القدس: 3-12-2015 ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية في المسرح الوطني الفلسطيني ديوان”دمعة تخدع ظلها” للشّاعر احسان موسى أبو غوش الصّادر عام 2015 عن المؤسّسة الفلسطينيّة للنّشر والتّوزيع والطباعة في رام الله.
بدأ النّقاش ابراهيم جوهر:
دمعة (إحسان أبو غوش) التي تخدع ظلها
تسعى لانسجام مع الذات بعيدا عن الاغتراب الإنساني
في عالم طاحن لجمال الفراشات والربيع والحياة بتغوّله وولوغه يقدّم الشاعر (إحسان موسى أبو غوش) ديوانه الشعري الذي اختار له عنوانا ذا دلالة هو (دمعة تخدع ظلها).
الدمعة الإنسانية المرهفة لدى الشاعر تسعى لخداع وجهها الآخر كما هو حال الإنسان المغترب عن عالمه وهو لا يجد فيه ما يحقق أحلامه.
وزّع الشاعر قصائده على أربع مجموعات وفقا لمضامينها ورسائلها، وهي: تأملات- ومضات شعرية وبصيص أمل، ووطنيات- زبد على مهد القصيدة، وغزليات- نحو ظلها الآخر، ونثريات.
ويمكن أن يستشف القارئ روح الشّاعر الثائرة في احتجاجها وفي وفائها للرّوّاد الأوائل وفي سعيها للحياة.
وتبرز ثقافة الشّاعر من خلال تناصّه مع عدد من الشّعراء والفلاسفة والأدباء الذين وجد فيهم ما يعبّر عن حالته الشّعورية والواقعيّة.
كتب الشّاعر إحسان أبو غوش القصيدة العموديّة وقصيدة التّفعيلة إلى جانب النّثر البعيد عن الشّعر وكأنّه يسعى لإيصال رسالته بأكثر من قالب واحد وحيد.
وقال نمر القدومي:
” دمعة تخدع ظِلّها ”
قد يعلو بنا الشاعر إلى عالم الفضاء المجهول، ويحوم بأسئلته المبهمة والمستعصية عن الاجابة، وقد يسبح في محيطات عميقة مستخدما تركيبات اللغة الصّعبة ليحول بيننا وبين العوم في مياهه. كان من الأجدر أن يجول بالقاريء يدا بيد في بستان من الورود المتناسقة الألوان عَطِرة الرّائحة؛ حتى نستوعب وننتشي من جمال المكان والزمان على أرض كوكبنا.
الشّاعر “إحسان أبو غوش” في كتابه ” دمعة تخدع ظلّها ” الذي صدر مؤخّرا عن المؤسسة الفلسطينيّة للنّشر والتّوزيع، ويقع في (117) صفحة من الحجم المتوسط، إحتوى معظمه على الشعر العمودي وبعض النّصوص الأدبيّة الموزّعة ما بين فلسفة الكون والحياة، آلام الوطن، مرارة الهجرة، الظلم والظالم ويستذكر الشّاعر الرّاحل “سميح القاسم” في وِقفةٍ جميلة لإحياء ذكراه.
هناك من الكتب والرّوايات ما إن أمسكتَ بها، لن تتركها حتى تنتهي من قراءتها كاملة مهما طال بك الوقت. أمّا ديوان شاعرنا “أبو غوش” فقد احتاج منّي بعض الإستراحات، وذلك لثقل العبارات وإنهمار الكلمات الصّعبة المستخدمة، خاصة وأنّ الشّعر العموديّ مُتعب جسديّا.
رسم الكاتب ألوانا عديدة ومتنوّعة في سرد العناوين، والمبوّبة حسب مذاقه الشّخصيّ، ما بين الخيال والواقع، المجهول والمعلوم، الرّوح والجسد والوطن ومآسيه. ولم يستغن الكتاب عن دروب الغزل المُحافظ .
لكن دعونا سويّة نقف على الأسلوب الذي اتبعه الشّاعر هنا، وكذلك غيره من الكتّاب الذين يسبحون في معاجم الكلمات اللغويّة والنّحويّة، ويمطروننا بغزير من المفردات الشّائكة المرصوصة، والتي باعتقادي تزيد من الأمور صعوبة وتعقيدا، إنَّ الكلمات والمعاني التي تلمس الرّوح ويخفق لها القلب، هي ما يبحث عنها القرّاء في وقتنا العصيب هذا .
