رواية”عودة ستّي مدلله” والحقوق الواجبة

ر

جميل السلحوت

عن مكتبة كل شيء في حيفا صدرت عام ٢٠١٥م رواية”عودة ستّي مدللة” للأديب مصطفى عبد الفتاح، وتقع الرّواية الّتي صمّم غلافها الفنّان فوزي حاج في ١٩٢ صفحة من الحجم المتوسّط.

  تتحدّث الرّواية عن نكبة العام ١٩٤٨م من خلال قرية صفّورية القريبة من مدينة النّاصرة، وعلي ألسن الجدّة “مدللة” وابنها أمين وزوجته فاطمة، والحفيدة” فتحية” الطّّفلة الصّغيرة بنت أمين وفاطمة.

ومع أنّ الكاتب لم يعاصر المرحلة الّتي كتب عنها بحكم العمر، إلّا أنّه اعتمد على الرّواية الشّفويّة من خلال الآباء والأجداد، والّتي انعكست عواقبها الوخيمة على جيله وجيل أبنائه. وقرية صفورية في الرّواية تمثّل كلّ القرى والبلدات الّتي جرى هدمها وقتل وتشريد مواطنيها، تمام مثلما تمثّل الجدّة “مدلله” كل جدّ وجدّة ممّن عاشوا مأساة النّكبة، ويمثّل الإبن “أمين” وزوجته

” فاطمة” جيل الأبناء وابنتهما “فتحيّة” جيل الأحفاد.

وواضح في الرّواية أنّ الكاتب استعمل أسلوب السّارد العليم، الّذي يسرد الأحداث على لسان شخوص الرّواية.

تحدّثت الرّواية عن تشريد مواطني الجليل الفلسطينيّ في مأساة العام ١٩٤٨م، وكيف قتل العديد منهم، وشرّد الآلاف من ديارهم إلى لبنان، وهو أقرب منطقة لهم. وتتحدّث أيضا عن تمسّك الفلسطينيّ بأرضه ودياره ووطنه، من خلال عودة الكثيرين منهم “متسلّلين” عبر الحدود المصطنعة بين فلسطين ولبنان، وكيف عانوا وتعرَضوا للجوع والعطش والقتل والإرهاق أثناء خروجهم وأثناء عودتهم.

لاجئون في وطنهم

من خلال الجدّة “مدلّله وأسرتها ومثلهم كثيرون، تطرح الرّواية قضيّة أخرى لا يعلمها كثيرون، ففيما بين السّطور نرى أنّ هناك لاجئين وهم عشرات الآلاف تركوا  قراهم وديارهم، تحت ويلات الحرب، ولم يخرجوا من حدود وطنهم، بل لجأوا إلى قرى ومدن أخرى، ولم يتمكّنوا من العودة إلى قراهم الّتي جرى هدمها، وهم من يُطبّق عليهم القانون العجيب” الحاضر الغائب”.

حلم العودة ومفاتيح البيوت

ويلاحظ في الرّواية أنّ من أصبحوا بين ليلة وضحاها لاجئين خارج حدود وطنهم، أو داخله، لم يتخلّوا عن حقّهم في العودة إلى ديارهم، فالجدّة” مدلله” ماتت وهي تحاول العودة إلى بيتها في صفورية. وعندما أحسّت بقرب أجلها قلّدت حفيدتها” فتحيّة” مفاتيح بيتها المهدّم في صفّورية، وكأنّي بها تقول بأنّها إن لم تعد إلى بيتها، فإنّ ابنها أو حفيدتها سيعودون، وما تعليق مفتاح البيت برقبة الحفيدة إلّا وصيّة يجب الحفاظ على تنفيذها.

أمّا الإبن أمين فقد حقّق عودة رمزيّة لوالدته عندما أحضر ترابا وماء من عين القسطل في صفورية؛ ليضعه على جثمان والدته المتوفّاة. وواضح من خلال مسيرة أمين ومكابداته، والمفتاح المعلّق في رقبة ابنته فتحيّة إلّا تذكير ببطلان مقولة ” الآباء سيموتون، والأبناء والأحفاد سينسون”. فالحقوق الشّخصية لا تنتهي بالتّقادم.

ملاحظة: حبّذا لو تمّت مراجعه الرّواية قبل نشرها؛ لتصحيح الأخطاء الّلغويّة والإملائيّة والمطبعيّة.

٢٢ أكتوبر ٢٠٢٥

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات