صدرت رواية “البلاد العجيبة لليافعين” للأديب المقدسيّ جميل السلحوت في أواخر العام 2015 عن مكتبة كل شيء في حيفا، وتقع الرّواية التي صمّم غلافها شربل الياس في 83 صفحة من الحجم المتوسّط.
تدور أحداث الرّواية حول الطفل محمود الذي كان طالبا في الصف الاعدادي الأوّل، والذي كان يعشق مدينة القدس كثيرًا، على الرّغم من عدم تمكنه من شراء ما يشتهي من تلك المدينة، إلا أنّ سعادته كانت تكمن في زيارة القدس والأماكن المقدّسة فيها، كسور القدس وبوّاباتها وأسواقها القديمة، وباب العامود، وفي كلّ مرّة كانت تعتليه الدّهشة ويقفز قلبه فرحًا لرؤيتها، يرى محمود حلمًا يغيّر حياته وينقله وعائلته من حالة الفقر إلى الغنى، طار محمود على بساط الرّيح إلى البلاد العجيبة، تلك البلاد الذي يسودها العدل والسّلام والمحبّة بين النّاس واحترام الأديان، واحترام النّساء وتقديرهنّ لأنّ السّيادة لهنّ، وهناك وجد ما لذّ وطاب من المأكل والملبس والمجوهرات الثّمينة.
سافر محمود في تلك البلاد مع شيخ أشيب الشّعر كبير السّنّ أخذه حيث الجمال الأخاذ وحياة التّرف. أحضر محمود هدايا لشقيقته زينب وأمّه سعاد، وبعض الطعام الشّهيّ. لم يصدّق والداه قصّته ظنًا منهما أنّ هنالك أشرارا يطاردون محمودا، ويزرعون في رأسه أمورا لا علم لهم بها . إلى أن سافر والده إلى البلاد العجيبة.
أراد الكاتب أن يوصل من خلال الرّواية، أنّ البلاد التي تحكمها النّساء تحترم الأديان وتنتشر فيها المحبّة ويعاقب فيها من لا يحترم غيره من بني البشر بالنّفي، لأنّ حكم الرّجال القاسي أفقدنا المحبّة والتّسامح، فالمحبّة تكمن في النّفس البشريّة كما التّسامح أيضًا، وهذا السّلام الذي تنعم به تلك البلاد هو حلم الأكثرية، أو لنقل حلم البشر في هذا العالم اللا إنساني الذي نفتقد فيه احترام وجهات النّظر واختلاف الأديان وتقبّل الآخر، وهناك كانت سعاد ثانية التي تزوّجت بوالد محمود وأرادت أن تنجب منه طفلين يشبهان محمودا وشقيقته زينب، وسعاد الثّانية هي كلّ امرأة تستطيع أن تغيّر العالم بدءًا من بيتها وأطفالها، وتعليمهم الأسس والمبادىء والأخلاق الحميدة، واحترام الآخر وتزرع في نفوسهم حبّ المعرفة والعلم .
ذكر الكاتب في الرّواية الفراعنة واكتشافهم لطبّ الأسنان، ونبوخذ نصّر، وهو أحد الملوك الكلدان وهو أفضل الملوك الذين حكموا بابل وبلاد ما بين النّهرين، حيث كان له الفضل الأكبر في تعمير بابل، وبناء حدائق بابل المعلقة إحدى عجائب الدّنيا السّبع، وبناء السّدود ونشر الثّقافة، و”حمورابي” الذي حكم بابل بين عامي 1950_1792 ق.م
كما أشار الكاتب إلى من بنى مدينة القدس وهو الملك اليبوسي العربي “ملكي صادق”
على الرغم من انكار ذلك وسط المحاولات لطمس الحقيقة، لم تكن صدفة أن يذكر الكاتب تلك الحضارات بالذّات فتلك البلاد أخذت العلم والمعرفة منها، واعتزّت بها مما جعلها غنيّة بالتّجارة والصّناعة والاقتصاد، على عكس بلادنا العربيّة التي تخلت عن حضاراتها العريقة .
أشار الكاتب أيضًا إلى قضيّة البيئة والتّعامل مع النباتات والأشجار حيث تحدّث عن احراقها وتدميرها في كوكب الأرض . أصرّ والد محمود في الرّواية على شراء بيوت وأراضي مطلّة على القدس، ربّما أراد الكاتب أن يقول لنا أنّ القدس يجب أن تكون بوصلة الغنيّ والفقير هنا,
استخدم الكاتب كلمة “هيروغلوفية” مما جعلني أبحث عن معنى الكلمة واصلها
وهي كلمة يونانية الاصل glophos جلوفوس و hieros هيروس وتعني الكتابة المقدسسة أو النّقش المقدّس وهي الحروف التي كانت تستخدم في نظام الكتابة المصريّة القديمة، ويطلق هذا الاسم أحيانا على الرّسومات المعنويّة المصوّرة التي تشبه الكتابة المصريّة القديمة .
يفتح الكاتب أفاقًا واسعة على الرّغم من صغر حجم الرّواية التي ت إلى البحث في الحضارات القديمة والمعرفة .
وأخيرًا أراد الكاتب ربّما أن يوصل للجيل اليافع أنّ بلاد العجائب ربّما لا تحتاج إلى حلم أو بساط ريح، أو شيخ، بل إلى العلم الذي يمكنه فقط أن يرتقى بنا والمعرفة والبحث، والابتعاد عن الجهل، ومركب القتل والتّكفير الذي سيغرقنا جميعًا دون استثناء، وأن لا مكان في هذه البلاد لزارعي الفتن بين الأديان، ولا لمن يحقّر النّساء ويقلل من شأنهنّ ومكانتهنّ في المجتمع، وأنّ للمرأة دورًا اساسيًا في المجتمع، وهذا حقًا ما تحتاج معرفته الأجيال في هذا الوقت بالذّات، وهي رسالة أيضًا للأهل قبل الأطفال.
وهنا أختم وأقول أنّنا نحن من نستطيع تغيير ما وصلنا إليه، لو بدأنا بأنفسنا وأسرنا وأدّينا واجبنا بإخلاص وتفانٍ في سبيل نهضة المجتمع.