القدس: 12-3-2015 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب “الرّواية الفلسطينيّة…حوارات نقديةّ، للصحفي السوريّ وحيد تاجا، الصادر نهاية العام 2014 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، ويقع الكتاب الذي قدّم له الناقد المعروف الدكتور فيصل درّاج في 510 صفحات من الحجم الكبير.
بدأ النّقاش ابراهيم جوهر فقال:
وحيد تاجا في (الرواية الفلسطينية – حوارات نقدية)
يقدّم لقارئه ما خفي من معان برؤى مبدعيها
في هذا الجهد الذي يستحق الثناء حاور الكاتب وحيد تاجا 26 روائيا فلسطينيا وخمسة ممن كتبوا للأطفال ومثلهم ممن كتبوا في النقد الأدبي.
وفي أسئلته التي ابتعدت عن الأسئلة الصحافية العابرة برز وعي السائل واطلاعه على إنتاج المسؤول وهو يغوص في أبعاد العمل الأدبي فيسأل ويحاول التأويل ورسم خريطة للعلاقة بين الناس في المجتمع الفلسطيني والوقوف على العلاقة مع الآخر. كما اهتم بالبحث عن التقنيات الفنية واللغة والحوار بنوعيه والسخرية وأدب السجون والشخصيات والمضامين. إنه في الإجابات التي توفرت لديه واحتواها هذا الكتاب (الرواية الفلسطينية – حوارات نقدية) يقدّم خدمة جليلة للباحثين وطلبة الدراسات الأدبية والمهتمين بالتأريخ الأدبي للحياة الثقافية في فلسطين، كما وفّر تجربة مواجهة الأديب ودفعه للبوح والتصريح وربما التبرير والتوضيح.
الأجيال التي حاورها الكاتب وحيد تاجا متفاوتة في العمر الزمني والعمر الإبداعي وفي الوعي السياسي والتوجه الفكري مما يضمن له شمولية التمثيل.
وقد وقف الناقد فيصل دراج في تقديمه للكتاب عند هذه الزاوية بقوله: “ساءل وحيد تاجا، باجتهاد جدير بالإعجاب، أصواتا روائية فلسطينية، متعددة في أجيالها، وفي ثقافتها، وفي منظورها، منتهيا إلى لوحة متكاملة، يعثر فيها القارئ على ما يريد قوله الأدب الفلسطيني، وعلى تقنيات القول، ويقع على حوار واسع بين الأعمال الأدبية المختلفة، حوار كثيف الأبعاد يحتاجه كل باحث مشغول بالكتابة الفلسطينية، ويحتاجه أكثر كل الباحثين المشغولين بثنائية: اليأس والأمل.” ص 11 .
وكتب محمد عمر يوسف القراعين:
أعجبت بهذا الكتاب التوثيقي كما في المقدمة، والذي يؤرخ لعدد من الروائيين الفلسطينيين في النصف الثاني من القرن العشرين، وبهذا يعرض للرواية الفلسطينية في التطبيق؛ ويمكن أن يكون مع غيره أحد الكتب المقررة في دورات أكاديمية لتأهيل طلبة الآداب والصحافة. وإذا اتبعنا أسلوب إحصائيات الرأي يمكن أن نضع دليلاً لمكونات الرواية الفلسطينية في هذه الفترة، مستفيدين من هذا الكتاب الذي يمكن اعتباره Code of conduct ميثاق سلوك أو أسلوب في فن الرواية. وهذا يذكرني بالتعليمات النظرية في دورات التدريب العسكري، عندما يكون عدد من الجنود يتقدمون في صف أفقي نحو ثلة من الأعداء، بحيث يكون الجميع من هؤلاء في مرمى إطلاق النار، إذ يقول المدربون: هذه هي التعليمات في الأحوال الطبيعية، أما في المعركة فتصرفوا حسب واقع الحال.
وهكذا في العمل الأدبي، فالرصيد من المعلومات النظرية مفيد، ولكن إذا قدحت الشرارة انطلقت القريحة وتتابعت الأفكار وتوالت الأدوار، وإذا لم تقدح الشرارة وهي شيطان الشعر أو ملاك النثر، فنكون كأننا ننحت من صخر. فمن الصعب أن نفكر مبدئياً بكتابة رواية ترتكز في متنها على عروبة القدس، يغذيه مهاجمة الاحتلال وتمجيد التقاليد والأعراف وتجنب الممنوعات، كما نحشو فيها بعض الرموز المقدسة مثلا، كل هذا يأتي تلقائيا ليس كخلطة كيميائية.
كان لكل من روائيينا خصوصيات تميزهم في بعض النواحي، ويتشاركون مع البعض في مكونات أخرى. وأزعم أنني خرجت بإيجاز عن بعض الملاحظات التي تستحق في نظري الإشارة إليها، وقسمت هذا الإيجاز اعتباطا بين الكاتب وشكل الرواية ومضامينها، أقول اعتباطا، لأننا لا نستطيع أن نفرق بينهما، فالعلاقة جدلية والتأثير متبادل.
وبما أن الكاتب مثقف واع، ففي إنتاجه الأدبي قصة أو رواية أو شعرا يتحسس بطبيعة الحال نبض الناس، ويكتب لمجتمعه معبرا عن رأيه حتى ولو اشتبك مع السلطات جميعا، وقد أجمع الروائيون رفيق عوض وجميل السلحوت وصافي صافي وعارف الحسيني ومحمود شقير على أن المثقف ينبغي أن لا يقف متفرجا بل يطالب بالأمن والحرية، وأن يشيد بالإيجابيات ويفضح السلبيات، ويكون عامل تغيير نحو التقدم والحرية والانفتاح، واحترام الرأي الآخر للصعود الى التحرر من الظلم والاستبداد، وتشاركهم في ذلك وداد البرغوثي التي ترى أن المثقف الطليعي هو الذي يساند السلطة إن كانت ثورية، ويناهضها بقلمه وموقفه إن كانت تريد توقيف الزمن أو تعيده إلى الوراء.
وبالنسبة لحياد الكاتب في تسيير أحداث الأبطال وكيف يعبر عن نفسه، فتقول ديمة السمان إن الصراع بين شخوص الرواية يحدث تأثيرات، تكون الغلبة فيها لأفكار يودّ الأديب بثها لتحرير رسالة، ولكن بصورة غير مباشرة يؤيدها عادل سالم الذي يرى أن يبذل الكاتب جهده ليكون حياديا كي يكون عنصر الإبداع أقوى، ومن الناحية الأخرى، لا يعترف صافي وكاملة بدارنة ووداد البرغوثي بالحياد في الثقافة وحتى في العلم، ويتابع عبدالله تاية أنه لو كان الكاتب حياديا، فمن خلال صراع الشخصيات يجعلنا ننبذ أو نتعاطف مع هذه الشخصية أو تلك، في حين يغالي جميل السلحوت بأنه لا يوجد إنسان محايد إلا من فقد عقله. أما أحمد رفيق عوض، فكان دبلوماسيا، إذ بالرغم من أنه يتهم بسجن شخصياته في قالب معين، إلا أنه كمبدع يخلق لهم احتمالات الحرية والجمال، وكذلك تفعل سحر خليفة، فبعد أن تقول باستحالة حيادية الكاتب، إلا أن المهم هو القدرة على الإقناع.
وبما أن الأديب يطرح أسئلة، فإن جمال بنورة وعادل سالم يتفقان على أن يكون دور القارئ متمما للدور الذي يقوم به الأديب، حيث الأخير يطرح أسئلة وعلى القارئ البحث عن الحل. فإذا قدمت الرواية الحل فهي تريح القارئ من التفكير، وما عليه إلا أن ينتظر صلاح الدين ليحرر القدس له. وكذلك يفعل سامي الكيلاني الذي يهدف إلى إشباع رغبة القارئ بالاستمتاع بعمل إبداعي، ومن خلال ذلك يؤدي رسالة توعوية، وأخيرا يرى محمود شقير في مهمة الأدب طرح الأسئلة وتقوية الواقع السائد، وفضح مكوناته والسعي الى التغيير.
أما الرواية العربية الجديدة والفلسطينية جزء منها، فمن سماتها كما يقول جمال بنورة الخروج على المألوف وعدم التقيد بمواقف وآراء مسبقة، يطرح فيها الكاتب مواضيع جديدة قد تكون من المحرمات كالسياسة والجنس والدين، وكنت أريد أن يزيد عليها تناول بعض الظواهر الاجتماعية والعادات السيئة، كغلاء المهور التي لا بد أن تشمل مئات الغرامات من الذهب، وتكاليف الأعراس والولائم. ويشارك أحمد رفيق عوض في هذا المجال، فيضيف التهجين اللغوي الى هذه السمات وتفجير السقوف وتجاوزها، ويشير صافي صافي أن الرواية الفلسطينية ظهرت بعد الانتفاضة، حيث استطاع الروائي الفلسطيني المزج بين اللغة العامية والفصحى، كما أن عامل الصدمة /المفاجأة في بداية الروايات أو نهايتها ميزة أخرى، بالإضافة إلى الإصرار على التغيير والجدل، وعرض وجهات نظر مختلفة وتقبل الآخر، وإعادة كتابة التاريخ ونقده، والاعتماد كما تقول سحر خليفة على الحقائق والوثائق، وليس على تناقل الأقوال والتمنيات، فالحضارة لا تأتي بالمكابرة وتلفيق الأحداث والبطولات العشوائية، وأن لا ننظر إلى البطل كمخلوق خارق وشبه إله يحرم المساس به. فإذا كان أبطالنا ذوي قدرات خارقة لا تقهر، لماذا قهروا واندحروا؟
وكما جاء في المقدمة، فإن روايات الفلسطينيين تعالج بؤس المكان أو بالأحرى المخيم، وتتوقف أمام تجارب السجون الباهظة، لذلك يقول عواد أبو زينة إن الثقافة والفكر العربي راكما كما هائلا من القيود التي أصبح لها سطوة على الفكر بالدرجة الأولى، حتى أن الإنسان في المنطقة ولد مشرنقا لا ينفك حتى يجد شرنقة أكبر منها، ليس بسبب الاحتلال فقط، بل هناك تقاليد المجتمع وسوء الفهم والجهل المتفشي. وقد ولدت السجون قدرات إبداعية، بدأ بعضها داخل السجن واستمرت خارجه، حتى أنه في فترة معينة كان سبعة أعضاء من الهيئة الادارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين معتقلين من أصل أحد عشر عضوا.
وللمخيم نصيب في الرواية الفلسطينية، وهنا يقول حسن حميد إنه مكان حفظ لنا الهوية، حفظ لنا اجتماعية الناس والحكايات والتراث والأحداث، ويزيد متفائلا أنه يؤرخ للمخيم لقناعته بأنه زائل، وسيصير بعد العودة متحفا من قبل الآخرين، ليروا أيّة مكابدات تحملوها من أجل العودة المنشودة.
ومن حيث لغة الرواية، يحبذ محمود شقير الميل إلى السهل الممتنع، بحيث لا تثقل اللغة على مضمون العمل الأدبي، وبحيث لا تتسطح اللغة فيفقد العمل الأدبي عمقه وجدارته، بينما يكثر سلمان ناطور من استعمال العامية في الحوار. أما مرمر الأنصاري فترى الأديب يصوغ أفكاره بلغة أدبية عالية، ومصطلحات فنية أكثر تجريدا، تشاركها كاملة بدارنة التي تختار الوعاء الأجمل لغة، الذي يخدم الفكرة ويرتقي بالمتلقي. وفي المقابل، يدافع علاء حليحل عن توظيف اللهجة المحكية الفلسطينية، ولا يخشى على الفصحى أن تموت، فهذا ليس نهاية العالم، فستبقى لغة الأكاديمية والنصوص الرسمية، وكل اللغات في تغير وتشكل دائمين.
وفيما يخص الكتابة للأطفال التي تعتبر كما يقول محمود شقير فنا قائما بذاته، إنما ليس ثمة سور يعزلها عن بقية أنواع الكتابة الإبداعية؛ فالقصة المكتوبة للأطفال تشترك مع القصة المكتوبة للكبار بعناصر شتى من الحدث والحبكة ونمو الشخصيات، وتوافر العاطفة والخيال ووحدة الانطباع. غير أنه وبسبب عمر الطفولة وطبيعتها الخاصة، ومستواها اللغوي والإدراكي، يصبح من واجب الكاتب أن يأخذ هذه الجوانب بعين الاعتبار.
وفي هذا الصدد، يرى إبراهيم جوهر ترابط وجدلية العلاقة بين تربية الطفل والثقافة التي تقدم له، حتى ننتج شخصية محلية منفتحة على آفاق من المعارف، ذات سقف عال غير محدود؛ فلنرفع السقوف لنبدع كبارا وأطفالا حتى لا تضيع إبداعاتنا. ويشارك نهاد درويش في هذا المجال، بأنه يريد توجيها مفتوحا للطفل، ولكن مع الإشارة إلى قيمنا ومبادئنا التي ننتمي إليها، وهي القيم الإسلامية، والقيم الإيجابية في مجتمعنا، التي ترتكز رفيقة عثمان عليها، وذلك بتجنب ترجمة القصص غير الملائمة لحضارتنا وقيمنا ومفاهيمنا، والتي لا تتماشى مع العادات والتقاليد الاجتماعية لدينا. وهنا تتدخل نزهة أبو غوش بالإشارة إلى المراحل المختلفة لحياة الطفولة الأنوية والإحيائية والواقعية، وأن لكل مرحلة ما يميزها عن غيرها. أنني بدوري آمل أن لا يكون ثوب الأعراف والتقاليد فضفاضا، حتى لا يستعمل لمحاربة الأعمال الأدبية، ويصل إلى الرقابة التي تطالب بها مرمر الأنصاري بحذف شعر ايليا أبو ماضي الإلحادي من نصوص المنهاج التعليمي، وإعادة النظر بمقولة الشاعر الشابي:
“إذا الشعب يوما أراد الحياة – فلا بد أن يستجيب القدر”.
وأخيرا في مجال النقد، تحدث جميل السلحوت في إجاباته عن المشهد الثقافي الفلسطيني في القدس والضفة وغزة والداخل، مركزا على المؤسسات الفلسطينية التي رحلت عن القدس، والمؤسسات القائمة حاليا، مثل ندوة اليوم السابع ومؤسسة يبوس، والمسارح والمتاحف، والقطاعات الأدبية مثل القصة القصيرة والرواية والشعر وأدب الأطفال.
أما عدنان القاسم فيرى أن النقد العربي القديم، يقوم في معظمه على مقاييس فنية خالصة، أي “الفن للفن”، فلم يرتبوا على أخلاق الشعراء أحكاما نقدية. وفي وضعنا الحالي، لا يرى ما يسمح بتجاوز الفنية في الكتابة الشعرية أم النثرية، وأن الالتزام بقضية الوطن لا يبيح للشاعر أن يتحلل من الأصول الفنية للشعر، وأن يتحول بمقتضى ذلك إلى نثر، حيث أن الشعر كلام يمتاز بزخرفة موسيقية. وينبغي لنا أن نفرق بين الشعر والنثر، وأن ما يسمى بقصيدة النثر لا عيب أن يسمى نثرا. وهنا يضيف عواد أبو زينة أن قصيدة النثر تعاني، كما القصة القصيرة جدا، فهناك من يدفعونها إلى الأمام ويدافعون عنها، وهناك من ينكرونها ويطردونها من حضرة الشعر. وفي رأيه أن النقد في فلسطين دون المستوى المطلوب، فهو نقد انطباعي في غالبيته، وفيه قدر من المجاملات، ولا يوجد نقد مهني وأكاديمي إلا في القليل النادر، على يد أساتذة اللغة العربية في الجامعات. وأخيرا يقول محمود غنايم إن الشعر العربي عموما يمر في التحول إلى قصيدة النثر. وربما بعد بضعة عقود من الزمان، سيكون الشعر الحر يدرس في تاريخ الأدب.
وقال جميل السلحوت:
والكتاب عبارة عن حوارات أجراها الأستاذ وحيد تاجا من خلال التواصل عبر الانترنت مع حوالي خمس وثلاثين كاتبة وكاتبا غالبيتهم من الرّوائيين، ويعيش غالبيتهم العظمى على الأرض الفلسطينية، ونشرها في عدد من المجلّات والصحف والمواقع الألكترونيّة الأدبيّة المتخصصة في العالم العربي.
وتنبع أهميّة هذا العمل غير المسبوق-حسب علمي- في أنّه يعرّف المهتمّين والقراء العرب على عدد من رموز الأدب الفلسطيني الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينيّة، وعانوا الكثير من القمع والحصار الثقافيّ، وعدم التّواصل مع امتدادهم العربيّ، وهناك في الأراضي الفلسطينيّة نتاجات ابداعيّة على مستوى رفيع، لكنّها بقيت محاصرة مع مبدعيها، فلم تصل إلى البلدان العربيّة تماما مثلما لم تصل أسماء مبدعيها، حتى ظهور شبكة التواصل الألكتروني “الانترنت” في بداية تسعينات القرن العشرين، حيث نشروا في المواقع الألكترونية والصحف والمجلات العربية، واطلعوا على ابداعات المبدعين العرب التي لم تكن تصلهم قبل قيام السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة في العام 1994.
ومعروف أنّ معرفة المهتمين في الدّول العربيّة بالابداعات الفلسطينية على الأرض الفلسطينيّة كانت تقتصر على بعض الرّموز من الآباء المؤسّسين في مجال الشعر كالراحلين الكبار محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، فدوى طوقان، وفي مجال الرّواية الراحل إميل حبيبي. وفي مجال القصّة القاصّ الكبير محمود شقير، الذي قطع شوطا كبيرا في مجال القصّة أهّله أن يكون”ملك القصة الفلسطينية والعربيّة ” خصوصا بعد عودته من المنفي في العام 1993، بعد ابعاد قسري في العام 1975، ودخوله عالم الفنّ الروائي أيضا.
وكتاب الصحفي وحيد تاجا الذي نحن بصدده كما قال الدكتور فيصل درّاج“كتاب يلبّي حاجة ضرورية وبكفاءة”. فمن خلال متابعات الأستاذ تاجا للحراك الثقافي في فلسطين، وجّه أسئلته الواعية والمستفزّة لمن قابلهم، ليستخرج مكنونات المشروع الثقافي لكلّ منهم من خلال ما كتب، ومن خلال فهمه ووعيه وهمومه الثقافيّة التي يعيشها في وطنه الذّبيح.
والقارئ لهذه الحوارات التي ركّزت على الرّواية تحديدا، وتطرّقت إلى القصّ أيضا يستطيع أن يستخلص سمات وميّزات الأدب الفلسطينيّ لخصوصيّة القضية الفلسطينيّة، مع التأكيد أنّ الأدب الفلسطينيّ جزء لا يتجزّأ من الأدب العربيّ.
وهذا الكتاب لا يقلّ أهميّة عن كتابي الشّهيد غسان كنفاني:” أدب المقاومة في فلسطين”
و“الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968 “ فغسّان كنفاني رصد الأدب الفلسطيني للمبدعين الفلسطينيين الذين تمسّكوا بتراب وطنهم، وبقوا في الجزء الذي قامت عليه اسرائيل في نكبة العام 1948. وها هو وحيد تاجا يعرّف ببعض الأدباء الفلسطينيين من باقي الأراضي التي احتلت في هزيمة حزيران 1967 والمعروفة باسم قطاع غزّة والضّفة الغربيّة بجوهرتها القدس الشريف، وببعض الأقلام من الدّاخل الفلسطينيّ مثل الأديب سلمان ناطور، الدكتور الناقد محمود غنايم، والأديبة كاملة بدارنة، والأديب علاء حليحل، والأديبتين نزهة أبو غوش ورفيقة عثمان،والأديبتين الشّابتين نسب أديب حسين ومرمر القاسم الأنصاري، وعلى روائيين فلسطينيين يعيشون في بلدان عربيّة مثل جمال ناجي، وصبحي الفحماوي في الأردن، وحسن حميد في سوريا، وعرّج على الأديب المغترب ربعي المدهون الذي يعيش في لندن، وصاحب رواية “السّيدة من تل أبيب” التي وصلت الى القائمة القصيرة في جائزة البوكر، وعلى الروائي والقاص عادل سالم المغترب في أمريكا.
وسيشكّل هذا الكتاب اضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة بشكل خاص والعربيّة بشكل عام
مرجعا للدّارسين الفلسطينيّين والعرب، المهتمين برصد الحراك الأدبي الفلسطيني على الأرض الفلسطينيّة، وهذه قضيّة غاية في الأهميّة، لأنّ الدّراسات السّابقة في غالبيتها ركّزت على أدباء المهجر، وتمّ استثناء أدباء الأراضي الفلسطينيّة لنقص المعلومات عنهم وعن نتاجاتهم. وبالتأكيد فإن هذا الكتاب سيصل العواصم العربية لأنّ ناشره دار الجندي للنشر والتوزيع تشارك في مختلف معارض الكتب في الدّول العربيّة.
وأعتقد أن الأستاذ وحيد تاجا سيصدر جزءا ثانيا من الكتاب لأنه لا يزال يواصل حواراته مع الأدباء الفلسطينيّين.
وقال عبد الله دعيس:
الرواية الفلسطينية … حوارات نقدية
لا غنى لكلّ طالب أو باحث مهتم بالإنتاج الأدبي في فلسطين أن يعود إلى كتاب “الرّواية الفلسطينية … حوارات نقدية” للكاتب السوري وحيد تاجا، والذي لمّ شمل عدد كبير من الكتاب الفلسطينيين بين دفتي كتابه الذي يقع في 510 صفحات من القطع الكبير. فقد ضم الكتاب حوارات نقدية مع أربعة وثلاثين كاتبا وناقدا فلسطينيا خاصة أولئك الذين برعوا في الر واية والقصص القصيرة وأدب الأطفال.
وقد قدم وليد تاجا تعريفا لكل كاتب، حيث أعطى لمحة عن حياته، وأهم منجزاته الأدبية. وقد حاور المؤلف عددا من الكتّاب وكذلك الكاتبات، وركز على الرّواية، لكنه حاور أيضا كتاب القصص القصيرة أو الذين جمعوا بين الفنّين. وخصص قسما خاصا للكتّاب الذين ألفوا في أدب الأطفال وأعطاه أهمية كبرى. ثمّ أنهى كتابه بالحديث إلى بعض النقاد الذين أعطوا رأيهم بالأدب الفلسطيني والكتّاب الفلسطينيين، وأجابوا عن بعض الأسئلة التي أجاب عنها الأدباء، مما مزج وجهات نظر الكتّاب مع وجهات نظر النقّاد، وسهّل المقارنة بينها عند البحث في المواضيع المطروحة.
وقد حاور المؤلف الأدباء الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، سواء كانوا داخل فلسطين أو في القدس والضفة الغربية أو غزة، وكذلك الكتّاب من فلسطين المحتلة عام 1948. وهذا يعطي الفرصة للباحث في استطلاع آراء الكتّاب الفلسطينيين الذين يعيشون تحت ظل الاحتلال ويكتوون بناره، وأولئك الذين ينتظرون العودة إلى الوطن، فيستطيع أن يعقد مقارنة علمية بين أدبهم ونظرتهم إلى الأمور، ومدى التوافق والاختلاف في وجهات نظرهم ومعالجتهم للمشكلات التي تلمّ بوطنهم، خاصة وأنهم يعيشون في بيئات مختلفة، والكاتب في النهاية هو ابن بيئته، وإن كان الهمّ الفلسطينيّ يجمعهم ويوحد رؤيتهم باتجاه فلسطين وقضاياها الكبرى.
إن المطالع للحوارات التي أجراها الأستاذ وليد تاجا مع الكتّاب، يلحظ الذكاء الفائق في طرح الأسئلة، التي تنوعت حسب الأديب، واستطاعت أن تجعل الأدباء يُبدون آراءهم في مختلف المسائل التي قد تشغل بال الباحث، الذي يحاول أن يدرس مؤلفاتهم. ونلحظ أيضا ونتعجب من سعة اطّلاع المؤلف وعمق ثقافته، حيث كانت أسئلته تنمّ عن معرفته التامة بجميع مؤلفات الأدباء الذين حاورهم، وعلى عمق قراءاته في كتبهم التي قرأها وقارن بينها، واكتشف خفاياها ومرامي كتّابها، واطلع على الكتابات النقدية التي قيلت فيها والأبحاث التي تناولتها.
نستطيع تصنيف الأسئلة التي طرحا المؤلف إلى فئتين: أسئلة مكررة طرحها على معظم الأدباء وأراد منها الوصول إلى وجهات نظر الكتّاب الفلسطينيين في هذه القضايا، واجتماعهم أو اختلافهم عليها، فنراه يعاود السؤال نفسه لأغلبية الكتّاب الذين قابلهم. والفئة الأخرى، هي الأسئلة الخاصة التي كان يسألها لكل كاتب، فيما يخصّ مؤلفاته ووجهات نظره في القضايا التي طرحها في كتاباته، ولم يكررها عند مقابلة كاتب آخر، وذلك ليجليَ الأمور على حقيقتها، بعيدا عن التأويلات الشخصية وآراء القرّاء والنقاد فيها.
أعتقد أن المؤلف قصد من أسئلته من الفئة الأولى أن يوضح رأي الكتّاب في عدة قضايا من أهمها:
أولا: نظرة الكتّاب الفلسطينيين إلى “الآخر” أي الصهاينة وموقفه منهم في كتاباته.
ثانيا: رأي الكتّاب الفلسطينيين في الكتّاب اليهود الذين يتحدثون عن التعايش مع العرب، ومدى إخلاصهم في هذا الطرح.
ثالثا: الفرق بين الأدب الفلسطيني الذي ينتجه الكتّاب الفلسطينيون الذين يعيشون داخل فلسطين وذاك الذي يكتبه الأدباء الذين يعيشون في الشتات، والفرق بين الأدباء الذين يقطنون المناطق التي احتلت عام 1967 وأولئك الذين يقطنون في المناطق الفلسطينية التي سيطرت عليها العصابات الصهيونية عام 1948.
رابعا: استخدام اللهجات المحلية في الحوار في الأدب الفلسطيني وموقف الكتّاب من ذلك.
خامسا: أدب السجون، وهل استطاع أن يعطي صورة حقيقية وافية عن معاناة الأسرى والأسيرات وتضحياتهم.
سادسا: دور المرأة في الأدب الفلسطيني، وكذلك صورتها في هذا الأدب.
سابعا: رأي الكتّاب الفلسطينيين في التطبيع الثقافي والعلاقة مع “الإسرائليين”.
نلحظ اتفاق معظم الكتاب على أن الروايات الصهيونية التي تدعو إلى التعايش مع العرب ما هي إلا تجميل لوجه “إسرائيل”، لكنهم اختلفوا في طريقة طرح “الآخر” في الرّواية الفلسطينية وموضوع التطبيع والتعامل الثقافي مع الصهاينة.
فالحوارات التي أجراها المؤلف وحيد تاجا أبرزت الرّوح المشتركة التي تجمع الكتّاب الفلسطينيين، فقضية فلسطين تجمعهم ولا يستطيعون أن يخرجوا من تحت عباءتها، لكنها أظهرت أيضا المناحي المختلفة التي يتجهون إليها، وإن كانوا يحومون حول هذه الروح الواحدة. وقد أظهرت أيضا نقاط القوة في الأدب الفلسطيني، ونقاط الضعف، وأبرزت المواضيع التي لم يعطها الأدباء الفلسطينيون حقها وتحتاج إلى المزيد من الجهد.
وأخيرا فإن المؤلف قد أتاح لنا الفرصة للاستماع إلى الكتّاب مباشرة والتعرف عليهم، ليس من خلال شخصيات رواياتهم وقصصهم، والتي وإن كانت تعكس رؤيتهم للأمور أحيانا، لكنها لا تعطينا صورة مكتملة عنهم. لذلك فإن هذا الكتاب هو عمل مهم جدّا في مجال البحث في الأدب الفلسطيني، ولا غنى لأي باحث في هذا المجال عن اقتنائه والإفادة منه.
وكتبت نزهة أبو غوش:
ا
في حوارات الكاتب وحيد تاجا نلحظ تركيزه على معرفة الاختلافات بين كتّاب القصّة والرواية في داخل الأرض الفلسطينيّة( الضّفة والقطاع وأراضي ال 48) وبين أدباء الشتات. كان لكلّ كاتب إجابته الّتي يراها تتلاءم مع أفكاره وتجاربه الشّخصيّة، وقراءاته المتعدّدة للكتّاب الفلسطينيين في فلسطين نفسها وفي الشّتات؟ وقد حكمت كتابات هؤلاء الأدباء الأحداث الّتي حدثت في فلسطين، نحو الانتفاضات الأولى والثانية مثلًا. بناء الجدار، حصار غزّة ، الاحتلال بشكل عام للأراضي الفلسطينيّة. وهناك من يعتب أنّ وجوده في مكان معيّن ، هو ميّزة على الصعيد الابداعي، مثال على ذلك الكاتبة سما حسن ، حيث قالت ص194: “غزّة تكتب لمن يعيشها، ومن يعاني ويولد حرمانه من رحم معاناته” يرى الكاتب سلمان ناطور أن فلسطينيي الداخل أكثر التزامًا بأدبهم. قال في ص182: ” نحن الّذين نعيش بالداخل الفلسطيني، أعتقد أنّ كتاباتنا أكثر التزامًا بالقضيّة السياسيّة لأنّنا في الخط الأمامي في مواجهة الصهيونيّة.”
حضرت القدس وبقوّة في حوارات الكاتب وحيد تاجا : قال الكاتب سمير الجندي ص198: ” هي تلك الحجارة الطاهرة الّتي داعبتها أناملي قبل معرفتي حروف الكلام”. أما الكاتب محمود شقير فقد نبّه عن الوضع الخطير الّذي تحياه القدس في ظلّ الاحتلال. كانت القدس هي بطل روايات الكاتب السلحوت قال ص79:” القدس جنّة السّماوات والأرض، وهي عروس المدائن بحقّ وحقيقة.”
تربّعت القدس في روايتي الأديبة ديمة السّمان، الأولى، رواية القافلة، ثمّ برج اللقلق. تقول ص109:” متى نكون نحن العرب كالبنيان المرصوص؟….القدس والقيامة والأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
عند عارف الحسيني كانت القدس هي وطنه الأوّل فحضرت بروايته ذات دور مهم وملفت.
اهتمّ الكاتب تاجا بكيفيّة اظهار صورة الآخر- اليهودي المحتلّ- في الأدب الفلسطيني، وفي المقابل صورة الانسان العربي في الأدب العبري. يرى الكاتب سامي الكيلاني بأن تربيتنا لأطفالنا يجب أن تكون بشكل ديمقراطي، وأن لا ننجرّفي اتجاه التربية العنصريّة كما يفعل الانسان اليهودي. يقول ص144″ هم عنصريون؛ لأنّ أهدافهم تخدم عنصريّتهم تخدم أهدافهم، ونحن يجب أن نكون انسانيين لأن قضيتنا انسانيّة نبيلة.”
أمّا الكاتبة نسب أدب حسين فقد كان لها اهتمام بطرح العلاقة مع الآخر- اليهودي- وقد قارنت ما بين ثقافتين مختلفتين، وقد ظهر ذلك في قصّة “خيمة” وقصّة” مع الرّيح”. قالت في ص346:” في ظلّ الظروف الحاليّة الّتي يعيشها الفلسطيني الصامد على أرضه عام 1948، فإِنّ العلاقة مع الآخر هي أمر مفروض ويومي شاء ذلك أم أبى”
تحدّث تاجا مع الأدباء المحاورين عن الذّاكرة الشّفوية، حيث اهتم بها العديد من الكتّاب ورأى أغلبهم بأن اهتمامهم الأوّل هو الانسان الّذي عاش الواقع وليس التّاريخ نفسه. يقول الكاتب سلمان ناطور ص176:” أنا لا أبحث عن الحقيقة، بل عن الّذين عاشوا التجربة.”
أمّا الكاتب جميل السلحوت فوضّح الخط الفاصل ما بين الرّوائي والمؤرّخ. قال في ص78: لم أكتب تأريخًا، لكنّني كتبت عن الحياة الاجتماعيّة لمجتمع القرية الّذي يسوده التّخلف، وهذا جانب أغفله كتّابنا ارتأيت أنا بأنّه سبب من أسباب الهزيمة.”
حاور الكاتب تاجا بعض كتّاب أدب الأطفال، الّذين كتبوا للطّفل، وأجابوا على تساؤلاته وحيرته وراعت احتياجيّتهم المعنويّة والنّفسيّة والأجتماعيّة والعقليّة. كان لكلّ كاتب رأيه وتوجّهه الخاص للطّفل. يرى الكاتب ابراهيم جوهر أنّ احترام عقليّة الطّفل. وفهمه لاحتياجاتهم ولغتهم وعمله على اسعادهم وامتاعهم؛ هي من مميّزات كاتب الأطفال النّاجح.
أمّا كاتبة الأطفال رفيقة عثمان فقد رأت بأنّ أدب الأطفال هو الأدب المتخصّص والموجه والّذي يهدف إِلى الارتقاء بفكر وعاطفة الطّفل، أينما وجد.
ذهبت الكاتبة إِلى نقطة نادرًا ما يذهب اليها كتّاب أدب الأطفال، حيث عالجت بقصّة ” الأرنب المفقود” قضيّة الموت وتفهّم وتقبّل الأطفال له.
وكتب رفعت زيتون:
وحيد تاجا الأديب الصحفي سوري المولد فلسطيني الهوى مقدسيّ الروح، لم يفارق وحيد تاجا الكتّاب الفلسطينيين منذ عرفهم، فكان وفيا لحرفهم، مرافقا لوجعهم وهمهم اليومي، فبادر بعمل اللقاءات الصحفية معهم، وكانله الفضل بالتعريف بهم على نطاق أوسع في الوطن العربي، طبعا لغير المعروفين منهم، فنشر لقاءاته معهم في العديد من الصحف، قبل أن يجمع
هذه اللقاءات في كتاب، فكان أن زاد على الخير خيرا كثيرا.
وللحديث أكثر عن الكتاب والفائدة الجمّة منه أريد أن أوجز هذه الفوائد في عدة نقاط، مظهرا بها الذكاء الذي تمتع به كاتبنا وكذلك الشمولية والموضوعية التي تغيب عن كثير من الكتاب.
أولا : تنوّع الأسئلة في الحوار:
الكاتب وحيد تاجا لم يكرر نفسه خلال حواره، فكانت أسئلته متغيرة تبعا للروائي وطبيعة الرواية أو الروايات التي كتبها وموضوعاتها. فتحدث عن الحياة الاجتماعية في المجتمعات الفلسطينية، وأدب السجون، والمرأة، وعن الشباب والنضال، وعن القضية الفلسطينية
كقضية سياسة فلسطينية وعربية.
ثانيا- النقد :
فقد ألقى الكاتب وحيد تاجا الضوء على ما قاله النقاد في الروايات التي ناقشها مع كتابها، وكان لهذا الجانب فائدتان، الأولى أن هذه العملية جمعت في كتاب واحد ما قاله النقاد عن تلك الروايات، فجعل القارئ يستفيد من تلك القراءات النقدية، وخاصة أولئك الذين لهم ملكة الكتابة، والكتاب المبتدئين، فيعرفون من خلالها النقاط التي يتناولها النقاد في دراساتهم فيأخذونها باعتبارهم عند الكتابة.
الثانية أن هذه العملية أعطت للروائي الفرصة للرد على هؤلاء النقاد من خلال مساحة لا بأس بها في هذا الكتاب.
ثالثا: التعريف بشكل موسع بعناصر القصة: فقد ناقش الكاتب بالتفصيل عناصر القصة مع بعض الروائيين، فمنهم من تميز بإظهار عنصر كالشخوص أو الزمان والمكان وغيرها، وكذلك من أهمل بعضها، فكان الحوار مفيدا كذلك في التعريف بهذه العناصر وكيفية التعامل معها على أفضل وجه. فمثلا في بناء الشخصيات تساءل عن مدى استطاعة الكاتب أن يكون حياديا في تسيير الشخصيات، وعدم التدخل من قبل الكاتب في الشخصية داخل الرواية.
رابعا: الكتاب عرّف بالكاتب من حيث ثقافته:
فعدا عن السيرة الذاتية، فقد كان الحوار بمثابة مرآة أو نافذة جديدة رأينا من خلالها الروائي وطريقة تفكيره وأسلوبه في الحوار ومقدرته على طرح نفسه أمام القراء، وبالتالي فالحوار عكس شخصية الروائي الأدبية، وربما ذهب القارئ إلى عمل تصنيفات أو طبقات لهؤلاء
الروائيين. وحقيقة أنني عرفت من خلال الكتاب روائيين أحببت أن أتعرف عليهم أكثر وأصبح عندي دافع قوي لاقتناء رواياتهم وقراءاتها.
خامسا: الترويج- أعتبر هذا الكتاب سوقا ترويجيا لكثير من الروايات، وربما دون قصد،
فالحوار أثار العديد من النقاط التي تخلق نوعا من التشويق لدى القارئ لكي يعود للرواية لمتابعة أحداثها، وهذا يحسب للكاتب وحيد تاجا كذلك.
سادسا: الكتاب بحدّ ذاته يعتبر رواية عن كلّ روائ، وذلك أن الكتاب ذاته يحتوي بداخله على عدة روايات عن شخصيات حقيقية هم الروائيون الذين تحدث عنهم. وذلك أن في مقدمة كل حوار هناك نبذة عن حياة الروائي وأعماله، وكذلك خلال الردّ على الأسئلة كان هناك ما يشبه الحديث عن سيرة ذاتية للروائي، فمثلا رأيت في الحوار مع الروائي جمال بنورة قصة عن تجربته الذاتية في الكتابة، وكيف أنه كان يصنع الحوار الداخلي للشخصيات، ثم يجد نفسه قد تدخل في تلك الشخصيات وهيمن عليها فعاد ومسح ما كتب. وكذلك ما كان من قصة حياة الكاتب المقدسي الشيخ جميل السلحوت مذ كان طفلا وكيف أنه كان يتابع الدروس في صف أخيه من خلال النافذة وهو في الخارج، حتى توسم فيه المدرس خيرا فأقنع المدير بانضمامه إلى الطلاب، أليست هذه قصة وسيرة ذاتية عرفتنا على بدايات كاتب منذ صغره، تصلح كرواية سينمائية.
سابعا: الكتاب موسوعي ومرجعي:
أعتبر أن هذا الكتاب سيكون أحد المراجع المهمة التي يمكن الرجوع إليها في عمل الأبحاث لطلبة الجامعات، ففيها معلومات عن مجموعة لا بأس بها من كتاب الرواية الفلسطينية، وعن أعمالهم وإصداراتهم وحياتهم الشخصية وتجربتهم الكتابية، وقد قسم الكاتب المادة في بداية
الكتاب إلى أصناف حسب نوع المادة، فجعل أدب الأطفال له قسم خاص، والرواية كذلك ومثلها النقد. وأدرج الأسماء وإلى جانب كل اسم لروائي أو أديب وضع رقم الصفحة لسهولة الرجوع إليه، وهذا جعل الكتاب موسوعيا ومرجعيا إلى حد ما.
ثامنا: أهميته لندوة اليوم السابع:
لقد وجدت لدى الكاتب اهتماما خاصا بأدباء ندوة اليوم السابع وأصدقاء الندوة الذين تربطهم بالندوة علاقة قوية، فتضمن الكتاب أسماء بعض أعضاء الندوة الذين يكتبون الرواية وأدب الأطفال، مثل الأديب الكبير محمود شقير، والشيخ جميل السلحوت، وأديبنا ابراهيم جوهر والأديبة ديمة السمان، والأديب سمير الجندي، والأديبة نزهة أبو غوش والأديبة رفيقة عثمان والأديبة نسب حسين، وربما كان هناك كتب مشابهة في المستقبل تتضمن كذلك باقي الأدباء الذين ساروا في دروب إبداعية من أنواع أدبية أخرى غير الرواية، وهذا كله قد قدم خدمة جليلة للندوة وأعضائها، فقد تكرر ذكر الندوة كثيرا في صفحات الكتاب، وهذا التكرار يجعل القارئ يتساءل عن هذه الندوة التي يحتوي كتاب الرواية الفلسطينية على جزء كبير من روّادها، وتحديدا ما يقارب ثلث عدد الأدباء المذكورين في هذا الكتاب، أي أن ندوتنا أصبحت
جسما أدبيا مهما، وله وزنه على الساحة الأدبية الفلسطينية والعربية وأصبحت تفرض نفسها بقوة في كل ميادين الإبداع.
وقالت رفيقة عثمان أبو غوش:
كرَّس الكاتب عمله في حوار متبادل بينه وبين الأدباء، والكتَّاب الفلسطينيين، الذين برزوا في كتاباتهم المحليِّة، ومعرفتهم على الصعيد المحلي فحسب، وأكثر بروزًا داخليًّا، ومعظمهم غير معروفين على الصعيد العالمي، أو بالأحرى خارج الوطن.
اهتم كاتبنا في انتقاء الشخصيَّات الأدبيّة التي وجد فيها اهتمامًا خاصًّا، وأبرز مواضيع هامة، وتكون القدس حاضرة فيها بشكل بارز، مصاغة بصيغة أدبيَّة جميلة، فيها ملامح وانطباعات الكتاب والأدباء؛ من خلال سرد السيرة الذاتيَّة لكلّ كاتب وكاتبة، وانعكاسات كتاباته على الواقع الفلسطيني للحياة الاجتماعيَّة، والسياسيَّة، وكذلك العكس هو الصحيح؛ أي انعكاس الواقع على حياة الكاتب.
صنّف الكاتب تاجا تاجه، وفق الجنس الأدبي: كتَّاب الرواية، وكتَّاب القصص، وكتَّاب القصص القصيرة، وكتَّاب قصص الأطفال.
نجح كاتبنا في خلق علاقة اجتماعيَّة متواصلة، عبر الشبكات العنكبوتيّة، وخاصَّة عبر موقع الفيسبوك، وكان متفاعلا معنا بشكل دائم، وكأنه حاضر في البلاد بيننا؛ ممّا يدل على الانتماء القوي لهذا الشعب.
وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: حسن أبو خضير، رائدة أبو صويّ ورشا السرميطي.
الرواية الفلسطينية للصحفي السوري وحيد تاجاالقدس: 12-3-2015 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس كتاب “الرّواية الفلسطينيّة…حوارات نقديةّ، للصحفي السوريّ وحيد تاجا، الصادر نهاية العام 2014 عن دار الجندي للنشر والتوزيع في القدس، ويقع الكتاب الذي قدّم له الناقد المعروف الدكتور فيصل درّاج في 510 صفحات من الحجم الكبير.بدأ النّقاش ابراهيم جوهر فقال:وحيد تاجا في (الرواية الفلسطينية – حوارات نقدية)يقدّم لقارئه ما خفي من معان برؤى مبدعيهافي هذا الجهد الذي يستحق الثناء حاور الكاتب وحيد تاجا 26 روائيا فلسطينيا وخمسة ممن كتبوا للأطفال ومثلهم ممن كتبوا في النقد الأدبي.وفي أسئلته التي ابتعدت عن الأسئلة الصحافية العابرة برز وعي السائل واطلاعه على إنتاج المسؤول وهو يغوص في أبعاد العمل الأدبي فيسأل ويحاول التأويل ورسم خريطة للعلاقة بين الناس في المجتمع الفلسطيني والوقوف على العلاقة مع الآخر. كما اهتم بالبحث عن التقنيات الفنية واللغة والحوار بنوعيه والسخرية وأدب السجون والشخصيات والمضامين. إنه في الإجابات التي توفرت لديه واحتواها هذا الكتاب (الرواية الفلسطينية – حوارات نقدية) يقدّم خدمة جليلة للباحثين وطلبة الدراسات الأدبية والمهتمين بالتأريخ الأدبي للحياة الثقافية في فلسطين، كما وفّر تجربة مواجهة الأديب ودفعه للبوح والتصريح وربما التبرير والتوضيح.الأجيال التي حاورها الكاتب وحيد تاجا متفاوتة في العمر الزمني والعمر الإبداعي وفي الوعي السياسي والتوجه الفكري مما يضمن له شمولية التمثيل.وقد وقف الناقد فيصل دراج في تقديمه للكتاب عند هذه الزاوية بقوله: “ساءل وحيد تاجا، باجتهاد جدير بالإعجاب، أصواتا روائية فلسطينية، متعددة في أجيالها، وفي ثقافتها، وفي منظورها، منتهيا إلى لوحة متكاملة، يعثر فيها القارئ على ما يريد قوله الأدب الفلسطيني، وعلى تقنيات القول، ويقع على حوار واسع بين الأعمال الأدبية المختلفة، حوار كثيف الأبعاد يحتاجه كل باحث مشغول بالكتابة الفلسطينية، ويحتاجه أكثر كل الباحثين المشغولين بثنائية: اليأس والأمل.” ص 11 .وكتب محمد عمر يوسف القراعين:أعجبت بهذا الكتاب التوثيقي كما في المقدمة، والذي يؤرخ لعدد من الروائيين الفلسطينيين في النصف الثاني من القرن العشرين، وبهذا يعرض للرواية الفلسطينية في التطبيق؛ ويمكن أن يكون مع غيره أحد الكتب المقررة في دورات أكاديمية لتأهيل طلبة الآداب والصحافة. وإذا اتبعنا أسلوب إحصائيات الرأي يمكن أن نضع دليلاً لمكونات الرواية الفلسطينية في هذه الفترة، مستفيدين من هذا الكتاب الذي يمكن اعتباره Code of conduct ميثاق سلوك أو أسلوب في فن الرواية. وهذا يذكرني بالتعليمات النظرية في دورات التدريب العسكري، عندما يكون عدد من الجنود يتقدمون في صف أفقي نحو ثلة من الأعداء، بحيث يكون الجميع من هؤلاء في مرمى إطلاق النار، إذ يقول المدربون: هذه هي التعليمات في الأحوال الطبيعية، أما في المعركة فتصرفوا حسب واقع الحال.وهكذا في العمل الأدبي، فالرصيد من المعلومات النظرية مفيد، ولكن إذا قدحت الشرارة انطلقت القريحة وتتابعت الأفكار وتوالت الأدوار، وإذا لم تقدح الشرارة وهي شيطان الشعر أو ملاك النثر، فنكون كأننا ننحت من صخر. فمن الصعب أن نفكر مبدئياً بكتابة رواية ترتكز في متنها على عروبة القدس، يغذيه مهاجمة الاحتلال وتمجيد التقاليد والأعراف وتجنب الممنوعات، كما نحشو فيها بعض الرموز المقدسة مثلا، كل هذا يأتي تلقائيا ليس كخلطة كيميائية. كان لكل من روائيينا خصوصيات تميزهم في بعض النواحي، ويتشاركون مع البعض في مكونات أخرى. وأزعم أنني خرجت بإيجاز عن بعض الملاحظات التي تستحق في نظري الإشارة إليها، وقسمت هذا الإيجاز اعتباطا بين الكاتب وشكل الرواية ومضامينها، أقول اعتباطا، لأننا لا نستطيع أن نفرق بينهما، فالعلاقة جدلية والتأثير متبادل. وبما أن الكاتب مثقف واع، ففي إنتاجه الأدبي قصة أو رواية أو شعرا يتحسس بطبيعة الحال نبض الناس، ويكتب لمجتمعه معبرا عن رأيه حتى ولو اشتبك مع السلطات جميعا، وقد أجمع الروائيون رفيق عوض وجميل السلحوت وصافي صافي وعارف الحسيني ومحمود شقير على أن المثقف ينبغي أن لا يقف متفرجا بل يطالب بالأمن والحرية، وأن يشيد بالإيجابيات ويفضح السلبيات، ويكون عامل تغيير نحو التقدم والحرية والانفتاح، واحترام الرأي الآخر للصعود الى التحرر من الظلم والاستبداد، وتشاركهم في ذلك وداد البرغوثي التي ترى أن المثقف الطليعي هو الذي يساند السلطة إن كانت ثورية، ويناهضها بقلمه وموقفه إن كانت تريد توقيف الزمن أو تعيده إلى الوراء.وبالنسبة لحياد الكاتب في تسيير أحداث الأبطال وكيف يعبر عن نفسه، فتقول ديمة السمان إن الصراع بين شخوص الرواية يحدث تأثيرات، تكون الغلبة فيها لأفكار يودّ الأديب بثها لتحرير رسالة، ولكن بصورة غير مباشرة يؤيدها عادل سالم الذي يرى أن يبذل الكاتب جهده ليكون حياديا كي يكون عنصر الإبداع أقوى، ومن الناحية الأخرى، لا يعترف صافي وكاملة بدارنة ووداد البرغوثي بالحياد في الثقافة وحتى في العلم، ويتابع عبدالله تاية أنه لو كان الكاتب حياديا، فمن خلال صراع الشخصيات يجعلنا ننبذ أو نتعاطف مع هذه الشخصية أو تلك، في حين يغالي جميل السلحوت بأنه لا يوجد إنسان محايد إلا من فقد عقله. أما أحمد رفيق عوض، فكان دبلوماسيا، إذ بالرغم من أنه يتهم بسجن شخصياته في قالب معين، إلا أنه كمبدع يخلق لهم احتمالات الحرية والجمال، وكذلك تفعل سحر خليفة، فبعد أن تقول باستحالة حيادية الكاتب، إلا أن المهم هو القدرة على الإقناع.وبما أن الأديب يطرح أسئلة، فإن جمال بنورة وعادل سالم يتفقان على أن يكون دور القارئ متمما للدور الذي يقوم به الأديب، حيث الأخير يطرح أسئلة وعلى القارئ البحث عن الحل. فإذا قدمت الرواية الحل فهي تريح القارئ من التفكير، وما عليه إلا أن ينتظر صلاح الدين ليحرر القدس له. وكذلك يفعل سامي الكيلاني الذي يهدف إلى إشباع رغبة القارئ بالاستمتاع بعمل إبداعي، ومن خلال ذلك يؤدي رسالة توعوية، وأخيرا يرى محمود شقير في مهمة الأدب طرح الأسئلة وتقوية الواقع السائد، وفضح مكوناته والسعي الى التغيير.أما الرواية العربية الجديدة والفلسطينية جزء منها، فمن سماتها كما يقول جمال بنورة الخروج على المألوف وعدم التقيد بمواقف وآراء مسبقة، يطرح فيها الكاتب مواضيع جديدة قد تكون من المحرمات كالسياسة والجنس والدين، وكنت أريد أن يزيد عليها تناول بعض الظواهر الاجتماعية والعادات السيئة، كغلاء المهور التي لا بد أن تشمل مئات الغرامات من الذهب، وتكاليف الأعراس والولائم. ويشارك أحمد رفيق عوض في هذا المجال، فيضيف التهجين اللغوي الى هذه السمات وتفجير السقوف وتجاوزها، ويشير صافي صافي أن الرواية الفلسطينية ظهرت بعد الانتفاضة، حيث استطاع الروائي الفلسطيني المزج بين اللغة العامية والفصحى، كما أن عامل الصدمة /المفاجأة في بداية الروايات أو نهايتها ميزة أخرى، بالإضافة إلى الإصرار على التغيير والجدل، وعرض وجهات نظر مختلفة وتقبل الآخر، وإعادة كتابة التاريخ ونقده، والاعتماد كما تقول سحر خليفة على الحقائق والوثائق، وليس على تناقل الأقوال والتمنيات، فالحضارة لا تأتي بالمكابرة وتلفيق الأحداث والبطولات العشوائية، وأن لا ننظر إلى البطل كمخلوق خارق وشبه إله يحرم المساس به. فإذا كان أبطالنا ذوي قدرات خارقة لا تقهر، لماذا قهروا واندحروا؟وكما جاء في المقدمة، فإن روايات الفلسطينيين تعالج بؤس المكان أو بالأحرى المخيم، وتتوقف أمام تجارب السجون الباهظة، لذلك يقول عواد أبو زينة إن الثقافة والفكر العربي راكما كما هائلا من القيود التي أصبح لها سطوة على الفكر بالدرجة الأولى، حتى أن الإنسان في المنطقة ولد مشرنقا لا ينفك حتى يجد شرنقة أكبر منها، ليس بسبب الاحتلال فقط، بل هناك تقاليد المجتمع وسوء الفهم والجهل المتفشي. وقد ولدت السجون قدرات إبداعية، بدأ بعضها داخل السجن واستمرت خارجه، حتى أنه في فترة معينة كان سبعة أعضاء من الهيئة الادارية لاتحاد الكتاب الفلسطينيين معتقلين من أصل أحد عشر عضوا.وللمخيم نصيب في الرواية الفلسطينية، وهنا يقول حسن حميد إنه مكان حفظ لنا الهوية، حفظ لنا اجتماعية الناس والحكايات والتراث والأحداث، ويزيد متفائلا أنه يؤرخ للمخيم لقناعته بأنه زائل، وسيصير بعد العودة متحفا من قبل الآخرين، ليروا أيّة مكابدات تحملوها من أجل العودة المنشودة.ومن حيث لغة الرواية، يحبذ محمود شقير الميل إلى السهل الممتنع، بحيث لا تثقل اللغة على مضمون العمل الأدبي، وبحيث لا تتسطح اللغة فيفقد العمل الأدبي عمقه وجدارته، بينما يكثر سلمان ناطور من استعمال العامية في الحوار. أما مرمر الأنصاري فترى الأديب يصوغ أفكاره بلغة أدبية عالية، ومصطلحات فنية أكثر تجريدا، تشاركها كاملة بدارنة التي تختار الوعاء الأجمل لغة، الذي يخدم الفكرة ويرتقي بالمتلقي. وفي المقابل، يدافع علاء حليحل عن توظيف اللهجة المحكية الفلسطينية، ولا يخشى على الفصحى أن تموت، فهذا ليس نهاية العالم، فستبقى لغة الأكاديمية والنصوص الرسمية، وكل اللغات في تغير وتشكل دائمين.وفيما يخص الكتابة للأطفال التي تعتبر كما يقول محمود شقير فنا قائما بذاته، إنما ليس ثمة سور يعزلها عن بقية أنواع الكتابة الإبداعية؛ فالقصة المكتوبة للأطفال تشترك مع القصة المكتوبة للكبار بعناصر شتى من الحدث والحبكة ونمو الشخصيات، وتوافر العاطفة والخيال ووحدة الانطباع. غير أنه وبسبب عمر الطفولة وطبيعتها الخاصة، ومستواها اللغوي والإدراكي، يصبح من واجب الكاتب أن يأخذ هذه الجوانب بعين الاعتبار.وفي هذا الصدد، يرى إبراهيم جوهر ترابط وجدلية العلاقة بين تربية الطفل والثقافة التي تقدم له، حتى ننتج شخصية محلية منفتحة على آفاق من المعارف، ذات سقف عال غير محدود؛ فلنرفع السقوف لنبدع كبارا وأطفالا حتى لا تضيع إبداعاتنا. ويشارك نهاد درويش في هذا المجال، بأنه يريد توجيها مفتوحا للطفل، ولكن مع الإشارة إلى قيمنا ومبادئنا التي ننتمي إليها، وهي القيم الإسلامية، والقيم الإيجابية في مجتمعنا، التي ترتكز رفيقة عثمان عليها، وذلك بتجنب ترجمة القصص غير الملائمة لحضارتنا وقيمنا ومفاهيمنا، والتي لا تتماشى مع العادات والتقاليد الاجتماعية لدينا. وهنا تتدخل نزهة أبو غوش بالإشارة إلى المراحل المختلفة لحياة الطفولة الأنوية والإحيائية والواقعية، وأن لكل مرحلة ما يميزها عن غيرها. أنني بدوري آمل أن لا يكون ثوب الأعراف والتقاليد فضفاضا، حتى لا يستعمل لمحاربة الأعمال الأدبية، ويصل إلى الرقابة التي تطالب بها مرمر الأنصاري بحذف شعر ايليا أبو ماضي الإلحادي من نصوص المنهاج التعليمي، وإعادة النظر بمقولة الشاعر الشابي: “إذا الشعب يوما أراد الحياة – فلا بد أن يستجيب القدر”.وأخيرا في مجال النقد، تحدث جميل السلحوت في إجاباته عن المشهد الثقافي الفلسطيني في القدس والضفة وغزة والداخل، مركزا على المؤسسات الفلسطينية التي رحلت عن القدس، والمؤسسات القائمة حاليا، مثل ندوة اليوم السابع ومؤسسة يبوس، والمسارح والمتاحف، والقطاعات الأدبية مثل القصة القصيرة والرواية والشعر وأدب الأطفال.أما عدنان القاسم فيرى أن النقد العربي القديم، يقوم في معظمه على مقاييس فنية خالصة، أي “الفن للفن”، فلم يرتبوا على أخلاق الشعراء أحكاما نقدية. وفي وضعنا الحالي، لا يرى ما يسمح بتجاوز الفنية في الكتابة الشعرية أم النثرية، وأن الالتزام بقضية الوطن لا يبيح للشاعر أن يتحلل من الأصول الفنية للشعر، وأن يتحول بمقتضى ذلك إلى نثر، حيث أن الشعر كلام يمتاز بزخرفة موسيقية. وينبغي لنا أن نفرق بين الشعر والنثر، وأن ما يسمى بقصيدة النثر لا عيب أن يسمى نثرا. وهنا يضيف عواد أبو زينة أن قصيدة النثر تعاني، كما القصة القصيرة جدا، فهناك من يدفعونها إلى الأمام ويدافعون عنها، وهناك من ينكرونها ويطردونها من حضرة الشعر. وفي رأيه أن النقد في فلسطين دون المستوى المطلوب، فهو نقد انطباعي في غالبيته، وفيه قدر من المجاملات، ولا يوجد نقد مهني وأكاديمي إلا في القليل النادر، على يد أساتذة اللغة العربية في الجامعات. وأخيرا يقول محمود غنايم إن الشعر العربي عموما يمر في التحول إلى قصيدة النثر. وربما بعد بضعة عقود من الزمان، سيكون الشعر الحر يدرس في تاريخ الأدب.
وقال جميل السلحوت:والكتاب عبارة عن حوارات أجراها الأستاذ وحيد تاجا من خلال التواصل عبر الانترنت مع حوالي خمس وثلاثين كاتبة وكاتبا غالبيتهم من الرّوائيين، ويعيش غالبيتهم العظمى على الأرض الفلسطينية، ونشرها في عدد من المجلّات والصحف والمواقع الألكترونيّة الأدبيّة المتخصصة في العالم العربي.وتنبع أهميّة هذا العمل غير المسبوق-حسب علمي- في أنّه يعرّف المهتمّين والقراء العرب على عدد من رموز الأدب الفلسطيني الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينيّة، وعانوا الكثير من القمع والحصار الثقافيّ، وعدم التّواصل مع امتدادهم العربيّ، وهناك في الأراضي الفلسطينيّة نتاجات ابداعيّة على مستوى رفيع، لكنّها بقيت محاصرة مع مبدعيها، فلم تصل إلى البلدان العربيّة تماما مثلما لم تصل أسماء مبدعيها، حتى ظهور شبكة التواصل الألكتروني “الانترنت” في بداية تسعينات القرن العشرين، حيث نشروا في المواقع الألكترونية والصحف والمجلات العربية، واطلعوا على ابداعات المبدعين العرب التي لم تكن تصلهم قبل قيام السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة في العام 1994.ومعروف أنّ معرفة المهتمين في الدّول العربيّة بالابداعات الفلسطينية على الأرض الفلسطينيّة كانت تقتصر على بعض الرّموز من الآباء المؤسّسين في مجال الشعر كالراحلين الكبار محمود درويش، سميح القاسم، توفيق زياد، فدوى طوقان، وفي مجال الرّواية الراحل إميل حبيبي. وفي مجال القصّة القاصّ الكبير محمود شقير، الذي قطع شوطا كبيرا في مجال القصّة أهّله أن يكون”ملك القصة الفلسطينية والعربيّة ” خصوصا بعد عودته من المنفي في العام 1993، بعد ابعاد قسري في العام 1975، ودخوله عالم الفنّ الروائي أيضا.وكتاب الصحفي وحيد تاجا الذي نحن بصدده كما قال الدكتور فيصل درّاج“كتاب يلبّي حاجة ضرورية وبكفاءة”. فمن خلال متابعات الأستاذ تاجا للحراك الثقافي في فلسطين، وجّه أسئلته الواعية والمستفزّة لمن قابلهم، ليستخرج مكنونات المشروع الثقافي لكلّ منهم من خلال ما كتب، ومن خلال فهمه ووعيه وهمومه الثقافيّة التي يعيشها في وطنه الذّبيح.والقارئ لهذه الحوارات التي ركّزت على الرّواية تحديدا، وتطرّقت إلى القصّ أيضا يستطيع أن يستخلص سمات وميّزات الأدب الفلسطينيّ لخصوصيّة القضية الفلسطينيّة، مع التأكيد أنّ الأدب الفلسطينيّ جزء لا يتجزّأ من الأدب العربيّ.وهذا الكتاب لا يقلّ أهميّة عن كتابي الشّهيد غسان كنفاني:” أدب المقاومة في فلسطين”و“الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال 1948-1968 “ فغسّان كنفاني رصد الأدب الفلسطيني للمبدعين الفلسطينيين الذين تمسّكوا بتراب وطنهم، وبقوا في الجزء الذي قامت عليه اسرائيل في نكبة العام 1948. وها هو وحيد تاجا يعرّف ببعض الأدباء الفلسطينيين من باقي الأراضي التي احتلت في هزيمة حزيران 1967 والمعروفة باسم قطاع غزّة والضّفة الغربيّة بجوهرتها القدس الشريف، وببعض الأقلام من الدّاخل الفلسطينيّ مثل الأديب سلمان ناطور، الدكتور الناقد محمود غنايم، والأديبة كاملة بدارنة، والأديب علاء حليحل، والأديبتين نزهة أبو غوش ورفيقة عثمان،والأديبتين الشّابتين نسب أديب حسين ومرمر القاسم الأنصاري، وعلى روائيين فلسطينيين يعيشون في بلدان عربيّة مثل جمال ناجي، وصبحي الفحماوي في الأردن، وحسن حميد في سوريا، وعرّج على الأديب المغترب ربعي المدهون الذي يعيش في لندن، وصاحب رواية “السّيدة من تل أبيب” التي وصلت الى القائمة القصيرة في جائزة البوكر، وعلى الروائي والقاص عادل سالم المغترب في أمريكا.وسيشكّل هذا الكتاب اضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة بشكل خاص والعربيّة بشكل عاممرجعا للدّارسين الفلسطينيّين والعرب، المهتمين برصد الحراك الأدبي الفلسطيني على الأرض الفلسطينيّة، وهذه قضيّة غاية في الأهميّة، لأنّ الدّراسات السّابقة في غالبيتها ركّزت على أدباء المهجر، وتمّ استثناء أدباء الأراضي الفلسطينيّة لنقص المعلومات عنهم وعن نتاجاتهم. وبالتأكيد فإن هذا الكتاب سيصل العواصم العربية لأنّ ناشره دار الجندي للنشر والتوزيع تشارك في مختلف معارض الكتب في الدّول العربيّة.وأعتقد أن الأستاذ وحيد تاجا سيصدر جزءا ثانيا من الكتاب لأنه لا يزال يواصل حواراته مع الأدباء الفلسطينيّين.وقال عبد الله دعيس:
