ب
في عام 1991 إن لم تخنّي الذّاكرة، وكنت عضوا في الهيئة االإداريّة لرابطة الكتّاب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، التقينا عددا من كتّاب قطاع غزة في مقر فرع الإتّحاد في غزّة، وجرى نقاش مطوّل حول الإتّحاد، ومن بين الحضور لفت انتباهي شابّ يعتمر الكوفيّة والعقال، يستمع للمتحدّثين ويعبّر عن موافقته أو رفضه لما يسمع دون أن ينبسّ ببنت شفة، فسألت من كان بجواري عن اسم ذلك الشّابّ، فأجابني: هذا خضر محجز.
هذه هي المرّة اليتيمة التي رأيت فيها د. خضر محجز، بل هي المرّة الأولى التي سمعت بها باسم هذا الرّجل.
وفي أواخر العام 1992 كان اسم خضر محجز من بين المبعدين إلفلسطينيّين إلى مرج الزّهور في الجنوب اللبناني، وكانو في غالبيّتهم من حركتي حماس والجهاد الإسلامي.
ومرّت الأيّام وقرأت روايتين للدّكتور خضر محجز، هما “عين سفينة” التي ناقشناها وكتبنا عنها في ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة المقدسيّة، ورواية” اقتلوني ومالكا”، ومن يومها وجدت نفسي أمام مفكر أديب روائيّ وشاعر وناقد مميّز، فتابعت كلّ كتاباته التي أراها على موقعه الأكتروني أو على صفحات الحوار المتمدن، وصفحات التّواصل الإجتماعي. ووجدت نفسي أمام مفكر ومجتهد إسلاميّ لا تنقصه الجرأة في التّعبير عن فكره المتّقد، لا همّ له إلا نشر الفكر الصّحيح خدمة لدينه وقضايا شعبه وأمّته، وبما أنّ الرّجل صاحب فكر فإنّه يركّز في نقده اللاذع لجماعة الإخوان المسلمين التي تربّى في أحضانها، ولحركة حماس التي هو أحد مؤسّسيها، ممّا عرّضه إلى السّجن والإبعاد جراء ذلك. ويأتي نقده من باب اطّلاعه على قضايا وتفاصيل لا يعرفها كثيرون، ويهاجم انحرافات ولصوصيّة من يسمّيهم ” راسبي التوجيهي أو خريجي جامعة الخرطوم من المتأسلمين الجدد” المسؤولين عن مآسي قطاع غزّة بعد اختطافه في انقلاب عام 2007.
والدّكتور خضر محجز والد الشّهيد عمرو يصرخ بصوت عال محذّرا من الأسوأ القادم، لكن يبدو أنّ أصحاب القرار لا يسمعون ولا يتّعظون، ومستمرّون في غيّهم وضلالهم، فإلى متى ستبقى صرخات الدّكتور محجز كرصاصة في فضاء لا متناه؟
أمّا الرّجل الثّاني الذي عرفته من خلال كتاباته وتحليلاته السّياسيّة فهو الدكتور أحمد يوسف صالح، والذي سمعت به أوّل مرّة عندما عيّنه اسماعيل هنّية مستشارا له، وهو سياسيّ معتدل وصاحب فكر مستنير أيضا، كرّس كتاباته للدّفاع عن حمّاس في محاولة منه لتزيين سياستها وتسويقها، وفي الأسابيع القليلة الماضية شرع الرّجل في انتقاد سياسات الحركة بعد أن استفحلت سياساتها العمياء التي أوصلت قطاع غزّة إلى حافّة الهاوية، ولم يعد الرّجل يطيق السّكوت على الأخطاء المتراكمة، كما أنّه لم يتخلّ عن قناعاته الفكريّة، لكنّه حريص على التّصحيح، لذا فإنّه كتب:
” إيماني بالفكرة لا يعني السكوت عن المتاجرين بها.” وهو يحذّر من الإنهيار القادم:” إذا تدحرجت العربة إلى قعر الوادي، فلا تجدي الاستغاثة ولا تنفع صرخات التحذير.” لكن يبدو أن تحذيراته “كمن ينفخ في طبل مخزوق.”
29-5-2019