القدس:27-2-2020 – ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس ديوان “على ضفاف الأيّام”، باكورة إصدارات الشاعرة الكرميّة نائلة أبو طاحون.
يقع الدّيوان الصادر عام 2019 عن مكتبة كل شيء في حيفا، ومنتجه وأخرجه شربل الياس في 94 صفحة من الحجم المتوسّط. ويحوي على قصائد مقفّاة وأخرى من قصائد الشّعر الحرّ الموزونة.
ممّا يذكر أنّ الشّاعرة أبو طاحون تكتب القصّة والرّواية إضافة إلى قصائد التفعيلة، وسيصدر لها قريبا رواية.
افتتحت الأمسية ديمة جمعة السمان:
قصائد تحمل معاني الحياة بكل ما فيها من مشاعر إنسانية راقية، تنوعت فيها المواضيع، وتحددت الأهداف بوضوح، وظهر فيها بعض البوح الجميل.
أهدت كلمات قصائدها التي استوحت كلمتها من الروح ونبض القلب، إلى من كانت لهما ثمرة العمر، وكانا لها فرح الحياة، إلى روحي والدها ووالدتها، حيث وجدت الحب والحنان في مراحل حياتها المختلفة.
لم تُعجز الشاعرة الكلمة، كانت سلسة ، خدمت الهدف دون تعقيد.
عناوين القصائد زادت من جمالها، فقد أحسنت اختيارها.
تنوعت قصائدها، وتنوعت نغماتها، بعضها كان ينزف حنينا وشوقا لمن غاب من الأحبة، وبعض آخر كان يميل إلى الحزن المغموس بمشاعر اليأس من واقع أليم يعيشه شعبنا المقهور، ثم تنتقل بأخرى إلى التفاؤل المغموس بمشاعر الفخر والإباء والكبرياء، إذ كانت رسائل وطنية تبث الطمأنينة والحماس والتفاؤل لتستمر الحياة.
” على ضفاف الأيام” ، مجموعة من القصائد كتبت بلغة جميلة، خرجت من القلب إلى القلب دون تعقيد ولا تزييف.
وقال ابراهيم جوهر:
تعيد لغة الشاعرة قارئها إلى لغة “أحمد شوقي” و”قيس بن الملوّح” وتذكّره صورها بنزار قباني وفدوى طوقا..
هذه شاعرة ترسم الألم بحروف وموسيقى وتنثر الحُبّ لقارئها على صفحات مؤطّرة برقّة المشاعر ونبض القلب.
جاءت قصائدها على شكل مقطوعات سريعة ذات إيقاع موسيقي ولغة قويّة
وانتهت أبياتها بقافية مناسبة للحالة الشعورية التي تنقلها القصيدة.
طغت العاطفة الغزلية العذرية ولغتها وأسلوبها على أسلوب الشاعرة في مقطوعاتها الرشيقة مما يدلّل على ثقافة الشاعرة وتناصّها مع قصائد بعينها ذائعة الشّهرة.
هذه شاعرة تعرف ميدانها جيدا وتثق بلغتها ورؤاها. وهي تمتلك لغة أدبية اكتسبتها من دراسة التراث الشّعري العربي حتى لكأنّ القارئ يطالع قصائد من الشّعر العباسي ذي اللغة العالية والعاطفة المؤثرة، وقصيدتها في رثاء والدتها على الصفحات 10- 13 دليل على هذا وعلى طريقة بوحها وصورها الفنية.
ضفاف الأيام التي وقفت الشاعرة عندها هي ضفاف من حزن على فقد الأم ونداء للمعشوق الغائب وشدّ أزر للأسير المنتظر فجر حريته.
لقد وقفت الشاعرة عند هذه المرتكزات لتغنّي بقلبها ولغتها لتأتي طيور الصباح فتشاركها الغناء.
وقال جميل السلحوت:
نائلة أبو طاحون شاعرة فلسطينيّة ولدت في مدينة طولكرم في شمال الصّفّة الغربيّة، وتعيش فيها. وهي تكتب القصّة والرواية.
وهذا الدّيوان هو الإصدار الأوّل لها، فشاعرتنا تتهيّب النّشر ولا تستعجله.
من يقرأ هذا الدّيوان، سيجد نفسه أمام شاعرة موهوبة مرهفة الأحاسيس والمشاعر، تكتب القصيدة العموديّة المقفّاة وقصيدة التفعيلة، وهذا تأكيد على قدراتها الشّعريّة. تنوّعت أغراض قصائدها بين البوح، الحبّ، الهمّ الوطني، المراثي، عشقها للوطن وخاصّة لجوهرته القدس، وتعاطفها مع معاناة الأسرى، وبكائها على حال شعبها وأمّتها، والمراثي.
وبما أنّ الشّعر لحظة شعور -كما يصفه النّقاد-، فإنّ شاعرتنا المقلّة في قرض الشّعر ذات عاطفة صادقة لا تصنّع فيها، ولا تخفى على من يقرأ قصائدها، ومن هنا تظهر جماليّاتها.
ويظهر في هذا الدّيوان، قدرة الشّاعرة اللغويّة، وإجادتها للفنون البلاغية، وقدرتها على صياغة الجملة الشّعريّة بطريقة لافتة.
لم أحبّذ التقديم؛ لأنّه لم يضف شيئا للدّيوان، ووضعه تحت عنوان “مقدّمة” خطأ؛ لأنّ الكاتب هو من يكتب مقدّمة لكتابه-إن رأى ضرورة لذلك-، أمّا ما يكتبه آخر فهو تقديم وليس مقدّمة.
هذا الدّيوان ينبئنا أنّنا أمام شاعرة مطبوعة سيكون لها شأن إذا ما واصلت طريقها في عالم الشّعر والأدب.
وكتب الدكتور عزالدين أبو ميزر:
لدى قراءتي لهذا الدّيوان رأيتني منجذبا، وعلى قناعة أنّ كاتبة هذه الأشعار رصينة اللغة، ومتمسّكة بالمنهج القديم في الشعر الذي قام على ما صنّفه الفراهيدي وتلميذه الأخفش في بحور الشعر وتفعيلاته، والتي أميل إليها، ولا أنكر على من سلك طريق الحداثة، وانسلخ عن عباءة الخليل في الشعر، والذي سمّاه هذا الإسم وجعل له قواعد، وأركانا. وثوابت، وأوزانا، وصفات أجمع عليها هو ومن استنّ سنّته، واهتدى بهديه، طيلة هذه القرون الطوال، والتي نبغ فيها من شعراء العربية، في جميع عهودها، ممّن يشار إليهم ببنان من ماس وذهب وياقوت، وأكثرهم لا يزالون أحياء ذكرا إلى يومنا هذا،مع إخوانهم الأحياء حقا من النوابغ في عصورنا هذه، وإن من أختطّ ما سمّي بالشعر الحر، والذي قال فيه أدونيس وهو من كبار رواده، وسمّاه قصيدة النثر، أو الشعر المنثور، وقال أنه يجب أن يكتب كقطعة نثريّة، لا على شكل أبيات شعر التفعيلة، والذي اعتمده كثير من شعراء الحداثة، رغم إحساسي أن ما يسمى قصيدة النثر بلغت أواخر نهاياتها، وبدا الموهوبون والذين يرون أنفسهم في دروب الشعر، يرجعون إلى الأصول، وكأنّ مغناطيس الخليل وبحوره من القوة، أنها لم تندثر، وأن بها القوة الجاذبة لتجذبهم إليها.
وعودة إلى شاعرتنا، وإن كلمة شاعر ليست من البساطة، بأن تطلق على كل من كتب الشعر، حتّى وإن أقام أركانه وثوابته، وحفظ أوزانه، فالشعر ،إحساس، وإذا لم يستفز الشعر العقل والشعور معا، ويقف من يسمعه على قدميه مصفقا، وهو يقول: الله الله الله، على ما يسمع أو يقرأ، للجرس الموسيقي، والدهشة في الصورة، والإنبهار في المعنى، وعدم تقصّد الغموض، وانسياب الكلمات في بناء القصيدة كل كلمة في مكانها، وكأنّ القصيدة لوحة رسم فنّية، متقنة بألوانها، وظلالها، وأبعادها، ويقف الرائي أمامها مبهورا وقد تملّكته كل صنوف اللذّة بكل أشكالها، فلا يسمّى شعرا وإنّما هو نظم.
ورجوعا إلى قصائد شاعرتنا، فإنها في قصائدها في القسم الأوّل استوفت كل شروط القصيدة الفراهيدية، بالكمال والتمام، إلا في بعض القصائد نجد خللا في الوزن الشعري في الصفحات: ١٨، ٢٥، وقصيدة ‘سل عيونى’ فالخلل كثير فيها، ٨٠، ٨٢.
أما من ناحية اللغة والسبك، فإنها لغة قويّة ومتماسكة، عدا بعض الهنات، كتسكين نون الوسط في شنَآن، أو استعمال هتك الجمال، وإنّما العرض، والستر هما ما يهتكان والجمال يقتل أو يشوّه، ويستكين بدل كلمة يستكنّ ويستقرّْ ص٢٥
وفي قسمها الثاني اعتمدت شعر التفعيلة، وفيه انفلات من قيود القافية والرّوي، إلا أنه يعطي صورا جمالية أوضح وأوسع من البيت العمودي، الذي يكوّن في حدّ ذاته كينونة لوحده. ولا نقول أن أشعار القسم الثاني هي من الشعر الحر، لأنها ملتزمة بتفعيلة الخليل بن أحمد الفراهيدي.
لا شك أن العاطفة تسكن زوايا القصائد ولا تغلي في داخلها، والشاعرة كغيرها من الشعراء متأثّرة بما حفظته من شعر في مخزونها اللغوي، ولا يعد أبدا من التناص الذي يلجأ إليه بعض الشعراء.
وكتب محمد موسى عويسات:
أخذ الدّيوان اسم القصيدة العموديّة على ضفاف الأيام والتي مطلعها:
ما أنت إلا الشّمس تشرق في غدي … وسناء فجر رائع متجدّد
والديوان فصلان: الأوّل للشّعر العموديّ، التزم بحور الشّعر العربيّة المعروفة، ومجموع قصائدة سبع وعشرون قصيدة، عدد غير قليل منها من المقطوعات التي لم يبلغ معظمها عشرة أبيات… وثلاث قصائد منها تجاوزت العشرين بيتا. أمّا الفصل الثاني فكان لشّعر التّفعيلة، وربّما كانت فيها الشّاعرة أطول نفسًا.
وبجمع الشّاعرة بين هذين الصّنفين من الشّعر، مع توفر الخصائص الفنّيّة المتعارف عليها في الشّعر الجيد، نكون أمام شاعرة مُجيدة. ومن حيث الموضوعات نجد الشّاعرة قد جمعت بين أغراض عديدة منها: الرّثاء في قصيدة (أمّاه) والتي بلغت خمسة وعشرين بيتا. وقضيّة فلسطين والقدس، من مثل قصائد: عنقاء فلسطين، وخلف الجدار، وعلى شطآن يافا، وقصيدة لأسرانا البواسل، وقصيدة لا تساوم. وقد أبدت فيهما التشبّث بالوطن والقدس، ورفض المساومة عليهما، والحنين والأمل بالعودة والاستبشار بالتّحرير، ولوم العرب لتخاذلهم عن نصرة القدس. وهناك التّأمّلات الفلسفيّة من مثل قصيدة الموت، وعمري أنا، وجذوة العشق. وكذلك قصائد عاطفيّة في الشوق وشكوى بعد الحبيب وغيابه، من مثل قصيدة أيّها البعيد، وضفاف الأيام وغيرها.
وأول ما امتاز به شعرها هو جمال اللّغة، ومهارة اختيار الألفاظ اللّطيفة التي توافق الغرض، وتشكّل البناء الموسيقيّ الدّاخليّ الثّر، والتي توحي بطبع لا تكلّف فيه. فلا غرابة في ألفاظها ولا ابتذال، ويبدو عليها التّأثر بلغة القرآن في ألفاظ كثيرة. أمّا التّصوير والخيال والتّشبيهات والاستعارة فبدت رائقة بعيدة عن الغرابة أيضا، وإن كان بعضها بسيطا يصدر عن طبع بريء بعيد عن التّكلّف والتّعقيد. ومن أمثلة التّصوير البديع: تقول في قصيد ضفاف الأيام:
أطلقت في بهو الضّلوع فراشة … زهو الفراشات الجميلة ترتدي
لتمرّ في غابات شوق جارف … يصطاد ما بالقلب من نبضٍ صدي
وتقول في قصيدة ترثي فيها أمّها:
حزن يغلّف خافقي
كمحارة…
ألقى بها الموج على شطّ غريب
لا الموج يذكرها ولا
قلب حبيب.
ومن الميزات الملحوظة بكلّ وضوح في شعر الشّاعرة الغنى الموسيقيّ الذي جعلها أو جعل معظمها غنائيّا بحتا، وسرّ هذا في اختيار البحور الأكثر غنائيّة، كالبحر الكامل أو الوافر مثلا، والتّفعيلات في شعر التّفعيلة كـ (متفاعلن)… وسرّه كذلك في اختيارها الألفاظ الرّقيقة الخفيفة التي تتكاتف في صنع موسيقى داخلية آسرة، مثال ذلك في قصيدة غرّد الطير وهي من الوافر:
غرّد الطّير بأفنان الزّهر … والخرير العذب ألحان النّهرْ
في نسيم الصّبح ريح خلته … من شذا الشّوق تمادى وانتثرْ
رفّ قلبي وزها من وجدي … حين مرّ الصّبّ فيه وعبرْ
وانظر في قولها في قصيدة رفيق الرّوح، وهي من بحر الهزج:
رفيق الرّوح لو تدري بأنّي بتّ ملتاعةْ
أبثّ الليل أشواقي إلى لقياك لو ساعةْ
تجدّد للهوى عهدا بأمر السّمع والطاعةْ
وعلى بساطة المعنى والصّورة تجد في هذه الأبيات فيضا موسيقيّا غامرا، بل قد وفّقت الشّاعرة في اختيار التّاء السّاكنة ليتناسب الصّوت مع الغرض والسّياق.
