استجابة السلطة الفلسطينية للضّغوطات الأمريكية والإسرائيليّة بسحب مشروع قرار لإدانة الاستيطان في مجلس الأمن الدّوليّ، يضعنا أمام تساؤلات صعبة وكثيرة، فالدّبلوماسيّون الأمريكيّون في إدارة بايدن يؤكّدون على حلّ الدّولتين، ويدعون إلى وقف الإستيطان، ويتعاملون مع حكومة نتنياهو المتطّرفة جدّا، وفي الوقت نفسه لم تعمل إدارة بايدن على فتح القنصليّة الأمريكيّة في القدس الشّرقيّة، لأنّ اسرائيل لم تسمح بذلك، والمساعدات الماليّة الأمريكيّة لإسرائيل تموّل إستيطان الأراضي الفلسطينيّة، واسرائيل تقتل الفلسطينيّين بسلاح أمريكيّ، وتعهّد اسرائيل بتجميد الإستيطان في الضّفّة الغربيّة لمدّة ستّة أشهر كما جاء في الأنباء مجرّد تظاهرة إعلاميّة.
وأمريكا تضغط على السّعوديّة وغيرها من الدّول العربيّة للتّطبيع المجّانيّ مع اسرائيل، كما فعلت من قبلها الإمارات، البحرين، المغرب، والسّودان.
والحكومات الإسرائيليّة المتعاقبة لم تعمل أيّ منها على انهاء احتلالها للأراضي العربيّة المحتلة، بمن فيها حكومة اسحاق رابين الذي اغتاله يهوديّ اسرائيليّ لتوقيعه اتّفاقات أوسلو، لم توافق على الإنسحاب الإسرائيليّ الكامل من الأراضي العربيّة المحتلة عام 1967، ولم يوافق رابين على إقامة دولة فلسطينيّة، بل” على أكثر من إدارة مدنيّة وأقلّ من دولة” كما قال الدّكتور نبيل شعث على فضائيّة الجزيرة قبل سنوات.
لكنّ أكثر ما قدّمته أمريكا هو مجرّد بيانات إعلاميّة تندرج ضمن “إدارة الصّراع”، وهي على أرض الواقع تتوافق مع الأحزاب الفاشيّة الصّهيونيّة الدّينيّة والقوميّة، تعتبر فلسطين التّاريخيّة من البحر إلى النّهر “أرض اسرائيل”، التي لا يمكن الانسحاب من شبر منها، وأمريكا نفسها التي تحارب روسيا هي وأتباعها الأوروبّيّون في حلف النّاتو، لإرغامها على الانسحاب من الأراض الأوكرانيّة التي احتّلتها روسيا، تموّل احتلال اسرائيل للأراضي العربيّة المحتلّة، وتوفّر الحماية العسكريّة والسّياسيّة والإقتصاديّة لإسرائيل؛ لتواصل احتلالها واستيطانها للأراضي العربيّة المحتلّة، ولو كانت أمريكا صادقة بتأييدها لحلّ الدّولتين فإنّها قادرة على إرغام ربيبتها اسرائيل على تنفيذ ذلك. لكنّها تعمل العكس، وهي تساوي بين الضّحيّة وجلّادها عندما” تدعو طرفي الصّراع إلى التّهدئة”، وكأنّ الاحتلال مشروع، ومقاومته جريمة بحقّ الإنسانيّة.
ويلاحظ أنّ أمريكا واسرائيل ودول الاتحاد الأوروبّيّ والمطّبّعون العرب يدعون إلى التّهدئة، دون أن يتطرّقوا إلى إنهاء الاحتلال، وإلى حلّ الصّراع بتطبيق قرارات الشّرعيّة الدّوليّة بهذا الخصوص. وحتّى دعوتهم إلى التّهدئة منقوصة لتجاهلهم أسبابها، فهل مصادرة الأراضي الفلسطينيّة واستيطانها مشروع؟ وهل إطلاق المستوطنين لقتل الفلسطينيّين والإستيلاء على أراضيهم وحرق مزروعاتهم بقوّة السّلاح، وبحماية جيش الاحتلال مشروع ويخدم التّهدئة؟ وهل اقتحام المدن والبلدات والمخيّمات الفلسطينيّة وقتل الفلسطينيّين واعتقالهم يندرج ضمن التّهدئة، وهل هدم بيوت الفلسطينيّين يخدم التّهدئة؟ وهل…وهل..إلخ.
وقبل هذا وبعده هل تعمل أمريكا واسرائيل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتمكين الشّعب الفلسطينيّ من حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف؟ وهل تعترف اسرائيل بأنّها محتلّة للأراضي التي احتلتها في حرب حزيران 1967؟
وليس خافيا على أحد بأنّ نتنياهو وحكومته يسعون للتّطبيع المجّاني مع الدّول العربيّة وفي مقدّمتها السّعوديّة؛ لإنهاء الصّراع وإشراكهم في الحرب على الفلسطينيّين.
إنّ سحب مشروع قرار إدانة الإستيطان من التّصويت عليه في مجلس الأمن الدّوليّ مبنيّ على وعود كاذبة لن تتحقّق، لكنه بشكل وآخر يشرعن الإستيطان.
20-2-2023