تعجّ صفحات التّواصل الاجتماعيّ بالتّهاني والتّبركات للأمّهات بمناسبة ما يسمّى عيد الأمّ، والغالبيّة العظمى من “المهنّئين المباركين” لا يعلمون كيف صار هذا اليوم “عيدا للأمّ” وللتّذكير فقط فإنّ أوّل من خصّص يوما للأمّ هو الرّئيس لأمريكي ويلسون عام 1914، وأصدر مرسوما رئاسيّا بذلك وخصّص له يوم الأوّل من أيّار من كلّ عام. وقلّده العالم بذلك.
وفي 9-12-1955 كتب الصّحفيّ المصريّ علي أمين مقالا دعا فيه إلى تخصيص يوم للأمّ، بعد أن نشر رسالة من أمّ مصريّة تشكو فيه عقوق ابنها الذي ترمّلت عليه وهي في العشرين من عمرها وتعبت وشقيت في تربيته وتعليمه، واقترح أن يكون يوم 21 مارس وهو يوم بداية فصل الربيع عيدا للأمّ كلّ عام. وتلقّفت الفكرة السيدة زينات الجداوي “مقررة لجنة الخدمة العامة في جمعيّة المرشدات”، واتّصلت بالأزهر وبالأمين العام للجامعة العربيّة وغيرهما من المسؤولين، فرحّبوا بالفكرة.
لكنّ من اتّخذوا القرار ومن هتفوا لهم مقلّدين العالم الغربيّ، نسوا أو تناسوا أنّنا ورثة حضارة دعت إلى تكريم الوالدين مدى الحياة وبعد الوفاة. فقد جاء في القرآن الكريم” وَوَصَّيْنا الإنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْنًا” “سورة العنكبوت”. وجاء في سورة الإسراء:” وقضى ربّك ألا تعبدوا إلا إيّاه وبالوالدين إحسانا” وجاء في سورة لقمان:” أن اشكر لي ولوالديك إليّ المصير”، وجاء في سورة الأحقاف:
“وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا.” وجاء في الحديث الشّريف:” عن أبي هريرة
قال: جاء رجل إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله، من أحق النّاس بحسن صحابتي؟ -يعني: صحبتي، قال: أمّك قال: ثم من؟ قال: أمّك، قال: ثم من؟ قال: أمّك، قال: ثم من؟ قال: أبوك.” متّفق عليه. بل إنّ الأبناء مطالبون ببرّ والديهم بعد موته، وقد جاء في الحديث النّبويّ الشّريف:” عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِذَا مَاتَ ابنُ آدم انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.” رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وللمحتفلين بعيد الأمّ هل طاعة الأمّ وبرّها تقتصر على يوم واحد في السّنة؟ وماذا بالنّسبة للأيّام الأخرى؟ وأيّهما أولى وأحقّ بالتمسّك به التّمسّك بحضارتنا وثقافتنا أم تقليد العالم الغربيّ؟
21-3-2023