بدون مؤاخذة-سلام القوّة والفرصة الضائعة

ب

جميل السلحوت

رغم التّحالف الإستراتيجي بين إسرائيل منذ نشوئها ودول الإمبرياليّة الغربيّة، وحتّى يومنا هذا، وما يترتّب على ذلك من دعمها اللامحدود لإسرائيل على مختلف الأصعدة، إلّا أنّ هذه الدّول وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة لم تشارك في الحروب بين إسرائيل والأقطار العربيّة بشكل علنىّ إلّا في الحرب الأخيرة على قطاع غزّة، وقد أثبتت هذه الحرب من جديد وبشكل واضح أنّ إسرائيل قاعدة عسكريّة غربيّة لحماية المصالح الغربيّة في منطقة الشّرق الأوسط، وقد اعترف بذلك بنيامين نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل أكثر من مرّة أمام وسائل الإعلام العالميّة عندما قال أكثر من مرّة ومنها أثناء خطابه في الكونغرس الأمريكي” نحن نحارب عنكم” و”نحن ندافع عنكم”. وما امتداد هذه الحرب لمدّة عامين وما صاحبها من خرق لقواعد حقوق الإنسان، ولقواعد القانون الدّوليّ، وهذا التّدمير الهائل لقطاع غزّة وللجنوب اللبنانيّ، وإسقاط نظام الأسد في سوريّة إلّا لتنفيذ المشروع الأمريكيّ” الشّرق الأوسط الجديد”.

والرئيس الأمريكيّ المتصهين ترامب صرّح أكثر من مرّة أنّه يؤمن “بسلام القوّة”، وهذه هي النّظرة الأمريكيّة والإسرائيليّة القائمة على نظريّة” ما لا يمكن حلّه بالقوّة يمكن حلّه بقوّة أكبر”. والرّئيس الأمريكي رونالد ترامب الّذي يفاخر بأنّه” رجل الصفقات التّجاريّة” جاء بخطّته الأخيرة لوقف الحرب الإسرائيليّة علي قطاع غزّة، صرّح أكثر من مرّة أنّ هذه الخطّة ستجلب السّلام للشّرق الأوسط. ورغم تخبّط ترامب بتصريحاته المتناقضة إلّا أنّه يجب أن لا يغيب عن أحد أنّه رئيس الدّولة الأعظم والأقوى والأغنى في العالم، وأن هذه الدّولة عميقة تحكمها المؤسّسات والقوانين، وبالتّالي فإنّ سياسات ترامب هي انعكاس للسّياسة الأمريكيّة الّتي تتمحور حول خدمة مصالح الدّولة الأمريكيّة. ويجب التّأكيد هنا أنّ حكومة نتنياهو اليمينيّة وحربها التّدميريّة على قطاع غزّة لا تتناقض مع الإرادة الأمريكيّة، بل هي تقوم بتنفيذها. وهذه السّياسة هي الّتي أوصلت إسرائيل إلى عزلة دوليّة غير مسبوقة.

جنوب افريقيا والقضيّة الفلسطينيّة

وفي هذا السّياق دعونا نتذكّر ما جرى في جنوب افريقيا وإسقاط النّظام العنصريّ فيها، فعندما اشتدّت مقاومة السّود للنّظام العنصريّ الذي كان في هذا البلد، وما صاحب ذلك من بطش النّظام العنصريّ وتحت ضغوط دوليّّة اضطرّ النّظام عام ١٩٩٠ أن يفرج عن نلسون مانديللا زعيم حزب المؤتمر الجنوب إفريقيّ، وفي ظلّ توالي الاعتراف الدّولي بحقوق السّود، وسحب اعترافاتهم بالنّظام العنصري الحاكم، بدأ في العام ١٩٩١ تفكيك القوانين العنصريّة، لكنّ أمريكا وإسرائيل بقيتا آخر داعمتين للنّظام العنصريّ، إلى أن جرت انتخابات حرّة ونزيهة في ابريل ١٩٩٤، وفاز حزب المؤتمر في هذه الانتخابات، وتسلّم مانديللا منصب الرّئاسة.

ولا بدّ هنا من ذِكر ما جرى عام ١٩٩١، في البوسنة والهيرسيك، حيث قتل الصّرب في مدينة سيبرونيتشا ٣٠٠ ألف من مواطنيها واغتصبوا عشرات آلاف النّساء، وبعدها تدخّلت أمريكا وحلفاؤها وانتهى النّزاع بقيام دولة البوسنة.

