زيارة بومبيو وزير الخارجية الأمريكية لإسرائيل، وما سبقها وما سيتبعها من حماقات الإدارة الأمريكية وحكومة اليمين المتطرف في اسرائيل، تعيد إلى الأذهان ما قاله الرئيس المصريّ الأسبق أنور السادات “بأن 99% من أوراق حلّ الصّراع في الشّرق الأوسط بيد أمريكا”، لكن هذه المرّة بشكل معكوس، فأمريكا التي نصّبت نفسها شرطيّا على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومجموعة الدول الاشتراكية في بدايات تسعينات القرن العشرين، شنّت حروبها اللامتناهية لترسيخ نفوذها على العالم، وبخصوص القضيّة الفلسطينيّة فإنّها استغلت ضعف وانهيار النظام العربي الرسميّ، لتحقيق الحلم الصهيوني بالتّوسّع اللامحدود، وسيطرة اليمين المتطرف بقيادة نتنياهو على الحكم في اسرائيل، دفعت الرئيس الأمريكي ترامب أن يرضخ لإملاءات نتنياهو، ليخرج في مواجهة مع العالم جميعه في تخطي القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدّولي بخصوص القضيّة الفلسطينيّة، فجاءنا بما أسماه “صفقة القرن” التي لن تتمخض إلا عن حروب لا نهاية لها، وبهذا فإنّ أمريكا تؤكّد من جديد أنّها تملك 99% من أوراق تأزيم الصّراع، وأنّها المسؤول الأوّل عن استمرار احتلال اسرائيل للأراضي العربية، وأنّها أي أمريكا مصرّة على إدخال المنطقة في صراعات دامية لن تنجو من لهيبها شعوب ودول المنطقة جميعها، وهذا لن يكون في مصلحة اسرائيل قبل غيرها. فهل هذا الإنحياز الأمريكي الأعمى لإسرائيل يندرج تحت مقولة “من الحبّ ما قتل”؟
في اسرائيل نفسها هناك من يعقلون أكثر من نتنياهو ومن ترامب، ولهذا فإنّهم يدركون بأنّ “صفقة ترامب – نتنياهو” لن تجلب لهم إلا القتل والدمار.
وترامب ونتنياهو يؤكدان من جديد أنّ القوى الامبرياليّة لا تتعلم من التّاريخ، وبالتّالي فإنّها تتخلى عن العقل والحكمة، وتعتمد على القوّة العسكريّة، وشعارها الدّائم” ما لا يمكن حلّه بالقوّة يمكن حلّه بقوّة أكبر.”
وتتناسى أنّ القويّ لا يبقى قويّا، وكذلك الضّعيف لا يبقى ضعيفا. ويبدو أن ترامب الذي يتعامل مع الصّراعات والقضايا الدّوليّة كصفقات تجاريّة يتخبّط أمام الإقتصادات العالميّة الصّاعدة بسرعة صاروخيّة مثل الصين والهند وغيرهما، والتي ستحجّم الإقتصاد الأمريكيّ.
وواضح أنّ ترامب لا يلتزم بالعهود والمواثيق الدّوليّة، فقد ألغى الإتّفاق النووي مع ايران رضوخا لرغبات نتنياهو، ويقوم بمحاصرة ايران وغيرها، وأظهر عجز إدارته أمام جائحة كورونا، وبات عاجزا أمام التّغيرات الإقتصاديّة العالميّة، والتي ستقود إلى تغيّرات في موازين القوى العالميّة وإلى ترسيخ نظام دولي جديد، وعجزه هذا وعدم استيعابه لتطوّر الشّعوب والدّول قد يدفعه لافتعال حروب إقليمية قد تقود إلى حرب كونيّة. فهل ستنطلق شرارة هذه الحرب بهجوم اسرائيلي على ايران؟ وهل أطماع نتنياهو التّوسّعيّة ستقلب السّحر على السّاحر وتجعل اسرائيل تحفر قبرها بيدي ترامب ونتنياهو؟ فالتّطرّف دائما يقود إلى الانتحار. ومهما تطورت الأحداث فإنّ التّاريخ سيسجّل بأنّ رئاسة ترامب لأمريكا ورئاسة نتنياهو للحكومة الإسرائيلية كانت وبالا على دولتيهما وشعبيهما قبل غيرهما.
وما نبوءة هنري كسينجر ثعلب السياسة الأمريكية بانتصار أمريكا واسرائيل في حرب كونية قادمة، إلا نبوءة سياسي خَرِف. لأنّ هكذا حرب قد تقضي على الحياة في الكرة الأرضية، ولن تبقي من ينتصر فيها، لكن “المشيح” الذي يؤمن ترامب ونتياهو بعودته ليقيم مملكة يهودا تمهيدا لقيام السّاعة لن يأتي.
14-5-2020