والهوية المشطورة. تمثل بيسان البيت الأول الذي لم يسكنوه، والطفولة الجمعية التي حُرموا منها.

 الطريق: هو أكثر من مسار جغرافي، بل هو رحلة بحث وجودي. المشاهد التي يمران بها تكشف تحوّلات الأرض، تآكل المكان، واختفاء الأسماء الأصلية. الطريق هو مختبر الذاكرة والمواجهة مع النكبة المستمرة.

 الرقص الصوفي (مها) مها ترمز إلى الروح الفلسطينية في بعدها الصوفي. الرقص هنا ليس ترفًا بل فعل مقاومة روحي، تعبير عن الصفاء في قلب الفوضى. مها تؤدي رقصة بلا موسيقى خارجية، إشارة إلى أن الإيقاع الأصيل ينبع من الداخل، مثل الحنين الفلسطيني الذي لا يحتاج إلى منشّطات خارجية ليحيا1. الحنين كفعل مقاومة الرواية لا تقدّم الحنين بوصفه عاطفة سلبية، بل كقوة مبدعة وخلاقة تحفظ الوجود الفلسطيني، وتربط الأجيال بقصص الآباء والأجدا.

 الوطن المفقود/المتخيل الوطن في الرواية ليس جغرافيا فقط، بل هو حالة شعورية مركبة. الوطن هو القصص، والأغاني، والعادات، واللغة. العودة إليه تمر عبر الذاكرة لا المعابر الحدودية.

 العلاقة بين الحب والوطن الرواية تقيم توازيًا بين العلاقة المؤجلة بين الراوي وحنان، وبين العلاقة المؤجلة مع فلسطين. وكأن حبًا لم يتحقق يرمز إلى تحرر لم يتحقق. فالفقد في الحب هو مرآة للفقد في الوطن.

 الذاكرة بوصفها فعلًا سياسيًا في ظل محو القرى والتهويد المكاني، تصبح الذاكرة وسيلة لاستعادة الحق. سرد أسماء القرى، حكايات الأجداد، والكوشانات هي أدوات مقاومة مضادة للنسيان.

 النهاية المفتوحة : النهاية في الرواية ليست حلاً بل دعوة للتأمل: هل العودة ممكنة؟ وهل نصل فعلًا؟ هي نهاية وجودية وفلسفية، تضع القارئ أمام سؤال أساسي: هل يكفي أن نحب الوطن ونحلم به، أم أن ذلك وحده لا يغيّر الواقع؟ الجواب: “لست أدري”، هو اعتراف بحدود الفعل الفردي، ولكنه أيضًا انفتاح على أمل دائم غير قابل للموت.

القيمة الفنية والإنسانية رواية “عين التينة” تتجاوز كونها سردًا عن فلسطين، لتكون تأملًا في الحب، الهوية، والوجود. تحمل طابعًا إنسانيًا عالميًا من خلال خصوصيتها الفلسطينية. إنها رواية مناجاة، وصلاة روحية، وتمرين على عدم النسيان.

 عين التينة، ليست فقط مدينة أو شجرة، بل هي عين القلب المفتوحة نحو الحقيقة الموجعة، ورمز للثبات في وجه المحو، ومرآة تعكس وجع الذات الفلسطينية وانتصارها؛ إنها رواية تشبه رقصة مها: بلا موسيقى، لكنها تنبض بالإيقاع الداخلي الذي لا يتوقف.

وقالت هدى أبو غوش:

رواية”عين التّينة” للأديب د.صافي صافي،هي سرديّة توثيقية في أدب الرّحلات،توّثق مسار في طبيعة فلسطين،هذا المسار هو ليس رحلة  للتنزه فقط، بل يجتاز ذلك إلى بعد وطني،اجتماعي،سياسي،ونفسي وعاطفي.

في هذه الرّواية ينتصر الأديب صافي للأماكن ويمنحها قيمتها وأهميتها، وهي ترتبط بالفلسطيني،فالمكان هو الرّوح المعذبة في ظلّ الإحتلال،وهو حاضر في الذاكرة الفلسطينية المتوارثة عبر الأجيال،حنان المغتربة تحدث أحفادها عن بيسان،وأيضا تريد رؤية  بيسان ببيوتها القديمة لتحفظ ذاكراتها الشفوية،”ما أود رؤيته في بيسان،هو بيسان التي كانت،والتّي عرفها جدّي ووالدي،لولا أنّك تسكن هذه المدينة لما أتيتها”.

 السّارد من رام الله في عطش لرؤية الأماكن وعين التّينة.

المكان متعدّد في الرّواية،حيث نجد رام الله تحتضن كلّ العائلات من المدن والقرى الفلسطينية المختلفة.

والمكان في المسار ينتقل من مكان إلى آخر،بيسان ،الحولة،الغجر،السهول، الينابيع،الجداول،الوطن،خارج الوطن،باقة الغربية وغيرها.

وشكل المكان يتغير بفعل الإحتلال،فالبحيرة تتحول إلى مزارع نباتية،والبيوت القديمة تغيرت،فاستبدلت ببيوت حديثة.

في الرّواية اغتراب المكان،ويتجلّى ذلك من خلال الحوارات بين حنان والسّارد.

مثال-“هل أصدّق أنّك تعيشين في المنفى؟

هل أصدّق أنني أعيش في الوطن؟”.

تتجلّى العاطفة في هذه السّردية من خلال حكاية الحبّ بين حنان والسّارد،والتّي لم تتكلّل بالزواج بل بلقاء وفراق ولقاء،هذه العلاقة تمثل عدم اكتمال الوطن،فهو مقسّم،في الغربة والمنفى (حنان)،وفي وطنه هو غريب عن أرضه(السّارد)،وفي اللقاء بينهما عبر المسار ،هو لقاء الوطن،وتأملات في العاطفة الجياشة بين العاشقين،ومن ناحية أخرى تأملات في حقّ العودة .

ونجد العاطفة نحو الأماكن وعلاقتها بالفلسطيني.أمّا الّلغة جميلة،شفافة ذات طابع عاطفي،رقيقة،والحوار جميل ولافت في الرّواية،ويأخذ بعدا تأمليا، عاطفيا ،فلسفيا،وطنيا،وهو  مليىء بالتّساؤلات التي تكشف عن البحث عن الهوية الذاتية الوطنية،البحث عن الوطن.أين هو؟هل هو في الدّاخل أم في الخارج؟تساؤلات ومتاهة النفس العاشقة التي تبحث عن  نفسها العطشى للحبّ.

تقول حنان للسّارد:”أرى نفسي هناك.

ـ أتبحثين عن ذاتك؟

-بالضبط أبحث عن نفسي منذ سنين ولا أجدها

،ربما أجدها هناك”.

يقول السّارد:”لماذا افترقنا؟لماذا تواصلنا؟لماذا التقينا؟”.

نجد حضور التّكرّار اللفظي في الرّواية،من مرادفات متشابه أو متناقضة،أو بجمل مشابه ،ممّا يضيف إيقاعا جميلا في النّص الرّوائي،ويبرز مدى عمق الوجع الفلسطيني.

مثال-

-كيف تمّ اغتصاب كلّ هذه الأرض الجميلة الهادئة .

-أنا أسأل السؤال نفسه.

-هل تمّ بيعنا؟

ومثال آخر تكرار المفردات على لسان حنان والسّارد (حشرات،مثل الدّين،ربما..الخ).

أسلوب الأديب في الرّواية-يستخدم الأسلوب المعلوماتي،ليعطي القارئ مساحة التأمل في المكان،وتخيّل الطبيعة،ويستعين أحيانا بالمواقع الإلكترونية؛ للتأكيد على دقة المعلومات،ونلاحظ إسهاب الأديب بالتفاصيل ليثري القارئ، وللإشارة إلى أنّ هذا الوطن غنّي بطبيعته الخلاّبة وبأماكنه، وأيضا هي إشارة إلى أن الفلسطيني صاحب الحقّ عالما بتفاصيل أرضه.

كما واستخدم الإسترجاع الفني من أجل توثيق الذاكرة الفلسطينية.

أسلوب  النقدـ ينتقد بعض الأفكار أو المواقف،مثل اليافطات في قرية الغجرالتي تنادي بالسلام والتعايش رغم عدد سكانها القليل.

ينتقد حال الوطن المنقسم والذي يعيش في متاهة.كما وينتقد عدم تعلّم الفلسطيني العبرية التّي تساهم في فهم ما يقوله الأعداء.

يبرز جمال فلسطين  من خلال العيون والينابيع التي فيها مع الإشارة إلى استغلال المحتلّ للأماكن في سيطرة المستوطنين عليها،وجعلها مزارات لهم.

وقالت د. رفيقة عثمان:

“عين التّينة” عنوان اختاره الكاتب لروايته؛ وهو المكان الّذي قام الرّاوي وصديقته حنان المُغتربة؛ والّتي حضرت لزيارة بيسان المُحتلّة موطنها الأصلي؛ برفقة مجموعة من الفلسطينيين. “عين التّينة الثّابتة الصّابرة المتينة، منذ لا أعرف من الزّمن، تقف منتصبة على حدود هضبة الجولان، وتطل على سهل الحولة” ص 111. ” ربّما عين التّينة هي واحدة من العيون الّتي انفجرت من فلسطين حسب اعتقادهم ، حيث ضرب موسى الصّخرة في الأرض القاحلة؛ ليشرب منها بنو إسرائيل“. ص 48.

  في هذه الرّواية يسرد الكاتب أحداثها؛ بهدف توصيل رسالة أحقيّة وجود الفلسطينيين في بلادهم، والبلاد نفسها تشهد على ذلك الوجود من الطبيعة، والأشجار، والنّباتات، والبيوت الآيلة للسّقوط ، والآبار وغير ذلك من الآثار الفلسطينيّة. ” جئنا لنقف على أطلال الّذين رحلوا قبل عقود، ونشم رائحة الماء والتّراب والحجارة، حيث كانوا، وحيث نكون اليوم“. ص 97.

اختار الرّوائي شخصيّتين رئيسيّتين؛ لتحريك الأحداث وهما: الرّاوي والسيّدة حنان الصديقة القديمة له، حيث تحدّث الرّاوي بضمير الأنا؛ ممّا سهّل طريقة السّرد، وأضاف مصداقيّة لتسلسل الأحداث وواقعيّتها؛ من خلال الحوار الثّنائي، الّذي دار بينهما طوال الرّحلة الطّويلة إلى بيسان – عين التّينة – .   تحلّت الرّواية بلغة بسيطة سلسة، دون تعقيدات

  عبّر الكاتب عن العاطفة والحنين للماضي (النوستالجيا)؛ الحنين للأماكن والطّبيعة، والأشخاص؛ وجغرافيّة المكان. لم يُوفّر الكاتب إسمّا لقرية أو مدينة من فلسطين التّاريخيّة إلّا وذكرها. برأيي الشّخصي: انتصر الكاتب لذكر الأماكن وتخليدها مثل: (صفد – أراضي الجولان المُحتل – مسعدة – بحيرة الحولة – بيسان،  وجبل ااشّيخ – قرى الجليل والمثلّث: باقة الغربية والشّرقيّة، وعارة وعرعرة، وكفر قرع، وطرعان، وكفر ياسيف، وجولس، وأبو سنان، وجت، ويانوح، وكفر سميع، ويركا، وحرفيش، وبيت جن، والبقيعة، ودير الأسد، والبعنة، ونحف، ومجد الكوم، والرّامة، وساجور، ومعليا، وحرفيش، وجش، وفسّوطة). هذا الاستعراض المُكثّف لأسماء الأماكن؛ يشير لأهميّة الأراضي والأمكنة في الوطن المسلوب؛ ليثبت لنا الكاتب بأنّ هذه البلاد وهذا الوطن المُحتل، من حقّ أصحابه، على الرّغم من نشر الرّوايات المُزيّفة حول الأحقيّة. ” دولة مصطنعة قادمة من الغرب، تطالب بحق قانون بتاريخها في أرض العرب” ص 65. لكن بنفس الوقت يبدو لي بأنّ هذا التّعداد لأسماء القرى والمُدن فيه إطالة مبالغ فيها؛ ربّما لو تم ذكر بعضها وسرد الأحداث السّياسيّة الّتي أحاطت بها أثناء النّكبة أو بعدها.

  ذكر الكاتب عددًا لابأس به من انواع النّباتات، والأشجار القديمة، والمزروعة من قبْل الاحتلال؛ مثل: أشجار الكينيا، الخرّوب، العنب، العلّيق، التّين، البوص، ونبات السّيفان. كل هذه الأشجار دلالة على قِدم وجودها في فلسطين قبل الاستيلاء على أراضيها؛ ممّا تدلّ على عراقة الوطن والانتماء لجذوره العميقة، وبها ممكن إثبات أحقيّة الأراضي للمواطنين الفلسطينيين الأصليّين، أصحاب الأرض الحقيقيين، ممّا يستدعي بالتّشبّث بالأرض مهما طال الزّمان، ومهما كانت الرّوايات المُزيّفة تدّعي عكس ذلك. “قال شو إسمك؟ شو بدّك باسمي؟ ألم يكفِ أن أقول لك: بأنّني صاحب هذه الأرض؟” ص 124.

   استخدم الكاتب تناصًّا داخل النّص من قصيدة ” أيظنّ” للشّاعر نزار قبّاني؛ ومن غناء نجاة الصّغيرة.

“ما أحلى الرّجوع إليه” ص 67. ” ما أحلى الرّجوع إليه، ورجعنا أنا الّتي رجعت، وأنا أتيت وليس أنت”.

 استخدم الكاتب خطًّا قصصيًّا في  أسلوب السّرد، كخط مستقيم؛ والّتي حمّل فيها الكاتب البنيّة الأساسيّة لأحداث الرّواية، وبنى عليها الرّواية؛ والّتي ظهرت من خلال العلاقة العاطفيّة غير الواضحة  بين الرّاوي وحنان؛ أثناء الرّحلة الطّويلة في الحافلة من القدس إلى بيسان.

