يحتفل مسيحيو العالم حسب التقويم الغربي بأعياد الميلاد المجيدة في 25 كانون أول-ديسمبر- بينما يحتفل الشرقيون بهذا العيد في 7 كانون الثاني-يناير من كل عام، وذات يوم شاهدت على احدى الفضائيات شيخا يحرّم على المسلمين المشاركة في احتفالات هذا العيد، ولما سأله المذيع عن أسباب التحريم مع أن الدّين الاسلامي يقرّ ويؤمن بنبوة عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، وبالديانة المسيحية، بل إن المسلم الذي ينكر ذلك يعتبر كافرا، فأجاب “الشيخ” بأن دليل”فتواه” هو أنّ النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم، لم يحتفل بعيد ميلاد السّيّد المسيح عليه السلام.
ومع معرفتنا المسبقة بأن الأعياد الدينية في الاسلام هي عيد الفطر وعيد الأضحى، وأن الأعياد الأخرى ابتدعها اللاحقون، وسؤالنا هل احتفل المسلمون في عهد النبوّة والخلفاء الراشدين بالمولد النبوي والهجرة النبوية والاسراء والمعراج وغيرها؟ وهل اعتبروها أعيادا دينية؟ وبالتأكيد فان الجواب بالنفي…وهل احتفال المسلمين بمولد الرسول عيسى بن مريم ردّة عن الاسلام؟ وبالتأكيد فان الجواب بالنفي أيضا. فلماذا هذا التزمت؟ ولماذا اثارة النعرات الطائفية؟
يقول تعالى في سورة المائدة:” وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ”
وفلسطين تحديدا مهد المسيح عليه السّلام، ومهد الدّيانة المسيحية، وهي موطن التعددية الدينية والثقافية، وبهذا تكتسب خصوصية فريدة لا توجد في أيّ بلاد أخرى، فعيسى بن مريم عليه السلام من هذه البلاد، ومن هذه البلاد انطلقت المسيحية الى أرجاء الأرض كافة، تماما مثلما انطلق الاسلام من مكة والمدينة، وارتباطهما الوثيق الذي لا ينفصم بالقدس حيث المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، ومعراج خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام، وبهذا فان الاحتفال بذكرى مولد المسيح احتفال للمسلمين وللمسيحيين قبل غيرهم من الشعوب الأخرى التي تدين بالمسيحية، لأنه إرث فلسطيني خالص، وأنّ الآخرين هم من قلدوا الفلسطينيين بهذه الاحتفالات، وعلى مسلمي البلاد المقدسة أن يتذكروا دائما أنّ مسيحييها مستهدفون بالاقتلاع منها تماما مثل المسلمين، وهم عرب قبل نزول الدّيانات السماوية، وهم مواطنون فلسطينيون أصليون وأصيلون، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وعلينا أن نتذكر دائما أن المقدسات المسيحية وفي مقدمتها كنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة القيامة في القدس هي ملك وإرث للشعب الفلسطينيّ، وهذا لا ينفي طبعا حقّ مسيحيي الشعوب الأخرى بالصلاة فيها والحجّ اليها، تماما مثلما هو حق المسلمين كافة بالصلاة في المسجد الأقصى وشدّ الرّحال اليه.
وللحفاظ على عروبة الأماكن المقدسة، وحفاظا على وحدة النسيج الفلسطينيّ، واحتراما لحرية العبادة ولمشاعر اخوتنا المسيحيين الفلسطينيين، فان المشاركة في احتفالات أعياد الميلاد المجيدة، وتقديم التهاني للمسيحيين بهذه المناسبة تفرض نفسها على جميع مكونات شعبنا، فالدّين لله والوطن للجميع.
وإنني أغتنم هذه المناسبة لأهنئ إخوتنا المسيحيين وأبناء شعبنا وأمتنا كافة بأعياد الميلاد المجيدة، وبرأس السنة الميلادية، و”على الأرض السلام وفي الناس المحبة”.
17-12-2014