بحرفية عالية المستوى وتكنيك روائي ملحمي، جاءت رواية “ظلام النهار” للأديب المقدسي جميل السلحوت الذي زاوج فيها الخيال مع الواقع، ومزج فيها الانسلاب مع الاغتراب …..اذ انه غاص بمهارة داخل شخوصه لحد القشعريرة …. وأحيانا استنكار القارئ لهذه السوداوية الموغلة لمشارف المطلق.
ضنك الحياة وانعدام الوعي وتفشي الجهل وقلة الحيلة والبؤس الذي يلازم ملامح الظاهر والباطن في حياة أولئك الناس، جعل السلحوت منهم أنموذجا لنظرية عالم الاجتماع ارنولد تومبي ” التحدي والاستجابة ”
في ثنايا بعض الحوارات كنت أرى”ظلام النهار” اقرب ما تكون ترجمة للمثل الشعبي(يا مفتح العنين يا أعمى القلب) لكنها في عمق مضمونها سياط لاسعة تستحضر اللامعقول حينا، وتهرب خجلا أحيانا من الصدمة التي حسبناها يوما خرافة من أدبيات الأعداء للنيل من جبروتنا وشموخنا وعزتنا وماضينا…..
وبكبرياء فارغة ظلت هذه قناعتنا حتى دفعنا أثمان باهظة من عدم الاقتناع بالواقع، والبدء في علاجه، واستئصال هذا العفن الذي بقي مغلفا وأسيرا لهذه المفاهيم حتى تفشى وكبر وصار العلاج أصعب بكثير عن بدايته.
شخوص الرواية عربها وعجمها أحياء يرزقون، يتحركون بين ظهرانينا بأدوار وهيئات مختلفة، والثابت في تلك الشخوص مراوحتها في نفس المكان باختلاف الأزمنة والمؤثرات التي غزت العالم ليغزو القمر والمريخ وعطارد وزحل.
أي تسمية تلك التي استطاع الكاتب أن يجمع هذا التناقض بين الحب والصدق، والقوة والحنان والنهار والظلام في آن واحدظ وكذلك الفقر الخرافي الذي يتوجه الطموح في الاكتشاف والتعلم …. وانتعال حذاء يدمي القدمين ويدخل الفرحة والسعادة في آن ….
” ما عليها ”
استميح الكاتب عذرا أو لبطل قصته خليل عندما زار ساعة بيج بين “واعتبر أن هناك في مكان الساعة خطا يتوسط الكرة الأرضية …علما أن الخط المذكور الذي يعتبر منتصف الكرة الأرضية بعيد عن موقع الساعة الشهير مسافة تزيد عن 10 كم .
الى ذلك كان من الأهمية بمكان أن تتضمن الرواية قاموسا لبعض الكلمات التي لا يعرفها الجزء الأعظم من القراء مثل (مراح) (ربق) ….الخ وكذلك امتزاج العامية المفرطة والمحصورة في منطقة معينه باللغة الفصحى البليغة، وهناك إشارة بالغة الأهمية حسب رأيي في حوار أبي نايف مع زوجته وابنته ص 117 ففي الوقت الذي يحتقر ويحقر فيها أبو نايف المرأة ويساويها مع البهائم، ويتفوه عليها بأقذع الألفاظ، لم تكن هناك إشارة في أن هذا الرجل على استعداد أن يقتل ويغزو لأجل حماية شرفه( عرضه) من أي اعتداء عليها …
الحديث ذو شجون من جوانب أخرى، لكنني اكتفي بلفت الانتباه لفيروس الأعمال الأدبية ألا وهي الأخطاء المطبعية.
نعم ظلام النهار سيناريو بامتياز لفيلم سينمائي يصفعنا لعلنا نفيق من هذا السبات الذي نحن فيه.