اعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع تحالف دولي يضم أربعين دولة الحرب على داعش ليس جديدا على السياسة الأمريكية، فأمريكا بعد الحرب الفيتنامية لجأت الى تنفيذ سياساتها الحربية بأيدي وبأموال غيرها. والشواهد كثيرة على ذلك، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: إذا كانت داعش صناعة أمريكية فلماذا تحاربها؟ وفي الواقع أن أمريكا هي من أوجدت داعش وأخواتها في المنطقة العربية، لتمرير سياساتها الرامية الى اعادة تقسيم المنطقة حسب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وأوعزت الى ركائزها الحاكمة في المنطقة الى تمويلها وتسليحها، وهي بهذا تصطاد أكثر من عصفور بحجر واحد، فأمريكا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومجموعة الدول الاشتراكية في بداية تسعينات القرن العشرين، رأت أن الاسلام والمسلمين يمثلون العدوّ المحتمل القادم، وبدأت طاحونة اعلامهم تمهد لذلك، وإن كانت تحالفاتهم قد استغلت الاسلام السياسي في بداية القرن الحادي والعشرين تماما مثلما استغلته في فترة ما بعد الحرب الكونية الثانية، وجندته لمواجهة ما أسمته الخطر الشيوعي في حينه، إلا أن ذلك لم يغير من واقع الأمر شيئا، وإن كانت تسعى الى حكم اسلامي حسب “الاسلام” الذي تريده أمريكا، وحكم أردوغان “الاسلامي” في تركيا نموذج لذلك. لكنّ الخوف من الحراك الشعبي في الأقطار العربية قرع جرس الخطر على المصالح والمشاريع الأمريكية للمنطقة، فكان لا بدّ من اشعال حروب الاقتتال الداخلي في البلدان التي يرون أنها تعارض وقد تعرقل المشروع الأمريكي لاعادة تقسيم المنطقة، ومن هنا جاءت ضرورة اشعال نار الفتنة الداخلية في سوريا، لتحطيم القوّة الضاربة للجيش السوري، وللقضاء على المقاومة اللبنانية خصوصا بعدما أفشل صمود حزب الله في الحرب الاسرائيلية على لبنان عام 2006 المشروع الأمريكي، وتأتي “داعش” وأخواتها لتنفيذ ذلك مستغلة العواطف الدينية للناس البسطاء. وما تصرفات داعش إلا لتشويه الاسلام في نفوس وعقول المسلمين أوّلا، والشعوب الأخرى ثانيا، ومن أسّسوا “الدواعش” وموّلوهم بالمال والسلاح لم يرتدوا عباءة الخفاء عن عيون البنتاغون والمخابرات الأمريكية. وانسحاب عشرات آلاف الجنود العراقيين في الأسابيع القيلة الماضية تاركين أسلحتهم لداعش ليس عفويا، وإنما ضمن أوامر لتنفيذ مخطط معروف ومدروس.
واذا كان الرئيس الأمريكي وحلفاؤه معنيين حقا بالحرب على داعش والقضاء عليها، فلماذا استثنوا من يحاربون داعش منذ ثلاث سنوات وهم سوريا وايران من هذا التحالف؟ وبالتأكيد فإن مال البترول العربي هو من سيموّل هذه الحرب، تماما مثلما تحمّل تكلفة حرب تدمير واحتلال العراق وقتل شعبه في العام 2003. ويبدو أن أمريكا وحلفاءها الذين فشلوا في اسقاط النظام السوري خلال الحرب التي أشعلوها وسلحوها وموّلوها في السنوات الثلاث الماضية، قد ابتدعوا الحرب على صنيعتهم داعش لاستكمال هدفهم الرئيسي، وأمريكا التي أعلنت أنها ستشارك بغارات جوّية على مواقع داعش سيكون جزءا من هذه الغارات على مواقع الجيش السوري في مختلف الأراضي السورية بعد تحييد الطيران وقوى الدفاع الجوي السورية. وفي نفس الوقت ستتخلص من القوى “الجهادية” التي تنضوي تحت جناح داعش، وهي بهذا تتخلص من عدوّين في وقت واحد، وتصبح الطريق مفتوحة أمامها لتنفيذ تقسيم المنطقة الى دويلات، وتصفية القضية الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني.
13-9-2014