حكاية العندليب
لهانز كريستيان اندرسن
القدس : 19/5/2005
ناقشت ندوة اليوم السابع حكاية ” العندليب ” للاديب الدينماركي هانز كريستيان اندرسن ، ترجمة سكينة ابراهيم، ومنشورات دار المنى في السويد ، وتقع الحكاية في 32 صفحة من الحجم الكبير، وهي غير مرقمة ومزينة برسومات جميلة ومعبرة .
جميل السلحوت قال حول هذه الحكاية :
سبق وان ناقشنا لنفس الكاتب حكايتين هما ” جندي الصفيح الثابت ” و” ثياب الامبراطور الجديده ” ، ومعروف ان الحكايات الشعبية ، والاداب الشعبية بمجملها هي مجهولة القائل ، ويتداولها الشعب الذي انتجها كونها تعبر عن حالة ثقافية عامة، وحتى ان بعض الباحثين في هذا المجال توصلوا الى نتيجة مفادها ان الشعوب اذا عاشت ظروفا متشابهة، تنتج ثقافة متشابهة ، ولهذا فان من المسلمات ان نجد بعض الاداب الشعبية من حكايا وامثال واغان تكاد تكون متشابهة، اذا استثينا اسماء الافراد والاماكن التي تتناسب والبيئة والثقافة المحلية لاي شعب .
والحكايات الشعبية لا تروى عبثا، لانها لم توضع اصلا بشكل عبثي ، بل هي حكمة ونتاج شعب تداولتها اجيال كثيرة . وحكاية ” العندليب ” التي نحن بصددها تحمل من المعاني والقيم الشيء الكثير ، ومن اهم هذه القيم :
ضرورة الحفاظ على الثروة الطبيعية والموارد الطبيعية لاي شعب واي امة ، واول هذه الثروات هي الثروة الحيوانية ، حيث ان بعض اجناس الحيوانات قد تعرضت للانقراض، او هي في طريقها للانقراض نتيجة لاعمال الصيد غير المنظمة وغيرها ، ونتيجة للقضاء على الغابات والحياة البرية ، مما يشكل خللا في التوازن الطبيعي ، وقد يلحق اضرارا بالانسان نفسه، والثروة الحيوانية والحياة البرية قد تشكل دافعا سياحيا، يدر على البلد دخلا كبيرا كما هو معروف بالنسبة للمحميات الطبيعية الكبيرة جدا ،والتي تحتوي على انواع كثيرة من مختلف انواع الحيوانات والنباتات، ولهذا فان العديد من الدول تلجأ الى عمل محميات طبيعية ، وتسن قوانين تمنع الصيد او تنظمه او تحد منه .
وهكذا فان العندليب في الحكاية صاحب الصوت المدهش المتميز عن ابناء جنسه في طرف الغابة البعيد، تلك الغابة التي تشكل امتدادا لحديقة قصر امبراطور الصين ، ولم ينتبه الامبراطور او وزراؤه لهذا العندليب الا بعد ان قرأوا ما كتبه السياح الاجانب عن هذا العندليب الاسطورة .
وللحفاظ على الحياة البرية يجب ان تبقى الحيوانات في بيئتها الطبيعية ، لتعيش حياتها كيفما تشاء ، ولا يجوز القبض عليها ووضعها في الحدائق الخاصة او الاقفاص ، لذلك فان ” العندليب ” عندما وضع في قفص ذهبي داخل قصر الامبراطور ، لم يتأقلم مع حياة الأسر ، حتى وان قاموا بالترفيه عنه في حديقة القصر ، وهو مقيد بخيوط حريرية ، ولم يجد نفسه الا حرا طليقا في الغابة ، ومع ذلك فانه عاد الى نافذة القصر عندما مرض الامبراطور ، فدبّت الحياة من جديد في جسد الامبراطور.
ومعروف انه لا يمكن الاستعاضة عن الحياة البرية بالصناعات الحديثة والتكنلوجيا المتطورة كما لاحظنا في العندليب الذهبي الدمية الذي اهداه امبراطور اليابان لامبراطور الصين، فقد اصابه العطب ، كما انه لم يكمن قادرا على التغريد المتنوع كما يغرد العندليب الحقيقي.
– يجب التوثبق للحياة البرية وعمل الكتب عنها ونشرها على مستوى العالم لتجذب محيي الطبيعة لزيارة هذه الاماكن التي قد تكون في دولة او دول اخرى .
– التمتع بالحياة الطبيعية ملك للبشر جميعهم، لذا فانه من الممنوعات حصر الطيور والحيوانات في اقفاص وحدائق ففي هذا ضرر مزدوج للحيوان الأسير ولبقية البشر .
– والحياة البرية عدا فوائدها الجمالية لها فوائد طبية ، فغالبية الادوية مستخرجة من نباتات على سبيل المثال.
سمير الجندي قال :
من الواضح ان الكاتب تأثر كثيرا بقصص ( الف ليلة وليلة ) فالكاتب ( هانز كريستيان اندرسن ) الذي ولد في بدايات القرن التاسع عشر ، حيث كان فن القصة او الرواية الحديثة في بداياته ، لذلك فان حكاية ( العندليب ) هذه ما هي الا حكاية على النمط القصصي القديم ، والذي يختلف كثيرا عن الرواية الحديثة، وخاصة من حيث ان الحكي اذا ما قارناه بالقصة فانه :
1. يبدأ بالاستهلال.
2. الدخول في الصراع.
3. البطل في القصص يكون خارقا للعادة .
4. يتلقى البطل مساعدة في صراعه من الاخرين .
5. حصول البطل على امتيازات في نهاية الحكاية / مثل زواجه من الاميرة او حصوله على كنز وافر او منصب رفيع في المملكة .. الخ .
6. يهدف القصص الشعبي الى بث القيم الاخلاقية والعدل .
7. يعكس القصص الشعبي حالة جماعية تتمثل في كل الوطن .
8. دائما وفي كل الحكايات فالنهاية تكون لمصلحة البطل ( سعيدة) الذي يمثل الخير ضد الشر، فينتصر البطل في كل الحكايات، بعكس القصة الحديثة فان النهاية غالبا ما تكون منوطة لتحليل القارئ .
اما القصة فانها وليدة القرن التاسع عشر، ونشأت بفضل الصحافة، وانتشار المطابع والمدارس، وتعتمد على عناصر هامة، منها الاحداث والحبكة والصراع والزمان والمكان والاشخاص الذين هم من عامة الشعب، اي بشر كسائر البشر، ليس لديهم قوة خارقة .
فبطل حكايتنا هنا هو ( طائر العندليب ) الذي يغرد فيطرب الناس، ويجعل دموع الملك تسيل على خديه من شدة التأثر ، يهتم الملك بالطائر كل الاهتمام ، فيقدم له الهدايا ، والاوسمة ، لكن الطائر يرفض كل ذلك ، ويقتنع بدموع الملك ، بانها اجمل هدية قدمت له ، حتى ياتي للملك طائر مصنوع ( بالتروس المعدنية ) التي تصنع منها الساعات ، وفي هذا اشارة واضحة على الفترة الزمنية التي الفت فيها هذه الحكاية ،وهي القرن التاسع عشر ، اي عصر النهضة الصناعية في اوروبا، ففي هذه الفترة تم صناعة اول الساعات الدقيقة، وتم صناعة الات كثيرة، ونرى هنا ان الكاتب تأثر بتلك البيئة الصناعية، وابرز لنا نوعا من الصراع كان دائرا ما بين الصناعة التقليدية اليدوية، والتي تمثل جزءا من التراث، وبين الصناعات الحديثة في تلك الفترة ، فاظهر لنا ان كل جديد له رونقه