رواية لليافعين للكاتب المقدسي جميل السّلحوت، صدرت حديثًا 2016، عن مكتبة كل شيء في حيفا.
أودّ في قراءتي هذه أن أتحدّث عن الخيال في الرّواية.
في روايته بلاد العجائب، عمد الكاتب السّلحوت أن يستخدم الخيال المندمج بالواقع، حيث استخدم هذا الخيال؛ من أجل أن يرتقي بمستوى الفتيان إِلى درجة أفضل لحياة أفضل.
اختلف أهل العلم المعاصرين في حكم كتابة القصص الّتي يدخل فيها الخيال، فالبعض قام بتحريمها؛ لأنّه يعتبر أنّ القصّة الخياليّة تتحدّث عن شخصيّات مبتكرة وغير واقعيّة، كذلك أحداثًا مبتكرة؛ لذلك فهي كذب، والكذب حرام.
أمّا الرّأي الآخر فيرى بأنّ الخيال مباح في الرّواية ما دام المراد منها تحقيق أغراض لتعليم القيم والآداب والأخلاق؛ أو علاج بعض القضايا الاجتماعيّة والسّياسية، أو تعليم بعض العلوم التّجريبيّة وغيرها.
بالنّسبة لي ككاتبة للقصص الواقعيّة والخياليّة للأطفال والبالغين أرى بأنّ الكاتب أو الأديب، يتوجّه إِلى القارئ أو المتلقّي، ويطلب منه أن يتعاون معه، ويتخيّل صورًا جديدة، أو غريبة لشخصيّات يعمل على بنائها طيلة مساحة روايته من بدايتها حتّى نهايتها؛ وحين يستجيب القارئ لهذا الطّلب، ويحاول أن يتخيّل مع الكاتب خياله، ويعيش الأحداث المبتكرة، فبإمكانه أن يتوصّل إِلى الهدف الّذي ابتغاه الكاتب، وكتب روايته من أجله. وليس هناك أيّة علاقة لما ذُكر بالحلال والحرام.
أعتقد بأنّ كاتبنا المبدع جميل السّلحوت نهج في استخدام الخيال؛ من أجل ايصال أفكار ترفض الواقع المرّ الّذي يعيشه عالمنا الرّهيب، المبنيّ على الخداع والغشّ والعنف بأشكاله وأنواعه، وعلى الطّمع والجشع؛ لذلك حاول أن يتخيّل عالمًا جديدًا غير عالمنا. عالما يخلو من الحقد والكره، والبغضاء. عالما لا يسوده العنف أبدًا، فلا يسطو فيه القويّ على الضّعيف. عالم يخلو من أنواع أسلحة الدّمار.
اعتبر الكاتب هذا الخيال نموذجًا احتذى به لبناء عالم مثاليّ يخلو من كلّ أنواع السّلبيّات، فهذه رسالة أراد أن يوصلها للطّالب القارئ؛ كي يفهم ويعرف ما هي مقاييس ومعايير العالم المثاليّ، وأين يقف هو من هذا العالم، وتحت أيّة درجة؟ من أجل أن يشتغل على شخصيّته لتصبح دائما الأفضل، تعيش في عالم أفضل.
جمح خيال الكاتب جميل ليبني لنا عالمًا جميلًا تحكمه النّساء والفتيات الرّقيقات، والأطفال، ومملكة حاكمتها ملكة متواضعة تعمل على بناء مجتمع صالح؛ وتهتمّ بأُسرتها مثل أيّ امرأة عاديّة.
لقد نصر خيال الكاتب هنا الطّبقتين المستضعفتين، وهما الأطفال والنّساء، حيث ظلمتهما المجتمعات القائمة، وهذه دعوة من الكاتب للوقوف مع المرأة لعظمتها وقدرتها على العطاء والبناء، وكونها مصدرًا للإخصاب والانجاب.
إِنّ ايمان الكاتب جميل السّلحوت بقدرة المرأة، لهو تشجيع للفتيان أجيال المستقبل للعمل بالمثل؛ وعدم ظلم النّساء والأطفال؛ من أجل بناء مجتمعات صالحة، مدارسها الأُمّهات.
ربط الكاتب خياله الممتدّ مع واقع القدس. أبرز مصدر عروبتها. أبرز أهميّتها التّاريخيّة وحضارتها، وثقافتها. أبرز الكاتب أهميّة الوطن وضرورة العيش به؛ حتّى لو توفّرت له السّعادة في بلاد العجائب، مستشهدًا بقصيدة ميسون بنت بحدل:
لبيت تخفق الأرياح فيه/ أحبّ اليّ من قصر منيف.
استغلّ الكاتب الثّراء الّذي حصلت عليه عائلة عبد المعطي؛ من أجل ابراز أهميّة القدس، وذلك لشراء بيت يطلّ على المدينة والأقصى.
إِنّ الصّور الرّائعة الجمال للمدن والحدائق والشّوارع في البلاد العجيبة، والحيوانات العجيبة، والسّيّارات الفارهة العجيبة؛ الّتي ابتدعها الكاتب، لهي صور مشوّقة تشدّ القارئ للرّواية بقوّة، وتشجّعه على القراءة.
وهذا ما نرجوه من أبنائنا، الاقدام على القراءة للاستفادة منها ، والاستمتاع بها.
ساعدت لغة الكاتب السّلسة على تطوير الخيال بشكل واسع ومحبّب.
.