رواية الخاصرة الرخوة والفكر التكفيري

ر

عندما صدرت روايتي الأخيرة “الخاصرة الرخوة” نهاية العام 2019 عن مكتبة كل شيء في حيفا. قرأها وكتب عنها عدد من الأخوات والأخوة الأفاضل وهم كتّاب ومثقفون، وأشادوا بها شكلا ومضمونا. ومنهم الدكتور عوّاد أبو زينة أستاذ الأدب العربي في إحدى جامعات دولة الإمارات العربية الذي كتب سبع عشرة مقالة مشيدا بالرواية.
وعندما نزل خبرعلى صفحة التواصل الاجتماعي عن تخصيص أمسية في ندوة اليوم السابع لمناقشتها، قرأ أحد الأشخاص الخبر، فنسخه على صفحته مع تقديم يقول فيه: ” يمكن لأني غير معتاد على قراءة هذا النوع من الأدب أو القصة أو الرواية. على كل حال حتى لا أتجنى في فهمي على أحد أطلب من أصدقائي وبموضوعية الباحث الأديب مناقشة ما تقرأ من هذه العينة من هذه الرواية.”
وتقديمه هذا المبني على الخبر دون قراءة الرّواية يحمل في طيّاته تحريضا على الرّواية وكاتبها. لكن يبقى من حقه ومن حقّ غيره أن يقرأوا الرواية، وأن يقولوا رأيهم فيها، فأيّ كتاب يصدر يصبح ملكا للقارئ، وليس شرطا أن يتّفق مع مضمون الكتاب. لكن ليس من حقّه أن يطعن بالكاتب أو يسيء إليه.
وانهالت التّعليقات على منشور ذلك الشّخص من أصدقائه الذين طلب منهم:” “وبموضوعية الباحث الأديب مناقشة ما تقرأ من هذه العينة من هذه الرواية.”
ومن خلال هذه التعليقات غير الموضوعية التي تخطّت في غالبيّتها حدود الأخلاق والتّهذيب، تبيّن أنّ أيّا منهم لم يقرأ الرّواية، لكنّهم لم يتورّعوا من الإساءة للكاتب وللرّواية، وأنّهم غير مستعدّين لقراءة الرّواية والحكم عليها بعد ذلك، مع أنّ الكاتب بعث لكلّ منهم نسخة إلكترونيّة من الرّواية.
ويظهر من ردودهم المتشنّجة والمسيئة أنّهم يحملون “فكرا دينيّا مسيّسا وتكفيريّا”، وأنّهم غير مستعدّين لتقبّل أيّ رأي آخر، وغير مستعدّين لتقبّل النّصيحة حتّى ممّن يعرفونه ويحترمونه حين علّق مشكورا ناصحا لهم: ” لا تستطيع أن تحكم على الأديب من منطلق الإحصاءات. الأدب محاكاة للواقع والأدب خيال. لا يمكن أن تحكم على العمل الأدبي من منطلق مطابقته للواقع، لذلك قال الأصمعي أعذب الشعر أكذبه. نصيحتي ألّا تخوضوا في ميدان ليس ميدانكم مع احترامي الشديد لكم . هذي رواية وليست اتفاقية سيداو، ولا يمكن محاكمتها محاكمة النصوص الأخرى، الأدب غير. النبي عليه السلام استمع إلى قصيدة بانت سعاد بما فيها من غزل صريح ولم ينقدها بميزان الشرع لأنها أدب.” وقال في تعليق آخر ردّا على أحدهم: ” أخي… من حقك أن تنقد الرواية كما تشاء بعد ان تقرأها وتفضل إلى ندوة اليوم السابع وتقدم طرحك بكل وضوح. والأستاذ جميل يرحب بأيّ نقد وهو كما أعرفه واسع الصدر، ونحن بانتظارك.”
