لا حاجة لنا للتذكير بالاختلافات بين الشعوب والأمم من حيث المنابع الثقافية والدين والعادات والتقاليد والتراث وغيرها، فهذه من بدهيّات الأمور، لكن يجدر بنا التنويه الى أنّ الإبداع والعلوم والفنون تبقى ملكية عامّة للانسانية جمعاء، وإذا كان من حق الشعوب والأمم بأن تفاخر بأصولها العرقية وانتماءاتها الدينية والثقافية، إلّا أنه ليس من حقها أن تتعالى على غيرها من الشعوب في أيّ شيء، وعليها أن تحترم ديانات وثقافات غيرها، وهذا لن يتمّ إلّا بالإنفتاح على غيرها من الشعوب والأمم خصوصا بعد أن أصبح العالم قرية صغيرة بسبب تقدّم وسائل الاتصالات والمواصلات، فهل نحن العربان منفتحون على غيرنا من الشعوب؟ والجواب بالنفي قد يغضب بعض المنغلقين منّا خصوصا أولئك الذين يعتبرون أنفسهم المالكين الوحيدين للحقيقة، وعدم انفتاحنا له أسبابه التي تتحمل الحكومات وزرها وليس الأفراد، وسأعطي مثالا على انغلاقنا ما نشرته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة”اليونسكو” قبل بضع سنوات، وممّا جاء فيه أن الترجمات في اسبانيا-60 مليون نسمة- من اللغات الأخرى الى اللغة الاسبانية في العام الواحد، يعادل ما تُرجم الى اللغة العربية من عهد الخليفة المأمون حتى أيامنا هذه، علما أن اسبانيا من أفقر الدول الأوروبية. ولن نخوض كثيرا في هذا المجال هنا. حيث أن موضوعنا عن التعليم المختلط، ففي الكثير من الدول-خصوصا أوروبا وأمريكا- التعليم مختلط في مختلف مراحله، وعندنا التعليم مختلط حتى الصّف الابتدائي الرابع، وفي هذه الصفوف تأنيث للتعليم حيث أن المدرسين في غالبيتهم إناث، بعد أن أثبتت الدراسات والأبحاث بأن جدوى تعليم الأطفال في سنّ مبكرة من قبل معلمات أكثر جدوى منها من قبل معلمين، لأن طبيعة الإناث فيها عاطفة أكثر من الذكور، وأنّ الأطفال بحاجة الى حنان الأمومة الذي يتوفر في الإناث حتى لو كنّ عازبات، ولا يتوفر بنفس النسبة في الذكور حتى لو كانوا آباء.
ودار جدل كبير حول قبول التعليم المختلط حتى في هذه المرحلة العمرية المبكرة، لكنّه مرفوض تماما عندنا بعد هذا العمر، وهناك جدل ديني حول الاختلاط بين الجنسين فيما بعد ذلك، ويتمحور الجدل حول كون المدارس أماكن خاصّة أم أماكن عامّة؟ فاذا كانت عامّة فإنّ التعليم المختلط مسموح، وإن كانت خاًصّة فانه ممنوع، وحتى أيامنا هذه فإن كفّة من يعتبرون المدارس أماكن خاصّة هي الرّاجحة، في حين أن التعليم مختلط في الدّول غير الاسلامية ومنها الدّول المتقدّمة في مختلف المجالات، وقد شاهدت مدارس ثانوية مختلطة في أمريكا، وفيها الطالبات والطلاب يرتدون ما شاؤوا من الملابس، فهناك طلاب ذكور بسراويل “بنطلونات” قصيرة، وشعور طويلة، وهناك طالبات صبايا يرتدين آخر الموديلات من ملابس قصيرة، وصدورهن نافرة ومحاسنهن بارزة، وهناك طالبات مسلمات محجّبات أيضا، ولا أحد يحتجّ على ملابس أحد، لأنّها قضية شخصيّة، ومع ذلك فلا مشاكل بين الذّكور والإناث، والخروقات”الأخلاقية” عندهم –حسب أخلاقياتنا وليس أخلاقياتهم- قد تكون في نسبتها أقلّ من الخروقات في بلداننا، لكنّها تتم عندهم علانية وفي وضح النّهار، بينما تتم عندنا بطريقة سرّية، بل يجري التستر والتكتم عليها في كثير من الحالات، وعندهم ثقافة أن الإنسان يبقى طفلا حتى سنّ الحادية والعشرين، وأن السّن المناسب للزواج هو أربعة وعشرون عاما للإناث وأكثر من ذلك للذكور، ومن يتزوج قبل ذلك فإنّ نظرة المجتمع له كنظرتنا لطفل لم يبلغ الخامسة من عمره ويقول ببراءة الطفولة بأنّه سيتزوج، وهو لا يفقه معنى الزّواج. واختلاط الجنسين في مختلف المراحل العمرية يجعل نظرة كلّ جنس للجنس الآخر عاديّة، لذلك لا تجد طلّابا أو غير طلّاب يتسكعون في الشوارع بحثا عن “صيد” من الجنس الآخر-كما يحصل في بلداننا-، ولا تجد مشاجرات بين الطلبة أو بينهم وبين غيرهم في صراع بعضهم على فتاة. ولا تجد شبابا يتسكعون بالقرب من المدارس للتحرّش بالطالبات، ولا يعرفون الغمز واللمز وهزّ الأكتاف ونفخ العضلات، وعندهم تثقيف”جنسي” علمي ويتدرج حسب عمر الطلاب، بينما الجنس عندنا من المحرّمات”تابو”.
وعدم الاختلاط له مشاكله التي أثبتت الدّراسات أنّها أكثر من الاختلاط، وقد شاهدنا في بلداننا نحن العربان أمورا محزنة بهذا الخصوص، بل ومضحكة –من باب شرّ البليّة ما يضحك-، فمثلا في إحدى دولنا العربية لا يسمح للأنثى بقيادة السّيّارة، في حين يسمح لها بالسفر مع سائق أجنبيّ لإيصالها الى جامعتها، أو مكان عملها أو الى السوق وغيره. كما وجدنا من يفتي بإرضاع المرأة العاملة لزميلها كي تصبح أمّه في الرضاعة، وبالتالي يجوز له الاختلاط بها! كما وجدنا من يفتي بزواج القاصر حفاظا على العفّة! وكأنّ مجتمعاتنا مصابة بالهوس الجنسي، أو هي مصابة به فعلا.
ومن العجائب هو الفهم الخاطئ لمفهوم الشرف، وحصره في بضعة سنتيمترات بين فخذي الأنثى! فهل السّرّاق واللصوص والنّصابون والمحتالون والكذّابون والخونة أشراف؟ وهل الشّرف حكر على الأنثى وحدها؟ وهل الذّكور أشراف مهما فعلوا؟ وهل هناك تحديد واضح لمفهوم الشرف؟
ومن عجائب الانغلاق الثقافي عندنا أنّنا نجد بين ظهرانينا من يخطب ويكتب ويحاضر وينظّر بأن الدّول الغربيّة منحلة أخلاقيا وينخرها الفساد! ولا يكلّف نفسه بسؤال نفسه: كيف وصلت الى هذه القوّة في مختلف المجالات إذا كانت كذلك؟ ولماذا نحن بهذا الضعف وهذه الهزائم ما دمنا نحن أصحاب الأخلاق الحميدة والشرف الرّفيع، وما دمنا أصحاب العلم والمعرفة؟ وهل الخروقات الأخلاقيّة لم تكن موجودة في زمن دولة الخلافة الاسلاميّة أم لا، أم أنّ لكلّ قاعدة شواذ عند الشعوب والأمم جميعها؟ ولو عدنا الى ثقافتنا الاسلامية وتساءلنا عن الحقوق والدّور التي أعطاها الاسلام للمرأة؟ فهل نعطيها ما أعطاها الله، أمْ أنّ العادات والتقاليد البالية هي التي تحكمنا؟ وما هي منابع العلم والدّين التي ينهل من ينابيعها من يدعون الأجنبيّ لتدمير واحتلال بلدانهم، ويزعمون أنّ الله يسخّر قوات “الناتو” لخدمة الاسلام والمسلمين؟
26-9-2013