الاعتراف بالدّولة الفلسطينيّة

 يخطئ من يظنّ أنّ اعتراف الدّول الأوروبّيّة ومنها بريطانيا وفرنسا ومعها كندا ذات التّأثير العالميّ بدولة فلسطين جاء من وراء أمريكا، فهذه الدّول تابعة لأمريكا أكثر من تبعيّة غالبيّة الأنظمة العربيّة، ولا يمكن هنا إغفال دور الشّعوب الّتي خرجت متظاهرة احتجاجا على حرب غزّة  في هذه الدّول، أكثر من غالبيّة الشّعوب العربيّة والإسلاميّة المقهورة من أنظمتها المستبدّة.

وقد جاءت هذه الاعترافات بدولة فلسطين لأكثر من سبب، وأهمّها مجريات الحرب على قطاع غزّة الّتي أفشلت السّياسات الأمريكيّة الإسرائيليّة وأجبرتها على التّراجع عن أوهامها وأهمّها العمل على تهجير مواطني قطاع غزّة.

ورغم أنّ ترامب تجاهل حقّ الشعب الفلسطينيّ بتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، وتجاهل الاحتلال الإسرائيليّ لقطاع غزّة والضّفّة الغربيّة بجوهرتها القدس في خطابيه أمام الكنيست الإسرائيليّ وفي مؤتمر شرم الشيخ، ورغم تأكيد بنيامين نتنياهو أمام ترامب في الكنيست على أنّ القدس الموحّدة عاصمة إسرائيل الأبديّة وإشادته باعتراف ترامب في رئاسته الأولى بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السّوريّة المحتلّة، وعلى حقّ إسرائيل في الضّفّة الغربيّة، إلّا أنّ هذا لا ينفي هذه الحقائق.

خطّة ترامب لإنهاء الحرب على قطاع غزّة

هناك مقولة تنسب لدين راسك وزير الخارجيّة الأمريكيّة الأسبق في ستّينات القرن الفارط زمن رئاسة كنيدي لأمريكا يقول فيها:” دعهم يتحاربون ويقتلون بعضهم بعضا، وفي النّهاية سيأتون إلينا راكعين يطلبون الحلّ”. 

وهذه المقولة تنطبق على خطّة ترامب، فالإدارة الأمريكيّة السّابقة والحاليّة زودّت إسرائيل بأحدث الأسلحة التّدميريّة، وأطلقت يدها لتدمير كلّ متطلّبات الحياة في قطاع غزّة، واستعملت حق النّقض” الفيتو” ستّ مرّات في مجلس الأمن الدّوليّ، لمنع إصدار قرار بوقف الحرب، وقد قتل وجرح في قطاع غزّة أكثر من ٢٥٠ ألف مواطن غالبيّتهم من النّساء والأطفال، ويشكلّون أكثر من ١٠٪ من المواطنين، كما صاحب ذلك حصار تجويعيّ   خانق لمليونين ونصف المليون إنسان، ومن ضمن أهداف استمراريّة الحرب والقتل والتّجويع على قطاع غزّة وما صاحب ذلك من حرب شبيهة على شمال الضّفّة الغربيّة” جنين ومخيّمها وطولكرم ومخيّميها ونابلس ومخيّماتها”، هو إيقاع أكبر خسائر بالشّعب الفلسطينيّ لإجباره على قبول أيّ حلول تطرح.

الموقف الفلسطينيّ والعربيّ

 لقد أثبتت هذه الحرب أنّ النّظام العربيّ والإسلاميّ لا يملك شيئا من أسباب القوّة، ولا دور له في السّياسة الدّوليّة، وما يهمّ الأنظمة هو الحفاظ على عروشها.

كما أنّ الانقسام الفلسطينيّ لا يزال عاجزا عن توحيد القوى الفلسطينيّة تحت راية منظّمة التّحرير، وهذا الانقسام يضرّ بالحقوق المشروعة للشّعب الفلسطينيّ أكثر الحروب الظالمة على شعبنا.

ويجب الانتباه بأنّه من الأهمّية بمكان أنّ السّلطة الفلسطينيّة هي من يجب أن تفاوض على حقوق الشّعب الفلسطينيّ كونها المعترف بها دوليّا، ويجب أن تحظى بدعم عربيّ وإسلاميّ، وأن تتخلّى السّاحة الفلسطينيّة عن الفصائليّة، وأن تتوحّد تحت راية منظّمة التّحرير الّتي يجب عليها هي الأخرى أن تعيد تركيبتها؛ لتعود إلى أمجادها السّابقة.

كما يجب أن تنشط الدّبلوماسيّة الفلسطينيّة والعربيّة؛ لتحقيق حقّ الشْعب الفلسطينيّ بتقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف بعد كنس الاحتلال ومخلّفاته، وكي لا تضيع هذه الفرصة السّانحة كما ضاعت فرصة الانتفاضة الأولى لتحقيق السّلام العادل والدّائم.

١٥-١٠-٢٠٢٥

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات