مع أنّ أمريكا دولة مؤسّسات، وتغيير الرؤساء فيها بالانتخابات لا يغيّر سياساتها الخارجيّة بشكل لافت وملحوظ، إلا أنّ خسارة ترامب للإنتخابات مكسب للشّعب الأمريكيّ أوّلا وراحة للبشريّة وللعالم جميعه، فالرّجل يحمل فكرا فاشيّا ويشكّل خطرا على بلاده وعلى السّلم العالميّ، ومن خلال حكمه في السّنوات الأربعة الماضية ارتكب حماقات لن يكون علاجها سهلا وسريعا، وقد تعامل مع منصب رئاسة الدّولة الأعظم كمشروع تجاريّ لتحقيق مكاسب شخصيّة له وللمقرّبين منه، وعمل بغباء لافت لهدم القانون الدّولي والشّرعيّة الدّوليّة، وخلق أزمات في العلاقات الدّوليّة، وفي مقدّمتها منطقتنا العربيّة، من خلال منحه بصفاقة متناهية الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة وفي مقدّمتها القدس، والجولان السّوريّة المحتلة لإسرائيل ليدخل المنطقة في صراعات طويلة المدى، وهو بهذا يعطي مشروعيّة تحميها القوّة العسكريّة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربيّة، وتمادى في عنجهيّته من خلال ضغطه على أعوانه في المنطقة العربيّة لتطبيع علاقاتهم مع اسرائيل في ظلّ احتلالها للأراضي العربيّة، واستمراره في حربه على سوريا وغيرها.
وواصل طغيانه وجهله في السّياسة والعلاقات الدّوليّة ومعاداته للسّلم العالمي من خلال سحب عضوية بلاده في منظّمات دوليّة تتبع الأمم المتّحدة كمنظّمات حقوق الإنسان، ومنظّمة الحفاظ على البيئة، ومحكمة الجنايات الدّوليّة، وغيرها، كما ألغى اتّفاقات دوليّة وقّعتها الإدارات الأمريكيّة السّابقة، ومنها الاتّفاق النووي مع إيران وما تبعها من حصار جائر على إيران، ومعاهدة الحدّ من الصّواريخ متوسّطة المدى مع روسيا، والاتّفاقات التّجاريّة مع الصّين، وغيرها، عدا عن فرضه إتاوات على بعض الدّول ومنها دول عربيّة نفطيّة.
وقد بدا واضحا عدم اتّزان ترامب في تصرّفاته من خلال سياساته الدّاخليّة، وعنصريّته في التّعامل مع السّود والملوّنين من أبناء شعبه، ومن خلال عدم استيعابه في البدايات لخطورة جائحة كورونا التي حصدت أرواح مئات آلاف الأمريكيّين، وعدم اتّزان الرّجل في تصرّفاته بدا واضحا من خلال تغيّيره أكثر من مرّة لبعض أعوانه من وزراء ومستشارين أمنيّين ومنهم مستشار الأمن القومي الأمريكي. كما تجلّت حماقاته في موقفه من انتخابات الرّئاسة الأمريكيّة الحالية التي طعن بنزاهتها قبل حصولها عندما كانت تشير استطلاعات الرأي بتفوّق منافسه بايدن مرشّح الحزب الدّيموقراطي عليه. وحتّى بعد ظهور النّتائج النّهائيّة لانتخابات الرّئاسة التي خسرها فإنّه لا يعترف بالنّتائج، وقد يدخل بلاده في نفق مظلم قد يكون وبالا عليها. ولو قدّر لترامب أن يفوز بدورة رئاسيّة ثانية فإنّه قد يجرّ العالم بحماقاته إلى حرب كونيّة ثالثة، لذا لا غرابة عندما اعتبره بعض المراقبين ومنهم مفكّرون أمريكيّون مثل تشومسكي بأنّ خطره على العالم لا يقلّ عن خطر هتلر الذي جرّ العالم الى الحرب الكونيّة الثّانية. وحصول ترامب على حوالي 70 مليون صوت تعطي دلالات على التّحوّلات اليمينيّة في الشّارع الأمريكيّ، التي تشير إلى تغوّل النّظام الرّأسمالي.
والخلاص من ترامب لا يعني أنّ بايدن حمامة سلام، لكنّه قد يكون أقلّ خطورة على السّلم العالمي. فأمريكا دولة تحكمها المؤسّسات التي ترسم سياساتها الخارجيّة للحفاظ على مصالهحا ونفوذها في العالم.
7-11-2020