أجزم بأنه لولا أن العيدين-الفطر والأضحى-عيدان دينيان، ومثلهما الأعياد الدينية المسيحية-الميلاد والفصح- لما احتفل الفلسطينيون بعيد، وهم لا يحتفلون وانما يقتصر تعاملهم مع الأعياد على الشعائر الدينية، منذ أن وقعوا تحت احتلال أهلك البشر والشجر والحجر…وكلما زادت سنوات الاحتلال زادت معاناة الفلسطينيين، هذه المعاناة التي تتمثل في مصادرة الأرض للاستيطان، والحواجز العسكرية، وجدران التوسع الاحتلالي، وهدم البيوت، واقتلاع الأشجار وحرقها، والقتل والاعتقال ودوس كرامة الانسان…الخ من جرائم يندى لها جبين الانسانية.
وفي عيد الأضحى معروف أن المسلمين يتقربون الى الله بالأضاحي من الأنعام، وبما أن الغالبية العظمى من مسلمي فلسطين لا يملكون ثمن الأضاحي، فقد تعمد خطباء المساجد بأن يبينوا في خطب الجمعة أن الأضحية ليست فرضا ولا سنّة، وإنما هي مندوب لمن يستطيع، وهكذا ارتاح الفقراء المؤمنون لأن الله لن يحاسبهم لتركهم الأضحية مرغمين لا مختارين(لا يكلف الله نفسا إلّا وسعها) لكنهم وقعوا في ورطة أخرى مع أطفالهم، فالأطفال يفهمون العيد بأنه ملابس جديدة وألعاب ولحوم الأضاحي، وهم ببراءة طفولتهم لا يدركون قدرات آبائهم الاقتصادية، فتدب فيهم الغيرة من أقران لهم من أبناء الميسورين، فيعتقد بعض أطفال الفقراء بأن آباءهم لا يحبونهم، أو أنهم يبخلون عليهم، وهنا تكمن مأساة الآباء الذين يتألمون بصمت، ولا يستطيعون توضيح سوء حالهم لأطفالهم.
ومعروف أن البطالة متفشية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتصل الى أكثر من ربع المواطنين، في حين أن الحد الأدنى للأجور هو 1450 شاقلا، أي ما يعادل 440 دولارا، في حين أن ثمن أضحية صغيرة يصل الى ضعف هذا المبلغ، علما أن خط الفقر في اسرائيل -المرتبط اقتصاد الأراضي الفلسطينية بها- يصل الى 5300 شاقل، أي أربعة أضعاف دخل الأسرة الفلسطينية، وأن معدل عدد أفراد الأسرة الفلسطينية هو ستة أفراد.
أمّا أطفال وأسر الشهداء والمعتقلين وبقية الأيتام والأرامل والثكالى فلهم الله، وليس لهم أمّة يشارك قادتها في حصار شعبهم، ويمنعون المعونات المالية من الوصول الى السلطة الفلسطينية للضغط عليها تلبية لاشتراطات الادارة الأمريكية واسرائيل لمنع السلطة من تحقيق الاستقلال والتحرر، وبناء الدولة المستقلة بعاصمتها القدس بعد كنس الاحتلال ومخلفاته.
وهكذا فلا خوف على خراف الأضاحي في فلسطين هذا العام، وهذا خبر سعيد ومفرح للقائمين على جمعيات الرفق بالحيوان، ولن يكترثون للدماء الفلسطينية والعربية المستباحة.
ولا يمكننا أن ننسى الدماء العربية التي تراق في اليمن، سوريا، ليبيا والعراق، ولا الفقر المدقع في تلك البلدان. ولا يمكننا أن نقفز عما يجري من تدمير للاقتصاد اللبناني وهدمٍ للدولة اللبنانية بسبب الحصار والقيود الأمريكية، والتي يشارك في عرب متصهينون، تماما مثلما لا يمكن نسيان تمويل المتصهينين العرب لسد النهضة في اثيوبيا من أجل تدمير مقدرات السودان ومصر الاقتصادية.
ومع ذلك فلا يسعنا إلّا أن نتقدم لأمتينا العربية والاسلامية بالتهاني بهذا العيد، ونتمنى لهم نوما سعيدا لا يكدر مزاجهم، ونتمنى السلامة لليمن ولسوريا ولبنان وليبيا ولشعوبها، ولن نذكرهم بالحديث الشريف”مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمّى والسهر” وشكرا لوكالة الغوث الدولية وللمنظمات الانسانية التي تقدم الطحين لفئات واسعة من شعبنا كي تحميهم من المجاعة.
18-7-2021