منذ قيام دولة اسرائيل في 15 أيار-مايو- 1948 وهي لا ترى غيرها من الدول والشعوب، فمع أنها اعتمدت على قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم- 181- الصادر في 29- 11- 1947، والذي يشكل شهادة ميلاد دولية لها، إلا أنها اعترفت بالجزء الذي يخصها وهو قيام دولة اسرائيل، وتنكرت للجزء الثاني من نفس القرار والذي ينص على اقامة دولة فلسطينية بجانبها وعلى مساحة تزيد عن 48% من مساحة فلسطين التاريخية، وتوالت سياسة اسرائيل المبنية على القوة العسكرية المدعومة من الامبريالية العالمية على نفس النهج، وارتضت أن تكون حارسا أمينا لمصالح هذه الدول في المنطقة، رافضة أن تكون جزءا من دول المنطقة، ورابطة مصالحها ووجودها بالعالم الغربي. ومن منطلقات هذه السياسة فقد ارتضت أن تكون رأس الحربة في العدوان على مصر عام 1956 مع فرنسا وبريطانيا ردا على تأميم الرئيس المصري جمال عبد الناصر لقناة السويس، كما قامت بحربها العدوانية عام 1967، واحتلت ما تبقى من فلسطين، اضافة الى صحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية، وبقيت تقوم بدور الشرطي الحارس لمصالح الدول الغربية في المنطقة، فغزت لبنان في حزيران 1982 لاخراج منظمة التحرير وفصائلها منه، ثم شنت حربها على لبنان مرة أخرى في حزيران 2007 ، وحربها على قطاع غزة في أواخر ديسمبر 2008في محاولة منها لترسيخ ما سمي بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يسعى الى إعادة تقسيم المنطقة مرة أخرى، ودعمت متمردي جنوب السودان حتى تمكنوا من الانفصال عن دولتهم الأم، وأقامت تحالفات مع دول منابع نهر النيل للتخريب على مصر بالرغم من أن نظام حسني مبارك كان يشكل لها كنزا استراتيجيا على رأي وزير دفاعها الأسبق الجنرال بن اليعزر.ترفض السلام: واسرائيل التي تبني سياستها على الحروب والتوسع وقهر دول وشعوب المنطقة واضحة في رفضها لتحقيق سلام عادل ودائم في المنطقة، ورفضها للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، يساعدها في ذلك التأييد الأعمى من الادارات الأمريكية المتعاقبة وعلى مختلف الأصعدة، فعندما رضخت لرغبة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب وشاركت في مؤتمر مدريد في أكتوبر 1991، والذي دعا اليه استرضاء منه لحلفائه من القادة العرب الذين شاركوه في الحرب الثلاثينية على العراق، لاخراجه من الكويت، قال اسحق شامير رئيس وزراء اسرائيل في حينه عند افتتاح المؤتمر بأنه سيفاوض العرب عشرات السنين دون أن يعطيهم شيئا، وقد صدق هو ومن خلفوه في رئاسة الزراء بذلك.ونظرا لعدم قبول اسرائيل لمبادلة الأرض بالسلام، فقد تم اغتيال اسحق رابين رئيس وزرائها الذي قبل باتفاقات أوسلو، على يد متطرف يهودي عام 1995.أما بنيامين نتنياهو الذي يتولى رئاسة الحكومة الإسرائيلية للمرة الثانية، وهو من الرافضين لاتفاقات أوسلو، فقد عمل على أرض الواقع لقتل هذه الاتفاقات من خلال التعجيل بالاستيطان وتكثيفه لمنع اقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية المحتلة في حرب حزيران 1967.وهو يرى حلّ الصراع من خلال اعطاء الفلسطينيين إدارة مدنية على السكان، وليس على الأرض، وتحسين اوضاعهم الاقتصادية شريطة أن يكونوا وكلاء أمنيين له في مناطقهم.الدولة الفلسطينية: ترفض اسرائيل بشكل واضح وعلني لجوء السلطة الفلسطينية الى الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل الحصول على عضوية هذه الهيئة الدولية، كعضو مراقب للدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، لأنها تخشى من اعتراف دول العالم بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران 1967، وبالتالي سيشكل هذا الاعتراف مرجعية لأي عملية تفاوضية في المستقبل، وسيمنح الدولة الوليدة عضوية هيئات ومنظمات دولية أخرى، ومنها المحكمة الدولية لجرائم الحرب، وخوف اسرائيل من عضوية دولة فلسطين في هذه المحكمة يعني اعترافا ضمنيا من اسرائيل بارتكابها جرائم ضد الانسانية في الأراضي الفلسطينية، لذا فانها وحليفتها الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية وبعض أتباعها يضغطون بشتى الوسائل لمنع الرئيس محمود عباس من تقديم الطلب الفلسطيني، وتعتبر ذلك عملا أحادي الجانب، أما الاستيطان فانهم يعتبرونه أمرا مشروعا غير قابل للنقاش وليس شرطا مسبقا.وتزداد تهديدات أفيغدور ليبرمان وزير الخارجية الاسرائيلية يوما بعد يوم، فهو يهدد بالخلاص من الرئيس الفلسطيني المنتخب محمود عباس تارة، ويهدد تارة أخرى بحل السلطة الفلسطينية، وتارة بالغاء اتفاقات أوسلو، وهو لا يعرف حدودا لتهديداته الحمقاء، فماذا أبقت اسرائيل من اتفاقات أوسلو غير اسمها؟ وهل يدرك ما هي عواقب حل السلطة الفلسطينية على اسرائيل نفسها؟ وهل يعي بأن الرئيس عباس لا يستمد شرعيته منه أو من غيره بل من شعبه الذي انتخبه؟ وهل يستوعب هو وحكومته بأن الشعب الفلسطيني لن يقبل بديلا لحقه في تقرير مصيره، وإقامة دولته الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف، مع ايجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين حسب قرارات الشرعية الدولية؟ إن الغاء اتفاقات أوسلو وحل السلطة الفلسطينية هو خيار منظمة التحرير الفلسطينية وليس خيار اسرائيل، واسرائيل ومن ورائها أمريكا بالتأكيد تدركان عواقب ذلك، وتدركان أن الشعب الفلسطيني لن يقبل باستمرار الاحتلال الى ما لا نهاية، وأن ثورات الشعوب العربية بشكل وآخر لها علاقة باستمرارية الصراع العربي الاسرائيلي، فهذه الشعوب لا تقبل هي الأخرى باستمرار الغطرسة الاسرائيلية.وهل سيعمل الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في ولايته الثانية، وعدم حاجته لأصوات اللوبي اليهودي، على حلّ الصراع من خلال كبح جماح الأطماع التوسعية الاسرائيلية، وارغام قادتها على القبول بمتطلبات السلام العادل الذي يحفظ حقوق دول وشعوب المنطقة، بدلا من الضغط على القيادة الفلسطينية؟.14-11-2012