استغلال الدّين لتحقيق مآرب سياسية ليس جديدا، بل هو معروف منذ القدم عندنا وعند غيرنا، فالخليفة العباسي المعتصم جنّد الجيوش لمحاربة رقيق الأرض في جنوب العراق، الذين ثاروا في عهده لتحسين ظروف معيشتهم”ثورة الزنج” متهما إياهم بالرّدة عن الدين، وأمعن فيهم قتلا. واختلف المؤرخون بعددهم ما بين مليونين الى ستة ملايين، فهل يُعقل أن يرتدّ ملايين البشر عن الدّين لمجرد لونهم الأسود؟
وفي القرن الحادي عشر الميلادي استغلّ ملوك الفرنجة عامل الدّين عند بسطاء الناس، وتواطأت معهم الكنيسة صاحبة”صكوك الغفران الشهيرة” وشنّوا حربهم على بلاد الشّام “لتحرير القبر المقدس” ووصلوا القدس محتلين عام 1099م وقتلوا سبعين ألفا هم جميع سكانها الذين بقوا فيها، وهم يحتمون في المسجد الأقصى.
وكان لبعض رجال الدّين المسيحي مواقف مشينة عبر التاريخ، فقد جيّروا الدّين لمصالحهم الشخصية، وصدقهم رعاع الناس، ولكم أن تتصوروا أن مناطق في شمال روسيا كانت العروس فيها تقضي ليلتها الأولى مع الكاهن في منطقتها حتى قيام الثورة البلشفية عام 1917والتي منعت ذلك، ولمّا حرّضهم أحد الشباب على عدم قبول ذلك، اتهمته الكنيسة بالكفر وانصاع الناس لارادة الكهان كأنهم مخدّرون، فأطلق صيحته المشهورة “الدّين أفيون الشعوب”. ولاحقا تمّ اجتزاء مقولته لاتهام كل من يخالف “رجال الدين” بالكفر.
وقامت أوروبا بحروبها واحتلالاتها لشعوب الشرق في آسيا وافريقيا “تنفيذا لتعاليم الرّب” لتطوير تلك الشعوب، فقتلوا وسرقوا ونهبوا خيرات البلدان “باسم الرّب” ولم تعترض الكنيسة على تلك الجرائم بل أثنت عليها. والشواهد كثيرة على “الارهاب” الذي باركته الكنيسة. وفي القرن العشرين ألم تبارك كنائس جرائم النّازية في ألمانيا والفاشية في ايطاليا اللتين شنّتا حربا دمرت فيه العالم وقتلت فيه أكثر من ستين مليون شخص؟
وفي بداية القرن الحادي والعشرين استغل الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش الدّين لشنّ حروبه العدوانية التي قتلت ملايين البشر في العراق وأفغانستان وغيرها، ولم يرفّ له جفن وهو يصرّح أمام وسائل الاعلام أكثر من مرّة بأنه “يتلقى أوامره من الرّب”.
أمّا استغلال الصهيونية للدين اليهودي لارتكاب جرائمها بحق الانسانية فالحديث فيها يطول، فقد بدأت فكرة الصهيونية على أساس الأساطير التوراتية، ورفعت شعار “العودة الى أرض الميعاد” واستمدّت اسمها من “جبل صهيون” وهو أحد الجبال الثلاثة التي تقوم عليها مدينة القدس، واستطاعت بذلك تهجير يهود العالم من مواطنهم الأصلية الى فلسطين، وتوطينهم فيها وتشريد شعبها. ويخطئ من يعتقد أن تأييد وتمويل وتسليح أوروبا وأمريكا لاقامة دولة اسرائيل ومواصلة ذلك جاء كتعويض لجرائم النازية ضد اليهود في الحرب الكونية الثانية، بل هو سابق لتلك الحرب بسنوات طويلة، فوعد بلفور صدر في 2-11-1917. والمؤتمر الصهيوني الأول عقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897، والهجرات اليهودية والاستيطان في فلسطين بدأ قبل ذلك. والدعم الغربي لاسرائيل المتواصل ينطلق من معتقدات دينية أيضا، لأن المسيحية امتداد لليهودية حسب فهم العالم الغربي.
واسرائيل الصهيونية – ورغم اداعاءاتها بأنها دولة علمانية- إلا أن تصرفاتها تثبت أنها دولة دينيّة ولا تعترف بالدّيانات السماوية الأخرى، بل ولا تحترم حقهم في ممارسة صلواتهم في دور عبادتهم، وما يحدث في المسجد الأقصى خير دليل على ذلك.
واذا ما اعتدى”دواعشنا” على غير المسلمين من مسيحيين وازيديين في العراق وسوريا كأشخاص وكدور عبادة فإن اسرائيل الصهيونية قد هدمت ودمّرت مئات المساجد والمقابر والمقامات الاسلامية، وتواصل اعتداءاتها على دور العبادة الاسلامية والمسيحية، بل انها تسعى الى هدم المسجد الأقصى وهو من أقدس مقدسات المسلمين، لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، ويقوم المتطرفون اليهود ومنهم شخصيات رسمية كوزراء وأعضاء كنيست وزعماء أحزاب باقتحامه وتدنيسه تحت حماية الأمن الاسرائيلي بشكل شبه يومي تمهيدا لذلك.
ودعوة حكومة نتنياهو بل واشتراطها الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، وبغض النظر عن الأهداف السياسية الكامنة وراء ذلك، إلا أن الهدف الديني ليس خافيا في هذه الدعوة، تماما مثلما هي أسماء المستوطنات اليهودية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأسماء حروب اسرائيل المختلفة هي أسماء توراتية دينية.
ويلاحظ أن “دواعشهم” يخدمون مصالحهم، وهم يستغلون جهل وانغلاق”دواعشنا” بذكاء ويجيّرونهم لخدمة مصالحهم أيضا، وما يقوم به “دواعشنا” من قتل وتدمير في العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وغيرها يخدم دواعشهم وأهدافهم الامبريالية في منطقتنا.
26-9-2014