في العام 1990 لفت انتباهي موضوع بعنوان(لماذا يا آدم بقلم: ديمة جمعة السمان) نشر في حلقات على صفحات مجلة”الأسبوع الجديد” الأسبوعية التي كانت تصدر في القدس، فالموضوع يحمل نفسا روائيا، وينبئ بميلاد أديبة جديدة، مع أن اسم الكاتبة لم يعن لي شيئا حينئذ، لأنه غير معروف، فهاتفت مكتب المجلة المذكورة وسألت زميلا أعرفه عمن تكون الكاتبة؟ فأجابني بأنها شابة مقدسية تعمل في المجلة، فطلبت منه أن يحول الهاتف اليها كي أكلمها، ولما ردت عليّ، عرفتها على نفسي، وأخبرتها أنها تكتب بأسلوب روائي، فقالت: شكرا وأغلقت الهاتف…هذه بداية معرفتي بأديبتنا الروائية ديمة جمعة السمان…وتوالت الأيام…وكان اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة –والذي كنت عضوا في هيئته الادارية – قد اتخذ عيادة الدكتور أنيس القاق في شارع صلاح الدين مقرا مؤقتا له في بداية العام 1990، وكنت أداوم في المقر وحدي، واذا بشابة هيفاء حسناء تدخل المقر، وتسأل عن زميلنا الأديب جمال بنورة، -ولم يكن موجودا في حينه- وأنه ربما سيتواجد في اليوم التالي… وسألتها إن كنت أستطيع مساعدتها؟…فشكرتني وخرجت دون أن تجلس، وفي اليوم التالي حضرت، وسألت عن زميلنا جمال بنورة مرة أخرى…-ولم يكن موجودا أيضا- فعرضت عليها المساعدة أيضا…فأعلمتني باسمها…وأنها قد وضعت في اتحاد الكتاب رواية باسم”المرج الأخضر” كي ينشرها، فاستغربت ذلك لأنني كنت عضوا في لجنة القراءة في الاتحاد ولم أسمع بتلك الرواية…فاستفسرت منها عن اسم الشخص الذي استلم منها الرواية، وكان رئيس الاتحاد آنذاك، فطلبت منها أن تعطيني فرصة لعدة أيام كي أبحث عنها….ولما خرجت هاتفت رئيس الاتحاد مستفسرا عن الموضوع وعن مكان وجود الرواية؟ وعرفت منه مكان حفظ الرواية في احدى خزائن الاتحاد في المكتب، فبحثت عنها ووجدت الغبار يغطيها…فاصطحبتها معي الى البيت….وجذبتني الرواية بأسلوبها ومضمونها وعنصر التشويق الذي يطغى عليها، وقرأتها في جلسة واحدة في نفس الليلة، كانت رواية متأثرة بالمسلسلات التلفزيونية المصرية، حتى أن الكاتبة استعملت أسماء مصرية غير دارجة في فلسطين مثل حسنين،وعندما قابلت المؤلفة، أخبرتها أن روايتها بعيدة عن المحلية، ومتأثرة كثيرا بالمسلسلات والأفلام المصرية، واقترحت عليها أن تكتب رواية محلية، وعن الحياة في مدينة القدس تحديدا كونها تنحدر من عائلة مقدسية…فتقبلت اقتراحاتي بصدر رحب….وافترقنا الى أن جمعنا العمل في مجلة”مع الناس” التي صدر منها عشرة أعداد في العام 1991وأغلقتها سلطات الاحتلال…وهناك تعرفت جيدا على أديبتنا…فوجدت فيها المرأة المحصنة، وأنها على خلق عظيم…تعرف حدودها جيدا، ولا تسمح للآخرين بأن يتعدوا حدودهم ليس في العلاقة معها فحسب، بل وأثناء وجودها…كانت تقوم بعملها باتقان، وتسمع الاقتراحات الايجابية من الآخرين، وتقدم اقتراحاتها…وللأمانة كان وجودها مميزا…وفي”مع الناس” واصلت ديمة السمان كتابة موضوعها “لماذا يا آدم” وكنت أ ردّ عليها في نفس العدد تحت عنوان”سنحك يا حواء” ومن الطريف أن ديمة السمان تعبر عن غضبها بقولها(لا إله إلا الله)كي لا تخرج عن طورها، وكي لا تنجر الى شتم الآخرين، وفي هذه الأثناء كتبت روايتها”الضلع المفقود” وقدمتها لاتحاد الكتاب، غير أنها لم تنشر لأن أستاذا جامعيا أوصى بعدم نشرها، وتبين لاحقا بعد نشرها أنه لم يقرأ منها إلا ست صفحات…وامتدح الرواية بععد نشرها.
