معروف أنّ لبنان محكوم بتوازنات طائفيّة خلّفها الاستعمار الفرنسي، فمنصب رئاسة الدّولة للطائفة المارونيّة، ومنصب رئيس الوزراء للطائفة السّنّيّة، ومنصب رئيس البرلمان للطائفة الشّيعيّة وهكذا، وقد كانت الطّائفة الشّيعيّة هي الأكثر تهميشا في لبنان، ممّا دفع الامام موسى الصّدر عام 1974 إلى تأسيس “جماعة المحرومين”، كحركة اجتماعية تطالب بانصاف الفقراء والمهمّشين، وما لبثت هذه الحركة بعد اختفاء الامام الصّدر في ليبيا، أن تحوّلت إلى منظّمة “أمل” التي يرئسها نبيه برّي رئيس مجلس النّواب الحالي.
وبعد الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 واحتلال جنوبه، ظهرت مقاومة شرسة للاحتلال تحت مسمّى “حزب الله” وغالبيّة أعضاء هذا الحزب من أبناء الطائفة الشّيعيّة، وتلاقي الحزب الدّعم المالي والعسكري من سوريا وايران، “وفي العام 1989انتخب الحزب صبحي الطفيلي أمينا عامّا له، واستمر يشغل هذا المنصب حتى عام 1991 ثمّ أجبر على الاستقالة بعد إعلانه من جانب واحد العصيان المدني على الحكومة اللبنانية، الأمر الذي رفضه الحزب، وتولى منصب الأمين العام عباس الموسوي خلفا له، لكنه لم يستمرّ أكثر من تسعة أشهر فقد اغتالته إسرائيل في عام 1992، ليقود الحزب من بعده حسن نصر الله، الذي لا يزال يشغل هذا المنصب حتى الآن.”
“ومعظم أفراد الحزب هم من اللبنانيين الشّيعة المرتبطين مذهبيّا، بمرشد الثّورة الإيرانيّة علي خامنئي حيث يعتبرونه واحدا من أكبر المراجع الدّينيّة العليا لهم، ويعتبر حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، الوكيل الشرعيّ لـعلي خامنئي في لبنان”
” وقد جاء في بيان صادر عن الحزب في 16 فبراير/ شباط 1985؛ أن الحزب “ملتزم بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسّد في ولاية الفقيه، وتتجسّد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”.
وكان للخدمات التي نشط الحزب في تقديمها للجماهير وبخاصّة في الجنوب اللبناني أكبر الأثر في زيادة شعبيته، فقد نشط الحزب في إقامة المدارس والجمعيات الخيرية التي تعنى بأسر الجرحى والشهداء.”
ومع أنّ الحزب يعتبر نفسه حزبا وطنّيا مقاوما، ويناصب اسرائيل العداء، ولعب دورا رئيسّا في اجبار اسرائيل على الانسحاب من الجنوب اللبنانيّ، ويبتعد أمينه العام السيد حسن نصر الله عن الطّائفيّة في خطاباته، ويعمل تحالفات مع تيّارات غير اسلامية مثل التّيار الوطنيّ الحرّ الذي يقوده العماد ميشيل عون، وتيّار المردة الذي يقوده سليمان فرنجيّة، إلا أنّه ليس بعيدا عن الطائفيّة، وتحت مسمّيات وذرائع مختلفة، وما تحالفاته مع ايران ببعيدة عن الطّائفيّة المتمثّلة بالمذهب الشّيعيّ، وولاية الفقيه، وبعيدا عن المذهبيّة الطّائفيّة، وما تؤمن به كلّ طائفة، إلا أنّ الطائفيّة ببشاعتها ظهرت بشكل واضح في المنطقة بعد غزو أمريكا وحلفائها للعراق عام 2003 وتدميره وقتل وتشريد شعبه وهدم دولته، حيث قسّمت العراق عرقيّا وطائفيّا، وسلّمت الحكم لأعوانها من أبناء الطّائفة الشّيعيّة، وما تبع ذلك من تشكيل مليشيات شيعيّة طائفيّة ساهمت ولا تزال في القتل والتدمير والتّخريب، وجاءت التّدخّلات الأجنبيّة في سوريّا لاشعال حرب داخليّة، دمّرت البلاد وقتلت وشرّدت المواطنين، ورفعت شعارات طائفيّة كاسقاط “الحكم العلوي” وغيره.
وجاء دور حزب الله اللبناني للتّدخل في سوريا مقاتلا بجانب قوّات النّظام تحت ذريعة حماية المقامات الدّينيّة “كمقام السّيدة زينب”، وحماية لبنان من قوى الارهاب تارة أخرى، لكنّ قوّات حزب الله ما لبثت أن انتشرت مقاتلة في مناطق مختلفة في سوريا، بعيدة عن “المقامات الدّينيّة” والحدود اللبنانيّة، وواضح أنّ هذا التّدخّل يأخذ منحى طائفيّا، ومن منطلقات طائفيّة تنبع من كون الرّئيس السّوريّ من أبناء الطائفة العلويّة، أكثر من كونه داعما لتيّار الممانعة العربيّة. وبالتّأكيد أنّ هذا التّدخّل يأتي بأوامر ومباركة “الفقيه” في ايران.
وتسقط ذرائع حزب الله “الثوريّة والممانعة” في تدخّله في سوريا من خلال تدخّله في العراق، واصطفافه بجانب الحكومة العراقيّة الطّائفيّة، والمليشيات الشّيعيّة، والحرس الثّوريّ الايرانيّ التي انتهكت كلّ المحظورات في العراق، ودمّرت وقتلت ونهبت وشرّدت. وكذلك في تدخّل الحزب في دعم المتمرّدين في البحرين وشرق السّعوديّة لا لكونهم مضطهدون وإنما لمذهبهم الشّيعيّ، والشّيء نفسه يظهر جليّا بدعم الحوثيّين في اليمن. وواضح أيضا أنّ حزب الله الذي يحظى بدعم ماليّ وعسكريّ كبير من ايران، من منطلقات مذهبيّة أكثر منها ثوريّة، يدافع عن المصالح الايرانيّة في لبنان وسوريّا وغيرهما من منطلقات مذهبيّة أيضا.
15-3-2016