  أنهى الكاتب صافي روايته، بنهاية مفتوحة؛ لتجعل القارئ يفكّر؛ ليجد لنفسه الحلول والإجابات، وفقًا للواقع الّذي نحياه؛ تلك النّهاية، تخلّلتها تساؤلات عديدة مفتوحة منها: “هل قبلوا أن نعيش معًا؟ هل سيأتي أولادي وأحفادي دون فيزا ولا تصاريح؟ هل سيصلون إلى نقطة؟ ما هي النّقطة؟ هل يتغيّرون من الدّاخل؟ هل هنالك فروق بين القادمين من الخارج والّذين وُلدوا هنا؟ أسئلة كثيرة لا أعرف إجاباتها تمامًا.”.ص 124. كل هذه التّساؤلات تمثّل الصراع الخارجي والدّاخلي، حول الهويّة والانتماء وأحقيّة ملكيّة الأرض، وربّما احتمال السّلام؛ صراعات يطرحها الكاتب، من خلال حواره الدّاخلي أيضًا.

  برأي الشّخصي؛ إنّ صورة المرأة مع الرأس المُتمثّل في حمامة بيضاء، فالمرأة ترمز للوطن، والحمامة ترمز للسّلام، ربّما هذه رمزيّة تعكس رغبة الكاتب في تصوير فلسطين مناشدة للسّلام. (مجرّد تحليل شخصي).

خلاصة القول: رواية عين التّينة، رواية ممتعة، وتُصنّف ضمن الرّوايات التّأريخيّة، والوطنيّة؛ الّتي تعكس قضيّة الصّراع الفلسطيني الإسرائيلي المُستمر. يُنصح حفظ هذه الرّواية في الأرشيف الفلسطيني. 

وقال بسّام داوود:

الرواية وطنية بامتياز اسلوبها شيق ولغتها واضحة .

الرواية تتحدث عن حنان وصديقها افترقا منذ السبعينات هي تقيم خارج الوطن واصلها من مدينة بيسان وصديقها رجع للوطن ويقيم في مدينة رام الله وهذا هو حال الشعب الفلسطيني مشتت بين الداخل والخارج منذ نكبة 1948 .

قررت حنان ان تزور مدينتها بيسان التي سمعت عنها الكثير من ابيها وامها وجدها وقامت بدورها بنقل هذه المعلومات لابنائها واحفادها .

حصلت على تصريح لزيارة الداخل فكانت فرصة لها للالتقاء بصديقها والتحدث معا واعادة الذكريات بعد فراق سنين طويلة .وضعا خطة تفصيلية لزيارة الشمال الفلسطيني وخاصة بيسان التي عاش فيها والدها وامها وجدها ويوجد فيها قبر جدها فهي منتمية لهذا الوطن فهذه هي هويتها وليست معنية باية تعريفات تختلف عما تعتقده .

حنان عاشت خارج الوطن وصديقها عاش داخل الوطن هو ينتظر منها ومن امثالها في الخارج ان يأتوا فاتحين منقذين وهي ترى فيه ومن امثاله بوصلة للتغيير والتعديل كل واحد ركن على الاخر ظلت العلاقة غير واضحة علاقة الداخل بالخارج .

كل تركيز حنان ان تزور بيسان لا تريد زيارة المدن الحديثة فقط بيسان التي عرفها جدها ووالدها تود ان ترى نفسها في بيسان تبحث عن ذاتها منذ سنين ولا تجدها وان لم تجدها تكن قد حاولت .

ابتدأت الرحلة حسب الخطة التي وضعت من قبلهم وتم رصد ما يلي :

-مروا في منطقة تشبه اوروبا لكنها محاطة بقرى عربية فيها مساجد وابنية متناثرة .

-لاحظوا ان باقة قد قسمها الجدار لتصبح  باقتين شرقية وغربية وهذا هو حال كثير من المدن العربية .

-بحيرة الحولة تم تجفيفها وتحويلها لمزارع نباتية وسمكية مما غيرت من معالم حدود الوطن .

-الوجود في الداخل رمزا ناقصا للرجوع الى الوطن فنحن تحت احتلال لكننا في الوطن وايضا هذا ليس احتلال فالاحتلال يأتي من دولة اخرى ولم تكن لهم دولة فليس لهم اسم مثل الولد المشوه قصير العمر لايسمونه اسما عاديا .

-هل سيرحلون ام نحن سنرحل ام نبقى جميعا وهل يقبلوا بنا لنعيش بينهم ام يعيشوا بيننا ومرت العقود ونحن نناقش هذه الافتراضات .

