القدس: 16-10-2025 من ديمة جمعة السمان
ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية المقدسية رواية ” أحلام القعيد سليم” للروائي الفلسطيني نافذ الرفاعي.ابتدأت مديرة الندوة ديمة جمعة السمان بالترحيب بالكاتب وبرواد الندوة حيث قالت:في هذا المساء الثقافي المضيء، نلتقي مجددًا على مائدة الإبداع في ندوة اليوم السابع، حيث تحلّ بين أيدينا رواية إنسانية الطابع، فلسفية العمق، بعنوان “أحلام القعيد سليم”، للروائي الفلسطيني نافذ الرفاعي..فهو أحد الأسماء البارزة في المشهد الثقافي الفلسطيني والعربي، شغل منصب الأمين العام لاتحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيين ومدير عام المنظمات الدولية في وزارة الخارجية الفلسطينية، ونال جائزة اتحاد الكتّاب العرب لعام 2024 في القاهرة.تنوّعت مؤلفاته بين الدراسات الفكرية والروايات والمسرحيات والمقالات، من أبرزها: قيثارة الرمل، امرأة عائدة من الموت، الخنفشاري، الأم اللاجيوس، حارس الفنار، وأحدثها أحلام القعيد سليم. كما له مجموعة قصصية ساخرة بعنوان فستق فاضي، وعدد من الأعمال قيد الكتابة.وأضافت السمان:رواية “أحلام القعيد سليم للكاتب الفلسطيني نافذ الرفاعي عمل إنساني عميق يذهب إلى جوهر السؤال الوجودي: ماذا يبقى من الإنسان حين يفقد جسدٌه حركتَه؟الرفاعي لم يختر هذين اللفظين: ” القعيد والسليم” اعتباطًا؛ فهما يشكلان تضادًا لغويًا وفلسفيًا يُلخّص مأساة الإنسان وقدرته على التجدّد. “القعيد” هو المقيد العاجز عن الحركة، أما “سليم” فهو، في اللغة، السويّ، الخالي من العطب. بهذا المعنى، يصبح العنوان نفسه مفارقة لافتة: كيف يكون القعيد سليمًا؟ وكيف يلتقي النقص بالكمال في شخص واحد؟ في البنية العميقة للنص، يُقدّم الرفاعي هذا التناقض كرسالة مزدوجة: من جهة، الجسد مكسور، محدود، ضعيف، أي “قعيد”. ومن جهة أخرى، الروح لم تُمسّ، بل ربما ازدادت صفاءً وإشراقًا بعد التجربة، أي “سليمة”. فسلامة سليم ليست جسدية، بل روحية وفكرية؛ سلامة من نوع آخر، نابعة من وعيه العميق بذاته وبالحياة، ومن قدرته على تحويل الكسر إلى مصدر طاقة داخلية.وهنا جاء العنوان أشبه بفصل تمهيدي للرواية، فالرواية تناولت الإعاقة بوصفها امتحانًا للروح، ومختبرًا لقدرة الحلم على أن يعلو فوق الألم. فـ”سليم”، عامل البناء الذي ينكسر عمودُه الفقري إثر حادث عمل، يبدأ رحلة طويلة نحو إعادة اكتشاف ذاته والعالم من حوله، رحلة تبدأ من سرير العجز وتنتهي عند قمة شجرة الجميزة في أريحا، رمز الحياة والتحدي والتجذر في الأرض.يستحضر الرفاعي في هذه الرواية طاقة رمزية هائلة، فيحوّل الجسد المقعد إلى بؤرة ضوء، ويجعل من الحلم لغة خلاص.شجرة الجميزة التي يتمنى سليم تسلّقها هي بالواقع تمرد على الواقع.. استعارة كبرى للارتقاء فوق القيد، وربط بين الماضي والذاكرة، بين الإنسان الفلسطيني وأرضه، بين ما هو فردي وما هو جمعي. في لحظة تسلقها، لا يتحرك الجسد بقدر ما تتحرر الروح من ثقل الواقع، ليصبح الفعل الجسدي رمزا لعودة الإنسان إلى ذاته وإلى كرامته.كل قفزة كان يقفزها بطل الرواية في رحلته أثناء صعوده على الشجرة كانت تمثل مرحلة ارتقاء بالوعي، ابتدأها بالتحرر من الخوف وتقبل الذات، ثم مواجهة المجتمع ونظرته القاسية… إلى أن وصل إلى القمة حيث التوحّد والتسامي الروحي.هذه الرمزية المزدوجة هي التي تمنح الرواية طاقتها الجمالية وتُخرجها من أسر الواقعية المباشرة إلى فضاء التأمل الفلسفي والروحي.ينجح الرفاعي في رسم شخصية بطل تعاني من الانكسار دون أن تستسلم، ويحيطها بشخصيات ثانوية تُضيء التجربة الإنسانية في أبعادها المختلفة، أبرزها «عواطف» التي تمثل الوجه الآخر للأمل والحنان وسط عالم قاسٍ لا يرحم المختلفين.من خلال الحوار الداخلي والمونولوجات الطويلة، يرصد الكاتب حركات النفس وتبدلاتها بين الألم والغضب والتصالح، ويجعل من اللغة مرآة للانفعال، إذ تتقاطع فيها البساطة اليومية مع الوهج الشعري، والواقعية مع التأمل الفلسفي.أما النهاية المفتوحة، فقد جاءت بوعي فني مقصود، وهنا لا نعرف إن كانت قمة الشجرة مادية أم قمة روحية.. إذ ترك الكاتب الباب مواربا بين الواقع والحلم، الجسد والروح، والحياة والموت. وهنا لا نعرف إن كانت قمة الشجرة مادية أم قمة روحية.. وهنا تكمن روعة النهاية.ومع ذلك، هناك بعض الملاحظات الطفيفة؛ إذ أنّ التنقل بين الضمائر أحيانًا يربك الإيقاع، وهناك إغراق في بعض المقاطع في التأمل على حساب الحدث، ما يجعل السرد بطيئًا في مواضع كان يحتاج فيها إلى نبض أكثر حيوية.لكن هذه الملاحظات لا تُضعف القيمة الكلية للعمل، الذي يقدّم تجربة سردية ناضجة نادرة في الأدب الفلسطيني، لأن الكاتب يغامر بالخروج من الخطاب السياسي المباشر إلى الإنساني العميق، في زمن يحتاج فيه الأدب إلى إعادة اكتشاف الفلسطيني “الانسان”.رواية “أحلام القعيد سليم” هي رواية عن الكرامة بقدر ما هي عن الألم، وعن الحلم الذي يقيم في داخل الجسد مهما كان مثقلاً بالجراح. إنها صرخة ضد الاستسلام، وإعلان إيمان بأن الإرادة قادرة على أن تصنع المعنى حتى في قلب العجز. بهذا المعنى، يقدّم نافذ الرفاعي نصًا يستحق أن يُقرأ بوصفه شهادة فنية على قدرة الإنسان على تحويل المأساة إلى خلق جديد، حيث يصبح الأدب فعل مقاومة، والجسد المقعد فضاءً للتحليق.وقال محمود شقير:1″أحلام القعيد سليم” وهي رواية معرفية حافلة بالمعلومات والمعارف والإشارات الثقافية والإحالة إلى بعض الرموز الدينية الموغلة في القدم، في مسعى مثابر للتدليل على قوة الإنسان وعظمته حين يتسلح بالأمل ولا يترك فرصة لليأس لكي يستبد به أو يسيطر عليه.نحن هنا أمام شاب اسمه سليم من أسرة فلسطينية فقيرة تعيش ظروفًا قاسية بسبب الفقر، وبسبب تعرّض سليم لحادث عمل حين انهار عليه سقف ورشة البناء فلم يقتله لكنه أورثه شللًا أصاب نصفه السفلي وجعله في عداد ذوي الاحتياجات الخاصة، فلم يحتمل والده هذا الذي أصاب ابنه، فأصبح يمضي وقته في احتساء الخمر لعله ينسى المصاب.ولم يحتمل أخوه سامي هذا الذي أصاب أخاه، فأصيب بانهيار نفسي أوصله إلى مستشفى للأمراض النفسية، الأمر الذي رتب على الأم أعباء جمة لإعالة الأسرة المنهارة.وقد بقيت الفتاة أمل شقيقة سليم محافظة على توازنها مستعدة في كل وقت لمساعدة شقيقها المشلول، دون أن تسلم من عواقب الوضع المزري للعائلة حين وقعت في حب ابن الجيران، وكان راغبًا في طلب يدها والزواج بها لولا أن أهله رفضوا تلبية رغبته بمصاهرة أسرة فقيرة فيها أب مدمن على الخمر وأخ نصف مجنون.2يمكن قراءة هذه الرواية على نحو أفقي باعتبارها رواية مكرسة للدفاع عن ذوي الاحتياجات الخاصة، وللتركيز على ما لديهم من إمكانات للتفوق وللتعويض عن أجزاء الجسم التي أصابها العطب باستنفار وتقوية أعضاء أخرى في الجسم تنهض بالتحديات المطلوبة لإثبات الوجود الذي يحفظ كرامة الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة ولا يجعله عالة على غيره.شاهدنا ذلك حين اشتغل سليم في التجارة ليعول أسرته وينقذها من سطوة الفقر، وفي ظني أن الأستاذ نافذ قدم لنا أسرة غريبة بعض الشيء، وليست من النمط السائد في المجتمع الفلسطيني، لكي يبرز دور سليم في التصدي لإنقاذها.3بعد العمل في التجارة يظهر سليم في أدوار أخرى تتطلب شجاعة وإقدامًا وتهورًا في بعض الأحيان لكي يجري التأكيد على أن من يصاب بعاهة في مجرى حياته اليومية يمكنه أن يواصل هذه الحياة من دون يأس أو تخاذل أو ضعف، ويمكنه أن يتسلح بالإرادة والتصميم والأمل كي يحقق ما يريد.