ومن الواضح أنّ السّادة المعلقين منغلقون فكريّا، وبينهم وبين الثقافة والمعرفة عداء تاريخيّ مستديم؛ لأنّهم يعتقدون بأنّهم العالمون الوحيدون بالحقيقة وفهم الدّين والعادات والتّقاليد، فوضعت لهم رابط مقالات عن الرّواية لأخوات وإخوة أفاضل ومتديّنين، لكنّ ذلك لم يردعهم، فواصلوا تعليقاتهم التي- مع الأسف- في غالبيّتها تفتقر إلى بدهيّات التهذيب، فبعضهم وصف الرّواية ” سيداو بثوب قصصي”! وبعضهم وصفها بأنّها “إباحيّة”، وأحدهم علّق:”حسبنا الله ونعم الوكيل عليكم وعلى من يمولكم ويعلفكم لضرب العفة والتآمر على المرأة المسلمة لتمرير مؤامرة خبيثه لهدم القيم في المجتمعات المسلمة تحت عنوان المساواة والحقوق وهي في الحقيقة هدم وخراب!” ولهذا أقول لهذا المهذب فقط “كلّ إناء بما فيه ينضح” وليس من أخلاقي أن أردّ عليك باللغة التي تفهمها ولا تجيد غيرها.
أمّا ذلك “الغيور” الذي قال عن وصف شعر يديّ الرّجل وصدره بأنّه “ماجن”، فهل يعلم أنّ عورة الرّجل -حسب الدّين- من السّرّة إلى الركبة،؟ وأنّ اليدين والصدر ليسا عورة؟
أمّا من علق قائلا:” : أيّ عمل أدبي يعالج قضايا اجتماعية يجب أن يبنى على واقع معاش وليس على إفتراءات وتهم جزافية، الإبداع له مقومات.” فليته قرأ الرّواية؛ ليجد أنّها واقعيّة حتّى النخاع، وأنّها تعالج مشاكل اجتماعية معاشة.
أمّا من استغرب كيف قرأ البعض الرواية 260 صفحة بهذه السّرعة -حتّى لو كانوا خبراء- فيا سيّدي الفاضل إذا كنت لا تقرأ فهذا شأنك، لكن لا تستغرب أنّ هناك من يقرأون كثيرا لتثقيف أنفسهم، وبعضهم يقرأ كتابا يوميّا.
أمّا بالنسبة للرّواية فلست بحاجة إلى تفسيرها أو للدّفاع عنها، فقد كتب عنها العشرات مشيدين بها، وللمنغلقين والمتأسلمين أقول أنّ البعض أخذ على الرّواية كثرة استشهادي على ألسنة شخوصها بالآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة وأقوال الفقهاء والمجتهدين لأبيّن موقف الدّين الصّحيح من المرأة.
لكنّ التّحريض على الرّواية وعلى كاتبها ممّن يتستّرون بالدّين ولم يقرأوا الرّواية فقد ذكرني بأبي تمام عندما قال:
وإِذا أرادَ اللّهُ نشرَ فضيلةٍ * طويتْ أتاحَ لها لسانَ حسودِ
لولا اشتعالُ النارِ فيما جاورَتْ * ما كان يعرفُ طِيبُ عرفِ العُودِ
لولا التخوفُ للعواقبِ لم تزلْ * للحاسدِ النُّعْمى على المحسودِ.
وكنت أتمنى لو أنّ من علّقوا وهاجموا وشتموا متلفّعين بعباءة الدّين الحنيف ودون أن يقرأوا الرّواية، لو أنّهم أخذوا بقوله تعالى: ” يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ.” كما تمنّيت لو أنّهم تحلوا بأخلاق خاتم النبيّين الذي امتدحه الله سبحانه وتعالى بقوله” وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.”
يبقى أن أقول أنّ من استنفروا لمهاجمة الرّواية، كتبوا بأنّهم سيحضرون أمسية نقاشها في ندوة اليوم السابع، لكن أيّا منهم لم يحضر، ويبدو أن بعضهم قرأ الرواية ووجد أنّهم قد أخطأوا بما علقوه بحق الرواية وبحق كاتبها، لكن أيّا منهم لم يكلف نفسه بالإعتذار عمّا بدر منه من إساءات. والحديث يطول.
18-1-2019

التعليقات

جميل السلحوت

جميل حسين ابراهيم السلحوت
مولود في جبل المكبر – القدس بتاريخ 5 حزيران1949 ويقيم فيه.
حاصل على ليسانس أدب عربي من جامعة بيروت العربية.
عمل مدرسا للغة العربية في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس من 1-9-1977 وحتى 28-2-1990

أحدث المقالات

التصنيفات