منذ حوالي ربع قرن هناك من يتحدّثون عن “الصّحوة الاسلاميّة” الجديدة، التي ستبني للأمّة أمجادها، وتعني:” الصَّحْوَةُ الإِسْلاَمِيَّةُ : الوَثْبَةُ ، اليَقَظَةُ”، ويرى بعض الدّارسين أنّ “الصحوة الاسلاميّة الحديثة” بدأت عام 1970 كما جاء في موسوعة “وكيبيديا”، وهذا تأريخ خبيث يقرن الصّحوة بوفاة زعيم الأمّة العربيّة جمال عبد النّاصر، وكأنّ عبد النّاصر كافر حارب الاسلام، وقد نختلف مع عبد النّاصر في اعدامه لسيّد قطب، لكنّنا لا نختلف معه في دعمه لحركات التّحرر العربيّة وفي افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينيّة، واصلاحته الدّاخليّة باعادة توزيع الأرض على الفلاحين، وفتح المدارس والجامعات أمام الفقراء، وتصنيع مصر وبناء السّدّ العالي، وغيرها، ومع أنّ لعبد النّاصر أخطاءه، إلا أنّ اصلاحاته لا ينكرها إلا جاحد، وهنا نستذكر شهادة المرحوم الهضيبي مرشد الاخوان المسلمين الأسبق التي بثّتها الجزيرة كشهادة على العصر، حيث قال:” كنت في السّجن، عندما توفّي عبد الناصر، وقد بكيته لأنّه على الأقلّ لم ينهب أموال الشّعب المصريّ، ولم ينتهك أعراض المصريّات.”
لكن لا أحد يستطيع أن يفهم ما قاله الشّيخ محمد متولي الشّعراوي:” لقد صلّيت ركعتي شكر لله لهزيمة الجيش المصريّ في حرب حزيران 1967″ وذلك لخوفه من الشّعبيّة الجارفة لعبد النّاصر لو انتصر في تلك الحرب، وقد اعتذر الشّعراوي عن ذلك عندما عيّنه الرّئيس السّادات وزيرا للأوقاف عام 1977 عندما زار اسرائيل. فكيف يمكن تفسير موقف الشّعراوي الذي فرح وازداد “ايمانه” لهزيمة جيش بلاده وأمّته، ووقوع جزء من وطنه تحت الاحتلال؟
والكلّ يذكر كيف ارتمى الاسلاميّون في حضن السّادات للقضاء على الفكر النّاصري وانجازاته، ورمى نفسه في أحضان أمريكا ظنّا منه أنّ أمريكا قادرة على مشاكل مصر كافة، متناسيا حلفها الاستراتيجي مع اسرائيل.
ونظرا لانغلاق “المتأسلمين الجدد” الثقافي، وعدم ادراكهم لطبيعة الصّراعات الدّوليّة، ومدى تأثيراتها وانعكاساتها على المنطقة العربيّة والاسلامية، فقد تجنّدوا مع المعسكر الغربي الذي تقوده أمريكا لمحاربة السوفييت والمعسكر الاشتراكي، وكانوا يطربون لسماع المصطلح الأمريكي بأنّهم “الدّرع الواقي من خطر الخطر الشّيوعي.”
صراع الحضارات:
وبعد انهيار الاتحاد السّوفييتي في بداية تسعينات القرن العشرين، وانتهاء ما كان يعرف بالحرب الباردة، وما تبع ذلك من صراع حضاريّ، وتوجيه السّياسات والاعلام الغربيّ “لشيطنة الاسلام والمسلمين” إلا أنّ ذلك لم يثن “المتأسلمين الجدد” عن تحالفهم بقصد ودون قصد مع المعسكر الغربيّ وحلفائه من أنظمة المنطقة، ، فكانوا رأس الحربة في اشعال نار الفتنة والطائفيّة في أكثر من موقع، كما حصل في الصّومال، أفغانستان، الجزائر وغيرها. وشاركوا بدور فاعل في قتل مئات الآلاف من العرب والمسلمين. وهلّلوا لاحتلال العراق وتدميره.
الطّائفيّة:
لكن الأخطر من ذلك هو الاستجابة للفرز الطّائفي الذي نشرته أمريكا وحلفاؤها في حلف النّاتو والصهيونيّة العالمية، لاعادة تقسيم المنطقة العربيّة لدويلات طائفيّة متناحرة، حسب المشروع الأمريكي” الشّرق الأوسط الجديد” وتجلّى ذلك بظهور الصّراع بين “الشّيعة والسّنّة، مسلمين ومسيحيّين، أزيديّين، علويّين ودروز وغيرها.” وظهرت على السّاحة جماعات جديدة، كداعش وأخواتها، مدعومة بمال البترول العربيّ، وسلاح وتدريب حلف النّاتو. لتشعل حروبا هدفها تدمير مراكز الثّقل العربيّ، تمهيدا للتّقسيمات الجديدة، وهذا ما شاهدناه ونشاهده في السّودان، سوريا، العراق، الصّومال، ليبيا، اليمن، مصر، لبنان وغيرها. ولا يفهم من هذا الدّفاع عن طواغيت الأنظمة الدّكتاتوريّة، والمظالم التي يلحقونها بشعوبهم وأوطانهم.
لكن هذا ما يفعله “المتأسلمون الجدد” –مع الأسف-، وللوقوف على بعض الحقائق دعونا نتساءل: لمصلحة من جرى ويجري قتل وتشريد المسيحيّين والأزيديّين وغيرهم من المواطنين الأصليّين في سوريّا والعراق؟ وما الهدف من تدمير كنوز الثّقافة والآثار العربيّة والاسلاميّة؟ ولمصلحة من يجري استنزاف الجيوش العربيّة؟ ومن المستفيد من قتل وتهجير المدنيّين في سوريّا، العراق، اليمن، ليبيا، الصّومال، مصر، لبنان وغيرها؟ ومن الرّابح من تدمير البنى التّحتيّة في هذه البلدان؟ وهل حلف الأطلسيّ معنيّ باقامة دولة اسلامية؟ ولماذا يُخرج المتأسلمون الجدد” النّصوص الدّينيّة عن سياقها؟ وكيف يعودون لسياسة الرّقيق والسّبايا بعد انتهائها؟ ولماذا يقدّسون أقوال بشر يخطئون ويصيبون، وهم يعلمون أن لا مقدّس في الدّين غير كتاب الله والسّنّة الصّحيحة؟ ولماذا يحيّدون العقول باغلاقهم باب الاجتهاد، وهم يؤمنون بأنّ الاسلام دين الله يصلح لكلّ زمان ومكان؟ وهل يدركون أنّهم بأفعالهم هذه يستعدون العالم على الاسلام والمسلمين؟ والحديث يطول.
20-2-2016
مبروك جميل موقع رائع
ان الاسلام لا علاقة له بادارة البلاد ولا بتنظيم ولكن قيم الدين و الوحدانية هي حدود يرسمها دستور السعب لكي لا تتناقض القيم مع روح الدستور لي عودة دمت بود