ولكي تبدو شخصية سليم مقنعة للقراء بعيدة من المبالغات يؤكد السارد على أن بطل الرواية هذا لا يمكنه أن يعتمد بشكل كلي على ذاته، ولا بد من توفر مساعدة له تعينه على مشقات الحياة وضروراتها، وهي ماثلة هنا في شخصية أمل التي لم تتخل عن أخيها المصاب، وفي شخصية عواطف حبيبة سليم التي هجرته قبل سبع عشرة سنة ثم عادت إليه بعد صراع مرير مع زوجها الذي غرر بها وأقنعها بأن تتزوجه، ليتكشف عن شخص مستبد سيء في تعامله معها كما لو أنها مجرد خادمة له، فاضطرت إلى الانفصال عنه والعودة من الخارج إلى الوطن لتعرض على حبيبها الأول سليم الزواج، فلا يتردد بل إنه يفرح لهذه المفاجأة المدهشة.4يمكن بالطبع قراءة الرواية بصفة كونها بنية رمزية قابلة لتأويلات اجتماعية ودينية وفلسفية، يُفترض فيها جميعًا أن تزكي قوة الإرادة البشرية والتصميم على تحدي الصعاب، ذلك أن بطل الرواية سليم الذي يعاني من شلل نصفي يتحدى ضعفه ويقرر تسلق بلوطة الخليل التي تدلل على بعد ديني له علاقة بالنبي إبراهيم، ثم يعدل عن ذلك ويذهب إلى مدينة القمر ليتسلق جميزة أريحا التي ترتبط بعلاقة مع السيد المسيح، حين صعد عليها ذلك القصير القامة زكّا العشّار لكي يتمكن من مشاهدة المسيح.هنا يبرع نافذ الرفاعي في إدارة الحدث بسرد يتناوب عليه السارد بضمير الغائب، وسليم بضمير المتكلم، وعواطف بضمير المتكلم أيضًا، وهي حبيبة سليم التي عادت إليه بعد غياب سبع عشرة سنة، ووقفت بين الجمهور الذي يتابع صعود سليم على الشجرة لتشجع حبيبها على الثبات وعدم التراجع، وفي الأثناء ومع كل خطوة كان يخطوها سليم إلى الأعلى كان يستحضر مشاهد من الماضي الخاص بعلاقته مع عواطف، وبعلاقاته مع أسرته، وباسترجاع تفاصيل عديدة شكّلت حياته بشكل عام.5هنا مع عملية ا لصعود المثابرة وتراجعه في خطوة واحدة وحيدة محبطة تحضر في ذهن المتلقي، وربما بإيحاء من الكاتب، أسطورة سيزيف الذي يحمل صخرة على كتفيه ويصعد بها إلى أعلى، وقبل أن يصل القمة ينزلق رغمًا عنه إلى أسفل، عقوبة له من آلهة الإغريق، ليعاود الصعود من جديد وإلى ما لا نهاية، في مسعى عبثي مريع.وهي الأسطورة التي أعطاها الفيلسوف الفرنسي الوجودي ألبير كامو تفسيرًا جديدًا يتلاءم مع الوجودية مؤداه أنه مع وجود هذا العبث المتمثل في حمل الصخرة والصعود بها ثم الهبوط القسري، فإن على الإنسان ألا يضعف أمام هذا المصير وعليه أن يتمرّد على هذا العبث.شبيه بهذا صعود سليم إلى قمة الجميزة بالاعتماد على قوة ساعديه. فقد اتسم بالمثابرة والتصميم على وصول القمة. وبالفعل فقد وصلها محققًا نجاح مسعاه الممزوج بفرحه بالزواج القريب بالحبيبة عواطف.وفي لحظة مفاجئة ينقصف الغصن الذي استقر عنده في القمة ويسقط إلى أسفل، بعد أن ترك وراءه أثرًا باقيًا يذكّر بالكفاح العظيم الذي اجترحه ويجترحه أبطال عاديون من بني البشر.وقالت نزهة أبو غوش:البعد النفسي لشخصية القعيد في رواية “أحلام القعيد” تقدّم رواية “أحلام القعيد” للروائي نافذ الرفاعي صورة عميقة لإنسان يعيش صراعًا داخليًا مضاعفًا، ليس فقط مع المجتمع أو التقاليد، بل مع ذاته وجسده العاجز. البطل القعيد يصبح مرآة لأسئلة كبرى عن الحرية، الإرادة، والقدرة على تجاوز حدود الجسد. الصراع النفسي الداخلي:القعيد محاصر بين جسده المثقل بالعجز ورغباته الجامحة في أن يحيا مثل الآخرين. يظهر ذلك من خلال الحوار الداخلي المتكرر، حيث تسيطر على ذهنه تساؤلات عن قيمته، عن معنى حياته، وعن ما إذا كان الحلم مجرد وهم. التردد والقلق: يتأرجح بين الرغبة في المحاولة والخوف من الفشل.الإحباط: يشعر أحيانًا أنه “ظل” أو “أثر باهت”، غير قادر على إثبات وجوده.التوق: في أعماقه توق دائم إلى الحرية والانطلاق، وهو ما يجسده حلمه بالطيران كطائر أو تسلق شجرة رغم صعوبة جسده.العوامل المؤثرة على نفسيته الأسرة والبيئة الاجتماعية: نظرة الشفقة أو الخوف من نظرة الآخرين تزيد من إحساسه بالعجز. الفقر والتهميش: يضاعف من شعوره بالقيود، إذ يرى أن الظروف المادية والمجتمعية تتآمر مع إعاقته. المقارنة بالآخرين: طموح أخته أمل أو حياة الأصحاء من حوله تجعله يشعر بالهوة بينه وبينهم. الكتب والخيال: كانت متنفسًا له، يهرب عبرها إلى عوالم أخرى يجد فيها ذاته، ويستعيد شيئًا من قوته. الإصرار على صعود الشجرة: رمز الانتصار على الذات. تسلق القعيد للشجرة ليس مجرد حدث جسدي عابر، بل هو ذروة الصراع النفسي في الرواية اذ يمثل لحظة تحدٍ صارخة لواقعه ولعجزه. هو إعلان رمزي أن الإرادة أقوى من الجسد، وأن القيود الحقيقية ليست في الأطراف المشلولة بل في الاستسلام الداخلي.يعبّر المشهد عن لحظة ميلاد جديدة للبطل، يخرج فيها من دائرة “العاجز” إلى دائرة “المغامر”.وقالت د. روز اليوسف شعبان:أحلام القعيد سليم ليست كأحلام الناس العاديين، وإنّما هي أحلام فيها الكثير من التحدّي والصعاب، حتى يخال القارئ أنّ هذه الأحلام تكاد تكون مستحيلة التحقيق، فكيف يصعد شخص قعيد زحفًا على بطنه على جذع شجرة الجمّيز ليصل أعلاها؟تنطوي هذه الرواية على فكر فلسفيّ يعتمد المقاومة في مكافحة العجز. فمن جهة يمثّل جسد القعيد سليم العجز والضعف، في حين يمثّل عقله وفكره الحرّ الطليق، المقاومة التي تعتمد العقل والحبّ سلاحا مطعّما بالأمل والمغامرة والرغبة في الحياة. أوليست الحياة مغامرةً كبيرة؟ وهل كان سليم سينجح في بلوغ القمّة لولا وجود حبيبته عواطف إلى جانبه، تمدّه بالحبّ والأمل والتشجيع؟هذا التناقض بين العجز والرغبة في تحقيق الأحلام، يواجه كلّ إنسان في هذا الوجود، ففي داخل كلّ واحد عجزُ ما، قد يكون العجز جسمانيّا وقد يكون نفسانيّا وقد يكون وجوديّا وشعوريّا، ولن تكتمل المقاومة وتنجح إذا لم تتسلّح بالإيمان العميق البعيد عن المظاهر والشكليّات والسطحيّات، وهو أشبه بالإيمان الصوفيّ الذي يجعل الإنسان متّحدا مع الله، ممّا يمنحه ذلك القوّة، والثقة بالنفس.فهل أراد الكاتب في روايته أن يسلّط الضوء على فئة المقعدين من ذوي الاحتياجات الخاصّة ليبثّ فيها الأمل، أم أراد أن يجعل كلّ واحد منّا يتحرّر من عجزه وضعفه بعد أن يتسلّح بالإيمان الحقيقيّ ويتزوّد بالأمل والإصرار؟ أم هي رؤية شموليّة أكثر نحو الدول العربيّة المقعدة المنبطحة والزاحفة تحت أرجل حكّام العالم، أن تنهض من عجزها لتصل القمّة المرجوة؟ أو ربّما أراد كلّ ذلك؟يؤكّد الكاتب أنّ سليما كان مقعدًا، لكنّه كان سليم العقل، فكان فكره حرًّا طليقا، وربّما اختيار الاسم سليم لم يكن محض صدفة، وإنّما هي إشارة واضحة إلى أهميّة تفعيل العقل وإعمال الفكر في إيجاد حلول للمعضلات وإن بدت هذه الحلول غريبة أو مستحيلة، لكنّها حتما ستنجح وتحقّق الأهداف المرجوّة.ولذا قرّر سليم أن يتحرّر من تبعيّته للآخرين فابتكر طرقا عديدة وعجيبة، مكّنته من تحريك سريره ورفعه الى السطح وإنزاله إلى الحديقة بواسطة بكرات ودواليب وضعت في سريره، ورغم سقوط السرير عدّة مرّات وإصابة القعيد بالكسور إلا أنّه لم يستسلم وتابع إعمال فكره في إيجاد طرق وحلول تمكّنه من إعالة نفسه وعائلته، ففتح بقّالة، وبدأ يبيع فيهها وهو منبطح على بطنه في سريره المتحرك، ثمّ انتقل للسباحة وأخذ يسبح مع عواطف وشعر بفرح كبير، واشترى سيارة ووضع فيها سريره، قاد السيارة ابن عمّته لكن سليم أصرّ على قيادتها، أجرى عمليّات قص ولحام للمقعد المجاور للسائق ليتحوّل إلى وضعيّة السرير وعدّل في أحزمة الأمان، صنع له أصدقاؤه سريرًا متحرّكا قابلا للطيّ يوضع في الشاحنة، وحين قاد السيّارة في منزلقات خطرة، انقلبت. كما شارك في سباق دوليّ لركوب الخيل، كان الحصان جامحا وحين سحب المدرّب من يده اللجام وضرب الحصان بالسوط على وجهه انطلق كالمجنون، حاولوا إيقافه، ولدى توقّفه المفاجئ طار سليم عن ظهره وارتطم بالأرض. (ص 124).حوت الرواية العديد من الرسائل الإنسانيّة، منها التطوّع من أجل خدمة المجتمع، وقد أشاد الكاتب بالمتطوّعين الأجانب الذين يتطوّعون في دور العجزة والمسنّين، بعد أن حقّقت لهم حكوماتهم كل وسائل الراحة ووفّرت لهم جميع احتياجاتهم، فتفرّغوا للعمل الإنسانيّ، ليشعروا بالاكتفاء والسعادة. فأين حكومات الدول العربيّة من ذلك؟ متى سيعيش المواطن فيها حرًّا كريمًا ليتفرّغ للأعمال الإنسانيّة والتطوعيّة؟كما أظهرت الرواية دور تكاتف الأسرة وتعاونها من أجل مساعدة ابنها القعيد سليم، رغم غياب دور الأب الذي غاب في عالم السكر والحانات، لكنّ أخته أمل كانت الأمل بالنسبة له، إذ رأى سليم فيها مشروعه الشخصيّ وحلمه الذي لم يتمكّن من تحقيقه، فاهتمّ بأن تتلقّى تعليمها في دار المعلّمين وعمل على أن يجعلها مثقّفة فشجعها على القراءة والنقاش، وعدم الاكتراث بالمظاهر قائلًا لها:” الزيّ الثمين والموضة هي شكل يا أختي العزيزة، أمّا الثقافة والعلم، فهما المقياس المستقبليّ للحياة”(ص 43).أسلوب السرد:اعتمد الكاتب في سرده تقنيّة الاسترجاع والمونولوج والأحلام خاصّة أحلام اليقظة، فكان في كلّ خطوة يتقدّمها في صعوده على شجرة الجمّيز، يستذكر مشاهد من حياته، بل ويدمج معها قصّة حبيبته عواطف وحياتها البائسة مع طليقها في بلاد الغربة، وعودتها إلى الوطن، لتعود إلى حبيبها الأوّل سليم، رغم أنّه أصبح مقعدا، كما كان يستذكر أحداثًا تتعلّق بصديقه الوفيّ الّذي سمّاه الفوضويّ.هذه الذكريات والأحلام تمنح القعيد سليم شعورًا باللّذة والفرح، فنجده يسترسل في قصّة حبّه مع عواطف، ورسالته الأولى لها، غيابها وزواجها وطلاقها وعودتها ثانية إليه، لتكون له السند والأمل في مقاومة عجزه.هكذا طوّع الكاتب الزمن واختزله في مشاهد وذكريات في فترة زمنيّة قليلة، جمع فيها كلّ الذكريات وكلّ الأمكنة التي عاشها سليم وسائر الشخصيّات في الرواية.مبارك للكاتب نافذ الرفاعي هذه الرواية الشائقة المثيرة.وقالت وفاء كاتبة:رواية أحلام القعيد سليم هي أشبه بشهادة إنسانية ووجودية عن تجربة البطل (سليم)، عامل البناء الذي أصيب بالشلل إثر سقوط سقف أثناء عمله بسبب خلل هندسي. منذ تلك اللحظة، تبدأ رحلة البطل في مواجهة قسوة الفقر والتفكك الأسري وأن يُصبح من ذوي الاحتياجات الخاصة، وفي مفارقة يحاول (سليم) تحويل العجز الجسدي إلى فعل مقاومة عبر الحلم والإبداع.الرواية تنتمي إلى أدب السيرة الروائية الوجودية، حيث يمتزج السرد الواقعي (السيرة الذاتية) بالرمز الديني والتاريخي والفانتازيا. أبرز استعارة رمزية في النص هي “تسلق شجرة الجميزة” في أريحا، التي تحيل إلى قصة (زكا العشار) في إنجيل لوقا، اذ يقال انه صعد الجميزة ليرى المسيح. هذا الربط الرمزي بين (زكا وسليم) يعمّق الدلالة: الصعود هنا ليس جسديًا فقط بل روحيًا ووجوديًا، بحثًا عن معنى يتجاوز العجز. وقد عزز الكاتب هذا البعد بذكر معالم دينية مثل شجرة البلوط في الخليل المرتبطة بسيدنا إبراهيم (عمرها نحو ٥٠٠٠ عام)، والجميزة في أريحا التي مر بها المسيح (عمرها ٢٠٠٠ عام – ص ٣٥). كما تستعرض حياة سليم، ذكريات طفولته ومراهقته، علاقته بالحب الأول (عواطف)، اختراعه لسريره المتحرك، ومشاركته في تحديات جسدية ونفسية واجتماعية. في جوهرها، تطرح الرواية ثنائية العجز والقوة، الفقد والخلق، الألم والأمل.العنوان: (أحلام القعيد سليم) الجمع بين “الأحلام” و”القعيد” يكشف عن ثنائية العجز الجسدي مقابل الحلم القادر والممتد. “سليم” يحمل مفارقة؛ فهو اسم يُشير إلى السلامة، بينما صاحبه مقعد، ما يعزز البعد الرمزي للحلم كقوة شفاء. بكلمات اخرى يحيل إلى مفارقة دلالية: إذ يجمع بين “العجز الجسدي”!و”القوة الحالمة”، ليضع القارئ أمام معضلة فلسفية حول ماهية الحرية الإنسانية في ظل القيود الجسدية والاجتماعية.صورة الغلاف: الغلاف يجسّد صراع الإرادة مع العجز، حيث يصعد القعيد “سليم” بعربته جذع شجرة ضخمة، في صورة تلخّص تحدّي القيود الجسدية بقوة الحلم.الشجرة: ترمز للحياة، للنمو، للاستمرار، وربما “الحلم” الذي يتسلقه البطل متحديًا إعاقته.جذور الشجرة وأغصانها: تمثل التعمق في الأرض والتطلع للسماء، وهي صورة للتوازن بين الواقع والطموح.الكرسي المتحرك على الجذع: يشير إلى الإصرار والتحدي رغم القيود.الإضاءة الصادرة من السماء وأوراق الشجرة توحي بالإلهام أو الأمل أو تحقق الحلم.العنوان والصورة يوحيان بأن الحلم أقوى من الجسد، وأن الإصرار يصنع طريقه نحو النور، رغم قسوة الواقع.الشخصيات في الرواية تنسج شبكة اجتماعية وإنسانية تعكس التمزق والهشاشة:- سليم: بطل الرواية، قعيد لكنه مبدع ومقاوم، يحوّل سريره المتحرك إلى وسيلة حياة ويشارك في نشاطات رياضية لذوي الاحتياجات الخاصة.- عواطف: الحبيبة الأولى، التي هاجرت وتزوجت ثم عادت، لتجسد الحنين والحب الغائب الحاضر.- أمل: شقيقة سليم، التي لعبت دور الأم والابنة معًا، وسندته في حياته اليومية.- سامي: الأخ المريض نفسيًا، الذي يمثل جانبًا من المعاناة الاجتماعية والوصمة.- الأب: السكير يعكس انهيار السلطة الأبوية.أسلوب الرواية: تأملي فلسفي يتجاوز الواقعة الفردية إلى فضاء كوني. غير أن البناء السردي شهد بعض الإشكالات، أهمها الانتقال غير المحكوم بين ضمير الغائب (الراوي العليم) وضمير المتكلم (البطل)، كما في الصفحات (٨ ،١٢) وغيرها. هذا التذبذب يربك القارئ ويضعف وحدة الصوت السردي. كذلك، يغلب أحيانًا الطابع التقريري والخطابي والإطالة، مما يقلل من عنصر التشويق ويجعل السرد متثاقلًا.من الناحية اللغوية، ورد استخدام مصطلح معاق (ص٩، ص١٩: جمعية جميما للمعاقين) وغيرها، وهو مصطلح تجاوزه الوعي الثقافي والبحثي لصالح مصطلحات أكثر احترامًا مثل (ذوي الاحتياجات الخاصة)أو (ذوي الهمم). ومن اللافت أن الكاتب نفسه استخدم لاحقًا هذا المصطلح المعاصر عند وصف المسمى الوظيفي لصديق سليم (علي): “رئيس اللجنة البارا الأولمبية لذوي الاحتياجات الخاصة”ص ٢٦ . كان من الأفضل الحفاظ على اتساق لغوي يعكس رؤية حديثة وأكثر إنسانية.مع ذلك، فإن هذه الملاحظات لا تقلل من قيمة العمل، بل تمثل مقترحات للتحسين يمكن أن تعزز قوته في المستقبل. فالجانب الأهم في الرواية هو رسالتها الإنسانية العميقة: الالتفات إلى شريحة ذوي الاحتياجات الخاصة بوصفها جزءًا أساسيًا من المجتمع، وتقديم صورة مضادة للوصم والتهميش، حيث يصبح القعود جسراً للصعود، والعجز نقطة انطلاق للحلم والإبداع.الخاتمة:أحلام القعيد ليست مجرد حكاية عن إعاقة جسدية، بل نص فلسفي عن معنى الحياة في مواجهة الفقد والاغتراب. قوة الرواية تكمن في قدرتها على تحويل المأساة إلى فعل وجودي، وعلى استدعاء الرموز الدينية والتاريخية لتأكيد أن الصعود فعل إنساني أبدي. وإذا ما عولجت بعض الثغرات السردية واللغوية، فإن الرواية ستغدو نصًا أكثر تماسكًا وقوة، دون أن تفقد رسالتها الجوهرية: الاحتفاء بالإنسان في هشاشته، وإبراز طاقة ذوي الاحتياجات الخاصة كقوة كامنة قادرة على إعادة ابتكار الحياة.وقال بسام داوود:رواية واقعية فلسفية تضمنت على رسالة عالمية موجهة لكل ذوي الاحتياجات الخاصة في العالم الذي يبلغ عددهم حوالي 1.3 مليار نسمة بنسبة 16% من سكان العالم .وجهت لهم هذه الرسالة من خلال سليم الذي عالجت هذه الرواية مشكلته نتيجة اصابته بسقوط سطح البناية عليه ونجا من الموت باعجوبة لكنه اصيب بكسر في عموده الفقري وشلل في قدميه ادت لتغيير حياته فجاءت هذه الرسالة تدعوه لعدم الاستسلام والتكيف مع وضعه الجديد ليعيش حياته ويؤدي رسالته .هذه الفئة من الناس لديها تجارب انسانية غنية تنبع من التحدي والتغلب وهي جديرة بأن تسمع وتفهم وتحترم .الاشخاص ذوي الاعاقة ليسوا مجرد فئة بحاجة الى المساعدة بل هم بشر يمتلكون طاقات ومشاعر ومواهب وطموحات مثل اي شخص اخر.وجودهم يضيف ابعادا مهمة للانسانية كلها هم يرسخون فكرة ان الاختلاف جزء من طبيعة الحياة وان الكمال ليس معيارا للقبول او الاحترام فهم بشر مثابرون مثل غيرهم يساعدون المجتمعات على اعادة تعريف النجاح والفاعلية والانتاجية فقيمتهم ليس فقط في الانتاج او المنافسة بل في المساهمة والمشاركة والتأثير يعلمون المجتمعات كيف تصبح اكثر عدلا وتفهما يحفزون العالم على التفكير خارج الصندوق من اجل تلبية احتياجات متنوعة ويذكرون المجتمعات بضرورة العدالة والمساواة وكسر الانظمة الاقصائية يعلموننا الصبر ,القبول ,التواضع يذكروننا ان الانسان يقدر لكونه انسانا لا فقط لما يمكله او ينجزه .الاعاقة ليست اعاقة في الجسد بل الاعاقة الحقيقية في العقول التي ترفض ان ترى القيمة في كل انسان فهم جزء اساسي من نسيج الحياة وليسوا على هامشها .في البداية شعر سليم انه بحاجة للاحتياجات الاساسية مثل الطعام والشراب والنظافة ولكنه لم يستوعب ان يبقى على بطنه مدى الحياة فقد عانى كثيرا من الذهاب للحمام والاستحمام والحركة فاعتمد في البداية على اسرته في تلبية احتياجاته وكان لابد له من الانصياع لاوامرهم لتلقي تلك الخدمات مما جعله يشعر بالضيق .حاول الانتحار لكنه فشل من نيل الموت.طالت به الايام الا ان جاءه ذلك الحلم فقد خسر قدميه لكن عقله بقي سليما فشحن بالعزيمة شعر انه يولد من جديد يقول انا املك القوة استطيع ان استخدمها لن ابقى عالة على احد ساثبت ذاتي نظر لكفيه قال لن تعودا واهنتين ودع القنوط مصمما على الحياة رافضا الاستسلام .بدأ بتعديل سريره ليستطيع تحريكه بنفسه داخل الغرفة والخروج للشرفة طور التعديلات لينزل به على الدرج ويصل للحديقة وقد تعرض لعدة سقوطات ادت لاصابته يخدوش وجروح لكنه واصل المحاولات قرر الخروج من العجز والكساح واجهته مشكلة فقر العائلة المكونة من اب مخمور وام واخ مريض نفسيا وثماني اخوات فقرر ان يكون المعيل للعائلة بان افتتح بقالة على مستوى الحارة بدأ يجني القليل من الدخل ليساعد اسرته طور بقالته ووسعها اكثر اضاف اليها المزيد من اصناف البضائع وعدل سريره مرة اخرى ليستطيع الحركة به وخدمة الزبائن ازداد طموحه بان صمم رافعة يصعد بها الى سطح المنزل بمساعدة صديقه الحداد ثم اشترى شاحنة صغيرة عمل عليها بعض التعديلات الضرورية ليستطيع قيادتها بنفسه والخروج بها للشارع يقول لن اهزم وسأواصل مهما حصل مستجيبا لنداء صديقه الفوضوي الذي دعاه لقهر القعيد الذي يسكن بداخله وعليه ان يغادره ليعود اكثر شراسة .وعلى الرغم من ان جلده وعظمه مكسرا ومحطما لكن روحه تسامت وعلت فبدل قدميه بدولابين حتى لا تهزمه الكوارث ويستسلم , فجسده المحطم يحمل روحا سامية تطلق الشرر لاشعال جدوة العالم باكمله وقد شبه نفسه بالفهد الصاعد الى اعلى قمة في شجرة الجميز .تأثر بمصلح البوابير (الحلمان) رجل ناجح في مهنته رغم انه امي فلم يتعلم بسبب الفقر لكنه عوض ذلك بتعليم ابنته وتقدم معها لامتحان الثانوية العامة لينجحا معا ويدخلا الجامعة ,هي اكتفت بدرجة البكالوريس اما هو فقد اكمل الماجستير وبقي في مهنته لكنه طورها وحسنها وبقي معتزا بها .اكد سليم بان له روحا واحلام عظيمة عليه ان يحققها فالاعاقة لا تعني نهاية الطريق بل هي بداية لتحدي جديد يمكن تجاوزه بالارداة والعزيمة فالطموح لا يحده جسد ولا ظرف فهناك الكثير من الاشخاص ذوي الاعاقة حققوا نجاحا وانجازات عظيمة .يؤمن ان الشخص المعاق قد يحمل حلما اكبر من مجرد النجاح الشخصي مثل تحقيق المساواة ,الهام الاخرين ,تغيير نظرة المجتمع ,ابتكار حلول لذوي الاحتياجات الخاصة فالابداع لا يقاس بالجسد بل بالفكر والارادة فالتحديات خلقت لتهزم فالاعاقة الحقيقية هي في العقول التي تستهين بالاخرين والمعاق شخص قادر على الانجاز وربما اكثر من غيره لتؤكد انك لست القعيد بل انت القوي فاصعد الى سلم المجد اصعد الى العلا.عمل سليم بكل ما وسعه ليثبت نجاحه كأي انسان عادي حاول ان يمارس السباحة ركوب الخيل ,الحب فله قلب يحب ويكره ,احب صديقته عواطف وتبادل الرسائل معها .استمد القوة من اخته امل فهي رابط الحياة بالنسبة له علمها اشياء كثيرة البناء ,زراعة الاشجار ,الاهتمام بالحديقة ,لعب معها لعبة كرة السلة ,دخل مباراة مع ذوي الاحتياجات الخاصة ونجح بها ,أمن بالعمل التطوعي ,اثبت للجميع ان الاعاقة ليست نقصا بل اختلاف في القدرات وعلى المعاق ان يعيش بطريقته وان يحافظ على كرامته الغير قابلة للتفاوض .جاء في الرواية ايضا :-دعوة للاهتمام بالعمل التطوعي .-اشارت الى الانسان العالمي الذي يؤمن بالتطوع ليس في بلده فقط بل في اي بلد في العالم دون النظر الى الحدود او الدين او الجغرافيا وهذه قمة الانسانية .-التحلي بالاخلاق والمحافظة على اسرار الاخرين كما حصل مع صديقه الذي ستر على الفتاة التي حملت من خطيبها وتوفي بحادث سير وحماها من القتل على خلفية الشرف بان اسكنها عند اخته الى ان وضعت مولودها وتبناه وبذا يكون قد حمى الفتاة وجنينها وحافظ على سمعتها .-الاهتمام بالزراعة وخاصة الحديقة المنزلية والاستفادة من المياه العادمة بالعمل على اعادة تدويرها لري الاشجار .مرة اخرى نبارك للاستاذ نافذ على الامل اللقاء به في انجاز اخر .وقال د. صافي صافي:لا أتفق مع المحللين الذين اعتبروا هذه الرواية اجتماعية، بما في ذلك الكاتب نفسه، فكل رواية لها بعد اجتماعي، وبعد سياسي وبعد فلسفي وغيره من المجالات، فالرواية حياة بكل تشعباتها، وهي بالتأكيد لا تتحدث فقط على أحلام رجل كسر عموده الفقري، ومحاولته تحقيق أحلامه الكبرى في تسلق شجرة الجميز، على طريقة الحيوان الثدي ذو المخالب الطويلة، سلاحه الوحيد “القرد الكسلان”، هذا الكائن الذي يتغذى فقط على أوراق النباتات، فلا يؤذي حيوانا ولا إنسانا إلا دفاعا عن نفسه.إنها شجرة الجميز المعمرة، عميقة الجذور، بارتفاع المنابر القديمة، ما يزيد على العشرين مترا، مما يعني أن عمرها يزيد على الألفي عام. هذه الشجرة، دائمة الخضرة، التي تنمو ثمارها حتى على سيقانها، حلوة المذاق، فإن لم يأكلها الإنسان، أكلتها الطيور، وبعض الحيوانات، وحتى الديدان والحشرات.يقوم سليم بتسلق شجرة الجميز، تلك الشجرة التي تسلقها من قبل “زكا العشار”، بل يعلوه بخطوات، والعشار، قصير القامة، هو الذي كان يعمل جابيا للضرائب أيام الامبراطورية الرومانية، الذي اعتبر خائنا، وسارقا لأموال الرعية. عندما مر السيد المسيح من هناك، قرر ملاقاته، فصعد الشجرة، وأعلن أنه سيتناول العشاء في منزله، وأعلن توبته، وأنضم لتلاميذ السيد المسيح بعد أن لاقي يهوذا الاسخريوطي حتفه، واصبح أسقف قيساريا.سليم ليس مذنبا، بل هو نقي بهي، تعرض لكسر في عموده الفقري، وهو يعمل في مهنة البناء، سقط عليه السقف. سليم لم يكن مخطئا، ولا سارقا لأموال الناس، بل مكافحا لتوفير لقمة العيش لأسرته الفقيرة الموعزة. وها هو يعيد سيرة “زكا العشار”، في المكان نفسه تقريبا الذي مر به السيد المسيح، في كنيسة يصعب دخولها وتسلق شجرتها، وهو بذلك يقترب من السماء بعيدا بعيدا في خطوات بطيئة في عددها ثلاث وعشرين، وأكثر قليلا، بعدد أزواج كروموسومات الإنسان.