-حنان ترى الوطن كله من خلال بيسان واحفادها كذلك وخشي اهلها ان ترتبط برجل من خارج بيسان ليحمل ابناؤها اسم عائلة اخرى وبلد اخرى .

-تتسائل حنان كيف تم اغتصاب كل هذه الارض الجميلة هل تم بيعنا اكثر من مرة . لاجدادنا سعر ولنا سعر ولاحفادنا سعر كلما مر الزمن ازداد السعر بالمال احيانا وبالقتل والتشريد احيانا اخرى الارض ارتفع سعرها صارت بالملايين غير المعاناة غير المقدرة بثمن وغير الاسرى والجرحى والشهداء لكن وجودنا هو الكنز سواء في الداخل او الخارج .

-لاحظوا عربات الجيش والشرطة في كل مكان فلولا ان هذه البلاد عزيزة علينا لما وضعوا كل هذه الحراسات وكل هذا العتاد وكل هذه البوابات فكل هؤلاء الجنود جاءوا لحراسته منا حتى لا ندخل دون موافقتهم ونخرج وقت ما يريدون .

-من يعيش في العالم العربي ودول العالم لا يستطيع العيش يشعر بالغربة فحنان غريبة في خارج الوطن فهي لاجئة نازحة وصديقها غريب في رام الله فهو مجرد ساكن لانه من هناك من الداخل المحتل .

-الرحلة مستمرة والحافلة تسير قد يصلوا او لا يصلوا فالوصول مرتبط بتطبيق الخطة وهنا لا نستطيع التخطيط ولو ليوم واحد .

-عند زيارة اي نبع ماء تجد اصحاب الجدايل والعمائم السود تحولت كل ينابيع فلسطين لمزارات لامثالهم علما ان العيون المقصودة توجد في مصر شرق محافظة السويس تسمى عيون موسى فلما عطش قوم موسى طلب الله منه ان يضرب الحجر بعصاه فانفجرت اثنتى عشر عينا . في سفر التوراة كتب انهم جاءوا الى ايليم المكان الذي اقام به بنو اسرائيل وبعد عبورهم البحر الاحمر ويعتقد ان ايليم هي ابار موسى فعيونهم في الخارج وليس في فلسطين فهم يخلطون وهذا هو التيه , التيه مرض معد اصابنا كما اصابهم فسميت الينابيع والجبال والقرى باسماء انبياء لم يطأوا ارضنا .وجدناهم في كل نبع ماء ومنها عين التينة يأتوها سائحين متبركين فكل  نبع ماء يصبح من حقهم حق للدولة وحق للمستعمرين ولم يجدوا تلك العيون التي يبحثون عنها سيبقون في تيه الى ان يعود مسيحيهم ونحن ايضا في تيه الى يوم الدين ننتظر المهدي والظلم يزداد والطغاة يكثرون وما زلنا في القاع .

-طقوس التحضير للجندية للشباب والصبايا عندهم تتم بان يقسمونهم الى مجموعات شباب وصبايا يقومون ببعض النشاطات المشتركة منها التجول في ارض الوطن والتعرف عليه ليشعروهم بالانتماء للارض فكل ارض يدوسونها في اعتقادهم هي لهم وهم يبدأون الجندية بعد الثانوية يخدمون سنتين قبل ان يلتحقوا بالجامعات او اية مهن اخرى فهم مجموعات متراصة تتشكل بينهم علاقات اجتماعية وحتى بين اهاليهم فحين لايجدون شعارا عاما يجمعهم في الحرب يدافعون عنه ولا يجدون دولة تحميهم يجدون في علاقاتهم الاجتماعية حماية حينها تدافع عن اصدقائك وجماعتك . يخدمون في الجيش كمجموعة ويأخذون اجازة كمجموعة ويقاتلون كمجموعة بينما نحن نختلف عنهم تماما الكل يعرف الكل واصله وفصله .

-شباب وصبايا من مجموعات التحضير لدخول الجندية يهتفون ان ارض اسرائيل لهم وحدهم لا شريك لهم ونحن الغرباء هم السادة ونحن العبيد يطالبوننا بالخروج من ارضهم والا استعبدونا مثل الدواب هذه هي العنصرية التي تربوا عليها .

-الناس خليط في هذه البلاد من ابناء شعبنا ومن الاخرين باشكال مختلفة ليسوا من هذه الارض اما بالنسبة للعلاقة بين العرب اليهود فهناك اشخاص عملوا علاقة واشخاص لم يعملوا وكل منهم له مبرر فهناك حاجات العمل والحياة والتعليم والتعلم والعلاقات السياسية هذا بالنسبة للعلاقة مع اليهود اما العلاقة مع الاسرائيلين او الصهاينة فشيء اخر فهناك صهاينة ليسوا بهيود يعيشون هنا .اما موقف الكتاب من الكتاب فهناك كتاب يناصروننا ونناصرهم وهناك من يعادوننا ونعاديهم وبالنسبة للعيش معا من جانبنا هناك اصوات ترغب بذلك رغم اقليتها اما هم فالامور عندهم معقدة جدا بحاجة لتغيرات جوهرية واشك انهم سيتغيرون نتيجة عوامل داخلية .

-الفوارق بين اوائلهم القادمين من الخارج والذين ولدوا هنا الاوئل هم الذين طردونا من ارضنا واستولوا عليها يعرفون اصلنا وفصلنا لكن الجدد لا يعرفون تماما ما حدث وتبنوا رواية الدولة تلك الرواية التي عملوا عليها كثيرا وان الدولة تتحول اكثر يمينية واكثر عنصرية .

-انهم يخشون العصي التي نحملها يخشون حجارتنا يخشون ما في داخل عقولنا يخشون اعضاؤنا التناسلية التي ستأتي بما هو اسوأ منا كما يقولون .

-عائلة سرسق باعت سهل الحولة بعدما فشل آل بيهم وآل سرسق باستغلال الاراضي الزراعية باعوها لشركة يهودية ايام العثمانين واعتبروا ان كل القرى المقامة بالسهل امتيازا لهم في فترة الانتداب البريطاني وتم طرد اهلها.

-هاجر الناس من قراهم وبقيت معالم القرى شاهدا وبقيت الذاكرة وبقيت بعض القرى قائمة لم تجف اي قرية او بلدة بل جففوا الارض من اهلها فنبتوا في مناطق اخرى بعيدة وغريبة .

-عين التينة تقف منتصبة على حدود هضبة الجولان تطل على سهل الحولة وتعتبر فلسطينية حسب الموسوعة الفلسطينية و تتبع لواء صفد وتبدوا البلاد ظاهريا مثل اوروبا بينما تبرز البلدات العربية واثار القرى كما عين التينة تركوها كما هي ويوجد تناقض بين الفلل الحديثة وبين الدمار والخراب والعشوائية بين بلداتنا .

-قرية الغجر : اسمها المثلث لانها تقع على حدود فلسطين سوريا ولبنان اسمها القديم طرنجة اسم كردي سكانها ليسوا بغجر بل ابناء طائفة مسلمة ابنيتها حديثة جدا لها تنظيم خاص لا ينسجم مع شكل قرانا او بلداتنا ولا البلدات السورية واللبنانية تظهر كانها ليست بالشام هي على الطراز الاندلسي او المغربي كل شيء فيها صناعي ليست من بيئتنا فهي كانها صممت لغيرنا ومن غيرنا .اما الغجر او النور لهم دور في التاريخ الفلسطيني رحل معظمهم بعد حرب 1967 هم لا يؤمنون بالحدود .

-في الجولان لا تزل هناك مواجهة يومية مع المشروع الصهيوني فاقامة مزرعة مراوح لتكون مصدرا للطاقة الكهربائية وهذا ما سيشوه البيئة وطرد الطيور واخلال بالمناطق الزراعية وهم يرون في ذلك الدولة الحديثة ونحن نرى ان نكون عبيدا للتكنولوجيا وان كانت تحت ستار الطاقة المتجددة انها الطاقة الطاردة لكل ما هو حي وان اعمدة الضغط العالي ستطرد كل ما هو حي بما فيه نحن فالحداثة تحت الاحتلال ليست حداثة .

-اخيرا وصلوا بيسان اسمها الان بيت شآن فبيسان اسم  كنعاني يعني الرب اله الهدوء والسكينة اله الطرد والتشريد والمحو والهدم والروح والاستبدال بهدوء .كل ما هو موجود في بيسان من حداثة لن يجذب انتباه حنان وصديقها سوى الطبيعة جذبتهم .

-في النهاية وعند منتصف الليل اوقفهم حاجز عسكري حجزوا ركاب الحافلة في غرفة قديمة تابعة لمحطة القطار الواصل بين درعا ,دمشق ,الحجاز .

-قالت حنان لو مت هنا ساكون راضية فانا في بيسان وقال صديقها اسمحي لي ان اموت معك وحتى لو لم ندفن تترك جثثنا للضباع لتتوزع اعضاؤنا في هذه الارض الرحبة وربما بعضها ينقل الى الخارج خلف النهر فتتوزع بين الداخل والخارج بعد الموت .

وقال عفيف قاووق:

    رواية عين التينة يمكن تجنيسها ضمن باب أدب الرحلات وإن كانت مطعمة بعض اللقطات ذات النكهة السياسية. فعلى خطى غسان كنفاني العائد إلى حيفا نجد حنان تصرح بأنها عائدة إلى بيسان وتردد مع فيروز أغنيتها المحببة خذوني إلى بيسان، “كانت لنا من زمان بيارة جميلة وضيعة ظليلة ينام في افيائها نيسان”.

   توضح لنا حنان تعلقها بمدينتها وتفضيلها حتى على باقي المدن الفلسطينية بما فيها القدس وما تعنيه القدس فبرغم حبها للقدس إلا أنها تقول: “لكنني جئت من أجل بيسان”.

إمتازت الرواية بلغة سلسة ورشيقة وإقتصرت شخصياتها الرئيسة على حنان ورفيقها السارد إلى جانب بعض الشخصيات الثانوية مثل وحيد الجولاني وابو المجد والراقصة مها. وكان الأسلوب السردي هو الطاغي إلى جانب بعض الحوارات والتساؤلات التي بقيت دون أجوبة واضحة. فمثلا في أحد الحوارات بين بيسان ورفيقها السارد تسأله: هل سيرحلون؟ هل سنرحل؟هل نبقى جميعنا؟ هل يقبلوا بنا ليعيشوا بيننا ونعيش بينهم؟ فيكون جوابه لست أدري، لقد مرت عقود ونحن نناقش هذه الإفتراضات دون ان نحصل على أجوبة شافية. كما تشير الرواية إلى ما يشبه الضياع او انعدام الرؤية حول القضية الأم فتقول: مرت علينا فترة مراهقتنا وكنا نعتقد اننا نملك الإجابة لكل سؤال، فرحنا نفترض أسئلة وأجوبة. كنا واثقين أن ثورتنا ستنتصر لقد كنا مراهقين، واليوم نردد عبارة لست أدري ونخشى ان تكون هذه العبارة دليل إحباط وقنوط. فماذا نسمي الإنشقاقات المتتالية في حركتنا الوطنية؟ ماذا نسمي انتقالنا قسرا وجهرا من ساحة إلى أخرى؟.

   المكان كان حاضرا في هذه الرواية والأمكنة بالنسبة للفلسطيني راسخة في ذاكرته ووجدانه، فبدلا من أن تحكي حنان قصص الأطفال لأحفادها فقد كانت تستبدلها بقصص عن مدينتها بيسان حتى يبقى الوطن في ذاكرة الأجيال المتعاقبة. وتظهر لنا الرواية تعلق حنان بمدينتها بيسان وإصرارها على زيارتها ورؤية ما بقي من بيوتها وإن كانت مهدمة ولا تريد أن ترى المدن التي استحدثها الإحتلال رغم جماليتها وحداثتها، فبيسان بالنسبة لها هي القفص الذهبي الذي تعيش فيه، فهي ترى الوطن كله من خلال بيسان. وتعبر عن هذا الحنين بالقول: جئنا لنقف على أطلال بلادنا،ونبحث عن ظلال الذين رحلوا، ونشتم رائحة الماء والتراب والحجارة. وتعود بالذاكرة إلى سوق الخميس والبيادر في بيسان  وساحتها التي تقام فيها الأعراس. وعندما شرح لها رفيقها السارد كيف أن الإحتلال قام بتجفيف بحيرة الحولة لإفراغ المنطقة من سكانها أجابته : لن يستطيعوا أن يجففونا حتى ونحن في الشتات.

  وللدلالة على التمسك بالهوية الفلسطينية  يصف السارد مدينة رام الله بأنها “مدينة كل المدن والقرى الفلسطينية” حيث ان واجهات محلاتها تزدان بذكر أسماء العائلات المرتبطة كل منها باسم مدينة أو قرية مثل اللداوي، الحيفاوي، الرملاوي، الطيراوي وغيرها.. وكأن هذه المحلات تمثل سفارات او ممثليات لتلك القرى والبلدات. وخلال رحلة حنان برفقة السارد  كنا امام توصيف للأماكن، فيحدثنا السارد عن عين التينة فيقول: إنها عين التينة الثابتة الصابرة تقف منتصبة على حدود هضبة الجولان وتطل على سهل الحولة. وهي إحدى أهم عيون الماء وسميت بعين التينة نسبة لأشجار التين التي تملأ المكان. وقد جرى احتلالها إثرعملية يفتاح في شهر أيار 1948، وهي منطقة تكثر فيها الينابيع وأهمها نبع الدرباشية. ولم يكتف السارد بوصف الأماكن بل انتقل لوصف أشجار التين وانواعه فهي أشجار خضراء يانعة بأصابع أوراقها الخمس وتتوزع أنواعها ما بين البياضية، العسيلية، دعيبلية أو غزالية وغيرها من التسميات. 

