لم يتورّع النّظام الرّأسمالي يوما في كشف تغوّله ووحشيّته في التّعامل مع الشّعوب والدّول، وإن كان يحاول تجميل نفسه بأكاذيب انطلت على كثيرين ممّن لا يتابعون الأحداث، أو يتابعونها ولا يقرأون ما بين سطورها. ومن تلك الأكاذيب “حقوق الإنسان، وحقوق الطّفل والمرأة وغيرها”. ومنها أيضا “الدّيموقراطيّة” والقانون الدّوليّ وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة وغيرها.
وإذا كانت حياة الدّول تشبه حياة الإنسان كما وصفها ابن خلدون، أي أنّها تولد وتحبو وتمشي وتشبّ وتقوى وتشيخ ثمّ تموت، وإذا قفزنا عن قراءة التّاريخ القديم، وركّزنا على المرحلة التي نعيشها، سنجد أنفسنا شهودا على انهيار وتفكك الإتّحاد السّوفييتي ومجموعة الدّول الإشتراكيّة في بدايات تسعينات القرن العشرين، في عهد يلتسين الذي كان سكّيرا مدمنا على الكحول، ليترك أمريكا تنفرد بالسّيطرة على العالم.
فهل جاءت “ديموقراطيّة صناديق الإقتراع” بدونالد ترامب رئيسا لأمريكا؛ ليفكّك الدّولة الأعظم أمريكا كما فعل يلتسين بالاتّحاد السّوفييتي. وهل جاءت جائحة كورونا لتعجّل بانهيار الأنظمة الرّأسماليّة وفي مقدّمتها أمريكا؟
والمتتبّع لسياسة ترامب منذ استلامه للحكم قبل ما يقارب الأربع سنوات، سيجد أنّه تعامل مع الشّعوب والدّول كسوق تجاريّ، همّه الأوّل هو الكسب المادّيّ لنفسه ولإدارته ثمّ لدولته، فتجاهل القانون الدّوليّ والشّرعيّة الدّوليّة ولوائح حقوق الإنسان، وألغى اتّفاقات دوليّة وقّعتها الإدارات السّابقة له، وانسحب من منظّمات دوليّة، وفرض على أنظمة إتاوات ماليّة. وحاصر وعاقب ولا يزال يحاصر ويعاقب دولا لم ترضخ لسياساته، ومنها دول عظمى كروسيا والصّين. وشطب وجود شعوب بأكملها مثلما فعل بما يسمّى صفقة القرن عندما ألغى وجود الشّعب الفلسطينيّ وحقّه في التّحرّر والإستقلال، بل شطب اسم فلسطين وما تمثّله من وطن وشعب وحضارة وتاريخ. ولم يتورّع عن عقلية التّاجر فيما سمّاه “صفقة القرن” عندما قال في مؤتمره الصّحفيّ بغباء واضح” هذه صفقة وأنا أعرف كيف أدير الصّفقات”! ومجمل سياساته أظهرته كفرعون يعتبر نفسه الحاكم الأوحد للكون جميعه.
وجاءت جائحة كورونا لتكشف فرعنته على شعبه أيضا عندما تركه نهبا لهذا الوباء القاتل. وبدا واضحا في مرحلة كورونا أنّه لم يعد رئيسا لدولة مؤسّسات يحكمها القانون، بل صار يقلّد الأنظمة الفرديّة المطلقة في الكثير من دول العالم الثّالث، ومنها أنظمة الحكم العربيّة التي أوصلت شعوبها إلى قاع مستنقع الهزائم، فأيّ انجاز مهما كان بسيطا في الدّول النّامية ينسب إلى رأس النّظام وكأنّه مكرمة شخصيّة منه رغم أنّه من خزينة الدّولة! وهذا ما فعله ترامب عندما أمر بتوقيع اسمه وخاتمه على شيكّات المساعدة للفقراء والعاطلين عن العمل من أبناء شعبه، وهذه سابقة في تاريخ أمريكا استدعت احتجاج واعتراض أعضاء من الكونغرس عليها.
وعندما ينتهي العالم من جائحة كورونا، وهي نهاية حتميّة ستأتي حتما في الأسابيع القادمة، ستكون قد وضعت العالم أمام أزمة اقتصاديّة مستفحلة، وستظهر نتائجها الوخيمة في أمريكا قبل غيرها، وستخرجها من دائرة الإقتصاد العالميّ الأوّل، لكنّ التّاجر الأمريكيّ لن يستسلم بسهولة، فهل سيلجأ إلى شنّ حروب جديدة في محاولة منه لتصدير أزمته؛ ولضمان عودته للرّئاسة في دورة ثانية في الإنتخابات الرّئاسيّة التي ستجري في نوفمبر القادم. علما أنّ أمريكا لم توقف حروبها المتواصلة والمتداخلة على العالم منذ انتهاء الحرب الكونيّة الثّانية وحتّى يومنا هذا، وقد بدأت مرحلة شيطنة الصّين في محاولة لتحميلها مسؤوليّة فيروس كورونا، وما يترتّب على ذلك من مطالبتها بدفع تعويضات للمتضرّرين في العالم.
18-4-2020