سليم البناء، على خطى والده، الخطاط، المبدع، الشغوف بالموسيقى، بالصوت الجبلي، العاشق لحزن الناي أولا، والمنبهر بالكمان، والمحب الولهان، والمبدع بصنع السرير المتحرك، والمقلد لعباس بن فرناس في الطيران، والمصمم على السباحة، والفارس الخيال. لم تكن رحلة سليم سهلة، فكل خطوة هي جهد، وكل خطوة تعادل خمسين عاما، تحبس الأنفاس، خطوات بعدد الفصول: خطواته الثلاث الأولى، والرابعة، والخامسة، …، ويكسر الرتم عند الخطوة الثامنة، والتزحلق خطوة وعودة للتاسعة، (وصل خطوه الثامن)، ومجددا الخطوة العاشرة، والخطوة الحادية عشر، … والخطوة الثالثة ما بعد والعشرين، يفصلها فنيا بالعائدة، واللقاء، وعواطف والراوي، والمخرور والقعيد والمغامرة، وينهيها بنصف خطوة.إننا لسنا أمام قعيد واحد هو سليم، فسليم مقعد حركيا، لكنه المتمرد الذي لم يقبل الانتحار، فعبث الحياة تفرض عليه الاختيار، واختياراته تفوق قدراته، وفق فلسفة الديناميكا اللولبية حيث يحاول التفوق على ذاته، مرحلة وراء أخرى ليصل العلى والسمو. إن كل الشخصيات الواردة في الرواية هي مقعدة بشكل آو بآخر، فهو جزء من أسرة تتكون من تسع أخوات وولدين، بالإضافة للوالد والوالدة. سامي، أخوه الأصغر، شخصت عيناه، وهلوس بكلمات غير مفهومة، وامتنع عن الكلام، ثم انطوى على نفسه، عانى من وجع المسؤولية والعجز والاكتئاب، والانهيار العصبي، وأدخل مستشفى المجانين، فسفروه إلى الأكوادور، عاش في بيت خالته، ليتزوج ابنتها. والده هو البناء الذي تتلمذ سليم على يديه، وهو المخمور في الحانات هربا من وضع عائلته الصعب. أما أمه فهي تحمل هموم الكون كله، وهموم كل فرد من أسرتها.صديقه الفضوي، يعشق السهر وينام متأخرا، العاقر، يتبنى وزوجته طفلة بطريقة مواربة، لكن زوجته تحمل أخيرا (من الله). طبيب الأعصاب المريض المقيم في المستشفى، ويستعين به الأطباء. رواد المشفى: أحدهم طبيب، والثاني من الأوائل في الجامعة، انهار في السنة الرابعة، والثالث أصيب بلوثة حب عندما زوجوا حبيبته من رجل آخر، فقام بطعنها، أما الرابع فقد أفلس بعدما كان من أصحاب الشركات التجارية. عواطف هي عشيقة سليم، جاء مغترب من أقاربها، يسكن خلف المحيط، أعجبت بأناقته وسيجاره الفخم، فتزوجها، وعاملها بقسوة، كخادمة، فهو زير نساء، ويسجنها في بيته، تفقد أباها في الوطن دون أن تدري. تقرر الهرب، والعودة إلى الوطن، فتعود لسليم مقعدا وثائرا.أمل هي الوحيدة العاقلة التي تساعد الجميع، شبه أمه، تعلم معها في الكتب المدرسية، ليعوض ما نقصه، طفلته المدللة. علمها البناء، ابنته التي لم ينجبها، مشروع حياته، حتى أنه لم يوافق على زيجتها، تعلمت في معهد، وعملت في بيت كفيفات، وشاركت في الندوات الثقافية، كأنها هو.نعم، لقد قرأت الرواية مرتين، لأدرك كم هي الحياة جميلة، ولأعرف أن سليم خرج من جلده، فتسامت روحه وعلت، ورممت نفسها، وانطلقت في دوائر زمبركية نحو العلى.سليم ليس هو المقعد الوحيد، رغم التركيز عليه، كلهم مقعدون، مجتمع بكامله، فلم نر شخصية واحدة كاملة، وليس هناك كمال في أوصاف الشخصيات. من هنا تبدأ الرواية كما أعتقد. الاعتراف بالقعود، حتى يتجاوز المحنة، الأزمة، الحالة المرضية، ليقوم. الاعتراف بالمرض هو البداية، ثم التحدي. المرض يمنع سليم وغيره من حوله للنهوض، لكن سليم يقرر أن ينهض خطوة وراء أخرى، وإن تراجع مرة، يعود فيكمل المشوار. خطواته قصيرة، وبطيئة، مثل “القرد الكسلان”، لكن إرادته صلبة، يعتمد أولا على ما في داخله، وثانيا على يديه القوتين، ومخالبه الطويلة. المشوار طويل يحتاج ما يزيد على عشرين خطوة، وكل خطوة بمئة مما تعدون، لعبور السنين التي فاتت والسنين التي ستأتي. يبدأ الصعود من العقل، من القدرة على اتخاذ القرار، فاتخاذ القرار هو الذي يحدد الكينونة، والكائن بقراراته حتى في أشد الظروف قسوة.كلنا معاقون، ليس بخاطرنا، وإنما لظروف خارجية، ولظروفنا الداخلية، ولقراراتنا السابقة، وعلينا أن نتحمل المسؤولية، ونفض شرنقة الإعاقة، والانطلاق إلى العلى. سليم المعاق هو مثال للانطلاق، وفعل مثله صديقه واخته وعواطف وغيرهم.الخطوات ما فوق العشرين، ليست فقط حركة، وإنما تركيز، وتأمل، وتذكر، ورسم مستقبل يعيه المعاق جيدا، بل يقرر أن يصله.هل يجوز اعتبار مجتمعنا معاقا؟هل الاعتراف بواقعنا هو نقطة الإنطلاق؟هل لدينا التصميم للخروج من وضعنا السيء؟هل سليم هو القدوة؟ وهل السلامة هي نفسية أم حركية؟هل وضع خطة للنهوض تشكل منارة للمجتمع؟هل يشكل الحب حافزا وشغفا لمواصلة المشوار؟هل الخطوات البسيطة هي البديل للنهضة والخلاص من الحالة السيئة؟كلها أسئلة بحاجة لإجاباتعدا عن أسئلة فنية ولغوية أخرى، ستظل مطروحة في سياق الرواية وما بعدهاوقالت هدى عثمان أبو غوش:هي رواية اجتماعية،إنسانية،فلسفية،يسردها الأديب الرّفاعي بضمير المتكلّم والغائب، ما بين الواقع والخيال،ما بين الرّوح والجسد،القوة والضعف،وما بين التّحدي الاحباط،والقيد والتّحرّر.تتجلى الناحية النفسية في الرّواية؛لتنكشف الأسرار،وتبوح الشّخصيات بآلامها،أحزانها،أوجاعها،والضغوطات التي تلازمها،ومحاولة مواجهة الصعاب كشخصية سليم القعيد،وظروف عائلته البائسة.العنوان”أحلام القعيد سليم”يضع القارئ أمام تشويق لمعرفة أيّ الأحلام لدى القعيد ومن هو؟ويتجلى في العنوان معاني التّحدي والأمل،والتّضاد،فالقعيد لا يستطيع أن يتحرك،أو يطير،لكنّ أحلامه هي أمنيات تحلّق عاليا.معنى القعيد، هو مرض يُقعد من يصاب به فلا يستطيع القيام،هو عجز عن الحركة بعد إصابته بالقعاد،والقعيد على صيغة فعيل .يدهشنا الأديب الرّفاعي في أسلوبه الخيالي، من خلال تصوير حالات مراحل صعود القعيد إلى الشّجرة،وفي توظيف شجرة الجميزة التّاريخية،ليعبر من خلال الصعود عن حالته الخاصة كمقعد وأثر ذلك عليه،وعن عائلته،وعن الكادحين والمعذبين وقد جاءت عدد خطوات الصعود 23 ربما ذلك دلالة على عمر القعيد. .يعتبر الصعود لشجرة الجميزة هو مجازي ،رمزي وخيالي،فالصعود هو محاولة التّحرّر من القيود،قيد العجز الذي أنهكه بعد أن خسر عموده الفقري،وشلّت ساقه،وعطلت قدمه.فالصعود هو التحدي ،الأحلام، والخيال،وهو تعويض نفسي.يقول عالم النفس أدلر:إنّ الخيال وسيلة الدّفاع التّي يحقق من خلالها الفرد ذوي الإعاقات أهدافه وطموحاته التّي يعجز عن تحقيقها في الواقع.والصعود هو صرخة القعيد أنه موجود وليس عالة على أحد،هو الرّوح المتمرّدة التّي تبحث عن ذاتها وهويتها في ظلّ ظروفه الخاصّة،في الصعود رسائل قوية بأنّ لا تجعلوا القيد ينتصر،بل نحاول أن نفكر بوسائل عديدة لفكّ القيّد، بالإضافة إلى رسالة جميلة ألا وهي لا تتوقف عن الحلم،حاول، يكفيك شرف المحاولة.ورسالة للقارئ أن يكتشف نفسه،أعماق داخله،من هو،ويحاول أن يطور ذاته. ومقولة أعجبتني لأحد علماء الفيزياء النظرية”ستيفين هولينغ” أحبّ أن أذكرها في سياق معاني التّحدي يقول:لا تجعلوا إعاقتكم تمتد إلى أرواحكم كما وصلت إلى أجسادكم.”جاءت شجرة الجميزة التّاريخية الموجودة في أريحا رمزا للطموح والوصول للهدف عند القعيد.الصّبي الخطّاط هو رمز للكادحين المكافحين في بيئة فقيرة الذين يواصلون حياتهم بإصرار وعزيمة في مواجهة ظروفهم.شجرة المشمش-هي رمز الحب والحنان،فهي تشبه عواطف حبيبة القعيد،يجيب القعيد لأحد الأشخاص الذين طلبوا منه بإطلاق اسم على شجرة المشمش “فيرد بسرعة:عواطف”.عواطف-هي رمز للحب،للأمان،للأحلام الجميلة،للدعم العاطفي الذي يغير من نفسية المحبط.يقول القعيد”حبيبتي أنت تغيرين الواقع”.أمل -أخت سليم القعيد تمثل الأمل القادم المشرق في حياة سليم،ولذا كان يساندها ويعلمها،ويتفاءل بها.يقول القعيد “أن تمسكه بالحياة من أجلها”.”القرد الكسلان”هو رمز للشخصية الكسولة،فالقرد الكسلان يتحرك بطبيعته بحركاته البطيئة،وسليم القعيد يرفض ويحتج أنه لا يريد أن يكون وضعه كالقرد الكسلان،يريد القعيد أن يكون فعالا في المجتمع. الإرادة والقوّةـ لعبت الإرادة دورا هاما في تصوير شخصية سليم القعيد،وفي كيفية مواجهته للصعاب،وفالأرادة كانت دافعه للصعود،وعدم الاستسلام،فكلّما حذروه من الصعود كان ينهرهم وصولا إلى القمّة.فقد تمّ تكرار جملة “لن تردعني سوى القمّة”.الصراع النفسي في الرّوايةـ يتجلّى الصرّاع في شخصية بطل الرّواية سليم القعيد،ويبدأ الصراع من العنوان المليئ بالتّحدي من خلال أحلام سليم الذي يتمنى أن تتحقق أحلامه،فهو في صراع بين الواقع والحلم،الواقع المرير(كمقعد) والحلم الذي ينتظره ليحرّره لتتحقق أحلامه اجتماعيا واقتصاديا وعاطفيا ،و هو صراع بين الطموح والإحباط.وتوتره بأنه يتوجب عليه النجاح ،لأن الفشل هو موت الرّوح.نجد الصرّاع النفسي في حواره الذاتي مع نفسه، في بحثه عن ذاته ،الذي يكشف عن ضيقه؛بسبب حالة عجزه،وفي محاولته البحث عن بديل للخروج من مأزقه.”لست عالة على أحد وعلي أن أخرج من القالب المتخشب إلى فضائي الرّحب”غياب الحبيبة “عواطف”كان له تأثير سلبي،ولكن بحضورها انفرجت أسارير قلبه،وهدأت نفسيته،وثارت عاطفته من بعد ركاد وخيبة.التضاد في الرّوايةـ سليم-قعيد،اسمه سليم ومعناه سليم الصّحة.بالمقابل فهو قعيد أي لا يستطيع القيام،صحته ليست سليمة.أحلام- القعيد،الأحلام مليئة بالحركة والتحليق أما القعيد فهو ساكن لا يستطيع الحركة،التضاد هو بين السكون والحركة.في الرّواية إشارات إلى أهمية الدّعم المعنوي والمساندة النفسية والعاطفية في المجتمع لأصحاب الاحتياجات الخاصة كمساندة عواطف الحبيبة العائدة من الغياب لحبيبها القعيد، من خلال دعمها العاطفي والنفسي في تشجيعه في عدم الاستسلام.وأيضا الصديق الفوضوي في دعمه النفسي “يا مغامر،اقهرالقعيد الذي أسكنته في داخلك،واطرده وعد أشدّ شراسة وتغلّب دائما عليه”.اللّغة-جميلة،قوية،استخدم الخيال في توظيف الصعود والتّحرّر من خلال شجرة الجميزة وزكا العشار وهما ذات دلالات رمزية دينية ،عبر عن العاطفة الحزينة ومشاعر الحب والقلق عند الشّخصيات.استخدم الأسلوب الشاعري وأيضا اقتبس بعض الأبيات في سرده للشعراء أمرؤ القيس،وأبوتمام.استخدم الحوار الذاتي،والحوار بالفصحى بين الشخصيات.استخدم استرجاع الماضي عبر الذكريات والحديث عن الماضي وأثره،سواء ذكريات عواطف أو سليم،وكذلك الحديث عن الحاضر عن العائلة والأصدقاء،وختاما إنّ جماليات الرّواية أنّها تأخذ القارئ من عالم الواقع إلى الخيال والحلم،ومن حالة العجز إلى الحركة،ومن صورة اليأس والانتحار إلى بصيص الأمل،ومن المعنى المادي إلى المعنى الرّوحي.وقال د. رفيقة عثمان:احتوت الرّواية على مئة وخمسين صفحة، وصمّيم الغلاف الفنّان إلياس شربل. تعتبر هذه الرّواية مغايرة عن الروايات السّابقة للرّوائي؛ من حيث تطرّقها لموضوع بعيد عن القضايا السّياسيّة، ولأوّل مرّة تناول فيها موضوعًا إنسانيًّا، واجتماعيًّا بحتًا. أظهر فيها مدى قدرة الإنسان نحو التغيير، ومدى امتلاكه القدرة الكامنة على التّحدّي، والإصرار، والعزيمة؛ للوصول للنّجاح، وتحقيق الأهداف نحو العلى، خاصّةً لدى فئة ذوي الاحتياجات الخاصّة (ذوي الهمم العالية). اختار الرّوائي عددًا محدودًا من شخصيّات البطولة؛ لتحريك مجريات الأحداث، فكان سليم هو البطل الرّئيسي في الرّواية. تمثّلت مواصفاته “بالقعيد” الشّاب الّذي أصيب خلال عمله بورشة العمل، فتضرّر عموده الفقري؛ ممّا جعله مُقعدًا، دون حراك، وهو ملقى على بطنه بشكل دائم. إلّا أنّ إصراره وعزيمته، خلقا في نفسه حلمًا يكاد يكون مستحيلًا في نظر أقربائه ومعارفه. كان حلمه بأن يتسلّق شجرة الجمّيز المُقدّسة في أريحا، والّتي مرّ بمحاذاتها السّيّد المسيح (اكتسبت شّجرة الجمّيز أهميّتها الدينيّة والمسّيحيّة؛ لكونها موقعًا تاريخيّا مهمّا في المسيحيّة، وترمز على رحلة المسيح إلى القدس). “ها أنا أضع مجدي لشخصي، أتسلّق شجرة يحظر على أبطال التّسلّق الاقتراب منها، وأنا أكسر المُحرّمات في يومي هذا، وليلي الّذي يحمل ضوئي.” صفحة 32. الشّخصيّة الثانيّة: لعبت دورها عواطف، وهي حبية سليم، تزوّجت من شخص مغترب، ولم تُوفّق، تطلّقت وعادت للوطن؛ فتجدّد اللّقاء والعودة للحبيب، وهي كانت تشجّعه على تحقيق أحلامه شبه المُستحيلة. الشخصيّة الثّالثة: كانت اخت سليم، واسمها أمل؛ فهي كانت بمثابة ابنة لسليم، علّمها وساندها، فكانت عونًا له أيضًا؛ رفض أهل حبيها الزّواج منها لإبنهم، بسبب وضعها الاجتماعي ( الأب سكّير، وأخوها سامي المضطّرب نفسيًّا، بالإضافة لوضع أخيها القعيد سليم). هنا نجد المُفارقة الغريبة، إسم أمل لا يمتلك الأمل في تحقيق حلمها. الشّخصيّة الرّابعة: شخصيّة الأخ سامي المريض نفسيًّا، وسافرللخارج للعلاج، بينما شخصيّة الأب كانت مُغيّبة تقريبًا. الشّخصيّة الخامسة: الصّديق الفوضوي، الّذي رافق سليم، وكان صديقًا يرتاح سليم للحديث معه. برزت بعض السّيمات لأسماء الشّخصيّات، اختار الرّوائي اسم سليم للبطل المُقعد؛ دلالة على سلامة الرّوح، وعدم تصنيفه في عِداد المُقعدين. هذا الاسم فيه شيئ من المُفارقة. إنّ اسم عواطف حمل صفتها المميّزة بالعطف والحنان نحو سليم؛ بينما اسم أمل، فهو دلالة على ما تحمله أمل الأخت من صفة الأمل: بما تقدّمه لأخيها سليم من رفع المعنويّات، والتشجيع الدّائم، وتقوية الدّافع لديه، ورفع معنوياته؛ لتحقيق أحلامه، بينما أمل نفسها كانت بعيدة عن الأمل في تحقيق حلم حياتها، وهنا أيضًا توجد المفارقة. تنوّعت أصوات الرواة، حيث استخدم الكاتب شخصيّات الرّاوي: على لسان الكاتب؛ كما ذكر: “تسرد عواطف للكاتب مجمل الحكاية”. كذلك سرد سليم عن نفسه، وروى سيرته أيضًا، فكان أسلوب الحوار الخارجي واضحًا، والّذي دار بين شخصيّات الرّواية (بين سليم وصديقه الفوضوي، وبين سليم وعواطف)؛ كذلك احتوت الرّواية على الحوار الدّاخلي للبطل سليم، خاصّةً عند محاورالصّراع الذّاتي، نحو تحقيق الحلم المستحيل. ” اكتسبت مهارة وسرعة، تكبر في داخلي مشاعر التّغلّب على الاعتماد على العائلة والإتّكاليّة؛ اكتشفت أنّني أستطيع” صفحة 15. في الرّواية أنصف الرّوائي المرأة، عند اختياره معظم شخصيّات الرّواية من النساء مثل: (الأم، وعواطف، وأمل)؛ كلّهن كن مُلهمات، ومتعاطفات، وداعمات لسليم نحوتحقيق حلمه، ومرافقته أثناء علاجاته. انتصر الكاتب للمرأة، وأبرز تأييده، ودعمه؛ لرفع شأنها عاليًا؛ كما ورد على لسان البطل سليم، أمسك رأسها قائلًا: “أريدك المرّة القادمة في زيارة الجامعة أن تفتعلي نقاشًا، استعرضي مخزونك الثّقافي والمعرفي، وافخري بالعلم، الأهم هو الثّقافة، وليس الزّي الثّمين. أريدك أن تتحدّثي عن المرأة القادرة. الزي الثّمين والموضة هما شكل يا أختي العزيزة، أمّا الثّقافة والعلم هما المقياس المستقبلي للحياة” صفحة 23. هذه المقولة تشير إلى الفكر التّقدّمي الّذي يتحلّى الرّوائي؛ نحو المناشدة في تطوّر وتقدّم المرأة الفلسطينيّة؛ ربّما أراد الرّوائي أن يرمز بالمرأة للوطن الأم (فلسطين). أرادها أن تنهض، وتتطوّر علميًّا وثقافيّا؛ لتلحق بالركب الحضاري. في رواية “أحلام القعيد سليم” انتصر الكاتب لقوّة الإرادة، والعزيمة، والإصرار؛ على صفة العجز والاستسلام، من تحقيق الأحلام المستحيلة. “أحلامي تتجاوز حدودي، ولا أتقيّد بها، أنا إنسان يحمل أكبر وأعتى تجربة لا تتكسّرمهما تكسّرت يداي، وأحلامي، فلن أنزاح حتّى تصل المخاطرة”صفحة 38. استخدم الكاتب الحوار الذّاتي، ممّا كان له الأثر الكبير في التّعبير عن النّفس؛ خاصّة عند تفاقم الصّراعات الدّاخلية؛ والّتي يعاني منها البطل سليم.” لن تردعني سوى العتمة”. كذلك تخللّت الرّواية حوارات خارجيّة دارت بين أبطال الرّواية، تعبيرًا عن الصّراعات الصّعبة في حياة البطل. إنّ المزج بين الواقعيّة والفانتازيا في الرّواية يعطي النّص عمقًا ومرونة، وثراءًا رمزيًّا وفلسفيّا يجعل الرّواية قابلة لقراءات متعدّدة. في رواية “أحلام القعيد سليم” اختلفت عن الرّوايات السّابقة للأديب الرّفاعي؛ من حيث المضمون، والرسالة الإنسانيّة الّتي أراد أن تصل العالم. بأنّ الإرادة تصنع حياة جديدة، فلسفيّا، والنّزعة الكونيّة الإنسانيّة ورمزيّة الصّعود؛ على الرّغم من القيود. من الممكن اعتبار الإرادة كقوّة للخلود، كما يبدو في النّص ممكن تجاوز العجز الجسدي بواسطة الإرادة والعزيمة كما ذكرت سابقًا؛ فهو امتداد لفكرة نيتشيه عن الإرادة والقوّة، الجسد ضعيف لكن الرّوح تبقى قويّة. لا شك بأنّ رسالة الرّواية تحمل نظرة تفاؤليّة، تبعث الأمل في النّفوس الضّعيفة. فلسفة وجوديّة إنسانيّة بحتة؛ تُحسب لصالح الرّوائي. استخدم الرّوائي أسلوب الاسترجاع، أو الأحلام والتّذكّر في شكل دائري أثناء الصّعود أثناء الصّعود: “يستذكر الفرح الدّاخلي”، “أيقظت فيه ذكريات الطّفولة”، يستذكر الفرح الدّاخلي”. ممّا يعكس حركة النّفس الإنسانيّة بين الانكسار والانبعاث. اتّسمت لغة الرّوائي بلغة سلسة، تقع ما بين الشّعريّة العالية، والسّرد الواقعي؛ لغة زاخرة بالمحسّنات البديعيّة، والحوارات الدّاخليّة؛ والسّيمات الأدبيّة المختلفة. “ترهقني الجمّيزة بأشلاء التّجربة، تنحبس مكانتها المقدّسة، وترنو كونها شجرة عميقة” اللّغة هنا وسيلة لوصف الشّجرة، وتجسيد الحالة الوجوديّة للبطل؛ تُعامل الجمّيزة ككائن حي، وهذا يضفي على النّص نفسًا صوفيّا وشاعريّا. خلاصة القول: أنصح بترجمة هذا العمل الرّوائي للغات أجنبيّة مختلفة، لهذه الملحمة الإنسانيّة الوجوديّة؛ ومن الممكن إخراحها وتمثيلها فلمٌ سينمائيٌّ.وقال محمد موسى العويسات:تقع الرّواية فيما يقارب مائة وخمسين صفحة، من العنوان يوحي لنا الكاتب بكنه الرّواية، فالفكرة فيها قعيد، وقعيد اسم مفعول من أُقْعِد بمعنى مُقعد، مثل أسير وسجين ودفين وغيرها من أسماء المفعولين التي جاءت على وزن فعيل، وبفنّية رائقة قدّم الكاتب الصّفة (القعيد) على الموصوف (سليم)، ليجعل سليما عطف بيان أو بدلا من القعيد، وذلك لأنّ الحديث أو الفكرة منصبّة على حالة الشّخص سليم، فهي لفت للانتباه لحالته في بعدها الإنسانيّ، وكان الكاتب أكثر توفيقا عندما اختار لهذا القعيد اسم (سليم)، فهذه من أساليب العرب في التّيامن والتّفاؤل والتّلطّف النّفسيّ، فقد سمّوا اللّديغ السّليم، وسمّوا البيداء المفازة، وسمّوا الخارجين في التّجارة أو السّفر الصّعب والخطير القافلة بمعنى العائدة، وقد رأيتُ تسميته لحبيبة سليم (عواطف) وتسميته أخته (أمل) متناسقا ومتناغما مع شخصيّتهما وأثرهما في سليم، وتلطّف أيضا في تسمية صديقه الملحد بـ (الفوضويّ) وهكذا، وأحلام هنا في العنوان تحتمل لأول وهلة دلالتين، هما: المنامات أي ما يراه النّائم من الأضغاث، والطّموحات التي يسعى فيها الإنسان، ولا يفصِل فيهما إلا الولوج في الرّواية، التي تجدها تقوم على أربع وعشرين لوحة لثلاث وعشرين خطوة ونصف، يخطوها القعيد سليم في تسلّق شجرة الجمّيزة في مدينة أريحا، والتي التقطها الكاتب من قصّة دينيّة في كتاب العهد الجديد، والتي ملخّصها أنّ (زكّا العشّار) الذي كان يجبي العُشر للإمبراطوريّة الرّومانيّة أو كان رئيسا للعشّارين، فعدّه اليهود خائنا، لمّا التقى النّاس بالسّيّد المسيح عليه السّلام في هذا المكان، لم يستطع زكّا العشّار أن يراه أو يصل إليه لقصره وكثرة النّاس المجتمعين حول المسيح فتسلّق الجمّيزة ووقف عليها ليرى المسيح ويراه ويبرّئ نفسه من تهمة الخيانة ويتوب، وهي شجرة مقدّسة في التّراث المسيحيّ، ويقول الكاتب بأنّها تنمو بطول متر كلّ مائة عام، فوظّف الكاتب هذه المعلومة ليجعل منها ثلاثا وعشرين خطوة ونصفَ الخطوة، والزّيادة في حساب الخطوات في عشرين قرن وربع من عمر الجمّيزة ربّما بسبب انزلاق سليم عندما بلغ المنتصف، ويبقى السّؤال: ما المشترك بين زكّا العشّار، والقعيد سليم؟ الأول أراد أن يرى المسيح ويتوب فاستعان بها ليعوّض ما فاته من طول، فربّما كان طولها مترا أو أكثر، فرأى المسيح وبرّأ نفسه من الخيانة، أمّا سليم القعيد فهو صاحب حاجة ومقعد وكسيرُ العمود الفِقريّ يعيش ملقى على بطنه، يريد أن ينهض ويعلو ولا يريد أن يستسلم لما هو فيه من عجز، فهو في هذا الطموح كمن يتسلّق الجمّيزة، إذ جعل الكاتب كلّ خطوة لوحة تغصّ بقصّص حياة سليم القعيد وطموحاته ونجاحاته، واستطرد فيها بسرد ماتع لقصص إنسانيّة بحتة من حياة الشّخصيّات المتعلّقة تعلّقا مباشرا بالقعيد سليم، والتي امتدّت معه على طول الرّواية، وهي أخته أمل، وحبيبته التي تزوّجت في الخارج من زوج حقير استطاعت أن تنجو منه بذكائها ومكرها وإصرارها على الخلاص، وأن تعود لسليم فترسم معه أحداث الرّواية، وهنا لا بدّ من ملاحظة أنّ الكاتب أعطى للمرأة دورا عظيما في نجاحات سليم، وحصره في اثنتين أخته وحبيبته، وربّما يكون هنا متأثّرا بقصّة موسى عليه السّلام مع فرعون في سورة القصص، فقد اشتركت في إنقاذ حياته أمّه وأخته وزوجة فرعون، وكذلك زوجته التي كانت سكنا له في مهجره لدى شعيب في مَدْين. وكذلك ضمّن الكاتب في لوحاته قصّة صديقه الفوضويّ الذي كان مآله أن يكون موحّدا شاكرا لله على عطائه له ومجازاته بفعل خير فعله في إنقاذ فتاة من القتل أو العار بتبني مولودها، وكانت هذه محبوكة بشكر سليم لله على نجاحاته، وقد امتدّت معه هذه الشّخصيّة أيضا، وجاء على قصص شخصيّات أخرى من أولي الحاجات الخاصّة تدور حول الفكرة نفسها التي دارت عليها الرّواية فكانت متناغمة معها، من مثل قصّة الطّفل ذي اليد المتيبّسة والأخرى المرتعشة الذي أصبح خطّاطا متفوّقا بهمّته وإصراره، وقصّة الرّجل الذي يشتغل في تصليح البوابير فتعلّم مع ابنته حتى نال درجة الماجستير فأصبح صانعا للخزّانات والسّخّانات، وقصّة الكفيفة شروق وغيرها، ولم تكن هذه القصص متباعدة ولا مقحمة في الرّواية، بل هي منظومة في السّلك نفسه، وجاءت فواصلَ لطيفةً في سرد قصّة حياة القعيد، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى الفكرة العامّة أو التي شكّلت محور الرّواية وهي أنّ الإنسان صاحب الحاجة القعيد أو الكفيف أو غيرهما فيه جوانب مشرقة وطاقة ومقدرة على أن يمارس حياته في المجتمع بفاعليّة، كواحد منهم وأن يكون منتجا لا عالة على غيره، فلا بدّ أن يخرج من ضعفه الجسديّ والنّفسيّ ليحيا حياة عاديّة، بل قد يكون مبدعا أكثر ممن هم سليمو الجسم والحواسّ، ويجب على من حوله أن يأخذوا بيده معزّزين مشجّعين ومشاركين. يقول الكاتب على لسان سليم: ” يزداد شغفي في أشياء غريبة كلّما تعاظمت أوجاعي، ينهش المرض قعودي الأبدي، ويُحمّل جسدي المحطّم روحا سامية تطلق الشّرر لإشعال جذوة العالم بأكمله”، ورغم الفنتازيا المعبّرة في قصّة تسلّق شجرة الجمّيزة، لم نجد الكاتب بالغ أو جمح به الخيال في سرد قصص إبداعات سليم، كأن يفتح بقالة أو أن يصنع سريرا أو أن يسوق عربة، أو يمارس السّباحة أو ركوب الخيل، فكلّها متوقّعة، اللهمّ إلا قصّة طيرانه التي يصفها سليم بالفنتازيا. وبهذا يكون الكاتب قد وقف على ظاهرة اجتماعيّة موجودة في مجتمعنا، ووضع إصبعه على وجع، وأراد أن يبعث رسالته لهؤلاء أولي الحاجات، ولمن حولهم وفي مجتمعهم، ” قالت عواطف للرّاوي: اكتب حكاية سليم ليقرأها النّاس مرّتين، الأولى ليدركوا كم الحياة جميلة… والثّانية: ليعرفوا أنّ سليما خرج من جلده ومن عظمه مكسّرا ومحطّما ولكنّ روحه تسامت…”. وقد وظّف الكاتب شجرة الجمّيزة توظيفا رمزيّا في التّعبير عن نفسيّة ذي الحاجة الخاصّة في طلب العلوّ والنّجاح والإبداع.