الرواية الفلسطينية … حوارات نقديةلا غنى لكلّ طالب أو باحث مهتم بالإنتاج الأدبي في فلسطين أن يعود إلى كتاب “الرّواية الفلسطينية … حوارات نقدية” للكاتب السوري وحيد تاجا، والذي لمّ شمل عدد كبير من الكتاب الفلسطينيين بين دفتي كتابه الذي يقع في 510 صفحات من القطع الكبير. فقد ضم الكتاب حوارات نقدية مع أربعة وثلاثين كاتبا وناقدا فلسطينيا خاصة أولئك الذين برعوا في الر واية والقصص القصيرة وأدب الأطفال. وقد قدم وليد تاجا تعريفا لكل كاتب، حيث أعطى لمحة عن حياته، وأهم منجزاته الأدبية. وقد حاور المؤلف عددا من الكتّاب وكذلك الكاتبات، وركز على الرّواية، لكنه حاور أيضا كتاب القصص القصيرة أو الذين جمعوا بين الفنّين. وخصص قسما خاصا للكتّاب الذين ألفوا في أدب الأطفال وأعطاه أهمية كبرى. ثمّ أنهى كتابه بالحديث إلى بعض النقاد الذين أعطوا رأيهم بالأدب الفلسطيني والكتّاب الفلسطينيين، وأجابوا عن بعض الأسئلة التي أجاب عنها الأدباء، مما مزج وجهات نظر الكتّاب مع وجهات نظر النقّاد، وسهّل المقارنة بينها عند البحث في المواضيع المطروحة.وقد حاور المؤلف الأدباء الفلسطينيين في مختلف أماكن تواجدهم، سواء كانوا داخل فلسطين أو في القدس والضفة الغربية أو غزة، وكذلك الكتّاب من فلسطين المحتلة عام 1948. وهذا يعطي الفرصة للباحث في استطلاع آراء الكتّاب الفلسطينيين الذين يعيشون تحت ظل الاحتلال ويكتوون بناره، وأولئك الذين ينتظرون العودة إلى الوطن، فيستطيع أن يعقد مقارنة علمية بين أدبهم ونظرتهم إلى الأمور، ومدى التوافق والاختلاف في وجهات نظرهم ومعالجتهم للمشكلات التي تلمّ بوطنهم، خاصة وأنهم يعيشون في بيئات مختلفة، والكاتب في النهاية هو ابن بيئته، وإن كان الهمّ الفلسطينيّ يجمعهم ويوحد رؤيتهم باتجاه فلسطين وقضاياها الكبرى.إن المطالع للحوارات التي أجراها الأستاذ وليد تاجا مع الكتّاب، يلحظ الذكاء الفائق في طرح الأسئلة، التي تنوعت حسب الأديب، واستطاعت أن تجعل الأدباء يُبدون آراءهم في مختلف المسائل التي قد تشغل بال الباحث، الذي يحاول أن يدرس مؤلفاتهم. ونلحظ أيضا ونتعجب من سعة اطّلاع المؤلف وعمق ثقافته، حيث كانت أسئلته تنمّ عن معرفته التامة بجميع مؤلفات الأدباء الذين حاورهم، وعلى عمق قراءاته في كتبهم التي قرأها وقارن بينها، واكتشف خفاياها ومرامي كتّابها، واطلع على الكتابات النقدية التي قيلت فيها والأبحاث التي تناولتها.نستطيع تصنيف الأسئلة التي طرحا المؤلف إلى فئتين: أسئلة مكررة طرحها على معظم الأدباء وأراد منها الوصول إلى وجهات نظر الكتّاب الفلسطينيين في هذه القضايا، واجتماعهم أو اختلافهم عليها، فنراه يعاود السؤال نفسه لأغلبية الكتّاب الذين قابلهم. والفئة الأخرى، هي الأسئلة الخاصة التي كان يسألها لكل كاتب، فيما يخصّ مؤلفاته ووجهات نظره في القضايا التي طرحها في كتاباته، ولم يكررها عند مقابلة كاتب آخر، وذلك ليجليَ الأمور على حقيقتها، بعيدا عن التأويلات الشخصية وآراء القرّاء والنقاد فيها.أعتقد أن المؤلف قصد من أسئلته من الفئة الأولى أن يوضح رأي الكتّاب في عدة قضايا من أهمها: أولا: نظرة الكتّاب الفلسطينيين إلى “الآخر” أي الصهاينة وموقفه منهم في كتاباته.ثانيا: رأي الكتّاب الفلسطينيين في الكتّاب اليهود الذين يتحدثون عن التعايش مع العرب، ومدى إخلاصهم في هذا الطرح.ثالثا: الفرق بين الأدب الفلسطيني الذي ينتجه الكتّاب الفلسطينيون الذين يعيشون داخل فلسطين وذاك الذي يكتبه الأدباء الذين يعيشون في الشتات، والفرق بين الأدباء الذين يقطنون المناطق التي احتلت عام 1967 وأولئك الذين يقطنون في المناطق الفلسطينية التي سيطرت عليها العصابات الصهيونية عام 1948. رابعا: استخدام اللهجات المحلية في الحوار في الأدب الفلسطيني وموقف الكتّاب من ذلك.خامسا: أدب السجون، وهل استطاع أن يعطي صورة حقيقية وافية عن معاناة الأسرى والأسيرات وتضحياتهم.سادسا: دور المرأة في الأدب الفلسطيني، وكذلك صورتها في هذا الأدب.سابعا: رأي الكتّاب الفلسطينيين في التطبيع الثقافي والعلاقة مع “الإسرائليين”.نلحظ اتفاق معظم الكتاب على أن الروايات الصهيونية التي تدعو إلى التعايش مع العرب ما هي إلا تجميل لوجه “إسرائيل”، لكنهم اختلفوا في طريقة طرح “الآخر” في الرّواية الفلسطينية وموضوع التطبيع والتعامل الثقافي مع الصهاينة. فالحوارات التي أجراها المؤلف وحيد تاجا أبرزت الرّوح المشتركة التي تجمع الكتّاب الفلسطينيين، فقضية فلسطين تجمعهم ولا يستطيعون أن يخرجوا من تحت عباءتها، لكنها أظهرت أيضا المناحي المختلفة التي يتجهون إليها، وإن كانوا يحومون حول هذه الروح الواحدة. وقد أظهرت أيضا نقاط القوة في الأدب الفلسطيني، ونقاط الضعف، وأبرزت المواضيع التي لم يعطها الأدباء الفلسطينيون حقها وتحتاج إلى المزيد من الجهد.وأخيرا فإن المؤلف قد أتاح لنا الفرصة للاستماع إلى الكتّاب مباشرة والتعرف عليهم، ليس من خلال شخصيات رواياتهم وقصصهم، والتي وإن كانت تعكس رؤيتهم للأمور أحيانا، لكنها لا تعطينا صورة مكتملة عنهم. لذلك فإن هذا الكتاب هو عمل مهم جدّا في مجال البحث في الأدب الفلسطيني، ولا غنى لأي باحث في هذا المجال عن اقتنائه والإفادة منه.
وكتبت نزهة أبو غوش:افي حوارات الكاتب وحيد تاجا نلحظ تركيزه على معرفة الاختلافات بين كتّاب القصّة والرواية في داخل الأرض الفلسطينيّة( الضّفة والقطاع وأراضي ال 48) وبين أدباء الشتات. كان لكلّ كاتب إجابته الّتي يراها تتلاءم مع أفكاره وتجاربه الشّخصيّة، وقراءاته المتعدّدة للكتّاب الفلسطينيين في فلسطين نفسها وفي الشّتات؟ وقد حكمت كتابات هؤلاء الأدباء الأحداث الّتي حدثت في فلسطين، نحو الانتفاضات الأولى والثانية مثلًا. بناء الجدار، حصار غزّة ، الاحتلال بشكل عام للأراضي الفلسطينيّة. وهناك من يعتب أنّ وجوده في مكان معيّن ، هو ميّزة على الصعيد الابداعي، مثال على ذلك الكاتبة سما حسن ، حيث قالت ص194: “غزّة تكتب لمن يعيشها، ومن يعاني ويولد حرمانه من رحم معاناته” يرى الكاتب سلمان ناطور أن فلسطينيي الداخل أكثر التزامًا بأدبهم. قال في ص182: ” نحن الّذين نعيش بالداخل الفلسطيني، أعتقد أنّ كتاباتنا أكثر التزامًا بالقضيّة السياسيّة لأنّنا في الخط الأمامي في مواجهة الصهيونيّة.”حضرت القدس وبقوّة في حوارات الكاتب وحيد تاجا : قال الكاتب سمير الجندي ص198: ” هي تلك الحجارة الطاهرة الّتي داعبتها أناملي قبل معرفتي حروف الكلام”. أما الكاتب محمود شقير فقد نبّه عن الوضع الخطير الّذي تحياه القدس في ظلّ الاحتلال. كانت القدس هي بطل روايات الكاتب السلحوت قال ص79:” القدس جنّة السّماوات والأرض، وهي عروس المدائن بحقّ وحقيقة.”تربّعت القدس في روايتي الأديبة ديمة السّمان، الأولى، رواية القافلة، ثمّ برج اللقلق. تقول ص109:” متى نكون نحن العرب كالبنيان المرصوص؟….القدس والقيامة والأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.عند عارف الحسيني كانت القدس هي وطنه الأوّل فحضرت بروايته ذات دور مهم وملفت.اهتمّ الكاتب تاجا بكيفيّة اظهار صورة الآخر- اليهودي المحتلّ- في الأدب الفلسطيني، وفي المقابل صورة الانسان العربي في الأدب العبري. يرى الكاتب سامي الكيلاني بأن تربيتنا لأطفالنا يجب أن تكون بشكل ديمقراطي، وأن لا ننجرّفي اتجاه التربية العنصريّة كما يفعل الانسان اليهودي. يقول ص144″ هم عنصريون؛ لأنّ أهدافهم تخدم عنصريّتهم تخدم أهدافهم، ونحن يجب أن نكون انسانيين لأن قضيتنا انسانيّة نبيلة.” أمّا الكاتبة نسب أدب حسين فقد كان لها اهتمام بطرح العلاقة مع الآخر- اليهودي- وقد قارنت ما بين ثقافتين مختلفتين، وقد ظهر ذلك في قصّة “خيمة” وقصّة” مع الرّيح”. قالت في ص346:” في ظلّ الظروف الحاليّة الّتي يعيشها الفلسطيني الصامد على أرضه عام 1948، فإِنّ العلاقة مع الآخر هي أمر مفروض ويومي شاء ذلك أم أبى”تحدّث تاجا مع الأدباء المحاورين عن الذّاكرة الشّفوية، حيث اهتم بها العديد من الكتّاب ورأى أغلبهم بأن اهتمامهم الأوّل هو الانسان الّذي عاش الواقع وليس التّاريخ نفسه. يقول الكاتب سلمان ناطور ص176:” أنا لا أبحث عن الحقيقة، بل عن الّذين عاشوا التجربة.”أمّا الكاتب جميل السلحوت فوضّح الخط الفاصل ما بين الرّوائي والمؤرّخ. قال في ص78: لم أكتب تأريخًا، لكنّني كتبت عن الحياة الاجتماعيّة لمجتمع القرية الّذي يسوده التّخلف، وهذا جانب أغفله كتّابنا ارتأيت أنا بأنّه سبب من أسباب الهزيمة.”حاور الكاتب تاجا بعض كتّاب أدب الأطفال، الّذين كتبوا للطّفل، وأجابوا على تساؤلاته وحيرته وراعت احتياجيّتهم المعنويّة والنّفسيّة والأجتماعيّة والعقليّة. كان لكلّ كاتب رأيه وتوجّهه الخاص للطّفل. يرى الكاتب ابراهيم جوهر أنّ احترام عقليّة الطّفل. وفهمه لاحتياجاتهم ولغتهم وعمله على اسعادهم وامتاعهم؛ هي من مميّزات كاتب الأطفال النّاجح.أمّا كاتبة الأطفال رفيقة عثمان فقد رأت بأنّ أدب الأطفال هو الأدب المتخصّص والموجه والّذي يهدف إِلى الارتقاء بفكر وعاطفة الطّفل، أينما وجد.ذهبت الكاتبة إِلى نقطة نادرًا ما يذهب اليها كتّاب أدب الأطفال، حيث عالجت بقصّة ” الأرنب المفقود” قضيّة الموت وتفهّم وتقبّل الأطفال له.
وكتب رفعت زيتون:وحيد تاجا الأديب الصحفي سوري المولد فلسطيني الهوى مقدسيّ الروح، لم يفارق وحيد تاجا الكتّاب الفلسطينيين منذ عرفهم، فكان وفيا لحرفهم، مرافقا لوجعهم وهمهم اليومي، فبادر بعمل اللقاءات الصحفية معهم، وكانله الفضل بالتعريف بهم على نطاق أوسع في الوطن العربي، طبعا لغير المعروفين منهم، فنشر لقاءاته معهم في العديد من الصحف، قبل أن يجمعهذه اللقاءات في كتاب، فكان أن زاد على الخير خيرا كثيرا.وللحديث أكثر عن الكتاب والفائدة الجمّة منه أريد أن أوجز هذه الفوائد في عدة نقاط، مظهرا بها الذكاء الذي تمتع به كاتبنا وكذلك الشمولية والموضوعية التي تغيب عن كثير من الكتاب.أولا : تنوّع الأسئلة في الحوار:الكاتب وحيد تاجا لم يكرر نفسه خلال حواره، فكانت أسئلته متغيرة تبعا للروائي وطبيعة الرواية أو الروايات التي كتبها وموضوعاتها. فتحدث عن الحياة الاجتماعية في المجتمعات الفلسطينية، وأدب السجون، والمرأة، وعن الشباب والنضال، وعن القضية الفلسطينيةكقضية سياسة فلسطينية وعربية.ثانيا- النقد :فقد ألقى الكاتب وحيد تاجا الضوء على ما قاله النقاد في الروايات التي ناقشها مع كتابها، وكان لهذا الجانب فائدتان، الأولى أن هذه العملية جمعت في كتاب واحد ما قاله النقاد عن تلك الروايات، فجعل القارئ يستفيد من تلك القراءات النقدية، وخاصة أولئك الذين لهم ملكة الكتابة، والكتاب المبتدئين، فيعرفون من خلالها النقاط التي يتناولها النقاد في دراساتهم فيأخذونها باعتبارهم عند الكتابة.الثانية أن هذه العملية أعطت للروائي الفرصة للرد على هؤلاء النقاد من خلال مساحة لا بأس بها في هذا الكتاب.ثالثا: التعريف بشكل موسع بعناصر القصة: فقد ناقش الكاتب بالتفصيل عناصر القصة مع بعض الروائيين، فمنهم من تميز بإظهار عنصر كالشخوص أو الزمان والمكان وغيرها، وكذلك من أهمل بعضها، فكان الحوار مفيدا كذلك في التعريف بهذه العناصر وكيفية التعامل معها على أفضل وجه. فمثلا في بناء الشخصيات تساءل عن مدى استطاعة الكاتب أن يكون حياديا في تسيير الشخصيات، وعدم التدخل من قبل الكاتب في الشخصية داخل الرواية.رابعا: الكتاب عرّف بالكاتب من حيث ثقافته: فعدا عن السيرة الذاتية، فقد كان الحوار بمثابة مرآة أو نافذة جديدة رأينا من خلالها الروائي وطريقة تفكيره وأسلوبه في الحوار ومقدرته على طرح نفسه أمام القراء، وبالتالي فالحوار عكس شخصية الروائي الأدبية، وربما ذهب القارئ إلى عمل تصنيفات أو طبقات لهؤلاء الروائيين. وحقيقة أنني عرفت من خلال الكتاب روائيين أحببت أن أتعرف عليهم أكثر وأصبح عندي دافع قوي لاقتناء رواياتهم وقراءاتها.خامسا: الترويج- أعتبر هذا الكتاب سوقا ترويجيا لكثير من الروايات، وربما دون قصد، فالحوار أثار العديد من النقاط التي تخلق نوعا من التشويق لدى القارئ لكي يعود للرواية لمتابعة أحداثها، وهذا يحسب للكاتب وحيد تاجا كذلك.سادسا: الكتاب بحدّ ذاته يعتبر رواية عن كلّ روائ، وذلك أن الكتاب ذاته يحتوي بداخله على عدة روايات عن شخصيات حقيقية هم الروائيون الذين تحدث عنهم. وذلك أن في مقدمة كل حوار هناك نبذة عن حياة الروائي وأعماله، وكذلك خلال الردّ على الأسئلة كان هناك ما يشبه الحديث عن سيرة ذاتية للروائي، فمثلا رأيت في الحوار مع الروائي جمال بنورة قصة عن تجربته الذاتية في الكتابة، وكيف أنه كان يصنع الحوار الداخلي للشخصيات، ثم يجد نفسه قد تدخل في تلك الشخصيات وهيمن عليها فعاد ومسح ما كتب. وكذلك ما كان من قصة حياة الكاتب المقدسي الشيخ جميل السلحوت مذ كان طفلا وكيف أنه كان يتابع الدروس في صف أخيه من خلال النافذة وهو في الخارج، حتى توسم فيه المدرس خيرا فأقنع المدير بانضمامه إلى الطلاب، أليست هذه قصة وسيرة ذاتية عرفتنا على بدايات كاتب منذ صغره، تصلح كرواية سينمائية.سابعا: الكتاب موسوعي ومرجعي:أعتبر أن هذا الكتاب سيكون أحد المراجع المهمة التي يمكن الرجوع إليها في عمل الأبحاث لطلبة الجامعات، ففيها معلومات عن مجموعة لا بأس بها من كتاب الرواية الفلسطينية، وعن أعمالهم وإصداراتهم وحياتهم الشخصية وتجربتهم الكتابية، وقد قسم الكاتب المادة في بداية الكتاب إلى أصناف حسب نوع المادة، فجعل أدب الأطفال له قسم خاص، والرواية كذلك ومثلها النقد. وأدرج الأسماء وإلى جانب كل اسم لروائي أو أديب وضع رقم الصفحة لسهولة الرجوع إليه، وهذا جعل الكتاب موسوعيا ومرجعيا إلى حد ما.ثامنا: أهميته لندوة اليوم السابع:لقد وجدت لدى الكاتب اهتماما خاصا بأدباء ندوة اليوم السابع وأصدقاء الندوة الذين تربطهم بالندوة علاقة قوية، فتضمن الكتاب أسماء بعض أعضاء الندوة الذين يكتبون الرواية وأدب الأطفال، مثل الأديب الكبير محمود شقير، والشيخ جميل السلحوت، وأديبنا ابراهيم جوهر والأديبة ديمة السمان، والأديب سمير الجندي، والأديبة نزهة أبو غوش والأديبة رفيقة عثمان والأديبة نسب حسين، وربما كان هناك كتب مشابهة في المستقبل تتضمن كذلك باقي الأدباء الذين ساروا في دروب إبداعية من أنواع أدبية أخرى غير الرواية، وهذا كله قد قدم خدمة جليلة للندوة وأعضائها، فقد تكرر ذكر الندوة كثيرا في صفحات الكتاب، وهذا التكرار يجعل القارئ يتساءل عن هذه الندوة التي يحتوي كتاب الرواية الفلسطينية على جزء كبير من روّادها، وتحديدا ما يقارب ثلث عدد الأدباء المذكورين في هذا الكتاب، أي أن ندوتنا أصبحتجسما أدبيا مهما، وله وزنه على الساحة الأدبية الفلسطينية والعربية وأصبحت تفرض نفسها بقوة في كل ميادين الإبداع.
وقالت رفيقة عثمان أبو غوش:
كرَّس الكاتب عمله في حوار متبادل بينه وبين الأدباء، والكتَّاب الفلسطينيين، الذين برزوا في كتاباتهم المحليِّة، ومعرفتهم على الصعيد المحلي فحسب، وأكثر بروزًا داخليًّا، ومعظمهم غير معروفين على الصعيد العالمي، أو بالأحرى خارج الوطن.اهتم كاتبنا في انتقاء الشخصيَّات الأدبيّة التي وجد فيها اهتمامًا خاصًّا، وأبرز مواضيع هامة، وتكون القدس حاضرة فيها بشكل بارز، مصاغة بصيغة أدبيَّة جميلة، فيها ملامح وانطباعات الكتاب والأدباء؛ من خلال سرد السيرة الذاتيَّة لكلّ كاتب وكاتبة، وانعكاسات كتاباته على الواقع الفلسطيني للحياة الاجتماعيَّة، والسياسيَّة، وكذلك العكس هو الصحيح؛ أي انعكاس الواقع على حياة الكاتب.صنّف الكاتب تاجا تاجه، وفق الجنس الأدبي: كتَّاب الرواية، وكتَّاب القصص، وكتَّاب القصص القصيرة، وكتَّاب قصص الأطفال. نجح كاتبنا في خلق علاقة اجتماعيَّة متواصلة، عبر الشبكات العنكبوتيّة، وخاصَّة عبر موقع الفيسبوك، وكان متفاعلا معنا بشكل دائم، وكأنه حاضر في البلاد بيننا؛ ممّا يدل على الانتماء القوي لهذا الشعب. وشارك في النقاش عدد من الحضور منهم: حسن أبو خضير، رائدة أبو صويّ ورشا السرميطي.