رغم أنّ لغتنا العربيّة تعتبر من أوسع اللغات، وأكثرها مفردات ومترادفات من بين لغات العالم، فهي اللغة الوحيدة التي تحافظ على قديمها وجديدها كونها لغة القرآن الكريم، إلا أنّنا نعيش أزمة “مصطلحات”، ليس لضيق لغتنا، ولكن لأنّنا نحيّد العقل، ونجيد سياسة “القطيع” في عقولنا الباطنة، لأنّنا محكومون دون قصد منّا بثقافة “الصّحراء الوحشيّة” كما وصفها ابن خلدون في المقدّمة، وبالتّالي فإنّ “ثقافة تضخيم الذّات” -إن جازت التّسمية- سائدة عندنا دون وعي منّا، رغم أنّ الذّات الفرديّة تضيع وسط تفخيم دور الجماعة، وكأنّنا نتمثّل بمعلقة عمرو بن كلثوم التي جاء فيها:
” اذا بلغ الفطام لنا صبيا…. تخرّ له الجبابر ساجدينا”.
لذا فإنّنا نجد عندنا من يكتبون عن مسؤول -مهما كانت منزلته-، حتّى لو كان مختارا لحامولة أو وجيها لعائلة صغيرة- بأنّه “قائد بحجم الوطن”!
دون أن يدري هؤلاء مدى إساءتهم للوطن وللشّعب بهكذا “مصطلح”، فهل الوطن والشّعب رخيصان إلى درجة أنّ شخصا واحدا أكبر وأغلى منهما؟ أو أنّ هذا الشّخص أغلى من الوطن ومن الشّعب؟ وماذا سنقول؟ وكيف سنصف من ارتقوا سلّم المجد شهداء دفاعا عن الوطن والشّعب؟ وهل يوجد بيننا من يعبدون أشخاصا دون الله وهم لا يعلمون؟ أو هل عندنا أنصاف آلهة؟
وهناك “مصطلحات” و”كليشيهات” أخرى يردّدها كثيرون منّا، وتنجرّ إليها تنظيمات وأحزاب –مع الأسف-، فمثلا عندما يعتقل المحتلّون شخصا ما، ولو كان فتى غرّا، أو يستشهد شخص ما، فإنّنا نجد من يكتب عنه أو ينعاه واصفا إيّاه “بالقائد”، وكأنّ الشّهادة صفة ملازمة للقادة فقط، أو أنّ الشّهادة غير كافية لتخليد اسم الشّهيد إن لم يكن قائدا! وإذا كان أسرانا وشهداؤنا كافّة قادة، فأين الشّعب؟
ومن المحزن أن نجد بيننا من يصف أطفالنا الشّهداء والجرحى والأسرى “بالجنرالات”، وهذه رتبة عسكريّة، فهل أطفالنا عسكريّون مقاتلون أم ضحايا للاحتلال؟ وهل يعلم من يستعملون هكذا مصطلح مدى الضّرر الذي يلحق بقضيّتنا جرّاء هكذا “مصطلح”؟ حتّى أنّ ملكة السّويد وجّهت نداء قبل سنوات للأمّهات الفلسطينيّات تدعوهنّ فيه إلى عدم السّماح لأبنائهنّ بالمشاركة في حروب المقاومة ضدّ الاحتلال.
ومن المصطلحات التي نستعملها دون النّظر لمعناها وصفنا لجدار التّوسع الاحتلالي بـ “جدار الفصل العنصريّ”، مع علمنا المسبق أنّ هذا الجدار التّوسّعيّ يبتلع 7% من مساحة الضّفّة الغربيّة، وأنّه يفصل الفلسطينيّين عن بعضهم البعض، حتّى أنّه يفصل بيوت والدين عن بيوت أبنائهم، أو يفصل بيوت الأشقاء عن بعضها، أو ليس يجدر بنا أن نسمّيه “جدار الاحتلال الإسرائيلي” ليبقى لعنة تطارد بناته؟
والحديث يطول.
2-8-2019