، ينادي الصّديق الفوضوي سليما قائلا: ” يا مغامر اقهر القعيد الذي أسكنته داخلك واطرده، وعد أشدّ شراسة وتغلّب دائما عليهأ اصعد ولا تتوقّف، أَشعرُ بتعبك ولكنّك أقوى”. ويبقى يدور في ذهني كقارئ أن أجعل لقصّة تسلّق شجرة الجميزة التّاريخيّة والاستواء على ظهرها بُعدا أوسع في الرّمزيّة والكناية هو أنّ فيها كناية عن شعب ابتلي بالاحتلال والنّكبات والمصائب، وما زال يخطو متسلّقا شجرة مجده التّاريخية وكلّما انزلق خطوة أصرّ على تعويضها ومواصلة الخطوات التي تليها، ولا أكون في هذا محمّلا لها ما لا تحتمل، فقد رثى أحدهم أمّه بقصيدة عظيمة، فتلقّفها بعض النّقاد على أنّها قيلت في فلسطين، فاتّخذت البعدين. والتّفاصيل في الرّواية تُوجَّه في اتّجاهات كنائيّة تروق للقارئ الحاذق فلا يكون فيها مخطئا. على أيّة حال تفيض الرّواية بالمعالجات النفسيّة والقيم التّربويّة والنّقد المجتمعيّ والاجتماعيّ البنّاء، وأهمّها على الإطلاق عدم الاستسلام للواقع ومواصلة المحاولة في التّغيير رغم الإخفاقات، التي يجب أن يتعلّم منها الإنسان، لا أن تكون سببا في انكساره. يقول في وصف سليم: ” القعيد المجازف الذي لا يملّ السّقوط من الأماكن العالية ويعاود الصّعود”.وأخيرا أقف مع لغة الرّواية في ثلاث ملحوظات هي: استخدام بعض الألفاظ العامّيّة التي لها بديل في الفصيحة من مثل: ردش، التي هي بمعنى سقط أو ارتطم، وكلمة فطّتْ دمعته، والتي يقابلها فرّت من عينه أو نفرت أو غيرها، وإن تقصّدها الكاتب وضعها بين قوسين. أمّا الثّانية فاستخدام عبارة: الخطوة ما بعد العشرين (سقطت منها كلمة الأولى)، والخطوة الثّانية ما بعد العشرين، والخطوة الثّالثة ما بعد العشرين، فهذا تركيب أظنّه هجينا، فالعرب تقول: الخطوة الحادية والعشرون أو العشرين، والثانية والعشرون، والثالثة والعشرون، ولا تعطف بمثل هذا الأسلوب إلا بعد المائة فتقول: الواحد بعد المائة، والخامسة والعشرون بعد المائة، والمائة الأولى بعد الألف، ونحن في العام الخامس والعشرين بعد الألفين، وهكذا. وأمّا الملحوظة الثالثة، ويقع فيها الكثيرون من الخاصّة، فهي ترك ألف تنوين النّصب للعلم المذكّر المصروف، مثل: إنّ سليما…، وهذه الملحوظات لا تنتقص من فنّية الرّواية ولا تغضّ من لغتها وتراكيبها وصورها الفنّيّة الجميلة، فنحن أمام رواية تستحقّ القراءة.وقالت نزهة الرملاوي:لقد تعددت الجوانب الفكرية والإنسانية في رواية احلام القعيد سليم، التي تناولت فئة ذوي الاحتياجات الخاصة المهمّشة في المجتمع، وسلطت الضوء على طاقات كامنة يحملها القعيد سليم، يواجه بها ذاته أولا، ويواجه بها المجتمع ثانيا، ويحاول بكلّ جلد وصبر أن يقتحم اللامعقول والصعب، ليثبت جدارته وقوته أمام العالم، وأنه يستحق الحياة ويحياها كما يحبّ أن تكون، وإن دلّ ذلك يدلّ على حمل البطل سليم لطاقة منفردة، تقاوم الشلل الذي أصيب به وأقعده عن الحركة اثر سقوطه عن سطح بناية. وبدا ذلك التّحدي جليّا في محاولته صعود شجرة الجميز الكبيرة أمام الآخرين.ولا يغيب عن بالنا مبدأ العزّة الكرامة الذي تغلغل في نفس سليم، أثناء مساعدة أهله له، لذا رأيناه يقلص من احتياجه إليهم، ورأيناه حزينا مصابا بالاكتئاب وعدم الرضى عن نفسه، لذا حاول الانتحار… لكن إيمانه بالتغيير والتعبير عن نفسه وعدم الخنوع للمرض أفشل المهمة.يركّز الكاتب على معاناة بطل روايته بعد الإعاقة، وبكشف حالة الصراع مع جسده الضعيف المنهك وإرادته القوية، وبين رؤيته للمجتمع من حوله، ونظرة المجتمع له ولغيره من ذوي الاحتياجات الخاصة.فهل تغيرت نظرة المجتمع تجاه سليم وعزز إرادته وشخصيته بعد أن أثبت أنه شخص ملهم ومؤثر؟فإعاقة سليم الجسدية، لم تمنع روحه من التحليق في سماء الأحلام، والتفكير في تغيير ذاته المتحدّية، بالرغم من الألم وتعدد مواقف الخيبات والمرض، تمسك بالأمل الذي كان حبل النجاة المواجه لقهر الحياة .من الأفكار المهمة التي طرحها الكاتب في الرواية، انتقاده للمجتمع الذي يهمش ذوي الاحتياجات الخاصة، ويعالج ذلك بتغيير نظرتهم السّلبية، واستبدالها بنظرة ايجابية، تضع لهم مكانا مناسبا.اشار الكاتب في روايته إلى دور المرأة (عواطف) حبيبته التي راقصت وجدانه واعادت اليه أحلاما وردية كان الواقع الأليم قد أيقظه منها قبل سبعة عشر عاما.وتعاطف الكاتب مع نسوة أصابها القهر والإدانة المجتمعية لسبب خارج عن ارادتهنّ.تجول الكاتب في طبيعة بلادنا الجميلة التي تحيط به من حقول وأشجار ومياه، وأسقطها على البطل سليم، فجددت في دواخله الجمال والحبّ، وأعانته على والتفكير والتخيّل.شخصيات الرواية، شخصيات متطورة غير ساكنة، عبرت عن التجديد والتغيير والتفهم والانسانية والتمرد على التقاليد البالية، اتكأت أحداث الرواية عليها. مثل الأخت أمل والحبيبة عواطف، والأم التي تحاول مساعدة ولدها واعطائه الدافعية.اللغة والأسلوب:امتزجت لغة الرواية بين الشاعرية والرومانسية، حيث تناول الكاتب في صفحات روايته تفاصيل حياته اليومية، التي اتسمت بالتحدي والاصرار أثناء مقاومته للاعاقة، وصفحات أخرى اتّسمت بالحب والابتهاج أثناء انتظاره لعواطف حبيبته بعد سنيّ الغياب، حيث نبضت السطور بالعاطفة الجياشة، تلألأت برشات العطر على قميص أنيق لرجل يستقبل حبيبته بعد ألف غياب.برزت في الصفحات دفقات من المواقف الإنسانية والتعاون والمشاركة والتطوع التي تبدو جليّة في زمننا هذا، فهناك من يبدي اهتماما بذوي الاحتياجات الخاصة، كالمراكز والمدارس التي تحتويهم، حتى أن رعايتهم ومعالجتهم تحتاج إلى دراسة متخصصة، وإلى معلمين ومشرفين متخصصين لعلاجهم النّفسيّ والسّلوكي، يقومون بتعليمهم وتدريبهم، حتى ينخرطوا في المجتمع، ولا يراودهم الشعور بالأسى أو الازدراء أو تعالي الآخرين عليهم، ويكونوا قادرين على تجاوز محنتهم واحتياجاتهم، فيعملون بثقة وشغف بين عائلاتهم ومجتمعاتهم.لغة الرواية جاءت جميلة شاعرية انسيابية فيها الكثير من التشبيهات والتفاصيل الشائقة. خاصة في تصوير حالة الحب بين قعيد حرم من الوقوف وحاول صعود شجرة الجميز، وشاب حرم من حبيبته ولا زال قلبه متعلّقا بها.أحسّ بطل الرواية سليم أن في جعبته رسالة، يجب أن يوصلها إلى العالم، لتلفت انتباهه إلى ذوي الاحتياجات الخاصة، فهم لا يقلّون عزما وارادة وموهبة تفيد المجتمع، كموهبة سليم في الزراعة، والانخراط في اللجان التطوعية، ومنافسته الرياضية للآخرين والتفوق عليهم.ولا تشكل الاعاقة الجسدية لديهم انعزالا بل انفتاحا على العالم، كما اشار الروائي في روايته إلى القعيد سليم الذي فتح بقالة يجني منها بعض المال، مما يساعد في تطوره الذاتي والاقتصادي.وهناك من كتب المبادئ والأفكار التحررية والاقتصادية، فتأثرت به الأجيال ومضوا على خطواته البناءة.وهناك من كتب الروايات والقصائد وكانت مثارا للدراسة والأبحاث والإلهام.وهناك من استسلم لفكرة العجز وأنهى طموحاته وأحلامه، فكانت إعاقته بجسده وتفكيره الذي يرفض المحاولة. على عكس سليم البطل الذي فكر وقاوم وحاول ونهض وترك كرسيه المتحرك ليصعد إلى شجرة الجميز كما يحلم دائما بكل صبر وتحدي، ولم يقتصر طموحه على تطوير كرسي الاعاقة بل صنع رافعة ليصعد بها إلى بيته، وحاول بناء شخصيته رافضا كل عجز وكسل.