غيّب الموت يوم 12-2-2019 الشّاعر الإنسان الصّديق الوفيّ، خليل توما، ومع أنّ كلّ نفس ذائقة الموت، إلا أنّ فقدان شاعر جميل وفيّ، ملتزم بقضايا شعبه وأمّته ووطنه كخليل توما، ترك ويترك حزنا عميقا في نفوس كلّ من عرفوه.
فخليل توما المولود عام 1945 في مدينة بيت جالا واحد من أبرز من وضعوا المداميك الأولى في الأراضي المحتلّة للقصيدة الفلسطينيّة وللحراك النّقابي بعد هزيمة حزيران 1967.
وخليل توما واحد من أبرز من أحيوا العمل النّقابي في الوطن المحتل، وشغل أمين سرّ نقابة عمال وموظّفي الفنادق التي كان مقرّها في القدس. وهذا يعني بالضّرورة انحيازه للطّبقة العاملة فكرا وعملا. وهذا جرّعليه ويلات الاعتقال وما يتبعه من تعذيب ومعاناة، كما أنّه أحد مؤسّسي اتّحاد الكتّاب الفلسطينيين في الوطن المحتل.
قبل حوالي عام عانى شاعرنا الجميل من نزيف دمويّ في جهازه الهضميّ، وصاحب ذلك آلام ومعاناة، غير أنّ الأطباء لم يستطيعوا تشخيص الحالة المرضيّة، ولاحقا وبعد ثمانية أشهر تبيّن وجود ورم عنده في الإثنا عشر، غير أنّ ذلك لم يؤثّر على عزيمته، وكتب خلال هذه الفترة مجموعة قصائد نشرت في عدد من المواقع الألكترونيّة والصّحف الورقيّة. ذات يوم قبل حوالي ثلاثة أشهر أخبرني عن حالته المرضيّة، وأنّه تقرّر إجراء عمليّة جراحيّة له في 16-1-2019، وأضاف ضاحكا:” عملت في قسم الإستقبال في فندق “الأميركان كولوني” في القدس ثمانية عشر عاما، وعملت في الصّحافة وتحديدا في صحيفة “الفجر الإنجليزيّ”مدّة ثمانيّة عشر عاما أيضا، كما عملت في التّرجمة مدّة ثمانية عشر عاما أيضا، وقال وهو يضحك قهقهة بأنّه يطمح بأن يعيش ثمانية عشر عاما أيضا بعد العمليّة الجراحية، ليموت راضيا مرضيّا وهو في التسعينات من عمره”. وأضاف قائلا” بأنّه لم يعد مهتمّا بالحياة وهو يذكر لي أسماء بناته وأبنائه، وما هو التّحصيل العلميّ لكلّ واحد منهم، وممّن تزوّجوا وعدّد أطفال كلّ منهنّ ومنهم.” وبعدها تواصل الإتّصال بيني وبينه بشكل شبه يوميّ، كنت أدرك تماما مدى خطورة وضعه الصّحّيّ، ومع ذلك كنت أطمئنه بأنّ هذا المرض ليس خطيرا بسبب التّقدّم العلميّ في مجال الطبّ. قبل أن يدخل المستشفى بيوم واحد بعث لي عددا من قصائده، وطلب منّي أنّ أوزّعها على الصّحف والمواقع الألكترونيّة أثناء وجوده في المستشفى، وهذا ما فعلته، وبقي عندي له قصيدة واحدة سأنشرها خلال يومين.
وها هو يغادرنا رغما عنه وعنّا دون أن أستطيع زيارته في المستشفى بسبب خطورة وضعه، ووجوده في غرفة الإنعاش المكثّف، وتخدير الأطبّاء له بشكل مستمرّ بسبب إصابته بجلطة قلبيّة أثناء العمليّة الجراحيّة.
وإذا كان شاعرنا الرّقيق قد غادر الحياة الدّنيا، فإنّ ذكراه ستبقى خالدة، وكما قال شاعرنا الكبير الرّاحل سميح القاسم، في وداع شاعرنا الكّونيّ محمود درويش:” إذا مات الشّعراء فإنّ الشّعر لا يموت” ويعني بهذا أنّ شعره سيخلّد اسمه، والرّاحل خليل توما سيخلّده شعره، ولا زالت أجيال تتغنّى بقصيدته التي يقول فيها:
“جيل يستيقظ في غرف التحقيق
يفيق يفيق
وعصيّ الشّرطيّ
تصنع من شعبي حزبا والكلّ رفيق.”
فنم قرير العين أيّها الصّديق فوالله إنّ العين لتدمع، وإنّ القلب ليخشع، وإنّا لموتك يا خليل توما يا شاعرنا الجميل لمحزونون، فلروحك السلام، ولأرملتك وأبنائك وبناتك ولذويك ولنا العزاء. وكما قال الشّاعر:
كَمْ مِن أَخٍ لِيَ صالِحٍ… بَوَّأْتُهُ بِيَدَيَّ لَحْدا
ما إِنْ جَزِعْتُ ولا هَلِعْ… تُ ولا يَرُدُّ بُكايَ زَنْدا
أَلْبَسْتُهُ أَثْوابَهُ… وخُلِقْتُ، يومَ خُلِقْتُ، جَلْدا
أُغْنِي غَناء الذَّاهِبي… نَ، أُعَدُّ لِلأَعْداءِ عَدّا
ذَهَبَ الذينَ أُحِبُّهُمْ… وبَقِيتُ مَثْلَ السَّيْفِ فَرْدا
13-2-2019