بدون مؤاخذة: التّكيّف والتّهجير

ب

 جاء في كتاب بنيامين نتنياهو الصادر بالإنجليزيّة عام ١٩٩٤   وترجم إلى العربيّة تحت عنوان ” مكان تحت الشّمس” أنّ العرب يرفضون كلّ شيء يِعرض عليهم، ولا يلبثون أن يتكيّفوا معه، فمثلا قبل حرب حزيران ١٩٦٧ كانوا يطالبون بالقضاء على إسرائيل، وبعد الحرب صاروا يطالبون بالانسحاب من الأراضي الّتي احتلّت في تلك الحرب” وبعد تأكيده بأنّ إسرائيل ان تسمح بقيام دولة ثانية بين النهر والبحر، وأنّها لن تنسحب من أيّ شبر سيطر عليه الجيش الإسرائىلي عاد إلى “نظريّة التّكيّف العربيّ” وقال ” وإذا ما احتلّينا مرتفعات السّلط في الأردن فإنّ العرب سينسون الأرض التي سيطرنا عليها في حرب العام ١٩٦٧م وسيطالبون بالانسحاب من مرتفعات السّلط!

ومن المعروف أن الأنظمة العربيّة ظلّت تطالب بحق عودة اللاجئين الفلسطينيّين إلى ديارهم التي شُرّدوا منها في نكبة العام ١٩٤٨ متّكئين على قرار الأمم المتّحدة رقم ١٩٤. وصار البعض يطرح حلّ الدّولة الواحدة على حدود فلسطين التّاريخيّة وكأنّهم ينصبون فخّا لإسرائيل معتمدين على نسبة التّكاثر الفلسطينيّة. وفي المقابل كانت إسرائيل وبدعم أمريكيّ تستوطن الضّفّة الغربيّة بجوهرتها القدس الشّريف ومرتفعات الجولان السّوريّة المحتلّ، وكانت إسرائيل وأمريكا تخطّطان لإسرائيل الكبرى وتديران الصّراع بحنكة وذكاء مقابل الجعجعة العربيّة، وتجلّى ذلك بمشروع الشّرق الأوسط الذي أعلنت عنه وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة كونداليزا رايس عام ٢٠٠٦ في بيروت أثناء حرب اسرائىل على لبنان وقتذاك. وعندما وصل ترامب إلى الرئاسة الأمريكيّة  في ولايته الأولى عام ٢٠١٦ بدأ بتطبيق خطط نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة، فنقل السفارة الأمريكيّة من تل أبيب إلى القدس، وفرض ما سمّاه السّلام الإبراهيمي على الدّول العربيّة فاستجابت له أربع دول بشكل علنيّ ” الإمارات، البحرين، المغرب والسّودان”فطبّعت وأقامت علاقات مع إسرائيل، في حين اكتفت دول عربيّة أخرى بالتطبيع والتنسيق الأمني مع إسرائيل بشكل شبه سرّيّ. وقامت إدارة ترامب بإغلاق مكتب منظّمة التّحرير الفلسطينيّة في واشنطن، وقطعت التّمويل المالي للسّلطة الفلسطينيّة وعن المنظّمات الدّوليّة التي تدعم الحقّ الفلسطيني. وفي الوقت ذاته شرّعت حكومة نتنياهو اليمينيّة المتطرّفة قوانين القوميّة والتي اعتبرت إسرائيل دولة اليهود فقط، وسارعت في الاستيطان ومصادرة الأراض العربيّة في الضّفّة الغربيّة، وإطلاق قطعان المستوطنين ليعيثوا في الضّفة الغربيّة كما يشاؤون وتحت حماية الجيش الإسرائيلي، وزادت الانتهاكات للأماكن المقدّسة وفي مقدّمتها المسجد الأقصى.

التّهجير

وعندما استلم ترامب الرئاسة الأمريكيّة للمرّة الثّانية في يناير الماضي، أطلق يد إسرائيل لتعمل ما يحلو لها، وزوّدها بالأسلحة التّدميريّة الهائلة؛ لتلقي بجحيم نيرانها على قطاع غزّة تماما مثلما توعّد به ترامب؛ وليجد ترامب حجّة أن قطاع غزّة لم يعد صالحا للعيش. وبالتآلي طرح ترامب عمليّة تهجير الفلسطينيّين من قطاع غزّة ليعمل منه “ريفيرا” وفي الوقت نفسه قامت إسرائيل بحظر وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيّين.  وهذا هو سلام القوّة الذي رفع شعاره ترامب، أيّ أنّ السّلام هو كيفما تريده أمريكا وإسرائيل بغضّ النّظر عن القانون الدّولي وقرارات الأمم المتّحدة، ولوائح حقوق الإنسان العالميّة. وعودة إلى نظريّة نتنياهو حول” التّكيف العربيّ” فقد اكتفت الأنظمة العربيّة برفض التّهجير إعلاميّا، وإن كان بعضها شريكا به و”متكيّفا” معه من باب عدم الخروج على بيت الطّاعة الأمريكيّ، وكما تبجّح نتنياهو بأنّه غيّر وجه الشّرق الأوسط، فهذه بداية تطبيق مشروع الشّرق الأوسط الجديد الّذي سيعيد تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة  وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيوني التّوسّعيّ، ولا يزال الانقسام الفلسطينيّ والصّراع على سلطة تحت الاحتلال قائما، والضّحيّة هو الشّعب الفلسطينيّ وحقوقه العادلة. والحديث يطول.

٧-٤-٢٠٢٥

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات