عندما يشترط بنيامين نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل اعتراف العرب باسرائيل كدولة لليهود قبل استئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، فإن الذي لم يقله في نفس اللحظة وقاله سابقاً بأن لا انسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة في حرب حزيران 1967، ولا تنازل عن القدس المحتلة، ولا لوقف الاستيطان، ولا لتفكيك المستوطنات، ولا لإيجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين.
ونتنياهو واضح وضوح الشمس في معتقداته وفي رؤيته للسلام المنشود، وقد ذكر ذلك في كتابه ” Place Between Nations ” الذي تُرجم الى العربية تحت عنوان ” مكان تحت الشمس ” فهو يريد السلام مقابل السلام في ظلّ اسرئيل قوية وعرب ضعفاء، ويتنازل للعرب عن أراضي المملكة الأردنية الهاشمية لتكون وطناً بديلاً للفلسطينيين، فهي حسب رأيه أراض اسرائيلية، لأن أراضي اسرائيل تطل على الصحراء العربية ، والمقصود الجزيرة العربية.
ونتنياهو يزداد في مطالبه، ففي حين لا يعارض بوجود ” أقليات ” في دولة اسرائيل ويستشهد في كتابه برأي معلمه(جابوتنسكي) ” بأنه لا يضير الديمقراطيات وجود أقليات فيها”، إلا أنه باشتراطه الجديد ومطالبته بدولة يهودية، فإن ما لم يقله هو طرد الفلسطينيين من وطنهم لتبقى اسرائيل دولة يهودية نقية من”الغوييم” الغرباء.
ونتنياهو بهذا يدغدغ عواطف حليفه وزير خارجيته ليبرمان الذي تنكر لقرارات مؤتمر أنابوليس وخارطة الطريق، ودعا سابقاً الى ضرب السدّ العالي في مصر لاغراق مصر وابادة شعبها بالكامل، كما هدد بتدمير سوريا واعادتها الى العصر الحجري.
ونتنياهو بتصريحاته هذه أكثر وضوحاً من أسلافه الذين فاوضوا منذ مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991 وحتى الآن، ولم يقدموا أيّ تنازل، وقد صدق اسحق شامير رئيس وزراء اسرائيل في حينه عندما ضغط عليه جورج بوش الأب لحضور مؤتمر مدريد عندما قال: سأفاوض العرب عشر سنوات ولن أعطيهم شيئاً ” وقد مضى على مؤتمر مدريد عشرون عاماً، ولم تقدم اسرائيل شيئاً، اللهم إلا اقامة السلطة الفلسطينية على السكان وليس على الأرض، لتبرئة ذمة اسرائيل كدولة احتلال من التزاماتها تجاه مواطني الأرض المحتلة، حسب القانون الدولي.
والعرب الذين طرحوا ” المبادرة العربية ” التي تقدم بها العاهل السعودي، عبد الله بن عبد العزيز في قمة بيروت عام 2002 عندما كان ولياً للعهد، لم يسوقوا هذه المبادرة، ولم ينشطوا دبلوماسياً لتطبيقها، وتركوا اسرائيل تحقق أطماعها التوسعية في الأراضي المحتلة بعد أن أسقطوا خيار الحرب بعد حرب أكتوبر 1973، ولم يستعملوا أيّ وسيلة ضغط لتحقيق خيار السلام بالمفاوضات.
وكان الأجدر بالعرب عموماً وبالفلسطينيين تخصيصاً أن يشترطوا على اسرائيل قبل البدء بأي مفاوضات شروطاً عادلة، ولا تتناقض مع القانون الدولي ومع قرارات الشرعية الدولية ومنها: اعتراف اسرائيل الواضح بأن الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967 -بما فيها جوهرتها القدس الشرقية-هي أراضي محتلة لا يجوز استيطانها، ولا ترحيل مواطنيها، ولا يجوز تغيير ملامحها، وأن لا سلام عادل ودائم دون الانسحاب الكامل منها، ويجب وضع فترة زمنية محددة للمفاوضات ولتحقيق هذا الانسحاب، ولو فعلوا ذلك لما وصل الشطط والتعنت الاسرائيلي الى ما وصل اليه.
لقد اقتطعت اسرائيل من المبادرة العربية جزئية “اقامة الدول العربية والاسلامية علاقات طبيعية مع اسرائيل” وأرادت الحصول على ذلك قبل تحقيق شرط الانسحاب، وقد نجحت في ذلك ولو جزئياً، واقتطاعها هذه الجزئية شبيه بموافقتها على قرار التقسيم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947 والذي ينص على اقامة دولتين هما اسرائيل ودولة فلسطين، فقبلت بجزئية اقامة دولة اسرائيل ورفضت جزئية اقامة الدولة الفلسطينية.
ان العالم الذي قاطع حكومة حماس التي تشكلت بناء على انتخابات ديمقراطية في العام 2006 لعدم رضوخها لشروط الرباعية، ومنها اعترافها باسرائيل، ومحاصرته لقطاع غزة منذ انقلاب حماس في حزيران 2007 ومشاركة الدول العربية في هذا الحصار، لم يحرك ساكناً أمام حكومة نتنياهو التي ترفض شروط الرباعية، ومنها الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته على الأراضي المحتلة في حرب حزيران 1967 وفي مقدمتها القدس الشريف، كما ترفض اتفاقات أنابوليس وخارطة الطريق وكافة قرارات مجلس الأمن الدولي، وما الكيل بمكيالين في الصراع العربي الاسرائيلي الا نتيجة حتمية للضعف العربي وللتشرذم العربي، واذا ما قالت الحكمة : ” على قدر أهل العزائم تأتي العزائم ” فإن لا عزم لدولنا العربية مع الأسف، واذا ما أكدت الدول العربية أن المبادرة العربية لن تبقى على الطاولة الى الأبد، فإن أحداً لم يسمع شيئاً عن البديل،اللهم إلا اذا اعتبرنا أن لا بديل للمفاوضات إلا المفاوضات.
17-9-2009