جميل السلحوت
معروف أنّ فلسطين مهد الدّيانات السّماويّة، وهي بلاد التّعدّديّة الثّقافيّة، وشعبها في غالبيّته من المسلمين، وهناك مسيحيّون من أبناء شعبنا، وهم عرب مثلنا، وبالتّالي هم ليسوا أقلّيّة قوميّة، وإن كانوا أقلّيّة دينيّة، وهم متساوون في الحقوق والواجبات، لهم ما لإخوانهم المسلمين من حقوق، وعليهم ما عليهم من واجبات.
والدّيانة المسيحيّة سبقت الدّيانة الإسلاميّة بحوالي سبعة قرون، وعندما فتح المسلمون القدس في عهد عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه-، واستلم مفاتيح المدينة من البطريرك صفرونيوس، ووقّع معه العهدة العمريّة، الّتي نصّت في أحد بنودها على الحفاظ على الكنائس والأديرة لا ينتقص منها ولا من حيّزها، ورفض الصّلاة في كنيسة القيامة كي لا يتّخذها المسلمون مسجدا، وخرج من الكنيسة وصلّى خارجها.
وقبل ذلك عند الفتح الإسلاميّ لمصر، أقرّوا للأقباط وهم مسيحيّون بحرّية العبادة والحفاظ على دور عبادتهم. والدّولة الإسلاميّة في مختلف عصورها كان من مواطنيها مسيحيّون ويهود،” فالدّين لله والوطن للجميع”.
من هنا، فإنّ الكنائس والأديرة والكنس أيضا هي إرث حضاريّ لشعبنا، مثلها مثل المساجد والزّوايا والتّكايا، والحفاظ عليها واحترام أتباعها فرض عين على كلّ مواطن. وقد حدّثني أكثر من شخص زاروا ماليزيا وهي دولة إسلاميّة، بأنّ مرافقيهم المسلمين كانوا يصطحبونهم لزيارة معبد بوذيّ قديم ومشهور في العاصمة، ويفاخرون بأنّه دليل على حضارتهم وإرثهم الحضاريّ.
وبما أنّ المسجد الأقصى جزء من عقيدة المسلمين وأحد أقدس مقدّساتهم كونه قبلتهم الأولى، وأحد المساجد الثلاث الّتي تشدّ إليها الرّحال، فإنّ كنيسة المهد في بيت لحم، وكنيسة القيامة في القدس، من أقدس مقدّسات أتباع الدّيانة المسيحيّة.
وللمسلمين عيدان في السّنة هما عيد الَأضحى وعيد رمضان، وللمسيحيّين عيدان أيضا هما عيد الميلاد وعيد الفصح، ولهم عيد آخر له أصول دينيّة هو” عيد العنصرة” ويأتي بعد عيد الفصح بخمسين يوما. وما تبقّى من أعياد إسلاميّة ومسيحيّة هي بِدَع احتفاليّة تأخذ طابعا دينيّا. والسّؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا يتمّ تثقيف الشّعب على اعتبار العيدين الإسلاميّين والعيدين المسيحيّين أعيادا وطنيّة، يحترمها أبناء الشّعب بمسلميهم ومسيحيّيهم، ويهنّئ كلّ منهما الآخر بعيده؟ وهل هناك خوف على المسلم الّذي يحترم دور عبادة المسيحيّين وأعيادهم أن يرتدّ عن دينه ويتبع الدّيانة المسيحيّة؟ والعكس صحيح أيضا، فهل المسيحيّ الّذي يحترم دور العبادة الإسلاميّة وأعياد المسلمين يمكن أن يرتدّ عن دينه ويتّبع الإسلام؟
ويبقى السّؤال الأهمّ: لمصلحة من التّعصّب الدّينيّ الأعمى؟ ومن الّذي يستفيد منه؟
٣١-١٢-٢٠٢٥










