يقال: ” ما أعزّ من الولد إلّا ولد الولد”. من يقرأ رواية الأديب جميل السلحوت المخصصة لليافعين “مايا”، والتي صدرت عن مكتبة كل شيء الحيفاوية وتقع في102 صفحة من القطع المتوسط، وزيّن غلافها لوحة الفنان الفلسطيني محمد نصرالله، تزداد قناعاته بهذه المقولة.
السّلحوت لا يعزّ ويحبّ أحفاده فحسب، بل يرسم لهم مستقبلا في خياله كما يحبّ ويشتهي. وهذا ليس الإصدار الأول الذي يحمل اسم أحد أحفاده وحفيداته، فلكلّ حفيد وحفيدة إصدار أدبيّ يحمل اسم كلّ واحد منهم.
والملاحظ هنا أنّ معظم شخوص الرّواية هم من أفراد العائلة، سلوكيّاتهم تتماشى مع شخصيّاتهم الأصلية الحقيقيّة، “إلا من تحمل الرّواية اسمه”، إذ يترك لخياله رسم شخصيّة الحفيد كما يتمناه مستقبلا.
“مايا” في الرواية هي ابنة الصّف الخامس الأساسي، أي أنّها بخيال السّلحوت بعمر الحادية عشر، مع أنّها في حقيقة الأمر لم يتعدّ عمرها السّنتين. ولم يلتق بها وجاهيّا، ولم يتحدّث إليها إلا عبر تقنيّة سكايب، إذ أنّها تعيش في شيكاغو، ولم يتسنّ له السّفر هناك مؤخرا بسبب جائحة كورونا.
وكان قد كتب قصّة تحمل اسم شقيقتها الكبرى لينا، والتي أطلق عليها اسم الدّلع “لنّوش” كما اعتادوا أن ينادوها. كانت في القصة طالبة في المرحلة الأساسيّة، بينما في الواقع كان لا يزيد عمرها عن تسعة أشهر فقط لا غير.
السّلحوت يحلم أن يكبر أحفاده يحملون الصّفات التي رسمها في مخيّلته لهم، يريدهم أذكياء، يحبّون جدّهم جميل وجدّتهم حليمة، متمسّكون بوطنهم فلسطين، يحرصون على إتقان لغتهم الأمّ العرببّة، يتمتّعون بشخصيّة قويّة ومنطق مقنع، لهم تأثير على من حولهم، مع الاحتفاظ بطفولتهم البريئة، الّتي لا تخلو من بعض الفكاهة.
وكما عوّدنا الأديب جميل السّلحوت في رواياته للأطفال واليافعين وحتى للكبار، يحرص على تقديم النّصائح غير المباشرة للقارىء، كما يقدّم المعلومات الوافية دون نقصان للاستفادة منها، والحصول على التّفاصيل الكاملة، التي تجيب على جميع الأسئلة التي قد تطرأ في ذهن القارىء.
كما كان هناك دعوات غير مباشرة، وجّهها الكاتب بحرص شديد إلى الجاليات العربية التي تعيش خارج الوطن، أن اهتموا بأن يتقن أبناءكم اللغة العربية الأمّ، فهناك العديد من الوسائل الّتي تساعدكم على ذلك، كما ازرعوا بأبنائكم حبّ الوطن، وخطّطوا بالعودة إلى مسقط رؤوسكم، وهيّئوا أبناءكم إلى تلك اللحظة التي ستجمع شملهم مع العائلة داخل الوطن. ابقوا على تواصل معهم، واحرصوا على أن تكون زياراتكم للوطن سنويّة على الأقل، ولا تقطعوا حبل المودّة الذي يجمعكم معهم.
كما ركّز الكاتب على أهميّة التّواصل بين الأحفاد والأجداد، للحفاظ على علاقة حميمة بين الطرفين، إذ أنّ ما يقدّمه الأجداد للأحفاد، لا يقدّمه الآباء والأمّهات لهم.
يتمتّع الأجداد بحكمة تفوق حكمة أبنائهم، بحُكم الخبرة المتنوّعة والعمر الطّويل. كما أنّ الآباء لا زالوا يعيشون تحت ضغوط الحياة ومسؤوليّاتهم اليوميّة تجاه أبنائهم، والتزاماتهم بتوفير الحياة الكريمة لهم. ممّا لا يعطيهم الوقت الكافي لقضائه مع أطفالهم.
العلاقة الحميمة بين الأجداد والأحفاد تساهم في بناء وتطوير شخصيّة الطّفل وإكسابه المهارات المختلفة، والمعلومات الغنيّة، كما توفّر له حنانا من نوع آخر، هو في أمسّ الحاجة إليه.
كما شملت الرّواية رحلات سياحية داخل الوطن فلسطين، في القدس وبيت لحم وأريحا ويافا وحيفا وعكا، وما فيها من مساجد وكنائس وأسواق وأماكن سياحيّة، كما أشار إلى طبيعة العلاقة الحميمة بين أبناء الشّعب الفلسطيني الواحد، التي لا تميّز بين مسيحي ومسلم، فهم أبناء الوطن الواحد الذين يعيشون تحت نير الاحتلال، يتعرّضون لذات الانتهاكات الإسرائيلية.
كما عرّج الكاتب على مدينة قرطاج في تونس، ووصف ما فيها من أسواق قديمة تراثيّة.
وتناول الكاتب تفاصيل حول “شلالات نياغارا”، وطقسها البارد، ونصح بزيارتها في فصل الصّيف، وتجنّبها في فصل الشّتاء. كما قدّم العديد من المعلومات المكثّفة والأرقام، والّتي كان من الممكن الاختصار منها.
كما عرّف السّلحوت القارىء على الحياة الطّبيعيّة في ولاية شيكاغو، حيث يسكن ابنه قيس وزوجته وبناته الثلاثة، فهناك السّناجب الأليفة التي تأكل الفستق من أيادي الأطفال، وهناك الأفاعي الخضراء غير السّامّة، والتي لا تشكّل خطرا على من يتعامل معها، عكس الأفاعي السّامّة داخل فلسطين، والتي تهدّد حياة كلّ من يقترب منها.
وقد أعجبتني نهاية الرّواية، فبعد أن قرّر قيس زيارة فلسطين في العطلة الصّيفيّة، وهيّأ أسرته لذلك، وقد كانت الزّيارة حلم الطّفلة مايا، تعيشه ليل نهار، تحلم أن تنام في حضنَي جدّيها اللذين يحبّانها، خيّبت آمالهم جائحة كورونا، إذ توقفت رحلات الطّيران، وأغلقت المدارس، وتمّ تأجيل الزّيارة مدّة سنتين.
كانت نهاية جميلة من الكاتب، وصف من خلالها تأثيرات جائحة كورونا النّفسيّة قبل الجسديّة على الشّعوب.
رواية “مايا” تحتوي على العديد من المعلومات التي تسهم بتثقيف اليافعين، أنصح بدخولها إلى المدارس، فهي تشكّل إضافة للمكتبة العربية.
9 نوفمبر 2022