العَطْعَطَةُ لغة كما جاءت في لسان العرب: “تَتابُع الأَصوات واختلافُها فِي الْحَرْبِ” وفي بلادنا فلسطين التي تكالبت عليها قوى البغي والعدوان عبر أجيال متعاقبة طعطعة لا حدود لها، وتتداخل معها “عطعطات” محلية وإقليمة وعالمية. ومع أنّ لكل “عطعطة” أهداف تختلف عن الأخرى، إلا أنّها تتداخل مع بعضها البعض لتلحق الضّرر بقضيتنا العادلة وبحقوق شعبنا الطبيعيّة.
فعلى سبيل المثال وفي صلاة الجمعة يوم 21 أيّار -مايو- الماضي وأثناء الحرب على قطاع غزة والشيخ جراح في القدس، وعلى المسجد الأقصى “عطعط” أحدهم على خطيب المسجد الأقصى سماحة الشّيخ محمد حسين مفتي القدس والدّيار الفلسطينيّة، فانجرّ بعض المصلّين للعطعطة معه دون أن يعرفوا سببا لعطعطته، وانبرت أقلام على صفحات التّواصل الاجتماعي تهرف بما لا تعرف، وتعطعط مشيدة بذلك المعطعط الذي لا يعرفونه ولا يعرفون عنه شيئا!
وفي بداية تموز-يوليو- الماضي استولى المستوطنون على بيت في سلوان على بعد بضع مئات من الأمتار عن محراب المسجد الأقصى، وتبين أنّهم اشتروه من شخص باع كرامته وشرفه ودينه، ونشرت صورة البائع الذي هرب مع أسرته من البلاد تحت جنح الظلام، فتعرّف عليه من صلوا في المسجد الأقصى، وإذا به “العطعوط” نفسه الذي عطعط على سماحة المفتي يوم 21 أيار-مايو- الماضي! وهو معلم تربية إسلامية، اعتاد على الصلاة في الصف الأوّل في المسجد الأقصى؛ ليغطي على جريمته التي كان يخطط لها، لكن أحدا ممّن أشادوا “بغيرته الدّينيّة!” يوم إثارته للفوضى في المسجد الأقصى! لم يعتذر بعد انكشاف أمره عمّا فعل، ولم يعطعط على ذلك العطعوط الذي باع الدين والوطن!
- في المقابل فإنّ الاحتلال “يعطعط” كما يشاء في الأراضي العربية المحتلة، وازدادت عطعطته بعد خطيئة أوسلو، حيث تضاعفت مصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات عليها وأعداد المستوطنين عشرات المرّات. وازداد المحتلون شراسة يوما بعد يوم، فأطلقوا أيدي المستوطنين المدججين بالسلاح تحت حماية ودعم جيش الاحتلال؛ لتعيث في الأراضي العربية المحتلة قتلا وتدميرا وتخريبا وحرقا للمزروعات والأشجار، دون أن يجدوا من يردعهم، بل إنّهم يلقون الدّعم العسكري والسّياسي والإقتصادي من أمريكا وحلفائها في النّاتو وغيره. وكلّما ازداد المحتلون وحلفاؤهم الإمبرياليون غطرسة وعدوانا، فإنّ كنوزهم الإستراتيجيّة في المنطقة العربيّة يزدادون انبطاحا وتذيّلا، ويعطعطون هم الآخرون في مراثون الهزيمة، وهذا ما آلت إليه أنظمة الإمارات، البحرين، المغرب، السودان وما خفي أعظم. والمضحك المبكي في معطعطي العربان تلك التي اعتبروا فيها العطعطة “قرارات سيادية”! لكنّهم جميعهم ارتضوا أن يكونوا جاهزين لحروب أمريكا بالوكالة بتحالفاتهم العسكرية والأمنية مع اسرائيل، بعد أن قرّرت الأخيرة “أمريكا” تقليص وجودها العسكري في المنطقة لأكثر من سبب.
- و”عطعطة” غالبية الأنظمة العربية ليست جديدة، فقد أخذت أبعادا كثيرة وبعيدة بعد وفاة زعيم الأمّة الرّئيس جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970، وتواصلت هذه العطعطة حتى أخرجت الأمّة العربيّة من التّاريخ، وهي تقودها إلى الفناء والإندثار، لذا لا غرابة من تمويل بعض الأنظمة البتروليّة لبناء سدّ النهضة الإثيوبيّ، الذي خطّطه ويشرف عليه ويحميه خبراء اسرائيليون، لتدمير الاقتصادين المصري والسوداني. وتواصلت “عطعطة” الأنظمة العربيّة حتى صارت اسرائيل عضوا مراقبا في “منظّمة الاتحاد الإفريقي”، رغم معارضة الجزائر و17 دولة افريقية. وللتّذكير فقط فإنّ الدّول الإفريقية جميعها وبفضل سياسة عبدالناصر قطعت جميع علاقاتها مع اسرائيل بعد حرب حزيران 1967 العدوانيّة. ولم تتوقّف عطعطة أنظمة عربيّة عند هذا الحدّ، بل تعدّت ذلك بكثير من خلال الدّعم المالي والعسكري لاحتلال العراق وتدميره وهدم دولته وقتل وتشريد شعبه، وكذلك تقسيم السّودان، ودعم حروب الإرهاب في سوريا، ليبيا، الجزائر، اليمن وغيرها، والمشاركة في حصار لبنان وتدمير اقتصاده لتركيعه كي يقبل المشاركة بالمخططات الأمريكيّة الإسرائيلية لتطبيق المشروع الأمريكي”الشّرق الأوسط الجديد” لتقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينية لصالح المشروع الصّهيوني التّوسّعي. وهذه أمور تحتاج إلى دراسات وأبحاث. والحديث يطول.
15 أغسطس 2021