صدرت قصّة الأطفال “زغرودة ودماء” للأديب المقدسيّ جميل السلحوت قبل أيّام قليلة عن دار إلياحور في أبوديس- القدس.
في ثماني صفحات وجّه الأديب المقدسي ” جميل السلحوت” رسالة قيمة للكبار قبل الصغار، عالج ظاهرة خطيرة وصلت إلى بيوتنا وهددت أبناءنا، مراعيا طبيعة الأطفال الخاصة التي تقتضي أن نوجة لهم رسائل تربوية ضمنية بمهارة عالية، تراعي قدراتهم العقلية، وتشوقهم للعصف الذهني، وتمرر قيما أخلاقية بعيدا عن المباشرة في التوجيه وإسداء النصائح.
الفكرة الأساسية التي تدور حولها القصة تتمحور حول إطلاق المفرقعات في المناسبات السعيدة، الشخصيات والأحداث والأماكن تتوافق مع فكرة القصة، فهي حدث بسيط يحدث غالبا وانتشر في مجتمعنا، وسبب الكثير من الخسائر.
تبدأ القصة بفرحة غامرة تغمر الأمّ بسبب نجاح ابنها ” زيد” بمعدل خمس وخمسين في الثانوية العامة، يتوالى السرد الشيق لتطلب الأمّ من ابنها الآخر رائد ابن السبعة أعوام أن يخرج ويطلق المفرقعات ابتهاجا بنجاح شقيقه” زيد”، لتتحول الفرحة إلى حزن، عندما انفجرت المفرقعات بيد زيد، ممّا سبّب بتر ثلاثة أصابع له.
يثير الكاتب عاطفة القارئ حين يسأل ” رائد” أمّه في المستشفى: هل ستنبت لي أصابع جديدة ، بدل التي طيّرتها المفرقعات؟
إنها صفعة موجهة للأمّ، حيث يُقدّم الكاتب الأم بصورة غير ما عهدناها منه، هو يُقدّم شريحة من الأمّهات المستهترات، ونتيجة استهتارهن يقع المحظور، يبدأ القصة بكلمة ” قفز رائد مذعورا” على صراخ أمّه المدوّي، وحاله أخرى للأمّ استوقفتني ” كانت تلطم وجهها الذي شقّقته بأظافرها” هي صورة مفزعة للأمّ، إضاءة على أن عاطفة الأمّ وتعبيرها عن الفرح والحزن ودلال أبنائها دون وعي قد يضرّ بهم وبها، طبيعي أن تكون ردة فعل القارئ الطفل استهجان استخدام المفرقعات وسيعزف عنها، ويتذكر زيد عندما يرى موقفا مماثلا، وكذلك الآباء والأمّهات، ستتحرك مشاعرهم الحريصة على سلامة أبنائهم .
كان جديرا بالأمّ أن تُعلم أبناءها أن الفرح ليس بإطلاق الألعاب النّارية، والموقف السلبي الآخر الذي طرحه الكاتب مبالغتها بالفرح ومعدل إبنها ” زيد” متدنّ جدا “خمس وخمسون” الأخوة قدوة لبعضهم البعض، عندما يحصل الأخ الأكبر على معدل خمس وخمسين وتعلو الزغاريد وتوزع الشكولاتة الفاخرة، ويُحتفل به سيتعلم خوته الصغار أن لا داعي للمثابرة والاجتهاد، وسيكتفون بالحد الأدنى للنجاح.
رسومات القصة مشوقة، تتحرك فيها الشخصيات، بألوان تعكس الزغرودة والدماء معا، ألوان فيها البهجة والفرح، ولا تخلو صفحة من قطرات الدّماء، صورة الغلاف طفل جميل يقف بعيون واسعة مصدوماًوهو ينظر إلى المفرقعات، لم تعد هاجسه ولا سبب متعته بعد الآن، يضع يده على خاصرته وكأنه يتحدى شغفه فيها، في الصور الداخلية ترى الدهشة، والسعادة والاحتفال، وتنتهي بألم ودموع.
لغة الرواية السهلة ومضمونها القيم وأسلوبها السلس، يُظهر قدرات الأديب ابن القدس، حيث يُذكّر الطفل بمدينة القدس في معظم رواياته الموجهة لهم، حبذا لو استمرت تلك الرسائل، ووجهت الطفل للتربية السليمة التي نحن بأمس الحاجة لها في هذا الوقت.
2 ديسمبر 2020