ونجد في كلّ هذه الميزات أنّ الكاتبة كانت صادقة العاطفة، ففي رثاء أمّها بدت في حزن ومشاعر غير متكلّفة، وكذلك فيما تعلّق بالقدس ويافا أو في أشعارها العاطفيّة المضمّخة بالشّوق والحنين والشّكوى، إذ كانت بعيدة كلّ البعد عن المبالغة والتّواري خلف استعارات وأخيلة غريبة متكلّفة، وهي شاعرة غير بكّاءة، يملؤها الأمل والاستبشار بالفرج. ولا أجانب الصّواب إن قلت أنّي أشتمّ فيها رائحة الشّعر العباسيّ، وبخاصّة أشعار المطبوعين، ولكن ينقص شاعرتنا المجيدة النّفس الطويل في شعرها العموديّ الرّائق، كي تلحق بهم، ولا أظنّ هذا يعجزها.
وأخيرا أشير إلى أنّني كنت مررت بالمقدّمة التي كتبها الدكتور المصري علي أبو عميرة، مرور غير مدقّق فيما يقول، لأعود له بعد أن قرأت الدّيوان بإنعام نظر وتذوّق. فوجدته قد قال فيه حقّا، وكان فيه صاحب نظرة دقيقة وتعبير بليغ.
وقالت رائدة أبو الصوي:
عنوان واسع ومشاعر فياضة، صدق تجربة وحرارة تعبير ودقة تصوير . في هذا الديوان وجدت أمامي شاعرة متمكنة نبهرة في انتقاء المواضيع ونسج الحروف . قطرات من عطر منعشة، تشرح القلب وتنعش الروح .
تناغم وتناسق وانسجام، موسيقى وألحان، فن ومشاعر صادقة نابعة من القلب، بساطة في الكلمات وعمق بالمعاني .
قصائد متنوعة / متعددة / ملونة، ترضي جميع الأذواق .
الحزن والفرح، العنصر الأنساني الاجتماعي .
في الرثاء وجدتني أقف أمام ملكة الرثاء، خصوصا في قصيدة ( أمَّاهُ).
في الديوان مكان للوطن، للأب وللحبيب وللطبيعة .
صور شعرية جميلة جدا منها :
حُزْنٌ يغلف خافقي
كمحارة ألقى بها موج على شط غريب .
لا الموج يذكرها ولا قلب حبيب .
الله على هذا البيت ما أعمق حروفه! وما أجملها!
عيناك بحري والفؤاد سفينة
وورود خدك خلتها شطآني
وبيت الشعر في قصيدة أمّي
بالْحُلِم يَوما نلتقي …حُزنٌ يُغَلّفُ خَافِقي
كَمَحارةٍ … ألْقَى بِهَا مَوجٌ عَلى شَطٍّ غَريبْ .
لا الموج يذكرها ولا قلب حبيب .
وقالت هدى عثمان أبو غوش:
ديوان شعرّي جميل، في فصله الأوّل يعتمد على الشّعر العمودي القديم، بينما في الفصل الثّاني، نجد شعرالتفعيلة الخالي من القافيّة والرّويّ. يحمل الدّيوان صورا شتّى لأثر الغياب، غياب الحبيب وهجرانه، غياب الأسير الأب والإنسان، غياب الأُمّ ورثائها ولوعة الحنين، غياب صوت كرامة الوطن وخيانته، غياب الفرح في ظلّ الوجع، وغياب الحرّيّة وظلم الحاكم،ولذا، ليس غريبا أن تمتطي الشّاعرة قوافي الغياب بلغة جميلة وقوّيّة، لتمطرنا بحضور المشاعر والعواطف الرقيقة.
برزت العاطفة الحزينة في الدّيوان، وقد نجحت الشّاعرة في البوح بمشاعرها الإنسانيّة والعاطفيّة والوطنيّة بشكلّ مؤثر، فتجلّت بإستخداماتها للمفردات والأفعال التّي تعبّر عن الحالّة النفسيّة عند الشّاعرة بإسهاب، خاصّة في قصيدة “أمّاه” و “حنين”واستخدمت مفردة الوحدة، للتّعبير عن اشتياقها، سواء للحبّ أو الأم التّي رحلت عن عالمها، أو الزوج الأسير، وكذلك كرّرت مفردة الشّوق كثيرا في قصائدها.
تقول في قصيدة “أمّاه”: ها بُحّ صوتُ الشّوقِ يندُبُ وحدتي-والطّفلُ فيّ معانِدُ وينادي.
وتقول في قصيدة “حنين”:سأبكي في سكون اللّيّل وحدي-وأدعو أن يطول بِيَ المساءُ.
استخدمت الشّاعرّة الأُسلوب السّردي القَصصي بشكلّ جميل، كما في قصيدة “خلف الجدّار”، حيث احتوت القصيدة على الوصف والحوار والتّساؤلات وأنهتها بالأمل.
وأيضا في قصيدة “أوتذكرين” التّي تعتمد على الوصف، وحديث الذكريّات، وتصوير صورة السّجن والسّجان وحالة السّجين.
استخدمت أُسلوب المناجاة والحوار،كما في قصيدة “على شطآن يافا” فالشّاعرة تناجي الموج وتمنحه صورة التّشخيص، فتتجلّى الصوّر الشّعرّيّة الجميلة، مع التأكيد على حلم حقّ العودّة.
نجد التّناص من القرآن في بعض القصائد،”يا صاحبيّ:السّجن”و”سبع عجاف”في سورة يوسف.
وهناك بعض القصائد حين تسمعها تستذكر قصائد من الشّعر العمودي القديم، والشّعر الحديث، التّي تطرب لها أو تمّ غناؤها.
حضرت الطبيعة في الدّيوان( كالشّمس- البحر-الفراشة-النّهر- السّماء-الطير -الأزهار النّجمات ).
ذكر في بدايّة الفهرس إسم الدّيوان،على ضفاف الأيّام ورقم الصفحة (على ضفاف الأيّام -3)،وقد يخيّل للقارئ أنّ هناك قصيدة فعلا، ليتّضح فيما بعد، أنّه فقط اسم الدّيوان واسم الشّاعرة فقط.
وكتبت دولت الجنيدي أبو ميزر:
حين نكتب قراءة عن كتاب، رواية أو قصّة أو ديوان شعر لا نكتب كناقدي أدب، ولكن نكتب وجهة نظرنا فيما نقرأ فقد نفيد ونستفيد .
في هذا الدّيوان نحن أمام شاعرةٍ مثقّفة، عندها رصيد هائل من المفردات والمعاني والتّعابير والإستعارات والمحّسنات البديعية، وقوة في بناء الكلمات ووضعها في المكان المناسب لها؛ وشعرها موزون ومقفّى ، ولغتها سليمة ولكن لا تخلو من بعض الشّوائب. وترجعنا في بعض قصائدها لبعض القصائد التي نحفظها في الذّاكرة لشعراء سابقين .
فالشّعر هو ما يحس به الشّاعر ويخطّه قلمه على الورق؛ وأجمله ما يستولي على مشاعر القارئ فيتأثّر به سلبا أو إيجابا.
مواضيع قصائدها متنوّعة وذات قيمة معنويّة ولغويّة وعاطفيّة .
أبدعت في قصيدة رثاء أمّها ، كتبت عن الحبّ ومعاناته بجرأة ولكنّها لا ترضى الدّنيّة في عواطفها، وتتسامى فوق جرحها، وتخاف من إظهار هزيمتها، وتخفي بعض مشاعرها لئلّا تظهرها للعلن؛ ويظهر ذلك جليّا في قصيدتها الأخيرة ( جذوة العشق) عمّا أخفته في حناياها من سنين؛ وهي أحيانا متنازلة وأحيانا متمرّدة .
كتبت في مواضيع مختلفة وحسّاسة عن الوطن والأسرى والكرامة، وعن أمور حياتيّة أخرى، ولكنّ بعض قصائدها تفتقد عنصر التّشويق والموسيقى الّتي تشحن العواطف وتعزف على أوتار القلب .
يغلب على شعرها محبّتها للوطن ، والتّسامي فوق الجرح ، والخوف من الإنزلاق في إظهار الهزيمة .
وكتبت نزهة أبو غوش:
قصائد الحبّ في الدّيوان: اخترت أن أكتب عن عاطفة الحبّ في قصائد الشّاعرة نائلة أبو طاحون؛ بسبب تأثّري بأسلوبها ولغتها وجمالها الرّاقي. في حبّها كانت الشّاعرة تبحث عن هويّة هذا الحبّ؛ هل هو ذلك الحبّ الملوّع بغياب وهجران الحبيب، أم هو ذلك الحبّ الدّافئ الّذي يغذي الرّوح والقلب، أم هو ذلك الحبّ العذري الّذي يفنى فيه المحبّوبان عشقا وغراما، ويذوبان في سرمديّة الزّمن دون لمسة أو لقاء جسديّ، أم هو الحبّ المباح الصّريح؟ لقد رأيت بأنّ الشّاعرة كانت تتأرجح بين كلّ هذه الأنواع معا. لقد خاطبت الشّاعرة طيف المحبوب وروحه وعطره، وضياءه؛ فتمتّعنا بكلمات الحبّ العذريّ الّذي يغذّي الأرواح:
” يا روحا تسكن أعماقي… يا طيفا أيقظ احساسي…يا عطرا يثمل أنفاسي…إِن لاح ضياؤك…” ص16. وفي ص 49: ” وطيفك مثل سيف إِذ يباري/ يشاكس ناظري إِذا أتاني/ ويلمع في سماء القلب برق/ وغيم الرّوح يهطل من حناني”.
هذه الاستعارات وهذه التّشبيهات أعطت القصيدة قوّة ايجابية غير مفتعلة، فكأنّها تنساب من نهر عذب لا ينضب. المحبوبة في بعض أبياتها تعطي المحبوب كلّ الحقّ في احتلال فؤادها، فهو مشرّع له متى شاء” وحقّ لمن ملك الفؤاد يُمتعُ/ بين الضّلوع وذاك حبّ يشرّع” ص51، كذلك فقد جعلت الشّاعرة من المحبوب سيّدا لقلبها وزمانها وأشواقها؛ وسيّد أحلامها: “كن سيّد اللحظات عند فتونها/ كن سيّد الأشواق في ليلي الطّويل/ كن سيّدي” ص87.
بينما في قصيدتها” لي طقوسي” 48، تستنكر المحبوبة هذه السّيادة وتوثقها لنفسها فقط، وتقول بثقة مطلقة:” أنا لي طقوسي في الهوى ولي السّيادة/ ولي الحضور المستبدّ لي القيادة/ ولك التّذلل في الهوى ولك العبادة”. هنا نلحظ روعة التّعبير في اعطاء المحبوب فرصة لعشقها، وهي سيّدة هذا العشق. في أبياتها تتحوّل الشّاعرة من سيادة المحبوب ومن سيادتها في العشق إِلى المطالبة بالإنصاف، فتقول:” أنصف فؤادي إِن قضيت وقل لهم/ روح ونبض والحنين هناكا” وفي ص17: ” ها قد سلّمتك اوراقي/ لقضاء الحبّ سنحتكم”.
أمّا عتاب المحبوب لهجرنه وفقدانه؛ فهي سمة معروفة عند المحبّين إِذ العتاب يغسل القلوب ويطفئ من نار لوعتهم تقول في ص25:” أولست من أشعلتها في أضلعي/ مرها فديتك تستكين وتستقر”. وفي ص 78: ” تقصي فؤادك عن رياحين الهوى..لم لا تلين؟!” أمّا العتاب في قصيدة” سل عيوني” فهو أكثرّ حدّة، بل هو قريب من التّهديد تقول ص 47:” أراك ما صنت عهدي… وخنت حبّي وودّي/ لو غبت عن عيوني.. فذاك موتي ولحدي” ” رفيق الرّوح لو تدري..بانّي بتّ ملتاعة/ أبثّ الليل أشواقي إِلى لقياك لو ساعة”. أمّا دعوتها للقاء المحبوب بعد الهجر فقد بدت صريحة منكسرة :” ونطوي صفحة الهجران يطوي الوصل أوجاعه”ص29. شكت المحبوبة في القصائد ألمها وحزنها من غياب المحبوب:” إِذا ما الليل ضاعف من شجوني…وغار النّجم وانعدم الضّياء/ سأبكي في سكون الليل وحدي… وأدعو أن يطول بي المساء” ص33. نلحظ هنا روعة الإبداع عند الشّاعرة، أبو طاحون في توصيلها ثقل شكوى المحبوبة من ضياع الأمل، وكم كان استسلامها محزنا، حيث استجارت بالبكاء الطّويل في حبّها الصّريح الخجول، تقول في قصيدتها ” انصهار في نهاية الدّيوان “: ولنمتطي ذاك التوهّج في المقل/ ولنعتلي درب الشّفاه إِلى القبل/ ولنحتسي كأس الصّبابة مترعا دون الملل”ص87.
وقال عبدالله دعيس:
بقصائد أنيقة ذوات إيقاع موسيقيّ عالٍ، تبثّ الشّاعرة نائلة أبو طاحون عواطفها الجيّاشة، فيأسر القلوب تأثير صدق العاطفة وفيض المشاعر، وتصف الطبيعة وتحاكي حركاتها بصورها الشعريّة وتشبيهاتها، تجاري بها قصائد اللغة العالية والأشعار الكلاسيكيّة لفحول شعراء العربيّة.
تحلّق الشاعرة، في بعض القصائد، حتّى تصل بالمتلقي إلى قمم الشّعور، ونشوة المتعة والتّأثر، مبتدئة بإهدائها النّثريّ الجميل، ثمّ قصيدتها الأولى في مناجاة أمّها المتوفّاة واستحضار ذكراها، حتّى ليخال القارئ أمّها ماثلة بروحها أمام ناظريه، ويعيش مع الشاعرة لحظات حزنها وانكسارها وألم فقدانها.
ثمّ تهبط الشاعرة من علوّها، فتقدّم بعض القصائد بنظم جيّد ووزن وقافية، لكنها تفتقد الروح المتقدة والعاطفة الجيّاشة والصور الشعريّة الجميلة، فتبدو هذه القصائد جانب قصيدة (أمّاه)، كدمية عرض في واجهة محلّ تجاري أمام امرأة تغمر محيطها بالحركة والجمال والحبّ والحنان. فعندما تناجي (الحبيب البعيد) وتبثّ (شوقها وعتابها) لِ(رفيق الرّوح)، تختفي العاطفة والصور الجميلة، لتحلّ محلّها القوالب اللغوية المصطنعة.
ثمّ تحلّق ثانية عندما تداعب روحها هموم الأمّة، وترى عبث حكّامها وظلام جريمتهم وذلّهم وتقاعسهم عنّ نصرة القدس، فتسيطر عليها عاطفة حبّ الوطن، وعاطفة الغضب من حال الأمّة التي لا تغضب لاغتصاب أرضها وقتل أبنائها، والإشمئزاز من نذالة الحكّام الذين اغتالوا ربيعها، فتشدوا بقصائد معبّرة رائعة جميلة تصف حال الأمّة، وتوقد فتيل الألم وتلهب النّفوس النبيلة بالأمل.
فالشاعرة نائلة أبو طاحون، تجيد النّظم والتّحكم بالقافية والأوزان ورسم الصور الشعريّة وصياغتها بلغة قويّة جميلة، دون تعقيد، لكنّها تبدع فقط عندما تهزّها التّجربة الوجدانيّة وتحرّكها المشاعر الجيّاشة. فصدقت حينما قالت:
لكنّ لون الحزن روّع أسطري فبكت حروفي دون أيّ مدادِ
وقال نمر القدومي:
من وحي الرُّوح كَتَبَتْ، ومن عُمق الأعماق غَزَلَتْ لنا أجمل ما عندها، إرتقتْ بكلمات اللغة ومفرداتها؛ لتنتقي أعذبها للقلب فرحا وأخفّها حزنا وألما.
الشاعرة في ديوانها هذا تعرف ذاتها جيدا، وتفيض بأسرار وجدانها، فتفرش الورود تزيّنها الفراشات أمام قرّائها، وتتباهى بقلب خافق يسكن داخلها تستمدّ منه مكارم أخلاقها.
لا أحد يُنكر تلك الموسيقى العذبة التي تُسيّر كلماتها، وتُطرب أرواحنا في قراءةٍ وشعورٍ وأحاسيسٍ جميلةٍ تحملنا عبر الزمان، ويتوه بنا المكان بين دفتيّ هذا الديوان.
برعت الشاعرة في بناء عاطفة جياشةٍلدى القارئ، واستطاعت كذلك أن تخترق جدران القلوب لمن يعيش ويهيم في معاني مفرداتها، ويتأمل بكل دقة ما يجول في دواخل الكاتبة، وما ينبض به صدرها. لكنها، ومن ناحية ثانية، لم تستطع أديبتنا المغرمة أن تُخفي ذلك الشعور الفيّاض بالحب والإشتياق الساخنين لديها، فاستخدمت شاعرتنا أرقى وأطيب الحروف لنسج قصائدها العاطفية، وطارت بنا إلى عالمٍ غير عالمنا.
وجدت أنّ قصائد الحب لديها في هذا الديوان الشِّعريّ هي الغالبة بقوة حضورها، ووجدت نفسي عند قراءتها أنني أنسجم أكثر عمقا عن باقي قصائدها؛ فقد تغنّت بالوطن فلسطين، وتغنّت بالقدس، قبابها ومآذنها وكنائسها، ونادت الأسرى في زنازينهم بلغة العنفوان والقوة. ولم تنس أمها، فقد رثتها بأجمل العواطف الحزينة والكلمات الدافئة. إلاّ أنها لا تنفك لتعود إلى ذلك الحبيب الغادر المغادر، والتي كما يبدو حالت بينهما الأيام، فهي تبكيه بحزن وَوَلَه لا مثيل لهما:
فقلبي قُدَّ من فرطِ إشتياقي فأثملني التأوّه والرّجاء
كما أنها نسجت قصيدة مضادة لها، فسمعنا صدى كلماتها من ذلك الحبيب البعيد، فكتبتْ بقلمها عن لسانه:
أخبروها إن سلتني لن ترى غير لَحْدٍ لجناني قد أُعِدَّ
وإذا لاحظنا صورة الغلاف، فإنها تميل إلى الرومانسية بشكل واضح، فتاة حيّية تختبئ خلف ظلال الضوء في غرفتها العالية عُلوّ ناطحة السّحاب. ولا تمت الصورة أبدا إلى أي قصيدة من قصائد ديوانها. وهذا تأكيد على أنّ الشاعرة لم تستطع الهروب، مرة أخرى، من مغزى هذا الديوان الجميل.
وبقي أنْ أُشير أنّ الكاتبة إستخدمت كلمات جزيلة، قوية ومؤثرة. كذلك شعرنا بغنى قاموسها اللغوي، والبلاغة المُتأصّلة، وإطّلاعها الوافي في كتابة الشعر بأنواعه، وهذا بالتالي يرفع من مستوى عطائها والإرتقاء بهذا العمل الأدبيّ الأول لها إلى مستوى رفيع.
وقالت هيا سيد أحمد:
الشاعرة المبدعة نائلة ابو طاحون اخذتنا في قصائدها إلى عالم آخر
حيثُ الحبّ والوطن، قرأت شعرا موزونا، فغرقت في بحور المعاني الجميلة.
تُناشد الحبيب بشوق ولهفة، وتحاكي الوطن وحزينة لأجله، كتبت في قصائدها عن الغياب والحنين، وكأنها عاشقة تفتقد الحبيب، لم تنس أسرآنا البواسل، كتبت ليافا فأشعرتنا وكأننا على شاطئها.
أحبببت الوطن بكل أحواله ِ حتى الجدار لم تنسه
قالت فلسطيني أنا للفجر عنوان فكلها فخر في وطنها
قالت لا تساوم فطالبت في عدم الاستسلام والمساومة
رأيتها قصائدها تحكي عنها، وتدافع عن الإنسانية والوطن، وتغني للحب.
لغة مفهومة وبسيطة وجميلة، ديوان يُقرأ في جلسة واحدة، لأنهُ جميل وواضح وسهل المعاني.
دمت شاعرتنا قلما متمردا لا يخاف، يغني للوطن والهوى.
وقالت قمر منى:
بدأت في قراءة الديوان الذي ينقسم الى فصلين “الاول والثاني” وفي الحقيقة لم استطع مغادرة صفحاته حتى أكملته كله .
يحتوي الديوان على قصائد من الشعر العمودي والتفعيلة.
حيث استهلت الشاعرة ديوانها الشعري بالإهداء إلى روح والديها، ولا زالت تأخذها ذاكرتها إلى أمّها، ويبدو أن لوفاتها تأثيرا كبيرا ومرحلة عاصفة لا يمكن للشاعرة تخطيها بسهولة فتراها تقول:
للحزن طعم ولم أذقه بغيرها ومرارة قد عششت بفؤادي
أرى أن قصائدها تنصب حول الثورة الفلسطينية، وأيضا الحديث عن الرومانسية والحب . ومن اهم ما جاء في هذا الديوان كالتالي:
الحديث عن الاأرى والظلم الذي يعتريهم وأن من واجبنا صيانة العهد .
تنتقي مدينة “يافا” من بين المدن الفلسطينية، ويبدو أنه لها في القلب منزلة والتي لا ننسى بأنها عروس فلسطين، التي شهدت النزاعات وحضنت العديد من الشهداء.
تصف الوضع الراهن بين الحكام العرب فتقول “بثت سموم الغل في أحشائنا حتى ارتقى ما بيننا الايذاء”
تتحدث عن السجن والسّجّان، خيانة الأوطان لكنها تستبشر بأن الغد سيكون أفضل .
الدعوة للجميع بالوقوف إلى جانب الأقصى والتصدي للأعداء فتقول” فهبّوا يا أحبائي…جنودا بالملايين”.
تُدين وضع الجدار والذي يعتبر عائقا أمام اكتمال قصص الحبُّ.
الحديث عن الوضع الحالي للقدس وتصفه بأنه مُخجل في قصيدة”على ضفاف الأيام”
الشقّ الثاني يتخلله الحديث عن الحب، ويبدو أن الرومانسية تعيش في زوايا أبيات هذه القصائد، مع أن المحبوب قد خان الأمانة إلا أنها لا زالت مخلصة ومتمسكة به لآخر نفس.
فتقول فإن تأتيني فإني …أهديك عطر وردي .
ويبدو أن طقوس الشاعرة فريدة في الحبّ فتقول:”أنا لي طقوس في الهوى ولي السيادة “، كما أنها تلقي اللوم على المحبوب؛ لتخليه عن الحب الذي اصطحبها إلى السراب وأودى بها إلى” غُصن الفراق” بعد العذاب من لقاء الحبيب والاستمرار في مواكبة مسيرة الحب .
أمّا بالنسبة للغة الكاتبة وأسلوبها فقد أعجبني أسلوب الشاعرة المليء بالحماس والحب للأقصى والقدس. كما أنه يدعو للتمرد والثورة والوقوف إلى جانب بعضنا البعض، وأم نتكافل في هذه الأزمات وضرورة التصدي للأعداء.
القصائد مفعمة بالعواطف مثل الحب لبلدها، ويبدو أنها ثائرة ولا تخشى أحدا.
يسود قصائدها لغة جميلة وبلاغة في سرد العبارات التي قد تأخذ الكاتب للعيش في ثنايا هذه الأبيات
تظهر شخصية الشاعرة واضحة من خلال القصائد بأنها تمتلك القوة والصرامة والإصرار لمواصلة المسير والشجاعة، ولديها براءة كافية تؤهلها لتكون كالطفلة المحبوبة، فتراها تقول، وكأنني ما زلت رهن طفولة ٍ تاجي البراءة والوداد سواري.
تتداخل الحكمة في أغلب قصائدها الهادفة.
استعملت لغة متنوعة بالمفردات وعناوين القصائد كانت مشوقة للقراءة.
كثرت الرموز مثل العنقاء في قصيدة “عنقاء فلسطين” وهي رمز المستحيل.
وكتب فراس عمر حج محمد:
الشعر وخطورة التجربة الأولى
أصعب خطوة هي الخطوة الأولى، وأصعب الشعر أوله، وأصعب الكتب بواكيرها. هذه حكمة عامة تجود بها الحياة على أبنائها. كثيرون يقفون عند العتبة الأولى متهيّبين لا يدرون هل من الصواب المضيّ نحو الأمام أم أنه ما زال هناك متسع من الوقت لننتظر. قليلون فقط من ينتظرون وكثيرون من يغامرون بالخطو والقفزة الأولى. من هؤلاء المغامرين كانت الشاعرة نائلة أبو طاحون في ديوانها الأول “على ضفاف الأيام”[1]، وبعيدا عما قاله مقدّم الديوان علي أبو عميرة عن تأخر صدور هذه المجموعة الشعرية بناء على نشاط الشاعرة “وحضورها المميز في المهرجانات والندوات ومن خلال كتاباتها الأدبية”[2]، فإن الديوان وقصائده تقدّم نفسها، ليجد فيها القارئ شيئا مختلفا عما قاله أبو عميرة، إذ حاول أبو عميرة أن يقدم المجموعة بمقدمة قصيرة جنحت نحو العموم دون أن تمنح الشاعرة أو المجموعة شيئا خاصا. وبعيدا عن هذه المقدمة أيضا فلا أريد مناقشتها، مع أنني لا أحب المقدمات، وإن فعلتها أنا أيضا كاتبا ومكتوبا لي. ولكن المقدمات في أغلبها إن لم أقل كلها، هي حاجز بين القارئ والنص، وليست جسرا للعبور كما يتوهم الآخرون. فالنصوص الجيدة نصوص تعلن عن ولادتها وحضورها دون وسائط تحملها إلى المتلقين.
إصدار ديوان شعر مغامرة كبيرة. هكذا يفكر الشعراء، ويقفون عند ذلك متأملين. قد تُنتِج نصا أو نصين جيدين، وربما عشرة، ولكن هل يسوّغ لك ذلك أن تصدر ديوان شعر. ناقشت هذه المسألة في كتاب “بلاغة الصنعة الشعرية” عندما طرحت سؤال: “هل تفكر بإصدار ديوان شعر؟”[3]. ثمة عقبات كثيرة. عقبات في النشر مع أن الشاعرة محظوظة في هذا الجانب، إذ وجدت فرصة للنشر في “مكتبة كل شيء” ما يتيح لها الانتشار أيضا تبعا لنشاط الدار وتعاملاتها في مجال التسويق والمشاركة في المعارض والتوزيع. هذا جانب مهم من الجوانب التي يجب أن يفكر فيها صاحب العمل وناشره سويّة حتى لا يكون مصير المجموعة التكديس في المخازن، وتصبح عبئا على الناشر ومكتبات البيع.
تلك العقبة الأولى ليست فقط هي العقبة الكأداء التي يجب أن يتخطاها الشاعر حاليا، ونحن نشهد “الفيضان الروائي” كتابة ونشرا وانتشارا، وإنما هناك عقبة أخرى أشد خطرا وهي البحث عن الصوت الخاص للشاعر، لغة خاصة مقدودة من جسد اللغة الأم، لغة ذات دهشة ونشوة تجعل القارئ لا يفكر باللغة المعجمية ولا باللغة المحفوظة في ذهنه، ولا تقفز بين النصوص الصيغ الجاهزة. لغة التجربة الخاصة النابتة من عصب الشاعر الحي؛ حيث تقلّب في مصائر عدة، وعارك مصاعب جمّة، وواجه مشاقّة مختلفة. إن كل ذلك هو ما يخلق اللغة المنحوتة من معجم الشاعر الخاص ليكتب بلغته وبأسلوبه وبنبض قلبه وبحرارة دمه وبإيقاع أنفاسه وهو يعاند الحياة وتعانده. هذه أخطر عقبات الشعر. فهل أفلحت الشاعرة في تخطي هذه العقبة كما تخطت العقبة الأولى؟
لعل أفدح الأشياء خطأً هي التعاريف التي تسطّح تلك الأشياء الغامضة. لذلك لا يحسن تعريف الشعر، ولا يصحّ تعريفه، وكل ما قيل في ذلك محض وصف خارجي لا يكشف عن الحقيقة. لماذا أبدو مقحما هذا في الحديث عن الشاعرة نائلة أبو طاحون وديوانها؟ هل يكتفي المتلقي بتعريف الشعر المتداول “كلام موزون مقفى له معنى”، ليطمئن على سلامة التجربة وانتسابها للشعر؟ ربما هذه شروط الشعر الأولى أن يكون موزونا ومقفى وله معنى. ولذلك فإن ديوان “على ضفاف الأيام” هو شعر تحقّقت فيه العناصر الثلاثة السالفة الذكر. ولكن هل يصحّ أن يكتفي الشاعر بذلك؟ إذ لو اكتفى الشاعر، أي شاعر، بذلك لم نجد أولئك الشعراء المميزين الذين اصطبغ شعرهم بمياسم جمالية خاصة بهم، لقد خلقوا لغة جديدة، مدهشة، هذه هي مهمة الشاعر الحقيقية، فأهم ما يميز الشعر هو تلك الانزياحات التي تبعد القارئ عن المألوف إلى عوالم أخرى من الدهشة الجمالية، وتنزع عن الشاعر صفة الناظم، وتدخله في سياق الشعرية والإبداع.
لا شك في أن خطوة الشاعرة نائلة أبو طاحون كانت خطوة مهمة لتعرف حدود لغتها، إلى أين تتجه، وما هو منسوبها الثقافي، وما هي مصادرها المعرفية التي شكّلت هذه المدونة الشعرية، من أجل أن تخطو الخطوة التالية على هدي من الخطوة الأولى. فما هي معالم لغة الشاعرة في هذا الديوان؟
من اللافت للنظر أن قصائد الديوان في المجمل قصائد تدريب على الشعر ونظمه، لتحقيق الشروط الأولى التي أشرت إليها آنفا، فقد سلم الشعر بالمجمل من الهِنات اللغوية والعروضية إلا ما ندر، وأغلب الظن أنه وقع سهوا، وحافظت الشاعرة على القوالب الكلاسيكية للشعر العربي بشكليه؛ شعر الشطرين، والشعر الحر، وجاءت القصائد قصيرة، مقسومة إلى تدريبين: خصصت الفصل الأول للتدريب على القصيدة الخليلية، في حين جاء القسم الثاني تدريبا على قصيدة الشعر الحر، على الرغم من أن تلك القصائد لم تتكئ على تقنيات الشعر الحر سوى عدم التزامها بالعدد الرتيب للتفعيلات، مع بقاء القافية حاضرة، كأن الشاعرة خرجت إلى تلك المنطقة الوسطى ما بين الشعر الخليلي وما بين الشعر الحر، منحازة بوعي أو دون وعي إلى ما فهمته الشاعرة نازك الملائكة في كتابها “قضايا الشعر المعاصر” للشعر الحر من أنه “ظاهرة عروضية قبل كل شيء”[4]. ما يعني فقط التحرر من نظام القصيدة القديمة ذات الشطرين. هذا الفهم القاصر البسيط للشعر الحر يراه القارئ بوضح في قصائد المجموعة الثانية من الديوان، وهو مغاير بكل تأكيد للشعر الحر، وما خطته قصيدته عند شعراء كبار كالسياب ومحمود درويش وأمل دنقل، وغيرهم من الشعراء الذين جاءوا بعد نازك الملائكة.
لقد ظلت قصائد “على ضفاف الأيام” سابحة في تقليدية النموذج العربي، ليس شكلا خارجيا للقصيدة بشكليها وحسب، بل في التراكيب والعبارات، فتجد لغة شعراء إسلاميين وأمويين وعباسيين، كما تجد صوت شعراء الكلاسيكية الجديدة في العصر الحديث مجاورة أصوات العهد الرومانسي في بداية النهضة الشعرية الحديثة، إلى خليط من أصوات شعرية شتى من مدارس فنية متباينة، يدل على قراءات الشاعرة ومحفوظها من الشعر واطلاعها، ولكنها لم تستطع الخلاص من تلك اللغات وذلك المحفوظ وتلك التراكيب فاحتلت لغتها وصادرت صوتها الخاص، وسلبتها الكيميائية التي يجب أن تجدها في لغة الشاعرة.
لعل هذا يعيدنا إلى تلك القاعدة الذهبية في قول الشعر المستلّة من هذه القصة بين خلف الأحمر وبين أبي نواس: “استأذن أبو نواس خلفاً الأحمر في نظم الشعر، فقال له: لا آذن لك في عمل الشعر إلا أن تحفظ ألف مقطوع للعرب ما بين أرجوزة وقصيدة ومقطوعة. فغاب عنه مدة وحضر إليه، فقال له: قد حفظتُها. فقال له خلف الأحمر: أَنشِدْها. فأنشده أكثرها في عدة أيام. ثم سأله أن يأذن له في نظم الشعر، فقال له: لا آذن لك إلا أن تنسى هذه الألف أرجوزة كأنك لم تحفظها”[5]، ما يعتني به الشاعر، إذن، أن ينسى ما حفظ حتى يتخلص من سيطرة أشعار هؤلاء الشعراء عليه لغة وصورة وتراكيب.
إن ما وقعت فيه الشاعرة أمر طبيعي، ولازم، ولا بد من أن يكون، وكل الشعراء عانوا منه والتفتوا له، فكانوا جرئيين في مصارحة أنفسهم بذلك، فمحمود درويش حذف من مسيرته الشعرية ديوانه الأول الذي أنتجه عام 1960 “عصافير بلا أجنحة”، لأنه كما يقول كان متأثرا فيه بشعراء آخرين. إن ما يهمّ الشاعر هو أن يجد لذته الشعرية الخاصة بصوته الخاص، لا أن يكون شاعرا صدى لآخرين. وهذه قضية فنية مختلفة عما عرف من ظاهرة التناص بأنواعه. قضية أرقت الشاعر القديم كما أرقت الشاعر الحديث، وكل شاعر يريد أن يصبح شاعرا ذا بصمة مميزة ومائزة لا بد له من السعي نحو هذا الهدف، على الشاعرة أن تفكر بأن تكون “الطائر المحكيّ”، وليس “الآخر الصدى”[6].
مع كل ذلك يبدو ديوان الشاعرة نائلة أبو طاحون خطوة لازمة، ولكنها خطوة يجب أن تنسى، ويجب أن تظل ضمن تدريبات الشاعرة على قول الشعر، لتستطيع الانتقال إلى مغامرة ناضجة؛ يكون فيها البحث عن لغة خاصة مقدودة من تجربتها الخاصة التي تؤشر نحوها وتنتمي إليها، سواء في الصورة الشعرية أو التراكيب أو الإيقاع العام للقصائد، فثمة أشياء أولى من الوزن والقافية؛ فذانك العنصران الشكليان اللذان لم يعد يحفل بهما كثيرا شعراءُ الحداثة وما بعد الحداثة، ولا يعني هذا ألبتة الدعوة إلى التخلي عن الوزن والقافية، ولكن يجب الالتفات إلى عناصر أخرى أكثر أهمية في تشكيل القصيدة الحديثة وبنائها.
الهوامش:
[1] صدر الديوان عن مكتبة كل شيء، حيقا، 2020، ويقع في 93 صفحة من القطع المتوسط.
[2] الديوان، ص6
[3] يُنظر الكتاب، روافد للنشر التوزيع، 2020، ص 338-342
[4] يُنظر الكتاب، منشورات مكتبة النهضة، ط3، 1967، ص 53.
[5] أخبار أبي نواس، ابن منظور، القاهرة، 1924، ص 266-267.
[6] هذان تعبيران للشاعر أبي الطيب المتنبي وردا في بيته الذي يمدح فيه شعره: “ودع كل صوت غير صوتي فإنني// أنا الطائر المحكي والآخر الصدى”. الديوان، شرح عبد الرحمن البرقوقي، شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1995، ج1، ص 309.
وكتبت إسراء عبوشي:
صاغت الشاعرة عواطفها بايقاع متناغم، ولغة شعرية تكللت بالإبداع. ألفاظ قوية جادت بما يعتمل في صدرها، ويجيش في ثنايا ضلوعها، بأسلوب يشد القارئ، ويشحذه بطاقة من الجمال.
بعدما تنتهي من قراءة كل قصيدة يتعالى صوت بداخلك، يربطك بالحياة، تشعر بهمس الشاعرة يلازمك، تنتهي أبيات القصيدة، ولا ينتهي همس القصيدة، هو اللحن الشجي الذي يعلق في خاطرك، لم تبالغ في الحزن رفقا بالقارئ من تداعي حرفها المؤثر .
تبدأ بقافية الغياب ، صور من الآسى على فراق الأم، نغم حزين، كتب الحزن بالدموع لا بالمداد، بيت الشعر يقع في القلب والروح، وما الحسرة إلا لهفة الحزن التي تناجي الشمس؛ لتنير ظلمة قبرها، وترفق بترابه وتعطره، تتداخل صور الأسى لإِتْرَاعُ القَلْبِ بِالأحْزَانِ
لهفي عليكِ وأنتِ طُعم للثّرى … والموتُ كأسٌ مترعُ الأورادِ
يا قبرها والشمس تلفح الدجى … هلّا أنرتَ بنوركَ الوقّادِ
هلّا ألنتَ التّرابَ تحتَ وسادها … ونثرتَ عطرَ الوردِ في الألحادِ
وظفت الشاعرة الخرافة والأساطير ” طائر الرعد، والعنقاء ” ضمن أبيات قصائدها العامودية، وعنونت إحدى القصائد في الجزء الثاني من الديوان بـ “عنقاء فلسطين” ليكون الفلسطيني هو طائر العنقاء الذي لا يموت
سأتي يومهم حتمًا
وفيهِ أذيقهم عصفي
كعنقاءٍ.
سأصرخ.. من رماد الموت محتجّا
على موتي
واستخدمت التناص الديني “يا صاحبيّ السجّن” لتحضر في قصيدتها النصوص القرآنية في ” توأمة”
يا صاحبيّ السّجنَ إن غادرتما … مُرّا على حبّ يُغرّدُ أوحدا
هذا فؤادي قدّماهُ هديّةً .. واستوثقا منّي العهودَ وأكّدا
هامت الشاعرة بجمال الطبيعة بشقيها الصامتة والصائتة ، استخدمت صور حسية متنوعة ، فها هو الخرير العذب والحان النهر، وأفنان الزهر، والربيع النضر ، أشعار اقرب إلى أشعار البحتري والشعر الأندلسي ، واندمجت عاطفيا مع الطبيعة
أسقني مزن الغياب وخلتني … جفّت زهوري من معينِ جفاكا
خذني لنهرٍ فيه تُطفيء مهجتي … جَمر النوى أو أرتوي بنداكا
وما جمال الطبيعة إلا تمجيدا لجمال الوطن وتخليدا لمحاسنه ، الوطن الذي شغف قلبها واغنى قريحتها عبرت عن هذا الشغف شعراً
هذي دماءٌ بأرض القدسِ نازفةٌ … فما غضبتم ولا ضاقت بكم فسحُ
تبكي القبابُ وأجرسٌ لها انتفضت … صمت مسامعكم ، غذّت بما نضحوا
تكرار الغياب في القصائد يُظهر إحساسا عاليا، وألما دفينا، وجرح لا يبرأ
وهناك جدّي قد دفن
بقرب مثواه الأخير تطاولت زيتونة
حتى سمت
هل من رفاتٍ أينعت
ام روح جدّي عاندت
وعلى الغياب تمردت؟!
في قصيدة “على شطآن يافا يا أحبّائي” تحاكي قصيدة الشاعرة فدوى طوقان:
على شطآن يافا يا أحبّائي
زرعت الورد صنت العهد
والتاريخ كم قلنا
هنا كنا
هنا سنكون
فلتشهد
ممّا يذكر أنّ الكاتبة نائلة أبو طاحون، تكتب القصيدة الموزونة، والقصّة القصيرة، وسيصدر لها قريبا رواية.