هوان النعيم رواية صدرت حديثاً للكاتب جميل السلحوت وهي من منشورات دار الجندي جاءت في 173 صفحة من الحجم الوسط.
تحدث فيها الكاتب جميل السلحوت عن الحرب التي دارت في العام 1967 بين اسرائيل وكل من الاردن ومصر وسوريا، والتي أدّت إلى هزيمة تلك الدول أمام اسرائيل، واحتلال الأخيرة لباقي أرض فلسطين وهي ما يسمى بالضفة الغربية وقطاع غزة، إضافة الى احتلالها لسيناء والجولان التابعتين لمصر وسوريا.
بدأ الكاتب جميل السلحوت روايته بالاعتداء الذي قامت به اسرائيل على قرية السموع قضاء الخليل في تشرين ثاني 1966 وكيف دبّ الحماس في الجماهير، وخرجت بمظاهرات تعبّر عن غضبها واحتجاجها وسخطها واستعدادها للدفاع عن نفسها، واستعادة أراضي فلسطين المحتلة آنذاك، وكيف أن الحكومة الأردنية أوعزت بالتجنيد في صفوف الحرس الوطني وبدأت بتدريب طلاب المدارس الثانوية على أساليب القتال بشكل بدائي حتى تمتص غضب الشعب.
وتحدث الكاتب عن تطورات الأوضاع في الساحة العربية، والتي أدّت إلى نشوب حرب حزيران عام 1967 بعد أن أغلقت مصر بقيادة الرئيس المصري جمال عبد الناصر مضائق تيران، ووقع الملك حسين ملك الأردن اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر وسوريا.
وحدثنا أيضاً عمّا دار من نقاشات بين أفراد الشعب بين مؤيد ومعارض ومتخوف من الحرب، وكيف سارع السكان لتخزين المواد الغذائية تَحسُباً من نتائج الحرب وأبعادها، وعن أملهم بالتحرير، وعن خوف البعض من التهجير، ليصبحوا لاجئين جدد، يهيمون في مخيمات تقام على أراضي الدول العربية المجاورة، كما جرى فينكبة العام 1948.
وتشتعل الحرب على كافة الجبهات دفعة واحدة يوم الاثنين في الخامس من حزيران 1967 لتكون نتيجتها احتلال اسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة أي ما تبقى من أراضي فلسطين ومدنها.
وكذلك احتلال صحراء سيناء، وهضبة الجولان، بعد أن انسحب الجيش العربي دون أن يحارب، وفق التعليمات والأوامر، وبعد أن انهزم الجيش المصري نتيجة للخيانة في قيادة الجيش، وكذلك الحال أو أكثر في الجانب السوري.
وتطرق الكاتب إلى حالة الانهيار والاندهاش والذهول التي فاجأت الناس بهذه النتيجة الوخيمة وغير المتوقعة، بأن يهزموا مرة أخرى، ويصبحوا مُشردين ولاجئين من جديد، أجل إنها مأساة أصابت الأمّة بأسرها .
حدثنا عن موقف حليفنا الاتحاد السوفييتي، والموقف الأمريكي المعادي،و رجوع جمال عبد الناصر عن استقالته، وإعادة بناء القوات المسلحة تمهيداً لحرب التحرير القادمة، وعمّا قاله عبد الناصر (بأن ما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة) وعن عودة الأهالي مهزومين يائسين محبطين إلى منازلهم، بعد أن تركوها خوفاً من ويلات الحرب التي لم تحدث إلا وفق ما كان مرسوماً لها.
ونقلنا الكاتب جميل السلحوت إلى ما بعد الحرب، وكيف بدأ الناس يتعاطون مع المحتل الجديد؟ وحالة الانبهار التي أصابت السكان من مظاهر الاحتلال وعاداته الغريبة عنا، ومحاولة المحتل تزيين صورته في الوقت ذاته الذي كان يهدم الجدار الفاصل بين الحدود في القدس، ويهدم حارة المغاربة/ حارة الشرف بدايةً من الحائط الغربي للمسجد الأقصى (حائط البراق) ليقيم مكانه حائطاً للعبادة يسمونه (حائط المبكى).
هكذا امتزجت الهزيمة بالحسرة والدهشة والذهول المهين.
بدأ الاحتلال بتنفيذ إجراءاته من إحصاء للسكان، ومنحهم هويات إثر ذلك حتى يحصروا سكان القدس التي ضمّوها إلى دولتهم بقرار من بلمانهم-الكنيست- وبهذا ميّزوا سكانها بإعطائهم هويات تختلف عن هويات باقي المناطق المحتلة.
وأشار الكاتب إلى حالة التكافل الاجتماعي التي سادت بين فئات المجتمع بفئاته كافة بعد الحرب، فتحدث عن الدكتور صبحي والمقصود هنا(الدكتور صبحي غوشة، وكذلك الدكتور أمين وهو الدكتور أمين الخطيب)اللذين أدّيا دورهما على أحسن حال في مساعدة أبناء شعبهم.
وكذلك الشيخ ياسين والمقصود هنا هو االمرحوم(الشيخ ياسين البكري، الذي كان أنذاك إماما ومدرسا في المسجد الأقصى) وهو والد الشاعر المعروف فوزي البكري .
هذا الشيخ الذي كان له دورٌ هامٌ في رفع المعنويات، وإنهاض الروح الوطنية بين الجماهير .
وتحدث الكاتب عن المذابح التي قامت بها(الهاغاناه وايتسل وليحي) كمذبحة دير ياسين وغيرها، وتحدث عن أطماع اسرائيل في أرض العرب حسب ما جاء على لسان الكابتن نمرود، بأن هذه الأرض من النهر إلى البحر هي جزء من أرض اسرائيل، وعن مصادرات الأراضي وهدم المنازل، وتغيير المناهج التعليمية والاعتقالات، وقمع الحريات المدنية، ومنع المصلين من الوصول إلى دور العبادة، وعن القوانين المجحفة المفروضة علينا.
وتحدث أيضاً عن أهمية البقاء في البلاد، وعدم اللجوء أو النزوح منها، وعن لاءات مؤتمر الخرطوم، وحرب الاستنزاف التي خاضها الجيش المصري بعدما ان أعاد بناءه الزعيم جمال عبد الناصر.
تحدث الكاتب جميل السلحوت عن المظاهرات وعن الجولات التي قام بها أهل القدس الى مدن الداخل، حتى يتعرفوا على الأهل في منطقة 1948، وعن أبو سالم الذي ما لَبٍثَ أن تعامل مع الكابتن نمرود، حتى أصبح عميلاً بفعل عملية الإسقاط التي أوقعوه فيها، وبفعل استعداده النفسي لأن يكون كذلك……
وعن خليل الذي لم تتطور شخصيته كبطل رئيسي من أبطال الرواية، بل بقي يسأل الأسئلة فقط، لم يحرك ساكنا، ولم يَهُزُه ما جرى، بينما رأينا كيف أن شخصية أبي سالم تعاملت مع الاحتلال بالسرعة اللافتة.
وبقي خليل بطرح الأسئلة فقط، لم تتطور شخصيته كبطل للرواية، ولم تتكون لديه أيّة فكرة حول أيّ شأن ما، إلا أن يطلب من جريس إيصاله بل إيصالهم إلى بيوتهم كما جاء في صفحة 155(خليل مخاطباً جريس:لو سمحت…..أوصلنا إلى بيوتنا).
مع أنه كان قد شارك في مظاهرة اندلعت في بشارع صلاح الدين في القدس إثر أحداث السموع سنة 1966 كما جاء في الصفحة الثانية للرواية.
مع أنه كان متميزاً في التدريبِ وهو الأكتع، وكان يُلقب بالأستاذ وهو في المرحلة الثانوية، ولكن الذي بدا أن دوره ظل ثانويّا سطحيّا، لم يكن له أثر أو تأثير ينمّ عن تميزه أو أستذته، بل ذهب إلى البيت وغادر الساحة، وتركها لأبي سالم وأمثاله، كما رأينا في نهاية الرواية .
إنّها رواية لقصّة هزيمتنا، أنهاها كاتبها بهزيمة أخرى من خلال تعامل أبي سالم مع المحتل، وخيانة أبناء شعبه، وهي رواية لتاريخ هذه الأمّة في ذلك الوقت(حرب حزيران 1967)وهي رواية لتاريخ الشخصيات الحقيقية التي ذُكرت أسماؤها في الرواية، فهي أسماء لأُناس كان لهم شأنهم ودورهم الكبير في تلك الحقبة، وكذلك الأحزاب التي ذكرها الكاتب.
ولكن ينبغي التنويه إلى أنّه كان هنالك شعب بأفراده وأشخاصه وفئاته وشرائحه وتكوينه، كان يرفض الاحتلال، وكان يُترجم مواقفه هذه على الأرض، وامتلأت بهم سجون المحتل آنذاك.
وإنّي أوصي لمن لم يعايش أحداث الحرب (حرب حزيران 1967)في تلك الفترة، وخاصة جيل الشباب الذين ولدوا بعد هذه الحرب، أن يقرأوا هذه الرواية، لأن فيها تفاصيلاً دقيقة لما جرى في هذه الحرب، ولما كان سائداً وقتها، وفيها وصف حيّ حقيقيّ لما دار فيها وحولها، ولما حملته هذه التجربة(الحرب)من أبعاد انعكست على حالتنا نحن الفلسطينيين الذين ما زلنا نرزح تحت الاحتلال، نتيجة لهذه الحرب، وما انعكس على حال أُمتنا العربية أيضاً من نتائج ما زالت تتفاعل حتى يومنا هذا، الأمر الذي جعلنا مجتمعين نعاني منه، وغارقين فيه، ونحترق بناره، لأنه ما زال فينا خليلاً الذي لم يستوعب الصدمة بعد، والذي ما زال يتخبط في أسئلته تارة، وتارةً يجرب دون الوصول إلى النتائج المرجوّة، ولأنه هادن أبي سالم الذي أُسقط….والذي أوصلنا الى الحضيض الذي نحن فيه الان.
إنّها رواية جديرة بالقراءة، وخاصة للأجيال القادمة علّها توقظهم أو تُنمي وعيهم وقدراتهم الوجدانية، وتشرح لهم ما يرغبون بتشريحه، ولكن باستعمالهم المبضع لبتر الورم السرطاني الذي نعاني منه، ليس في غرف العمليات الجراحية بل في غرف الطوارئ الميدانية.
إنّها رواية مليئة بالصور الحقيقية، وليس من نسج الخيال، إلا أنها مليئة أيضاً بالخيال الذهني والصُوري الجميل، الأمر الذي يشدّ القارئ إلى قراءة الكتاب دفعة واحدة، فعندما يبدأ القارئ بفتح صفحاته، تندلع الحرب، ويندفع القارئ في خوض غِمار القراءة غير عابئ بالنتائج التي يمكن أن تصيبه نتيجة لتواصله في القراءة، كثنيه عن آداء أعماله وشؤونه الحياتية مثلاً وكأنه يشترك في الحرب ذاتها، غير أبه بما يصيبه منها من نتائج خطرة ومدمرة .
إنّها رواية جديرة بالقراءة، فأُسلوبها شيق ولغتها جليةً، وأسلوبها غنيّ بمبناه الفنيّ، بتوفر كل ما يلزم من متطلبات المغزى والمعنى والأفكار التي قصد الكاتب إيصالها للقارئ، حتى يضعه أمام مسؤولياته والأدوار المطلوبة منه، والنتائج المتوخاة منه أيضا، حتى يخرج بنتائج صادقة وسليمة لمجموع الدروس والعبر التي ينبغي أن يستفيد منها، حتى لا يُهزم مرة أُخرى…يتعلم منها ويُفيد الاخرين إلى أبعد الحدود حتى يضع قدمه على أول طريق النصر.