تتبنى إحدى جامعاتنا الفلسطينيّة ثقافة العشائر من خلال فضائيّة تتبع لها، وتروّج لها، ولديها مراسل مع طاقم تصوير يجوب الضّفّة المحتلة باحثا عن عطوة أو صلحة عشائريّة؛ ليقوم بنقل ما يدور فيها بالصّوت والصّورة، فتبثّها الفضائيّة مرّات ومرّات، بحيث أنّ المشاهد العاديّ يأخذ انطباعا بأنّ سلطة العشائر هي السّلطة التي تتحكّم برقاب النّاس.
ولمن لا يعلم وكي لا يتقوّل المتقوّلون فإنّني أنا شخصيّا من أصول بدويّة وعشائريّة”عشائر عرب السّواحرة” قضاء القدس الشّريف، ولا يزال للعشائريّة دورها ونفوذها في بلدتي.
ولا نفشي سرّا عندما نقول بأنّ العقليّة العشائريّة ثقافة سائدة في مجتمعنا، وهي ثقافة الصّحراء الوحشيّة” كما وصفها ابن خلدون في المقدّمة قبل ما يزيد على سبعة قرون. وليس خافيا على أحد بأنّ رجالات العشائر -مع كلّ التّحفّظات على نزاهة البعض منهم- يقومون بفضّ الكثير من النّزاعات والخلافات بين المتخاصمين. لكن هل يشكّل هذا دافعا لجامعة أن تقوم فضائيّتها بالتّرويج للثّقافة العشائريّة، في ظلّ مسيرة شعبنا الفلسطينيّ ونضاله في سبيل الخلاص من الاحتلال وموبقاته وشروره؟ وهل دور الجامعات هو نشر العلم والإرتقاء به للتّحرّر من الجهل والخرافة، أم تنمية وتغذية وترويج العشائريّة؟ وهل نحن في مرحلة التّحرّر الوطنيّ بحاجة إلى تقوية السّطوة العشائريّة على حساب مؤسّسات السّلطة؟ وهل جرى تجييش العشائر بما يخدم الوطن والمواطن أم يجري استغلالها لتحقيق أهداف آنيّة قصيرة المدى؟
لقد جرى في مرحلة من تاريخنا المعاصر وفي نهاية سبعينات القرن الفارط حشد العشائر لتأسيس روابط القرى من أجل تكريس الاحتلال، وجاءت الإنتفاضة الأولى لتطيح بروابط القرى ورموزها، ولتأكيد وحدانيّة تمثيل منظمة التّحرير للشعب الفلسطينيّ. ومرّت الإنتفاضة الأولى كفرصة ضائعة لم تستغل جيّدا للخلاص من الاحتلال ولتحقيق طموحات الشّعب الفلسطيني في التّحرّر والاستقلال، وبناء الدّولة المستقلة بعاصمتها القدس.
والآن وبعد أن ثبت للجميع بأنّ خطيئة أوسلو لم تحقق انهاء الاحتلال بعد أن قتلتها إسرائيل وحليفتها أمريكا، فإنّ البعض يحاول أن يخلق بدائل سياسيّة غير بريئة، وقد يجد ضالّته في العشائر، مع التّأكيد على نقاء غالبيّة القيادات العشائريّة، لكنّه يجري استغلالهم تحت شعارات ظاهرها الخير وباطنها السوء. فهل ننتبه لذلك؟
27-12-2019