الصّراع الطبقيّ في تراثنا الشّعبيّ

ا

جميل السلحوت

  معروف أنّ الصّراع بين الخير والشّر صراع أزليّ، ومعروف أيضا أنّ تراثنا الشّعبيّ تراث طبقيّ، فكلّ طبقة اجتماعيّة أنتجت تراثها القوليّ أو العمليّ بما يتناسب وموقعها الطّبقيّ، والدّارس للتّاريخ سيجد أنّ هذه الطّبقات قد شهدت صراعات كثيرة قد تكون دامية، في محاولة من كلّ طبقة للدّفاع عن نفسها، وكلّ طبقة أفرزت ثقافتها الّتي تخدم مصالحها، أو بالأحرى تعكس هذه المصالح.

ولو أخذنا- على سبيل المثال لا الحصر- المثل الشّعبيّ فإنّنا سنجد أنّ الطّبقات المتنفّذة والحاكمة ومن يستفيدون منها قد أنتجت أمثالها وهكذا،

ومن هذه الأمثال:

” الّلي بتجوّز إمّي هو عمّي” لكنّ الطبقات المسحوقة والمغلوبة على أمرها أنتجت مثلا هي الأخرى عكس هذا المثل تماما:” الّلي بتجوز إمّي هو همّي”. وسأطرح هنا بعض الأمثال المتناقضة بين الطّبقات المتنفّذة والطبقات المسحوقة ومنها:” الإيد الّلي ما تقدر تعضها بوسها”، وعكسه: “الإيد الّلي بتنمد عليك اقطعها”. وأيضا:” حط راسك بين الروس وقول يا قطّاع الرّوس” ونقيضه:” الّلي بدُوس على طرف قندرتك، دوس على راسه.” ومنها:” الكفّ ما بناطح مخرز” ونقيضه:” ربّك بحط سرّه في أضعف خلقه” و” ما بقطع الرّاس إلّا الّلي ركّبه.” وهكذا.

والشّيء نفسه موجود في الحكايات الشّعبيّة، فهناك حكايات تمجّد الحكّام والمتنفّذين وتزيّن وتروّج أعمالهم الفاسدة حتّي لو كانوا طغاة، وتقابلها مئات بل آلاف الحكايات الّتي تهاجم الحكّام والمتنفّذين الظّالمين الفاسدين، وتنعتهم بأبشع الصّفات، وتفضح فسادهم وخياناتهم، وتدعوا إلى الخروج عن طاعتهم وهكذا.

وفي مجال التّراث العمليّ نرى بسهولة الأطيان والقصور الّتي سكنها المتنفّذون في عصور مختلفة، بينما نجد المسحوقين والمقموعين يسكنون بيوتا متواضعة قد لا تزيد على غرفة واحدة أو غرفتين، بل إنّ بعضهم يسكنون الكهوف أو البيوت المصنوعة من غزْل شعْر الماعز. ويظهر هذا التفاوت الطّبقي في الأثاث والأدوات المنزليّة بين المتنفّذين والحاكمين والمسحوقين المغلوبين على أمرهم. والحديث يطول.

١٨-٨-٢٠٢٥

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات