القدس: 25-3-2016 من رنا القنبر- ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب”الأنا والآخر في الرّواية الفلسطينيّة” للكاتب الفلسطيني أمين دراوشة. ويقع الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينيّة هذا العام 2016 في 143 صفحة من الحجم المتوسّط.
بدأ النقاش مدير الندوة ابراهيم جوهر فقال:
فكرة البحث في (الأنا والآخر) التي تستحق الاهتمام والبحث والخلوص إلى نتائج في محاولة لتوسيع دائرة المجتمع بابداعه الأدبي- الثقافي. بدأ الكاتب بالبحث عن المصطلح في الأدب وعلم النفس والاجتماع، ممّا وفّر خلفية نظرية شاملة تحدد المصطلح وتقرّبه من الأفهام، ثم انتقل باحثا عن (الأنا والآخر) في خمس روايات فلسطينية.
البحث هنا ينصب على الشخصية الفنية بما تمثله وتشير إليه، وهي الأنا المقصودة؛ لأن الكاتب الروائي يصب أناه الذاتية والجمعية في شخصياته، ثم يوازيها بشخصية الآخر التي باتت نمطية الحضور في الأدب الروائي الفلسطيني بحكم التجربة الاحتلالية، التي لم تكشف عن وجه إنساني في الآخر.
وقد انتبه الروائي الفلسطيني في المنطقة المحتلة منذ العام 1948 م. بالجانب الإنساني للآخر بحكم تعامله المباشر، الذي كشف له عن جوانب لم تمكّنها تجربة الاحتلال من البروز، بما يوفّر لها غطاء فنيا يبرر وجودها على خريطة العمل الروائي أو الشخصية الفنية.
وكان بعض الأدباء الفلسطينيين من مناطق الاحتلال الثاني (1967م.) قد أشاروا إلى بعض الجوانب الإنسانية في شخصية الآخر –حتى شخصية الجندي أو السجّان- فقوبلت أعمالهم بالنقد الشديد؛ لأن تلك الجوانب القليلة جدا ليست مما يسمح بهذا الحضور، فالغالب هو شخصية الجندي القامع المعتدي.”جمال بنورة في بعض قصصه القصيرة نموذجا”
لقد آن الأوان للبحث الجدّي بأسلوب علمي عن الأنا والآخر في الأدب الفلسطيني؛ لما يوفره هذا البحث من تلمّس لأساليب التعبير ورسم الشخصيات التي تتحرك في الفضاء الأدبي الإبداعي، ولعل هذا من المهمات البحثية الملقاة على عاتق الباحثين في الجامعات الفلسطينية.
وقالت رنا القنبر:
لا شك أن الكاتب حين خاض هذه التجربة العميقة في البحث عن الأنا والآخر في الرواية الفلسطينية، أنّه أراد ادخالنا لذلك الصراع السيكولوجي لدى الانسان الفلسطيني من حيث التجارب والاضطرابات والوقائع، ومن ثم الدخول تدريجيا في عمق الذات والبحث عن الضّدّ الذي لانستطيع انكاره، فهو أيضًا جزء من ذاتنا، وكل ما نراه في الآخر “الضد” ما هو إلا نظرتنا لأنفسنا، ويذكر الكاتب أنّ مستوى النضج والعقلانية تكمن في مدى ثقافة الفرد وتقبله للآخر، وينقلنا الكاتب إلى الصراع الفلسطيني وذلك الآخر وهو الاسرائيلي، وينوه الكاتب بأن الأنا الجماعية التي تعمل ضد الآخر بعد اكتسابها الخبرة من التجارب والخبرات في تحقيق ذاتها وهدفها، فعلى سبيل المثال حقق الشعب الاسرائيلي ما أراده على أرض فلسطين بعد تغلغله في العمق الفلسطيني، مستفيدا من النزاعات العربية العربية، وكسب مصالحه من هذه النزاعات، فاستطاع أن يكون شعبا واحد ضد الآخر وهو الشعب الفلسطيني، بعد بنائه لوحدة سيكولوجية متماسكة، فمن وجهة نظر سمينر فإنه “كلما قويت الجماعة التي ينتمي إليها الآخر، وصارت على مقربة كبيرة من الجماعة التي ينتمي إليها الأنا، قوي معها الشعور بالعدوانية الخارجية، وقوي التماسك داخل مجموعة الأنا” فيستعين الكاتب بمراجع عدة معتمدًا على أقوال خبراء علم النفس وتحليلاتهم، من هنا يبدأ الكاتب في الخوض بالأنا والآخر في الرواية الفلسطينية، متعمقًا في خبايا الذات والهيكل الروائي في الأدب الفلسطيني .
ويمسك الكاتب بالصورة الفانتازيا للفلسطيني في الرواية الفلسطينية، ويطرحها أمامنا من خلال رواية جبرا ابراهيم جبرا، وبطل روايته وليد مسعود، وعلاقته بأرضه وتمسكه بجذوره، وقوته الأسطورية بالصمود في وجه الاحتلال والطبيعة، ووجد جبرا بأن الآخر ممثلا بشخصية كاظم، الشخصية العربية التي تحمل في قلبها الحسد والضغينة لشخصية وليد، محاولة التقليل من شأنه وتهميشه، لأنه الشخصية الهشة، فيجعل جبرا بطل روايته ينتقل من مرحلة الاتهام إلى الهجوم، وينتصر بالرد والبرهان على آخره العربي، الذي من وجهة نظره بدأ فهمهه للحياة بنظرية وبقيت كما هي نظرية ليس إلا، وبأن الفلسطيني الذي اعتاد النضال والكفاح والوقوف عاريا في وجه الريح مفتخرًا بنفسه هو صاحب الفعل لا التنظير، والقول على عكس نقيضه كاظم الذي صوره الكاتب بأنه يجلس في “مكتبه يلوك احقاده الصغيرة”، ويطرح عليه عدة اسئلة كان يعرف اجابتها، فما كانه منه إلا أن أحرجه بما لا يملك وهو الفعل، وهنا يكمن الصراع العربي العربي الذي يحاول اقصاء نفسه “الأنا والآخر في الشخصية العربية ” فهو الذي يحاول تهميش نفسه، فينكر آخره، ويعيش ضائعا وسط وابل من التساؤلات الذي يطرحها آخره في رحلة البحث عن ذاته، وينتصر جبرا لشخصية وليد مرة أخرى في المعتقل، حيث يجعل من صموده أسطورة في وجه أدوات التعذيب وأمام سجانه، ومن ثم في جعلهم يحتارون بجوهر شخصيته الغامضة؛ فيتركهم في حالة من التيه بعد اختفاءه ومصيره المجهول، وينهي الكاتب روايته في جعل الفلسطيني بكل تناقضاته وعبثيته وحبه للحياة ولأرضه ووجذورها، وافكاره وثقافته وسلوكه وتباهييه بصلابته، وبأصوله وانتمائه للأرض محط انظار واعجاب الجميع، رغم محاولتهم عدم الاعتراف بذلك، ولا شك أن الأنا في الرواية الفلسطينية جعلت من الفلسطيني رمزا للقوة والصمود، وشكلت شخصيته في أبعاد تكاد تكون اسطورية فنتازية، وأظهر جبرا الايمان المتوارث بالعودة والنضال في شخصية مروان ابن وليد .
وفي معظم الروايات الذي طرحها الكاتب أمين الدراوشة نرى أن الفلسطيني يلعب دوره المعتاد والمتعارف عليه، ولكن في رواية الوجوه حين خرج الكاتب عن المألوف، وجعل بطل روايته عميلا خائنًا أوجد نقيضا لشريف، وعدوّا له من أهل بيته، وهي زوجته وابنته البكر نبيلة، التي تزوجت الفدائي نديم، والتحقت بالثورة وتبرأت من والدها، فينجح الكاتب في ابراز صراع الشخصيتين مع بعضهما، فيجعل الكاتب بطله شريف ذليلا أمام نقيضه المناضل جميل الحيّاني. وفي معظم الروايات الذي طرحها أمين دراوشة برزت شخصية الفلسطيني الصلب الرافض للذل، والمقاوم ذي البنية الصلبة والملامح الخشنة، الرافض لكل ما آل به وأيضًا ابراز شخصيته من خلال العلم والمعرفة في شخصية الراوي في رواية سيرة العقرب، الذي يتصبب عرقًا ولا يتخلى عن حلمه، ولا يبيع نفسه للاحتلال، ويرفض الاتفاقيات التي يمكنها أن تقسم حقوقه كفلسطيني، فهو يعي تماما ما يحدث حوله، وهنا يبرز دور المعرفة والعلم .
مرايا ابليس تطرح الكاتبة الأفكار السلبية، وتهاجم العربي من خلال شخصية ” شاطر” في روايتها ونظرته للنساء، وتعود لتظهر الجانب الايجابي من خلال شخصية علاء الدين الزوج الناجح المحب لزوجته وأرضه، وجعلت منه شخصية تحارب التخلف والجهل ..مخاطبة العالم العربي أنه إذا أراد التحرر فعليه ” أن يقلع شوكه بيديه “.
أمّا اسراء عيسى في روايتها حياة ممكنة، وايمانها المطلق بعودتها لأرضها محررة بالمنطق والحب والعقل، فمن وجهة نظرها أن للمقاومة أشكالا، وليست فقط من خلال رفع السلاح وسلاحها العقل المنطق .
ومن هنا تنجح الرواية الفلسطينية في طرح الايجابيات والسلبيات في الشخصية الفلسطينية، ونقد الذات وجلدها، وتسليط الضوء على القضايا العميقة المحورية في الأنا والآخر، وايمانه بحق العودة وحقه المطلق في أرضه بالعلم والثقافة والفن والابداع، وكل اشكال المقاومة والدفاع، فنرى الفلسطيني ينهض وينفض عنه ركام الحرب متحديا للظلم والانكسار حتى في في خضم معاركه مع الآخر القاتل والسالب لحقه وفرحه، وكل ذلك ينبع من إيمانه العميق في المكان وقوة الحق مقابل قوة السلاح .
وقال نمر القدومي:
لطالما كان الموت قريبا، لكنني لم أترك له فرصة ليلمسني، وتركت نفسي كنهر يخاف أن يغفو، فتُغيّر الأرض مجراه، أو كشجرة ارتعبت أن تُصنع منها يدُ الفأس التي تموت بها أختها. لعلَّ مساري الأزليّ قادني إلى حياة ليست لي، فلم تنسجم أقداري مع القلب المفتون بالجمال وحب الأرض والحريّة. إن الكاتب “أمين دراوشة” في كتابه “الأنا والآخر في الرّواية الفلسطينيّة”، تكلّم بلسان حالنا حين غنّينا وأحببنا وعانينا، وصرخ بكلماته الحارقة لأجسادنا، حتى لو لم تسمعها إلاّ الرّيح المُحمّلة برائحة أشجار البرتقال. وهذه أصابع شعب كتب على الجبين وعوده الأزليّة، ودفن تحت أغصان الزّيتون أسراره الأبديّة، لكنه أضاع طريق بيته وعبثوا له بالبوصلة.
الكاتب “دراوشة” وصل إلى دهشة حقيقيّة تستحق كل أفكار حياة “الأنا” وميزاتها، فكانت بمثابة رعشة التجربة الصّعبة في دمه، تارة يخاف الطرف “الآخر”، وتارة أخرى تفوته لذّة الخوف منه. سمح لروحه أن تعلن رفضها، أن تتبع شوقها، وتتّخذ طريقها الذي اختارته، دون أن يمنعها حنين أو تردّد. يخلق الفلسطينيّ لنفسه في الرّواية القوّة، الجرأة، العنفوان والشّجاعة، وكذلك التمرّد الثّوري الذي يأتي كلّه من جحيمه الدّاخليّ الغافي في أعماقه منذ عشرات السّنين. كما وجدنا أنَّ الكاتب في مقدّمة كتابه تعمّق في مفهوم “الأنا” ومفهوم “الآخر” إستنادا إلى ما يُفسّره علم النّفس الإجتماعيّ وسلوك الأفراد. أخذ يُشرّح الرّواية الفلسطينيّة بين صاحب حق وبين دخيل مُحتل، كلٌّ له نظرته العلويّة تجاه الآخر، وكلٌّ يدافع عن نفسه بأسلحته المشروعة والمبرّرة. تناول عدد من الرّوايات بالقراءة العميقة، والنّظر إلى الشّخصيات والأحداث والأماكن من زوايا مختلفة؛
١- البحث عن وليد مسعود / جبرا إبراهيم جبرا.
٢- الوجوه / وليد أبو بكر.
٣- سيرة العقرب الذي يتصبب عرقا / أكرم مسلم .
٤-مرايا إبليس / منى الشرافي تيم .
٥- حياة ممكنة / إسراء عيسى .
قد يُسرف الكاتب في التضمين والتوثيق وإقتباس مبادئ المفكرين النفسانيين، وسكب الكثير من كلماتهم وأفكارهم في محتويات كتابه، فكان هناك حوالي (٣٠) مرجعًا دعّم بها “دراوشة” نفسه ونظريته. القارئ هنا يلاحظ تراكم الجمل المتكرّرة في المقدّمة التي تتكلّم عن مفاهيم الذات والآخر في علم النفس، وكذلك يلاحظ تكرار الفقرات والقصص وأحداث الرّوايات أثناء تحليلها.
كتب الأديب “إنَّ مجتمعا قويا وذا قناعة وطنيّة صلبة، وحرا وديمقراطيا، ويفرد مساحة شاسعة للتعدّد، ويسمح بالتعبير عنه دون خوف، وينطلق من مبدأ الإعتراف بشرعيّة الآخر .. حتى وإن كان عدوّا حقيقيّا لا وهميّا” وهذا بالتالي بتناقض مع مبدأ وأخلاقيات المواطن الفلسطينيّ المُنتمي “الأنا”، ونظرته إلى “الآخر” الذين علقوا في أبديّة يائسة يتخبّطون وينتظرون نهايتهم. نحن الفلسطينيين قضينا السّنين كلّها بحثا عن تلك الحلول الشّرعيّة، ونادينا أنقذونا بكل لغات العالم. كتبنا بمشاعرنا وعواطفنا “نحن” الرّوايات المعبّرة بجميع أطيافها، لتعكس مرارة العيش وقساوته في ظلّ “الآخر” الظّالم، الذين جرحونا في أجسادنا وأرواحنا.
وقال عبدالله دعيس:
يحاول الباحث في هذا الكتاب أن يدرس كيف ينظر الكتّاب الفلسطينيّون إلى ذواتهم، وإلى أبناء شعبهم في رواياتهم، ثمّ كيف ينظرون إلى العدوّ ويصوّرونه. هذا الموضوع المهم في الأدب، يزداد أهمية عند تناول الأدب الفلسطينيّ؛ نظرا للظروف الخاصّة للشعب الفلسطينيّ تحت الاحتلال، والظلم التاريخيّ الذي لحق به، مما يجعله يُشكّل صورة مميّزة لنفسه وللآخر؛ ذاك العدوّ الذي يحتكّ به يوميا ويشاركه أرضه، ويتسلّط عليه.
يستعرض الكاتب في بداية كتابه مفاهيم الذات والآخر في علم النّفس والاجتماع وعلاقتها بالأدب، ويخلص إلى “أنّ مفهومي الأنا والآخر، في علم النّفس والاجتماع والأدب، والعلاقة المتشابكة بينهم، غالبا ما تكون قائمة على الاختلاف والتضاد، وأنّ الأنا لا توجد إلا في مقابل الآخر، فهي لا تشعر بوجودها إلا بوجود الآخر.” ص 18
ويؤكّد الكاتب أن الذات لا تظهر إلا عبر تمايزها عن الخصم. لذلك، كثيرا ما يحاول الكتّاب أن يضخّموا الذات ويحطّوا من الآخر، وأن الذات إذا كانت قويّة فإن الآخر لا يشكّل عدوا، وقد يسمح المجتمع القويّ بالتعدديّة. لكنّه يعود للقول أن المجتمعات، حتّى القويّة منها، تحتاج للآخر كي تستطيع أن تُظهر ذاتها، فإن لم يكن لها عدو، تعمد إلى خلق عدوّ لتظهر تفوّقها وتميّزها. فعندما انهار المعسكر الشرقيّ، ولم تعد الشيوعيّة تشكّل تهديدا للغرب، قامت أمريكا بخلق عدوّ جديد أسمته الإرهاب، وجعلت من الإسلام (الآخر) الذي تقوم بشيطنته وتمييز نفسها عنه.
والإنسان العقلاني لا ينكر ما فيه من عيوب يراها الآخرون، بل يعمل على معالجتها والتخلّص منها قدر الإمكان؛ حتّى يستطيع أن يشعر بالاحترام لذاته. لكن، غالبا ما لا تعي الذات وجودها إلا من خلال الآخر؛ فتلجأ إلى تضخيم مزاياها ولو على حساب تبخيس الآخر. والنظرة إلى الذات وإلى الآخرين لا تكون دائما سليمة وصحيحة، بل يختلط فيها الواقع مع المثاليّ. وعادة ما يقدّم الكاتب ذاته والذات الجمعيّة لأمته بطريقتين: واحدة لتظهر أمام الخارج، وهي مثاليّة وفيها خداع للنفس، والأخرى تقدّم بها نفسها للمجتمع الداخليّ وتحاول تدعيم سلطتها عليه، وأحيانا قد تُبرز سلبياتها أو تقوم بجلد الذات.
يتناول الكاتب عددا من الرّوايات الفلسطينيّة لمجموعة من الكتّاب، ويحاول أن يدرس نظرة هؤلاء الكتّاب للأنا الفلسطينيّة وللأخر، من خلال أعمالهم الروائية. فالكاتب جبرا إبراهيم جبرا في رواية (البحث عن مسعود) يصوّر الشخص الفلسطينيّ، من خلال بطل الرّواية وليد مسعود، ذا شخصيّة قويّة تتحدّى الفقر والقهر، وتقاوم وتنتصر على الإحباط واليأس، ولا ترضى بالظلم ولا تتنازل عن حقها. والفلسطينيّ هو البطل الذي سيقود الشعوب العربيّة نحو التحرّر؛ فهو إنسان خارق حتّى في علاقاته وفي قواه الجنسيّة، وهو يهزم الشرّ والقبح ويبني مكانهما الخير والجمال. أما الآخر، وهو اليهوديّ، فهو عاشق للمال مرابي إرهابي، يفجر المؤسّسات ويقتل الأبرياء، وهو محتل ومستوطن، يقتل ويشرّد ويتسبّب في تفريق العائلة الفلسطينيّة، ويلجأ إلى العنف والتّعذيب، ويزوّر التاريخ.
ثم يستعرض الكاتب نموذجا آخر من خلال رواية (الوجوه) للكاتب وليد أبو بكر، حيث بطلها شريف الزوري، إنسان قاسٍ مضطرب نفسيّا، نرجسيّ يعذّب الآخرين بساديّة، ويتحوّل إلى عميل للاحتلال الصهيوني بعد حرب عام 1967. بينما تبرز شخصيّات أخرى في الرواية تتميّز عن شخصية بطلها شريف الزوري: مثل شخصية المناضل جميل الحيّاني وزوجة وابنة شريف الزوري، الذين يتصفون بالشجاعة والارتباط بالوطن والتضحية من أجله. فالكاتب هنا لا يعمد إلى تمجيد الذات الفلسطينيّة بقدر ما يحاول أن يوجد توازن بين أبناء المجتمع، فالعميل للاحتلال هو نفسه الذي كان شرطيّا قاهرا لأبناء شعبه زمن الحكم الأردنيّ، فهذه النوعية من الأفراد تقابل أولئك الذين يتّصفون بالبطولة والتضحية. أمّا صورة الآخر في الرواية، فقد بدت قويّة وصارمة وواثقة من قدرتها على كلّ شيء في البداية، ثمّ تحوّلت في النهاية، وبعد بدء المقاومة، إلى شخصيّة الخائف الضعيف العاجز.
وبعد ذلك يستعرض الكاتب نموذجا ثالثا، من خلال رواية (سيرة العقرب الذي يتصبّب عرقا) للكاتب أكرم مسلّم. فهنا نرى صورا مختلفة للذات الفلسطينيّة، وكأنّ هناك اضطرابا وتقلّبا في نظرة الفلسطينيّ إلى نفسه. فنلحظ قدرة البطل الفلسطينيّ على التفوّق وإثبات الذات رغم الصعوبات، مقابل الفلسطينيّ الذي يتحوّل إلى خادم لسيده المحتلّ ويضعف أمام مغرياته. وكذلك فإن بطل الرواية الفلسطينيّ ينزعج من تفجير الفلسطينيّين للصالة التي كان يعمل فيها، لدى الصهاينة، والتي كان يحلم أن يرجع إليها سائحا ليس عاملا. مما يظهر التناقض في نظرة هذا الفلسطينيّ لنفسه بين نفوره من الآخر وحلمه أن يكون مثله.
وفي هذه الرواية يظهر الآخر مريضا، يحاول بجبروته وسلطته المطلقة أن يجعل الأنا الفلسطينيّة خاضعة ومسيطرا عليها، وهو أخرق وصغير، ولا يكون ذا تأثير على حلم الفلسطينيّ بالإبداع، وهو فارغ وذوقه الفنيّ هابط. وهذا الآخر يخفي إنسانيّته، حتّى أنّ السجّان لا يستطيع أن ينظر في عينيّ السجين لأنّه يخفي قلقه الداخلي واضطرابه وشعوره بالذنب. ولا يستطيع الفلسطينيّ أن يحبّ الآخر اليهوديّ مهما كانت الأسباب، فبطل الرواية الذي يقيم علاقة مع فتاة فرنسيّة ثم تتركه وتنسحب، يبقى متعلّقا بها وبوشم العقرب الذي رسمته على جسدها، لكن الكاتب لا يشاء أن يذكر أنّ هذه الفتاة تنتمي إلى الآخر، فلم يذكر أنّها يهوديّة.
ويشير الكاتب أمين دراوشه أنّ الكاتب الفلسطينيّ يشعر أحيانا بالعجز وعدم قدرته على التغيير؛ فيعمد إلى نقد الذات وأحيانا إلى جلدها، ويذكر أن بعض الكتّاب أمثال جبرا إبراهيم جبرا وغسان كنفاني عمدوا في بداية كتاباتهم إلى جلد الذات الفلسطينيّة، لكنهم انتقلوا من جلد الذات إلى النقد لها بعد بروز الثورة الفلسطينيّة.
وخلال ما استعرض الباحث من روايات، لم نلحظ أنّ هناك أي علاقة ودّ بين الأنا والآخر، وأن أي تقارب بينهما لم يكن إلا على سبيل المصلحة: مثل علاقة العميل بالحاكم العسكريّ، أو العامل برب العمل، وذاك العاشق بجسد معشوقته، فلم تستهوه روحها وإنما فُتن بجسدها. وكذلك فإن الكتّاب الفلسطينيّين، حتّى وهم ينتقدون الآخر ويبيّنون بشاعة أفعاله، لم يعمدوا إلى شيطنته وتجريده من إنسانيّته مثلما أنّهم لم يدعوا للتصالح معه. ولا تدعو الرّوايات الفلسطينيّة إلى كراهيّة الآخر، حتى وهي تظهر مثالبه وظلمه وجبروته. ولم نلحظ بتاتا خلال الرّوايات التي استعرضها الكاتب أن أيّا من الكتّاب الفلسطينيّين يحتفي بالآخر ويمجّده على حساب الأنا، حتّى عندما ينتقد المجتمع والإنسان الفلسطينيّ؛ مما يدل على أن اعتزاز الفلسطينيّ بنفسه يبقى عاليا حتّى في أوقات الهزيمة. ونلحظ أيضا ارتباط الأنا الفلسطينيّة بالأرض، بينما يُظهر الكتّاب أن الآخر غير مرتبط بهذه الأرض وغريب عنها.
بعد أن ننهي قراءة هذا الكتاب الشيّق والمفيد، تبقى لدينا بعض التساؤلات: هل تغيّر مفهوم الأنا والآخر مع مرور الزمن وتعاقب المراحل المختلفة للقضيّة الفلسطينيّة؟ وهل هناك نسق عام مشترك بين الكتاب الفلسطينيّين في نظرتهم إلى الأنا والآخر؟ فالكاتب حلّل عددا من الرّوايات، والتي نستطيع من خلال تحليله لها أن نستنتج الزمن الذي تتحدث عنه، وأحيانا الزمن الذي كتبت فيه، فحبّذا لو قام بتحليل نظرة الفلسطينيّ إلى نفسه وإلى الآخر وتطوّرها من خلال ترتيب هذه الرّوايات زمنيّا، وملاحظة التغيّر في تعبير الكتّاب عن الأنا وعن الآخر مع مرور الزمن. وحبذا لو عقد الكاتب مقارنة بين نظرة الكتّاب الخمسة، الذين اختار رواياتهم لدراستها، للأنا وللآخر ولخّصها في نهاية كتابه.
وكتبت رائدة أبو الصويّ:
نظرت الى الكتاب وتفحصته من الناحية الأجتماعية وليست الناحية السياسية .وجدت في الكتاب هدفا ساميا، وهو ضرورة معرفة الآخر وتقبله .البداية نظرت الى الغلاف .رأيت كلبين يقفان على جرف تذكرت المثل القائل (فلان يبني على جرف هار لا يدري ما ليل من نهار ) أي على جرف ضعيف ساقط .
رأيت الظلام والنور ،رأيت القط الأبيض المسالم .الذي يسير منتصب القامة، دلالة على الثقة بالنفس .الأشخاص القططيون مقابل الأشخاص الكلبيون .اختيار صورة الغلاف ليست صدفة .الآنا والآخر .
هناك اختلاف كبير بين الكلب والقط ،الكلب يحمل الكثير من الأمراض المعدية …فهو يحمل ما يقارب خمسين مرضا طفيليا، الكثير منها يوجد في لعابه ،ثبت علميا اختزان بعض الجراثيم الفتاكة على جلد الكلب وشعره، مما يؤدي الى نقلها داخل المجتمع، وهذا ما أكدته بعض النظريات العلمية المختصة، وأن هذه الجراثيم لا يمكن القضاء عليها إلا بالتراب .أمّا القط فهو من أطهر الحيوانات من الناحية الطبية، إذ هو لا يحمل من الجراثيم والميكروبات إلا ما يسبب مرضا واحدا فقط، وهو مرض العمى .وهذا المرض ينتقل عن طريق البراز لو تناولته الخراف أو الدجاج، وتناولناها لحومها نحن البشر، ولحسن الحظ القطط تدفن برازها في التراب …حكمة من الله سبحانه وتعالى ورحمة بالناس .
عندما قلبت صفحات الكتاب وجدت الكثير من الفلسفة والمصطلحات التي تدل على أن الكاتب متمكن من علم النفس .
اظهار الشخصيات الفلسطينية القوية التي تتحدى الفقر والقهر ،توضيح صورة الأنا الغربية نحو الآخر العربي في ص(115) على أنه قاتل ومتوحش وغير انساني وارهابي، وغير قادر على الفعل والابداع وكسول، ويعتمد على الغير في مساعدته وبدوي ومخرب وأراضيه الشاسعة صحراء قاحلة.
في هذا النص المطلوب منا نحن المثقفين والكتاب والأدباء أن نغير وجهة نظر اﻵخر لنا، وذلك عن طريق الترجمة ونقل الصور المشرقة لنا العرب .
نحن شعوب تستحق الحياة .الدعوة الى التمسك بالوطن من خلال عرض تحليل لرواية الكاتبة {منى الشرافي تيم } {مرايا ابليس } في ص 121 عندما دعت الى التمسك بالوطن .وكتبت “الأنسان يجب أن يكون حرا ، ويمتلك العلوم والمعرفة والمحبة، ليكون جديرا بالأنسانية”
وأضاف الكاتب {أمين دراوشة } كأني بها تقول ” ان على العالم العربي أن يقلع شوكه بيديه ” أو سيبقى يرزح تحت نير التخلف والمرض .كتاب قيم جدا يستحق أن يقرأ أكثر من مرة حتى يفهم ما وراء الكلمات والحروف من رسائل يجب أن تصل .
نحن اليوم في هذا الزمن في أشد الحاجة الى معرفة اﻵخر حتى نستطيع أن نعيش حياتنا بكرامة .
والآخر ممكن أن لا يكون عدوّا لك، لكن منافس في أي مجال من مجالات الحياة، عندما تعرف الآخر ولا تضخم الأنا الساكنة في أعماقك ستجد الراحة .
وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: ديمة السمان، سهير زلوم وجميل السلحوت.