الخاص ( فقد اعجب الناس بتغريد الطائر الصناعي ايما اعجاب ، حتى انهم حفظوا النغمات التي تصدر عنه عن ظهر قلب، واخذوا يغنون معه حين يغني، وان الملك لم يتورع على الغناء مع ذلك الطائر الصناعي العجيب . ولكن لم يسستمر الوضع على حاله حتى تصدأ (التروس) وتستهلك مع الزمن، وهنا يظهر لنا الكاتب الفرق بين الطائر الحقيقي والصناعي، فالطائر الحقيقي يستطيع ان يغرد ويغني للملك وهو على فراش الموت وغناؤه يؤثر في شبح الموت الذي يطلب منه الاستمرار، ولكن الطائر يطلب منه أي من شبح الموت ان يتخلى عن سيف الملك مقابل غنائه، وعن تاجه ايضا، وهكذا فإن الطائر يبعد شبح الموت عن الملك لينتصر عليه لتعود للملك صحته وعافيته. وهنا تأتي الخاتمة المتوقعة في هذه الحالة من الحكايات، حيث يكافأ البطل ((العندليب)) بأن يحصل من الملك على وعد قاطع بأن يكون ذا حظوة عند الملك، وان يكونساعده الأيمن في نقل المعلومات عن الرعية، حتى تعم العدالة، ويعم الخير لأبناء الشعب، وهذا ما تهدف اليه الحكاية .
وقال موسى ابو دويح:
وظف الكاتب هذه الخرافة لتخدم الاهداف التي يسعى اليها من خلال حكايته هذه عن امبراطور الصين وقصره الجميل وحديقته الواسعة …………
عبر الكاتب عن حكايته بعناصر تلائم الموضوع، فهو حينا صريح وظاهر، اورد على لسان العندليب حكما ودرسا اخلاقيا موجها للامبراطور، وهو ضمني ايضا لا يظهر بوضوح في مواقع عدة، ليخرج القارئ بآراء وتفسيرات مختلفة.
واستعمل الخيال ليبدع حقائق هامة،فالخيال فكرة مجردة تنتقل بالتخيل إلى صورة في عقل الكاتب إلى مختبر التحليل والتشريح ،ومع أن الحكاية كما قدم لها في بداية الكتاب جرت منذ سنين بعيدة إلا انني أجد ان الزمان أو المكان لا يسببان عائقا امام عقل المتلقي،بل على العكس تزيد من مداركه إذا استوعب رموزها، وكان بإمكانه تجاوز حدود الواقع ليدخل في خيال الحكاية.
في الحكاية جمل وافكار وصور مثيرة تعليمية تربوية فلسفية جاءت مع السياق بعفوية،اقتبس من الحكاية دون ذكر رقم الصفحة لان الكتاب غير مرقم.
– ((كم هي كثيرة تلك الاشياء التي يمكن للمرء ان يتعلمها من الكتب))
دعوة إلى القراءة بشكل غير مباشر
– ((مكافأتي الحقيقية هي تلك الدموع التي رأيتها في عيني الامبراطور))
الابتعاد عن المادي الى المعنوي
وكيف كان العندليب يغرد على سجيته، أما الصناعي فتغريده آلي وهنا دعوة إلى او عودة إلى الاشياء الطبيعية والطبيعة، وكيف أن الناس وافقوا على أقوال رئيس الموسيقيين وقال كل للآخر :
((عجبا هذا ما كنت أفكر فيه فعلا,,وكيف تظاهروا بقراءة واستيعاب كلمات اللحن الطويلة والصعبة خوفا من اتهامهم بالغباء))
في هذا الموضع يتجلى الخضوع للسلطان وأعوانه، وتبني التفكير الجمعي ولو عن غير اقتناع خوفا او مدارة دون محاكاة عقلية، والتعلق بما هو زائل ومزيف .
-ابدع الكاتب في حكايته، وابدعت الفنانة ايضا في رسومها الممتازة والمعبرة، وألوانها الجذابة، وادخلتنا بريشتها الماهرة إلى عالم الحكاية، خاصة صورة الموت كانت رائعة كتابة ورسما .