وذات يوم من بدايات العم 1992 أعطتني أديبتنا ديمة السمان رواية” القافلة” فقرأتها وأعجبت بها،…وبينما أنا في مقر مجلة”مع الناس” واذا بشاعرنا الكبير سميح القاسم يدخل مقر الاتحاد ومعه شخص آخر عرفني عليه بأنه صاحب دار الهدى في كفر قرع، الذي يطبع الأعمال الكاملة لشاعرنا الكبير في مطبعة في منطقة”عطروت”قرب مطار القدس، وأنهما جاءا لمشاهدة “البروفات” الأخيرة قبل الطباعة….تداولنا الحديث، ورافقتهما الى المطبعة، وبعد ذلك عدنا الى أحد مطاعم القدس لتناول طعام الغداء، وهناك سألت صاحب دار الهدى إن كان ينشر لأدباء آخرين غير شاعرنا الكبير، فأخبرني بأنه ينشر الأعمال الجيدة…فأعطيته رواية”القافلة”لديمة جمعة السمان، فسأل من تكون هذه؟ وماذا نشر لها؟ واشترط اقرار وموافقة الشاعر سميح القاسم بأن الرواية تستحق النشر…وسلم الرواية لشاعرنا الكبير…وبعد اسبوع هاتفني صاحب دار النشر بأن الرواية قد طبعت بعد موافقة شاعرنا الكبير، وأنها جاهزة في مطبعة تقع في شعفاط، وبامكاني استلام مائتي نسخة منها للمؤلفة….دهشت من المفاجأة الجميلة، تماما مثلما اندهشت المؤلفة أيضا…التي جاءت لاستلام النسخ المخصصة لها، وكانت هذه أول الأعمال الروائية لأديبتنا التي تنشر في كتاب، …وبعدها وفي أول جلسة للهيئة الادارية لاتحاد الكتاب قبلت عضوا في الهيئة العامة، وأعيدت قراءة”الضلع المفقود” ونشرها اتحاد الكتاب، وهكذا صدرت بعد رواية “القافلة” مع أنها كتبت قبلها…. وفي أول انتخابات للهيئة الإدارية بعد ذلك انتخبت عضوا في الهيئة الادارية.
وفي العام نفسه 1992 صدرت روايتها الثالثة “الأصابع الخفية” عن منشورات اتحاد الكتاب الفلسطينيين ايضا، وفي ذلك العام عملت وديمة السمان في صحيفة”الصدى” المقدسية وهي صحيفة اسبوعية، كنت رئيسا للتحرير وكانت ديمة مديرة التحرير،…لم يكن معنا محررون آخرون…وأصدرنا الصحيفة بحلة جديدة، وتميزنا عن بقية الصحف، مما أدى الى مضاعفة توزيع الصحيفة الى عشرات المرات.
وفي العام 1995 صدرت روايتها”جناح…ضاقت به السماء” عن منشورات ابداع في أمّ الفحم.
وفي العام 2005 صدرت روايتها “برج اللقلق” في القاهرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في جزئين…وتعتبر هذه الرواية افتتاحا للرواية العربية عن مدينة القدس.
وفي العام 2011 صدرت روايتها “رحلة ضياع” عن منشورات دار الجندي في القدس…كما صدرت ثنائيتها الروائية”وجه من زمن آخر” و”بنت الأصول” قبل ايام عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في القاهرة.
وأديبتنا ديمة السمان تعلمت الاخراج التلفزيوني والسينمائي، وعملت عدة افلام قصيرة جدا.
ومنذ قيام السلطة الفلسطينية عملت مديرا في وزارة التربية والتعليم، وترأست تحرير صحيفة”مسيرة التربية”التي كانت تصدر عن الوزارة، ثم ترقت الى مدير عام…وهي تعمل الآن مسؤولة عن ملف التعليم في محافظة القدس…وهي واحدة من أبرز من تصدوا لتدخلات اسرائيل في المنهاج الفلسطيني في مدارس القدس الواقعة داخل حدود البلدية حسب تقسيمات الاحتلال الادارية.
ندوة اليوم السابع:
وفي بداية العام 1991 اتفقنا أنا وديمة جمعة السمان، وابراهيم جوهر على عمل ندوة ثقافية أسبوعية في القدس، وانضم الينا نبيل الجولاني، ونفذنا ذلك مساء كل يوم سبت في آذار 1991 في مركز القدس للموسيقى الذي يديره الفنان مصطفى الكرد، ودعونا اليه الأدباء والمثقفين والأكاديميين والفنانين، ومن يريد الحضور، فاعتبر البعض ذلك انشقاقا عن اتحاد الكتاب، خصوصا وأننا كنا أعضاء في الهيئة الادارية لاتحاد الكتاب، فنفينا ذلك واستنكرناه، وشرع الآخرون في الاتحاد بعمل ندوة مشابهة في مقر الاتحاد في بلدة الرام وفي نفس اليوم ونفس الساعة التي تعقد فيها ندوة اليوم السابع، وشاركنا في تلك الندوات…وحولنا ندوتنا من مساء السبت الى مساء الخميس وانتقلنا الى المسرح الوطني الفلسطيني-الحكواتي سابقا- ولأسفنا فان اتحاد الكتاب أوقف ندوته بعد أقل من شهرين بعدما تأكد للآخرين أننا لم ولن نفكر يوما في شق الاتحاد…واستمرت الندوة ولا تزال، حتى بعد اغلاق القدس في أواخر آذار 1993ومنع بقية أبناء الشعب الفلسطيني من الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967 من دخول مدينتهم القدس….ونأمل أن تستمر الندوة الى ما شاء الله….مع التأكيد على الدور الفاعل لأديبتنا ديمة السمان في الندوة…ومن هنا كان الاحتفاء بها وتكريمها واجب علينا.
10 كانون اول-ديسمبر-2011