   كما تبرز الرواية السياسة التوسعية للمحتل وقضمه للأراضي، عندما باعت عائلة سرسق سهل الحولة لشركة يهودية اعتبر اليهود ان كل القرى المقامة في السهل امتيازا لهم، وهنا أشير إلى أننا في لبنان ونتيجة لعملية البيع هذه ومثيلاتها فقدنا عددا من القرى تسمى في قاموسنا بالقرى السبع ومن ضمنها هونين والحمرا التي ورد ذكرهما في الرواية. وللدلالة على ما يقوم به الإحتلال من تمزيق للنسيج الإجتماعي وتشتيت العائلات تطرقت الرواية إلى ما حدث لقرية الباقة التي قسمت عام 1949  إلى شرقية وغربية بحيث وتوزع أفراد العائلة الواحدة بين هذين القسمين.

         وفيما يشبه النقد للأطراف السياسية المتباعدة يصف السارد حنان بأنها ترى أوسع من الأطراف السياسية،حيث أن الأمور فلتت من عقالها فيتبارون في تسجيل نقاط على بعضهم حتى غاب الوطن في عقول الشباب بعد أن ظهر الولاء وغاب الإنتماء. كما تثير الرواية مسألة عدم تضافر الجهود الكافية بين الداخل والخارج حيث تقول حنان “وأنا في الخارج لم أفعل كثيرا كي أعود ولم تفعل أنت أيضا وانت داخل الوطن، أنت تنتظر منّا في الخارج أن نأتي فاتحين، منقذين ومنتصرين، أما أنا فأرى في أمثالك بوصلة للتغيير والتعديل. كل واحد ركن على الآخر وبقيت علاقة الداخل مع الخارج غير واضحة”.

في إشارة لافتة تعبر عن رفض حنان لما يمكن ان نسميه التكاذب العربي  والأغاني الحماسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع نراها تطلب من سائق الحافلة أن يغلق المذياع الذي يصدح بأغنية وطني حبيبي الوطن الأكبر لتقول “يكفيني صوت محرك الحافلة واحتكاك عجلاتها بالطريق لأعرف أنني هنا في وطني”. وفي موضع آخر تقول: لقد تم بيعنا أكثر من مرة كل مرحلة ولها سعرها.

وفي اشارة إلى ما زرعه الإستعمار من بذرة الخلاف بين الدول العربية وترسيم حدودها يبرز السؤال هل عين التينة والدرباشينية فلسطينيتان أم سوريتان؟ مشاكل مصطنعة ارادها المستعمر بحيث جعلنا كما ورد في الرواية نختلف على جلد الغزال قبل صيده، والشيء بالشيء يذكر فلا تزال مزارع شبعا موضع أخذ ورد حول هويتها هل هي لبنانية أم سورية.

تبرز الرواية الثقافة العنصرية للمحتل، حين تم محاصرة الفريق الراغب بزيارة عين التينة من قبل المحضرين للجندية، حيث بدأت إحدى المجندات بالصراخ والسباب مشيرة الى الارض وهي تقول هذه لنا وانتم الغرباء، نحن السادة وانتم العبيد.

وبالرغم كل التعجرف والتعالي الإسرائيلي إلى ان لاوعيه يجعله يعيش هاجس الخوف دوما من الفلسطيني، لأنه يعرف ان هذه الأرض ليست له فعندما طلب أحد الجنود من أعضاء الفريق رمي عصيهم في الماء أجابت حنان أنكم تحملون سلاحا وتخشون العصي؟ ليجيبها نعم ونخشى حجارتكم وما في داخل عقولكم،وفي إشارة إلى التغيير الديمغرافي المحتم يقول وايضا نخشى تناسلكم الذي سيأتينا بأسوأ منكم.

 وتطرقت الرواية إلى إشكالية ربما لا تزال قائمة وهي امكانية نشوء صداقات بين الفلسطيني واليهودي فهناك البعض من فعل هذا والبعض الآخر لم يفعل ولكل مبرراته كما يقول السارد.

 وفي إشارة ربما إلى أن العودة الحقيقية لا زالت بعيدة نسبيا، يقول السارد: رأينا العين من بعيد ولم نقف على نبعها،ولم نغسل أجسادنا بماء شلالاتها الصغيرة لأننا حوصرنا من مستوطنين ومن الجيش الذي جاء لحمايتهم.وأيضا لم تستطع حنان رؤية بيسان والتجول في شوارعها لانها وصلتها ليلا وتم اعتقالها مع رفيقها.

ختاما نلحظ أن المؤلف تعمد إبقاء نهاية روايته مفتوحة على كل الإحتمالات تاركا للقادم من الأيام وما قد يحمله من تغيرات سياسية وضع النهاية المرجوة لرحلة حنان وغيرها من فلسطيني الشتات وأملهم بالعودة ليس إلى بيسان فقط بل إلى كل فلسطين. 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات