قرار الولايات المتّحدة الأمريكيّة وأتباعُها بتجميد مساهمتهم في تمويل وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيّين لا مبرّر له، وما حجّة مشاركة بعض موظّفي الوكالة في قطاع غزّة بأحداث 7 أكتوبر الماضي الّتي لم ينته التّحقيق فيها إلّا ذريعة؛ ويأتي قرار تجميد المساعدات في وقت حرِجٍ جدّا، فحوالي مليونين ونصف المليون شخص في قطاع غزّة سواء كانوا لاجئين أو مواطنين فقدوا في غالبيّتهم بيوتهم وأملاكهم ومصادر مدخولاتهم، عدا عن أكثر من مئة وعشرين ألفا منهم بين شهيد وجريح ومفقود، بحاجة إلى مساعدات، بسبب الحرب الّتي تستهدف اقتلاعهم من ديارهم منذ ما يقارب السّتّة أشهر، وهم يعيشون نكبة كبرى بكلّ المقاييس، ومئات الآلاف من أبناء الضّفّة الغربيّة يعيشون أوضاعا اقتصاديّة سيئّة أيضا، عدا عن لاجئي الشّتات خصوصا في لبنان وسورية والأردنّ.
فأمريكا وأتباعها في أوروبا شاركوا في الحرب على قطاع غزّة بشكل مباشر وعلنيّ، والأساطيل الأمريكيّة والأوروبّيّة تجوب شرق البحر المتوسّط والبحر الأحمر، وبحر العرب.
لكنّ قرار وقف تمويل وكالة الغوث ليس جديدا، ففي عهد الرّئيس الأمريكيّ السّابق رونالد ترامب بدأت محاولات تصفية القضيّة الفلسطينيّة بشكل علنيّ، وتجلّى ذلك من خلال تطبيق قرار الكونغرس عام 1995م بالاعتراف بالقدس”الموحّدة” عاصمة لإسرائيل، ونُقلت السّفارة الأمريكيّة عام 2019 من تل أبيب إلى القدس، وأغلقت القنصليّة الأمريكيّة في القدس الشّرقيّة المحتلّة، وأغلق مكتب منظّمة التّحرير في واشنطن، وجرى محاصرة السّلطة الفلسطينيّة اقتصاديّا، وتمّ وقف التّمويل لوكالة الغوث، وانسحبت أمريكا من بعض المنظّمات الدّوليّة كاليونسكو، الّتي اتّخذت قرارات لصالح القضيّة الفلسطينيّة، وكذلك الضّغط على بعض أتباعها من الحكّام العرب لقبول ما سمّي بِ “السّلام الإبراهيمي”، وفرض التّطبيع على دول أخرى.
ويخطئ من يعتقد أنّ الرّئيس الأمريكي الحالي بايدن الذي يفتخر بصهيونته هو المسؤول شخصيّا عن قرار وقف المساعدات الماليّة لوكالة الغوث، فأمريكا دولة عميقة تحكمها المؤسّسات، وما تصريحات بعض رموز النّظام كالرّئيس ووزير الخارجيّة إلّا تعبير عن سياسة الدّولة العميقة.
ومعروف أنّ أمريكا الّتي نصّبت نفسها شرطيّا يحكم العالم بعد انهيار الاتّحاد السّوفييتي في بداية تسعينات القرن الفارط، هي الوحيدة القادرة على فرض وقف للحرب الدّائرة على قطاع غزّة، وهي القادرة على فرض حلول لإنهاء الصّراع الشّرق أوسطيّ الدّائر منذ عشرات السّنين، لكنّها غير معنيّة بذلك، لأنّها ترى أنّ مصالحها في المنطقة مؤمّنة من خلال إسرائيل قويّة وعرب ضعفاء، وهي ترى في إسرائيل ذراعها العسكريّ المتقدّم في المنطقة، وقد أقرّ بذلك نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة أكثر من مرّة بتصريحاته أنّه بحربه على قطاع غزّة يدافع عن أوروبا والعالم الغربيّ. وأمريكا الّتي تدافع عن إسرائيل كدفاعها عن أيّ ولاية أمريكيّة غير جادّة بفرض حلّ الدّولتين، وإن سعت بهذا الحلّ بناء على نتائج الحرب الحاليّة، فإنّها تستبقه بتصفية قضيّة اللاجئين سلفا، ومن هنا يأتي قرارها هي وأتباعها بوقف مساهمتهم في تمويل وكالة غوث اللاجئين.
2-4-2024