استمعت لحوار بين مجموعة أشخاص حول مآسي البلدان العربية، وسهولة اشعال نار الفتن الداخلية بينهم، وكيفية قمع الحكومات لشعوبها، وأن الجيوش العربية والأجهزة الأمنية العربية تبنى لحماية النظام لا لحماية الوطن، وبالتالي فان الكل يحارب ويعارض الكلّ إلا من رحم ربّي، وأن البعض في معارضته قد يصل درجة الخيانة العظمى لوطنه، وحتى الأحزاب والتنظيمات السياسة بما فيها الجماعات الاسلامية يدعي كل منها أنه المالك الوحيد للحقيقة، والحريص الوحيد على مصلحة الشعب والوطن، وبالتالي فان الحروب الداخلية طحنت وتطحن شعوبا ودولا منها: سوريا، العراق، ليبيا، الصومال، اليمن، والتفجيرات وأعمال التخريب في مصر، والحرب الأهلية التي حصدت أرواح مائتي الف جزائري في تسعينات القرن العشرين، وهي المسؤولة عن تقسيم السودان، ولفت انتباهي في ذلك الحوار رأيان الأول: عندما تساءل أحدهم قائلا: هل يوجد عندنا دول عربية بالمفهوم الحديث للدولة؟ وأجاب أنه لا يوجد إلا اثنتان هما: لبنان وقد مزقته الطائفية التي ينص عليها الدستور الذي وضعته فرنسا أثناء انتدابها على لبنان، ومصر صاحبة الحضارة العريقة التي تمتد من العصر الفرعوني قبل ستّة آلاف عام وحتى أيّامنا هذه. وما بقية الدّول إلا مجرد تحالفات عشائرية وقبلية وطائفية.أمّا الرأي اللافت الثاني فهو قول أحدهم: هذه المشاكل جميعها يمكن حلّها لو تمّ احترام حقّ المواطن العربي في المواطنة في وطنه!وهذان الرأيان يحتاجان دراسات وأبحاث للوقوف عليهما. وسنركز هنا على الرأي الثاني، فالمواطن العربي يشعر بالغربة والاغتراب في وطنه، لأن حقه منتهك كمواطن، فمن يتصور أن دولا عربية لا تمنح جنسيتها لرعاياها الذين يعيشون فيها منذ آلاف السنين؟ مع أنهم يخدمون في جيشها ويدافعون عنها وقد يفقدون حياتهم جرّاء ذلك؟ في حين أن دولا متقدمة تعطي الجنسية لطفل ولد على طائرة تتبع الخطوط الجوية لذلك البلد، أو ولد على أراضيها. وأن عددا من الدول العربية لا تمنح الجنسية لأبناء مواطناتهم اللواتي يتزوجن من جنسية أخرى وقد تكون عربية ومجاورة؟ ومن يصدق أن دولا عربية تحترم حاملي الجنسيات الأجنبية أكثر من احترامها لرعاياها الذين يحملون جنسيتها؟ ومن يصدّق أن دولا عربية بترولية تعطي جنسيتها لأجانب من غير العرب ولدوا فيها، وتحرم العرب من جنسيات أخرى هذه الجنسية؟وأن دولا أجنبية أخرى تعطي جنسيتها لأجنبي دخل حدودها بطريقة غير مشروعة، وعاش فيها خمس سنوات على الأكثر، أو لمواطن دخلها هاربا من بلده لواحد من أسباب كثيرة، وتؤمن لهؤلاء سكنا لائقا ودخلا يعتاشون منه ويحفظ كرامتهم. ولدينا دول تسقط الجنسية عن واحد من رعاياها لمجرد رأي أبداه وفيه مخالفة للنظام الحاكم. فهل وجود المواطن العربي في وطنه إعارة مؤقتة؟ وهل الوطن ملك خاص للنظام الحاكم يسمح فيه لمن يشاء بالاقامة ويحرم من يشاء؟وهل قمع الحريات في البلدان العربية يقوّي النظام أم يضعفه؟ وهل الشعب هو القادر على حماية وطنه ونظامه الحاكم أم قوات ودول أجنبية؟ وهل تساءلت الأنظمة العربية عن أسباب التطرف الأعمى الذي ينبت وينمو في دولهم؟ وهل عملت على علاج ذلك؟ وهل تساءلت الأنظمة عن سبب هجرات مواطنيها بما في ذلك هجرات غير شرعية قد تكلفهم حياتهم الى دول أجنبية؟ وهل بحثت وعملت عن حلول لذلك؟ وهل تحترم الدول العربية حقوق الأقليات القومية والدينية من مواطنيها؟ وهل هناك قوانين تحمي الحريات الشخصية والدينية والفكرية؟ وهل هناك فصل للسلطات؟ وهل هناك استقلالية للقضاء؟ إن أصعب أنواع الغربة هي أن يشعر المواطن أنه غريب في وطنه؟ والأصعب من ذلك أن لا يجد في وطنه سبل الحياة الكريمة. والاجابة المنطقية والواعية وتطبيقها على أرض الواقع المعاش هي الحل الوحيد للكثير من المشاكل والمصاعب التي تعيشها الشعوب والدول العربية.16-9-2014