من يتابع السياسة الاسرائيلية “واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط!” منذ الاعلان عن اسرائيل كدولة في 15-5-1948 لن يحتاج إلى كثير من الذكاء ليكتشف أن قادة اسرائيل لم يحترموا يوما حقوق غير اليهود في هذه الدولة، ولم تكن هناك أيّة مساواة في الحقوق بين مواطني هذه الدولة، فحتى من خدموا ويخدمون في الجيش الاسرائيلي من غير اليهود لم يحصلوا يوما على حقوق متساوية مع اليهود، ومنذ بدايات نشوء دولة اسرائيل قامت بمصادرة الغالبية العظمى من أراضي الفلسطينيين الذين تشبثوا بديارهم وأراضيهم ووطنهم الذي ولدوا وترعرعوا فيه أبا عن جدّ منذ آلاف السنين، واسرائيل التي قامت على غيبية دينية “العودة إلى أرض الميعاد” لم تحترم مقدسات الديانات الأخرى، تماما مثلما لم تحترم الحقوق الانسانية لأتباع هذه الديانات، فقد جرى تجريف وهدم ومسح أكثر من 540 قرية وتجمع سكاني عربي بما في ذلك المساجد والمقامات والكنائس والمقابر، وقد خضع فلسطينيو الداخل إلى أحكام عسكرية لم تسمح لأحدهم بمغادرة حدود مدينته أو قريته بدون تصريح عسكري حتى عام 1967. وفي الوقت الذي فتحت فيه اسرائيل باب الهجرة إليها لكافة يهود العالم، فانها لم تسمح لأيّ فلسطينيّ غادر بيته تحت ويلات الحرب والمذابح التي تعرضت لها بعض القرى كدير ياسين والطنطورة والدوايمة وغيرها من العودة إلى بيته وأرضه، ولم تكتف اسرائيل بتهجير الفلسطينيين إلى الدول المجاورة بل إنها قامت بتهجير داخلي أيضا، فهناك قرى مواطنوها مهجرون داخل حدود اسرائيل، كفسوطة واقرث وكفر برعم وغيرها.
ولم يعد سرّا أنّ هناك ازدواجية في القوانين، فهناك قوانين للعرب وأخرى لليهود، وهذه القوانين تشمل مناحي الحياة كافة، ولم تكن من فراغ صيحة أحد القضاة العرب من الناصرة قبل حوالي أربعة عقود عندما قال:” دولتي تعادي شعبي”. لكن الأدهى في كل ذلك أن قادة اسرائيل يريدون من “مواطنيها العرب” أن يتقبلوا سياسة الحكومة الاسرائيلية المعادية لحقوقهم وانسانيتهم دون نقاش ودون احتجاج، وكأن الأمر مفروغ منه. والسبب أن اسرائيل لم تنظر اليهم يوما على اعتبار أنهم مواطنون فيها، وتسعى إلى الخلاص منهم متى سنحت لها الفرصة ذلك، فكثير من المسؤولين الاسرائيليين صرّحوا أكثر من مرّة حول طرد فلسطينيي الداخل الى الدولة الفلسطينية العتيدة أو خارج الحدود، وتتواصل التصريحات حول سحب الاقامة من مواطنين عرب، وهذا يعني أن التعامل معهم كميقيمين مؤقتين وليس كمواطنين!
وبالتأكيد فان قادة الفكر الصهيوني يؤمنون ويعملون على ترسيخ هذا الايمان في عقول مواطنيهم اليهود بأنّ “أرض اسرائيل” والمقصود فلسطين التاريخية من النهر الى البحر هي أرض يهودية، لا حقوق لغير اليهود فيها، بل إن بعضهم ومنهم نتنياهو يؤمن بأن “أرض الميعاد” تتعدى تلك الحدود لتطل على الصحراء العربية- المقصود الجزيرة العربية- وبالتالي فهم يسعون لتحقيق مشروعهم طويل المدى بتوسيع حدود اسرائيل لتكون من الفرات الى النيل، وأبعد من ذلك هم يريدونها دولة نقية، خالية من غير اليهود.
فما الجديد في طرح قانون “اسرائيل دولة قومية لليهود” وتسعى حكومة نتنياهو لاقراره؟
إن حكومة نتنياهو تستغل الخراب الجاري في العالم العربي وتسعى إلى جعل سياساتها التمييزية والمطبقة على أرض الواقع قانونا تشريعيا، يحميه القضاء والسلطة التنفيذية، وبالتالي سيفتح الباب على مصاريعه لعملية الترحيل الجماعي”الترانسفير” والتطهير العرقي الواسع لغير اليهود. وبالتأكيد فإن الأمور لن تتوقف عند حدود ذلك، بل سيصاحبها تقسيم المسجد الأقصى- إن لم يكن هدمه- لبناء الهيكل المزعوم مكانة، وبالتالي ستدخل المنطقة حروبا دينية لا نهاية لها، وقد تشعل حربا كونية ثالثة إن لم يتم وقف هذا الجنون الاسرائيلي.
26-11-2014