بسام داود: قصة الفئران تأكل الحديد ورفاق السوء

ب

عن أ. دار الهدى-عبد زحالقة صدرت مؤخرا الحكاية الشعبية:” الفئران تأكل الحديد” للأديب جميل السلحوت وتزيّنها رسومات عامر مغربي. وتقع الحكاية التي تصرّف بها السلحوت لتناسب العصر في ٣٠ صفحة من الحجم الكبير.

القصة تربوية هادفة موجهة للفتيات والفتيان وفيها الفائدة للجميع تحمل بين طياتها جانبا تربويا وجانبا نقديا للمجتمع بمفهوم عميق .

الجانب التربوي :

تطرقت الى علاقة الأب بأبنائه بأن يبدي لهم النصح والتوعية والإرشاد بطريقة بعيدة عن العنف، وأن يفيدهم من تجاربه وخبراته لتساعدهم في بناء حياتهم ومستقبلهم وعليهم الحرص والحذر في بناء الصداقات؛ ليكونوا بعيدين كل البعد عن أصدقاء السوء وأصدقاء المصلحة، كما أن عليهم البعد عن السلوكيات الخاطئة كشرب الخمر ولعب القمار وغيرها، كما حصل مع سعيد وأصدقائه الذين استغلوه لمصلحتهم وأوقعوه في الهاوية الى أن أعلن إفلاسه وأصبح ذليلا لتضيق عليه الدنيا .

فالصديق هو من يحبك لشخصك لا لمالك أو لمركزك، وقد مرّ سعيد بهذه التجربة فاقترب منه أصدقاؤه عندما كان غنيا، وعند إفلاسه تخلوا عنه وسخروا منه .

الأب دائما يفكر بمصلحة أبنائه فكل تفكيره منصب لفائدتهم ومنفعتهم، فقد تنبأ والد سعيد بمستقبل سيء لابنه نتيجة أصدقائه المنحرفين الملتفين حوله، فنصحه بخطة إنقاذ في حال سقوطه وفشله، وبالفعل ما أن وصل لهذه المرحلة حتى تذكر نصيحة والده فقام بتنفيذها بتعليق نفسه بالعامود الموجود وسط الحظيرة في محاولة لشنق نفسه .

وتشير القصة بأن على الأبناء الاستماع لنصائح والديهم، وأن يبروهم وأن يستفيدوا من تجاربهم وخبراتهم، ويقدروا حرصهم الشديد عليهم وليعلموا أن  الأب يحب أن يصبح ابنه في أعلى المراتب .

الجانب النقدي :

عندما أفلس سعيد وضاقت به الدنيا وسخر منه أصدقاؤه وتخلوا عنه، وأرادوا إذلاله، فأعطوه قرشا؛ ليشتري علبة لبن ويلحق بهم لقضاء سهرة في أجواء الطبيعة، فاشترى علبة اللبن وهمّ باللحاق بهم لكنه سقط أرضا وانسكب اللبن على الأرض، فقام كلب قريب منه بلحس اللبن من على الأرض، وما أن وصل لاصدقائه حتى أخبرهم بما حدث فكذبوه وقالوا الكلاب لا تلحس اللبن وطردوه وأذلوه .

شعر سعيد أن الدنيا ضاقت عليه، فتذكر نصيحة والده وخطة الإنقاذ التي رسمها له بأن يشنق نفسه بتعليق نفسه في عامود الحظيرة، ممّا أدّى لكسر العامود وتساقطت الليرات الذهبية التي خبأها والده له عليه، عندها أقرّ بحب وذكاء والده، وأنه يريد مصلحته، فجمع الأموال ورجع للبيت، وقبّل يدي أمّه، واعترف بكل أخطائه، وأعلن التوبة وصمم على الابتعاد عن الخمر والقمار وأصدقاء السوء، واستطاع ان يسترجع كل العقارات والمتاجر التي باعها، واصبح له مركزا جتماعيا في البلدة والكل يحترمه ويتقرب منه .

بعدها قرّر سعيد أن يذل أصدقاءه كما أذلوه فدعاهم لحفلة شواء، وتركهم ساعات طويلة ينتظرون الطعام دون تقديمه لهم، وقال لهم ساخبركم بما حصل معي فقد اشتريت مئة طن من الحديد، ووضعناها في المخزن، وفي اليوم التالي تبين أن الفئران قد أكلتها كلها،  فصاحوا بصوت واحد: صدقت يا طويل العمر فيما قلت فنحن في آخر الزمان ولا غرابة في حدوث أيّ شيء خارق .

فوقف وقال لهم: لم تصدقوا أن الكلاب تلحس اللبن، لكنكم صدقتم أن الفئران تأكل الحديد يا أوباش وطلب من الخدم أن يلقوا بهم خارج البيت .

في هذا الزمن يصدق الغني ويكذب الفقير وهذه هي ازدواجية المعايير في المجتمع، حيث يؤخذ كلام الغني على أنه حقيقة حتى دون دليل، بينما يشكك بكلام الفقير حتى لو كان صادقا . فالقيمة تعطى للمتكلم لا للكلام نفسه .

فالمال والمكانة يخلقان سلطة اجتماعية تجعل الناس أكثر ميلا لتصديق صاحب النفوذ؛ لتصبح الحقيقة تقاس بالجيوب لا بالقول .

فما أقسى زمنا توزن فيه الكلمات بميزان المال، فيصدّق الغني لو أخطأ ويكذّب الفقير لو أصاب فحين يعلو الباطل ويكذب الحق فاعلم أن الموازين قد اختلّت .

ا

22-11-2025 

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات