بداية أؤكد على ضرورة الإلتزام بتعليمات الجهات الصّحّيّة للحماية قدر المستطاع من وباء كورونا القاتل، ومع تعاطفي الشّديد مع ذوي الدّخل المحدود -وأنا منهم طبعا- لكنّني أتعاطف أكثر مع الكادحين الذين يعيلون أطفالا وتوقّفت مداخيلهم، وكذلك مع أبناء شعبي في قطاع غزّة الذين يحاصرهم العرب والعجم منذ العام 2007، وتعرضّوا لثلاث حروب مدمّرة، ويعيش غالبيّتهم على حافّة المجاعة، وأيضا مع اللاجئين من مختلف الشّعوب الذين تشتّتوا في بقاع الأرض، ولا أنسى أسرانا الذين يعيشون في ظروف لا إنسانيّة خصوصا النّساء والمرضى والأطفال والمسنّين منهم.
أمّا أنا فإنني لم يتغير عليّ شيء، ومع إيماني بمقولة “على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة”، إلا أنّ الحياة والموت عندي متساويان، وكما قال الرّاحل الكبير سميح القاسم في أيّامه الأخيرة:” أنا لا أحبّك يا موت لكنّي لا أخافك”. لكن اللافت حقيقة هو الحملة الإعلاميّة المبرمجة “بأنّ كورونا قاتلة للمسنّين دون غيرهم، خصوصا إذا كانت لديهم أمراض مزمنة”!، لكن ما يحزنني وما يغضبني هو ما تتناقله وسائل الإعلام بأنّ المستشفيات في كثير من الدّول لا تقدّم العلاج ومنه التّنفّس الإصطناعي للمسنّين، وأكثر ما يقدّمونه لهم هو تخديرهم؛ ليموتوا دون ألم وصراخ، وكأنّهم يطبّقون عليهم مقولة “الموت الرّحيم”.
وسأبوح لكم بسرّ أنّني في “زمن الكورونا” هذا، وما يستدعيه من حجر صحّيّ، وعدم الخروج من البيت، فإنّي أستغلّ وقتي بالتّركيز على المطالعة، وفي فترة الرّاحة أحاول الكتابة، وفي هذه المرحلة أكتب الجزء الثّاني من روايتي “الخاصرة الرخوة” الصّادرة بداية هذا العام عن مكتبة كل شيء في حيفا ولقيت إقبالا واسعا، وكُتبت عنها عشرات المقالات. كما أكتب رواية أخرى لليافعين. ولا أنقطع عن المطالعة والكتابة سوى في ساعات قليلة عندما يطرق باب بيتي أحد الأقارب، من غير المؤمنين بأنّه قد يحمل الفيروس اللعين، ولا أملك إلا أن أستقبله، فأنا محكوم لكثير من العادات والتّقاليد التي يجلب التّمرّد عليها خصومات أنا في غنى عنها. وقد يضحك البعض عندما أقول أنّ جائحة كورونا قد أعطتني-غير مشكورة- وقتا إضافيّا للمطالعة وللكتابة. وأنا لا أشكرها هنا لأنّها جلبت المتاعب لملايين البشر، وقتلت وستقتل مئات الألوف، لكنّني سأعود لأشكرها من قلبي عندما ينتهي هذا الفيروس، لأنّها ستأتينا بنظام عالميّ جديد، وفي كلّ الحالات سيكون أفضل من النّظام العالميّ الحاليّ الذي يتعامل فيه الرئيس الأمريكي ترامب مع البشر كصفقة تجاريّة.
17-4-2020