لا شك أن المكتبة العربية انتعشت منذ بداية القرن الجاري، إذ كثرت الإصدارات الموجهة للكبار وللأطفال، من شعر وقصص وروايات، منها ما هو جيد ومنه ما لا زال يحبو، ولكننا نلحظ أن هناك محاولات جادة من الكتّاب لدخول عالم الكتابة في الفنون الأدبيّة المختلفة، ما عدا الكتابة لفئة الفتيان، إذ أن هذا الفن الكتابي تحديدا من أصعب الفنون، فكيف يخاطب الكاتب الفتى؟ ما النهج الذي يتبعه؟ كيف يتعامل مع هذه الفئة؟ هو ليس بالطفل، وكذلك الأمر يحتاج الفتى إلى النصح والإرشاد، إذ لا زال في طور النمو العقلي والبدني، فلم يصل مرحلة البلوغ فكريا ونفسيا بعد، ومع ذلك لا يعترف بذلك. وبالتالي يتوه الكاتب بين العمرين، ويختصر ذلك بتجنب الكتابة لهذه الفئة العمرية الحرجة.
وكما عوّدنا الأديب جميل السلحوت، الذي يهتم بهذه الفئة الحرجة، يصر على الخوض في غمار كتابة قصص وروايات موجّهة للفتيان والفتيات، فهو المربي الذي عمل مدرسا لهذه الفئة العمرية، كما أنه ناشط إجتماعي وعمل بالصحافة، كما شغل منصب مدير العلاقات العامة في محافظة القدس. هذه المجالات مجتمعة منحته الخبرة الكافية للتعامل مع العائلات وحل مشاكلها، خاصة وأنه شيخ له باع طويل في القضاء العشائري. ومن منطلق أن المعرفة قوة، أتته الجرأة في مخاطبة الفتيان، وتوجيه الرسائل المباشرة وغير المباشرة لهم من خلال القصص والروايات التي تحمل في طياتها أربع عناصر هامة: المعلومة المفيدة، والنصح والإرشاد، والمتعة، واللغة، بأسلوب يتقبله الفتى.
جمع السلحوت في هذه الرواية بين القديم والحديث، من خلال دمج القصص الشعبية بالقصص اليومية والأحداث التي نعيشها في عصرنا الحديث، فغمس الواقع بالخيال، وضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. إذ جرت معظم أحداث الرواية في البلدة القديمة في القدس، وتحديدا في برج اللقلق، فانتهز السّلحوت الفرصة للحديث عن الأماكن المقدسة للمسلمين وللمسيحيين على حد سواء. وأشار إلى معانقة الهلال على مآذن المساجد للصليب على أبراج الكنائس، وكانت رسالة هامة تؤكد على أن تعاون وتعاضد أبناء الشعب الواحد من الديانتين الإسلامية والمسيحية.
كما أكّد على أهميّة عمل الخير، وبأن التعامل برأفة ومحبة وإنسانيّة مع الغير يعود علينا بالخير والمنفعة. وأشار إلى أهميّة الدعاء والتوكل على الله.
كما قدّم معلومات جغرافية وافية لحياة البرية في فلسطين، من القدس إلى البحر الميت وما بينهما من جبال ومناطق طبيعية جميلة، أشار لها بتفاصيل نباتاتها وحيواناتها المفيدة والضارة للإنسان، بأسلوب شيّق جميل مفيد، ومن خلال سياق لم يكن دخيلا على النّص. بل أظهر أهمية السياحة الداخلية لمناطق بلادنا الغنيّة بكل ما فيها من جمال وعطاء وتغذية للروح والبدن.
وكان لأسلوب تربية الأطفال حصّة كبيرة أيضا، إذ غاص السّلحوت في نفسية الأطفال واحتياجاتهم التي جاءت على ألسنتهم مباشرة. وعرّج على إهمية وجود الأخ أو الأخت في تطور شخصية الطفل وتلبية احتياجاتنه النفسية.
كما أشار إلى موضوع “الرّضا”، وهو مفقود عند الإنسان، فكل ينظر إلى حياة غيره ويعتبرها الأفضل. إذ أنّ أهل المدن يعتبرون حياة البريّة أجمل ويغبطون أهلها، وكذلك الأمر بالنسبة لمن يعيش حياة البداوة، يحلمون بأن يعيشون حياة المدن.
كما أشار إلى أهميّة الحفاظ على آثار بلادنا وعدم التفريط بها، إذ أن الغرب ينهبون أثار بلادنا وخيراتها ويستثمرون بها، مع أننا أحق بها وبوجودها في متاحف خاصة نحفظها بها.
تسلسل أحداث الرواية كانت سلسة وجميلة بتفاصيلها، إلا أننا لاحظنا أن السلحوت
في الصفحات الخمس الأخيرة أخذ يركض بالأحداث، وكأنّه تنبه إلى أن الرواية طويلة، وقد تثقل على الفتى، مع أننا قرأنا في الأدب السويدي الموجّه للفتيان ما يزيد عن 400 صفحة.
طول الرواية للفتيان لا يعيبها، بل يزيد من ثقة الفتى، بأنّه قادر على التعاطي مع كتاب يحتوي على مئات الصفحات، بشرط أن تكون الأحداث سلسة وشيّقة، واللغة غير معقّدة، والمعلومات وافرة. وهذا ما تضمنته رواية السلحت.
وفي الختام، رواية جبينة والشاطر حسن، تعتبر إضافة للمكتبة العربية، وتلبّي احتياج الفتيان، شكلا ومضمونا.
28-9-2023