القدس:22-4-2010من جميل السلحوت: عن منشورات مركز أوغاريت الثقافي في رام الله صدرت في الايام القليلة الماضية رواية(المسكوبية)”فصول من سيرة العذاب”للكاتب والصحفي الفلسطيني أسامة العيسة،وقد كانت الرواية هذا المساء على طاولة النقاش في ندوة اليوم السابع الاسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس.
بدأ النقاش مشرف الندوة جميل السلحوت فقال:
وفي هذا الابداع الجديد لأديبنا أسامة العيسة المولود، والمقيم في مخيم الدهيشة قرب بيت لحم،تصوير لواقع التحقيق والتعذيب التي يعيشها المعتقلون الفلسطينيون في أقبية المعتقلات الاسرائيلية،وفي المسكوبية كنموذج لذلك،وقد سرد لنا الكاتب تجربته الشخصية في المسكوبية متطرقا الى جوانب من تجارب رفاق آخرين التقاهم في المعتقل،والمسكوبية هي نسبة الى (المسكوب)وهو الاسم الذي يطلقه عامة الناس على الروس،ويعود تاريخ المسكوبية (الى العام 1857م،بناه الروس كمجمع للمصالح الروسية،يضم نُزلا للحجاج الذين يجدون فيه كل شيء،من المستشفى الى الكنيسة وحتى المحكمة والسجن،وجميعها أبنية فخمة ذات هندسة معمارية مميزة،بنيت من الحجارة المحلية)ص48وعندما احتل البريطانيون فلسطين في الحرب العالمية الأولى،ووصل الجنرال البريطاني القدس في 9-12-1917،اعلن بسط الاحتلال على فلسطين من قلعة باب الخليل،وجاء في كلمته”الآن انتهت الحروب الصليبية”ص52،وكانت الثورة البلشفية قد قامت في روسيا في السابع من نوفمبر ذلك العام(ووضع البريطانيون ايديهم على الأملاك الروسية في فلسطين،ومن بينها تلك الدرة المسكوبية،التي تحولت الى أحد المراكز الأمنية للاحتلال الجديد،واضحت سجنا استقبل أفواجا جديدة من المثقفين والسياسيين ورجال الدين المسيحيين وعلماء الدين المسلمين،ورموز الحركة الوطنية”.ص53ومن بين من اعتقلوا فيها المفكر الفلسطيني الراحل نجاتي صدقي الذي كتب وصفا لها في مذكراته،وكذلك الثائران ذائعا الصيت ابو جلدة والعرميط اللذان تم اعدامهما فيها في العام 1932،وعندما رحل الانجليز عن فلسطين في 15-5-1948وأعلن بن جوريون قيام اسرائيل،سلموا المسكوبية كبقية المقرات الأمنية والمعسكرات الى اسرائيل التي واصلت استعمال المسكوبية كمركز أمني،ومكان اعتقال وتحقيق.
وأديبنا أسامة العيسة الذي اعتقل في آذار 1982وهو طالب في المرحلة الثانوية،وتعرض لتحقيق قاس جدا،لم يفوت هذه المرحلة التي اختمرت في عقله،ولا يمكن أن تمحى من ذاكرته،كونها ارتسمت عذابات جسدية ونفسية عليه،ارتأى أن يصدرها في عمل روائي،ويبدو أنه اختزنها على أمل تدوينها ونشرها بعد انتهاء المرحلة،لكن الاحتلال الذي طال أمده الى ثلاثة وأربعين عاما ولا يزال، قد حرض بممارساته القمعية واستمراره في اعتقال آلاف الفلسطينيين ذاكرة أديبنا كي تبوح بذكرياته الأليمة عن الأعتقال،وهنا يجدر التذكير بأن الكتابة عن الأسرى وعن الاعتقالات والسجون الاسرائيلية ليست جديدة في التاريخ الفلسطيني، فقد سبق وان كتب عنها الدكتور أسعد عبد الرحمن في بداية سبعينات القرن الماضي(يوميات سجين)كما صدرت مجموعة قصص(ساعات ما قبل الفجر) للأديب محمد خليل عليان في بداية ثمانينات القرن الماضي، و(الزنزانة رقم ..) لجبريل الرجوب، وروايتا(ستائر العتمة ومدفن الأحياء)وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي،و(تحت السماء الثامنه)لنمر شعبان ومحمود الصفدي،وكتاب(رسائل لم تصل بعد ومجموعة سجينة القصصية)للمرحوم عزت الغزاوي،وكتاب(الاعتقال والمعتقلون بين الصمود والاعتراف) للنائب حسام خضر، وفي السنوات القليلة الماضية صدر كتابان لراسم عبيدات عن ذكرياته في الأسر وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن،وكذلك آلاف القصائد والقصص والخواطر والمقالات المتناثرة في مختلف الصحف والمجلات، كما أن أدب السجون والكتابة عنها وعن عذاباتها معروفة عالمياً أيضاً.
فالكتاب والأدباء الفلسطينيون ذاقوا مرارة التحقيق والاعتقال كغيرهم من أبناء شعبهم،حتى يكاد المرء لا يجد واحدا منهم لم يعتقل بدءا من الراحل الكبير محمود درويش،والراحل توفيق زياد،والشاعر الكبير سميح القاسم….الخ فالقائمة طويلة.
وأديبنا أسامة العيسة في عمله هذا يقدم لنا روايته عن الأسر بأسلوب روائي،استخدم فيه اسلوب الاسترجاعflash back وبلغة أدبية رغم أن الموضوع لا يحتمل البلاغة،لكن مرور الزمن ما بين الاعتقال والتدوين،وصقل تجربة الكاتب بدخوله معترك الحياة أدبيا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا وحياتيا أملت عليه أن يبدع عملا روائيا رائعا رغم مرارة مذاق المضمون،لم يخلُ من السرد الذي جاء أحيانا على شكل أخبار أو تحقيقات صحفية،وهذا لا ينتقص شيئا من مقام وهيبة البناء الروائي الذي جاء متناسقا ومشوقا، رغم ما يحتويه من عذابات أشخاص،هي في الواقع عذابات شعب.
وهذا العمل الابداعي يمكن أن ندرجه ضمن الروايات التسجيلية،ففيه تأريخ،وفيه شهادات حية،لأشخاص منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر.
واللافت أن أديبنا لم يسرد أحداثا ووقائع جامدة فقط،بل تطرق الى نفسية المعتقل وصراعاته الداخلية في مختلف المراحل والتجارب التي يمر بها كصاحب حق وصاحب قضية(لا يوجد خلاص لك من زنزانتك الا ان تكون نفسك،صاحب قضية،تريد ان تنتصر على محقق يجب ان تراه مجرد خادم يدافع عن قضية خاسرة)ص41وشاء قدر الكاتب ان يعتقل في المسكوبية التي (تميزت بأنها الأسوأ في انتهاك حقوق الأسرى الفلسطينيين،وما لبثت ان حازت على صفة”المسلخ”التي اطلقها عليها الأسرى)ص57فهل كانت المسكوبية مسلخا حقا؟نعم انها كذلك ففيها استشهد قاسم ابو عكر تحت التعذيب بتاريخ23-3-1969 وفيها استشهد أمون النوري في نيسان 1982،وفيها استشهد آخرون،وفيها أعدم الانجليز العرميط وأبو جلدة في العام 1932.
وفي الرواية حديث عن أساليب التعذيب الجسدي مثل الضرب المبرح على كافة أعضاء الجسم بما فيها الاعضاء التناسلية،والشبح لأيام،وتقييد الأيدي وترك المعتقل يتبول في ثيابه دون السماح له بقضاء حاجاته الانسانية،وما يصاحب ذلك من عذابات نفسية،وترك المعتقل في زنازين ضيقة ومعتمة لا يعرف ليله من نهاره،وإضاءتها بمصابيح صفراء خافتة لتدميره نفسيا،
ووضع المعتقلين أمنيا مع المعتقلين الجنائيين.
وفي الرواية حديث عن جريمة اليهودي الاسترالي غولدمان الذي أطلق النار على المصلين في باحات المسجد الاقصى في نيسان 1982،مما أدى الى استشهاد ثلاثة واصابة العشرات بجراح،واعتقال المئات،الذين اقتيدوا الى المسكوبية للتحقيق والاعتقال،وهنا يظهر مدى استعداد الفلسطينيين لافتداء الأقصى بمن في ذلك السجناء الجنائيون.
والقارئ للرواية ممن كانت له تجربة الاعتقال خصوصا في المسكوبية،سيعيش واقع الاعتقال من جديد،وسيجد ان الكاتب لم يبالغ في شيء،ولم يتخيل شيئا،بل كتب واقعا عاشه،كتبه بلغة أدبية رشيقة وبعاطفة صادقة،فتحية للكاتب ودعواتنا للأسرى بالحرية.
وقال موسى ابو دويح:
ما أظنّ أنّ شعبًا من شعوب الأرض لديه عدد من المعتقلين السياسيّين يقارب عدد المعتقلين السياسيين الفلسطينيّين-على قلة عدد سكان فلسطين في الضفة الغربيّة وقطاع غزّة-. حيث بلغ عدد المعتقلين عشرات الآلاف. وتعتقل منهم سلطات الاحتلال الصهيونيّ لفلسطين يوميًّا بالعشرات بل بالمئات أحيانًا. وما أظن أن أدب السجون ظهر في أيّ دولة ظهوره عند الفلسطينيّين، ولا كتب عنه كما كتب الفلسطينيّون عن سجونهم المتعددة لدى سلطات الاحتلال الصّهيونيّ والمنتشرة في كلّ مكان من أرض فلسطين. وما أظنّ أنّ معتقلي أيّ بلد في العالم حصلوا على درجات جامعيّة، وهم قابعون في السّجون، كما حصل المعتقلون الفلسطينيون في سجونهم، وذلك لأنّهم أصحاب حقّ، ولأنّ مُدَدَ سَجنهم تعدّ بعشرات السنين وفي بعض الأحيان بالمئات؛ ولأنّ المعتقل يحكم عليه بعدد من المؤبّدات. وهذا ما يدعوهم إلى المطالعة والكتابة والتأليف.
وسلطات الاحتلال هذه لا تفرّق في اعتقالها بين رجل وامرأة، وبين شيخ فانٍ وطفلٍ رضيع. اسمع للكاتب يقول في روايته (صفحة 95): (اعترف إيتان بن موشيه بن إنيان بأنّه عندما كان في عصابة الإتسل، شارك في تنفيد مذبحة دير ياسين (عام 1948) بإصدار الأوامر لأفراد عصابته بقتل المدنيّين، وعندما شاهد أطفالا أصيبوا، قال لأفراد عصابته: اقضوا عليهم، وإلا فالويل لنا إن كبروا ورَوَوْا ما شاهدوه) واعترف في الصّفحة التي قبلها بأنّه أمر بهدم بيوت حارة المغاربة على من فيها من رجال ونساء وأطفال واعترف أنّه قتل عددًا من الفلسطينيّين من سكان حارة المغاربة، وأنّهم دفنوا تحت الأنقاض، وكشف أنّه أعطى السكان ربع ساعة فقط ليغادروا منازلهم. فهل يحدث مثل هذه الجرائم أو قريب منها في بقعة بين بقاع العالم ؟!!!
إنّ يهود يريدون فلسطين أرضًا دون شعب، وكلّ ما يحقق لهم ذلك مباح بل واجب عليهم فعله، حتّى يثبتوا للعالم أنّهم وحدهم شعب الله المختار، وأنّ العالم سواهم لايستحقّ الحياة. هذه هي عقيدتهم، وهذا هو ما يعملون لتحقيقه.
لقد عانى الكاتب من ويلات الاعتقال، حيث اعتقل وهو طالب في المرحلة الثانويّة، أو قل وهو طفل في مرحلة الشباب، وقاسى من أصناف العذاب ما سطره في روايته “المسكوبيّة”، والتي يقول عنها في خطبة الكتاب صفحة15: (لم أفعل في هذا النّص الّذي وصلني من كاتبه المجهول، الّذي لا أعرف لماذا أختارني، لتحريره، غيرَ التأكد من المعلومات التوثيقيّة، وزيارة الأماكن الواردة في النّصّ….. حتّى يقول أخيرًا في صفحة 16: وفي النّهاية، هذا هو النّصّ، بعد أن لعبت فيه أصابعي)
فالكاتب يصرح في (صفحة 15) أنّ الرواية (المسكوبيّة) هي لكاتب مجهول، عهد إليه بنشرها، وجعل ذلك أمانة في عنقه. وقال وشطبت بعض المعلومات والأسماء، لظنّي، أنّ الوقت لم يحن للكشف عن معلومات قد تبدو أمنية، وتشكّل خطورة على أصحابها، وسمحت لنفسي بتمويه بعض الأسماء الحقيقيّة التي ترد في النّصّ، لأسباب مختلفة، وليعذرني صاحبه، الذي لم أجد طريقة للتواصل معه، بعد أن أودع صفحات مخطوطته، في رقبتي، بصمت ودون سابق معرفة، وغادر دون أيّة التفاتة، لي، أو للخلف، وكأنه يريد أن يتخلّص من ماضٍِ يؤرّقه)
ولقد دققتُ في أسلوب خطبة الكتاب البالغة ثماني صفحات، وهي بقلم الأديب أسامة العسية، وفي أسلوب بقيّة مواضيع الرواية الستة، 1.(غرفة رقم 12) 2.(دويلة المسكوب في القدس) 3.(ثلوج آذار) 4.(أبو العلم وآخرون) 5. (زميلي الإرهابيّ) 6. (مطر القدس)، فلم أجد فرقًا بين الأسلوبين، بل أكاد أجزم أنّ الأسلوب فيها جميعًا واحد.
تناول الكاتب في روايته أماكن من القدس بتفصيل دقيق حيث وصف منطقة باب العمود والمصرارة وشارع صلاح الدين وسور القدس والطريق الذي يصل بين مايسمونه القدس الغربية بالقدس الشرقية من شارع يافا الى باب العمود. واسهب كثيرا في الحديث عن باب العمود وذكر اسماءه الكثيرة مثل باب دمشق وباب نابلس ، وتاريخه وما فيه وما حوله من فلاحات يبعن الخضار والفاكهة التي يأتين بها من قراهن القريبة من القدس . ومن تدافع العمال العرب في المصرارة على سيارات ارباب العمل من يهود ، الذين يأتون المكان من أجل الحصول على عمال أومهنيين فنيين يقومون لهم بترميم بيوتهم أو بأي عمل يلزمهم .
الرواية التي بين ايدينا تناولت الزمان والمكان والشخوص، حيث أجاد الكاتب في وصف الامكنة وشخوص روايته على أختلافهم من شرطة ومحققين ورجال مخابرات يهود، ومن مناضلين معتقلين من العرب،مسلمين كأبي العلم ونصارى كأنطون (أبو محمد)وامون النوري .
وتناولت فترة الانتفاضة منذ بدايتها، حيث استفاد الكاتب من الاخبار التي كانت تنشرها الصحف المحلية عما يجري في كل مدينة أو بلدة أو قرية أوشارع من مدن وبلدات وقرى فلسطين،في ضفتها الغربية وقطاعها الغزي .
لغة الكاتب لغة فصيحة سليمة، تكاد تخلو من أي خطأ مهما كان نوعه. واسلوبه جميل سلس، ينتقل من حدث الى حدث دونما مقدمات، وهذا من شأنه أن يدفع السأم والملل عن القارئ فهو في (صفحة 37) يحدثنا عن خلافه الفكري مع أنطون؛ لانه اتهم أمامه أحد رجال الصف الاول بالمحاباة، ثم عن سفر أنطون للخارج للدراسة والعمل هناك مع المقاومة في عاصمة عالمية.ورؤيته له بعد ذلك في شارع صلاح الدين في القدس في سيارة عابرة لم تتوقف، ملوحا له بيده، أثناءعودته في اجازة صيفية. ثم عودة أنطون لاكمال دراسته في الخارج. وهناك يقضي نحبه في حادث سير مروع. ويعود للقدس جثة هامدة ويدفن في ثرى القدس بهدوء. ثم يقول: كان الشرطي الذي يقف خلف الكاونتر في مكتب الاحوال كثير التبرم، ثم اخرج ما يخصني من اغراض كالحزام ورباط الحذاء وبعض القطع النقدية، فاخذتها وخرجت من سجن المسكوبية. يقول الكاتب كل هذا في صفحة أو اقل. فهو يمزج بين الاحداث ويخلطها بطريقة رائعة تشد القارئ لمتابعة الرواية حتى أخرها.
وقال محمد موسى سويلم:
فصول من سيرة العذاب
رواية المعذبين في الأرض
في روايته (المسكوبية..فصول من سيرة العذاب)الصادرة في بداية نيسان2010 عن منشورات أوغاريت في رام الله، استعرض الأديب أسامة العيسة شسئا مما عانى ويعاني المعتقلون الفلسطينيون في أقبية المعتقلات الاسرائيلية، على ايدي ثلة من المجرمين وزنادقة الغاصبين لحرية الارض والانسان،البانين وطنا على ارث الكرامة والعزة والكبرياء، وعلى صمود الابطال الرافضين للهوان والمذلة والساعين لنيل الحرية .
( يطول الشبح ويصبح غير الممكن ممكنا، فالمشبوح الذي يمسك نفسه عن التبول يأخذ في نهاية الأمر عند اشتداد آلام المثانة قرارا لا اراديا باراحتها، ومثل كل الأمور تكون الصعوبة في البدايات ) ص69 نعم الصعوبة في البدايات فالنصر صبر ساعة كما يقال، وأما ما يقولة علماء النفس،وهذا ما أثبته العلم ايضا فان الانسان حين يضرب تكون الضربة الاولى مؤلمة جدا، ثم تخف حدة الألم الى ان يفقد الانسان في نهاية المطاف أحاسيسه، أو يفقد وعيه، أو يصبح الضرب وسيلة غير مجدية، ولا تؤتي أيّ فائدة منه.
المحقق (كان يتعامل مع المعتقلين باستهانة، ويشعر بأن لديه القدرة على هزيمة أيّ منهم، وعلى انتزاع الاعترافات خلال فترة وجيزة، وكان يشجعة على ذلك عدم عناية فصائل المقاومة باعداد أعضائها لتجربة التحقيق) ص72 ومتى كان التحقيق علما يدرس؟ ولكن مع مرور الزمن وتعاقب الاعتقالات وكثرة الذين كتبوا عن تجاربهم في المعتقلات، اصبح الكثير يعرف خبايا وأساليب كثيرة، على الأقل نظريا وانشاء الله لن يجربه أحد .
( استحالة دماء الشهداء الى ماء بين أيدي السياسيين ) ص75 ، يتساءل الكاتب من لهؤلاء؟ وماذا سيكتب التاريخ عنهم؟ وانا اضم صوتي الى صوته وأسأل من لهؤلاء؟ وهل سيصبحون أثرا بعد عين؟ وهل عظمتهم ….. قوتهم ….. حبهم لوطنهم ….. علاقاتهم …… تضحياتهم …. كل ذلك سيكتب قصصا للأجيال القادمة؟ وهل ستحفظ هذه الكتب على رفوف المكتبات أم ان انجازاتهم وصبرهم سيكون شيئا من الماضي؟ وشكرا لهم أم ماذا؟ كيف سنوفيهم حقهم المقدس؟ وكيف ستكتب أسمؤهم بأحرف من نور وذهب في وجدان وعقول كل ابناء المجتمع؟
عن ماذا تحدث الكاتب؟
- تحدث عن شهادات حية في التعذيب.
- نقل شهادة حية عن تدمير حارة الشرف باب المغاربة مسجد البراق.
- عن فروق الزمن في السجن وخارجه.
- تحدث عن مرحلة تاريخية في القدس هى حرب 1967 وعن دار البلدية وادارتها للوضع والاتصالات، وما آلت اليه الحرب، وعن دفن الموتى، وعن لقاء ابي عوض بقائده في عمان واعتراف القائد بالخطأ، وان الحرب لا تدار هكذا، وهذه شهادة لها مدلولاتها حسب رأي أبي عوض والقائد.
- روى عن النزوح الثاني 1967 وكيف ان البعض رفض النزوح، وآثر البقاء، والبعض زج بنفسه في نزوح آخر ولم يتعلم من التجربة الاولى.
- تحدث عن الارث التاريخي لباب العامود، أو باب دمشق، وأورد روايات حول التسمية وضياع العامود الأصلي، وعن الصراع بين الفلاحات الصابرات وشرطة ما يسمى بلدية القدس، ومصادرة البضاعة منهن.
- روى بمنتهى الروعة عن العلاقة الاجتماعية التي كانت سائدة في ذاك الزمن الجميل بين بائع الجرائد الذي اعتبرة عامودا دائما لباب العمود، ثم عرج الى الشاعر توفيق زياد والى القاص زكي العيلة، وعن الصراع الدائر بين الثقافات من الشيوعية ….. الى الاسلامية.
- روى عن أحداث اقتحام الحاقدين للمسجد الأقصى عام 1982 واطلاق النار، وسقوط اليماني وبدر شهداء، واصابة العشرات ونسبت الحادثة الى شخص معتوة وما أكثر معاتيههم!
وكان مسك الختام حديثة عن المحبة بين افراد الشعب في الفصل الاخير، وهو مطر القدس، وكيف انه نام على سطح كنيسة القيامة، والصداقة التي جمعته مع الكثيرين من ابناء هذا الشعب بكل فئاته، وطوائفه ومعتقدداته، نعم روى التاريخ بكل شفافية وصدق، روى عن ذاك الزمن الجميل، روى عن ألم وعذابات المناضلين وصبرهم على الهوان، روى عن الأماكن التاريخية، وكيف تحولت من أماكن وآثار تاريخية الى أماكن لتدمير وتحطيم الكرامة والعزة، من مكان يجب ان يذكر بخير الى مكان يذكرنا بالآلام والأحزان والكره.
وكانت هناك مداخلات مطولة قدمها ابراهيم جوهر ومحمد خليل عليان.