إلاّ أنّني استمتعتُ بالنّثريات في آخر كتابه، فقد استخدم الشّاعر أسلوب الفلسفة التي عهدناها عند فلاسفة الزّمان القديم وكتاباتهم، ولا شكّ أنّه متأثّر بهم . فسؤاله عن قيمة الحياة عندما تُقطع شعرة معاوية، ليسرد لنا عن الصّراع الذي يسكن كلّ نفس بشريّة، ما بين تحقيق حلم واقعه مرّ، وبين ما تعيشه من واقع كحلمٍ جميل.
الزّمكان الغريب والذي يستفحل في العالم الإفتراضيّ لكلّ واحدٍ منّا؛ (زمن) الأقوياء الذين يخطّون التّاريخ من منظورهم المنحاز، و(مكان) التناقضات التي نعيشها في حياتنا، والبحث المُضني عن الإعتدال بين الخير والشّرّ حتى ترتاح الرّوح.
لن ننكر أنَّ كلاً منا يرسم في عالمه الخفيّ دنيا كاملة متكاملة جميلة أفلاطونيّة، فيجد تلك الرّاحة والسّعادة التائه عنها بين الأوراق المتناثرة وسط الرّكام.
الشّاعر هنا يحثّك على تفجير الغضب الذي بداخلك للكشف عن ذلك السّرّ الدّفين واخراجك من ذلك الحلم المزعج. قمّة الجمال في هذه الفلسفة الحياتيّة ألاّ نقطع شعرة معاوية، وأن نبقي رابطا خفيّا بين البشريّة، فالدّنيا مفاجآت وكم من عدو أصبح صديقا.
وتناول الكاتب علاقة الإنسان بالكون الشّاسع العظيم الذي نعيشه في تساؤلات كثيفة غاية في الأهميّة. ويفنّد لنا أنَّ حلم اللانهاية يقضّ مضجع عقولنا، ولا أمل منه.
ويضيف أننا نعيش زمنا داخل زمن، زمن لا ينضب وآخر نخطّه بأيدينا ونعيش عمرنا الكامل فيه، وينتهي بأممٍ تحت التّراب . وفي حكمة رائعة، ينصحنا الكاتب على عدم البحث في مكنون الأشياء وألاّ نجردها من صفاتها، فنصل إلى درب محكم الإغلاق .
كُن إنسانا قبل أن ترتدي رداء ليس على مقاسك.. كُن أنتَ قبل قوميتك أو حزبيتك.. حاول أن تكون كفّة الخير هي الرّاجحة في عصرٍ رجحت فيه كفّة الشّرّ والسّواد.. إبحث جاهدا عن الهدف الأسمى من وجودك واعمل به ..
الدّمعة هنا خدعتْ حاملها وخدعتْ ظلّها، وتتساقط مُغلَّفة دون دراية صاحبها، فكانت النّهاية البرّاقة لما كتب “إحسان أبو غوش”.
وقال عبدالله دعيس:
هل يمكن أن تكون الدّمعة خادعة؟ وإن خدعت الدّمعة الآخرين، فهل تخدع ظلّها الذي يلازمها وما هو إلا صورة عنها؟ هذا العنّوان المحيّر لديوان إحسان موسى أبو غوش يوحي للقارئ بأنّه سيقتحم نصوصا محيّرة وصورا متناقضة معقّدة، لكنّه ما أن يبدأ بقراءة قصائد الديوان حتى يجد نفسه على شاطئ بحر هادئ، ويجد الأشرعة معدّة لحمله بسهولة ويسر؛ ليضع يديه على المعاني الذي يريدها الشّاعر دون عناء ومشقّة.
يبدأ الشّاعر ديوانه بمجموعة من التأمّلات في الكون والرّوح والحبّ والزّمن، ويخوض بحرا خاضه قبله كثيرون، لكنّهم لم يجدوا قاعه ولم يكتشفوا أسراره. فالكون واسع لا نعرف حدوده، والرّوح لا يعلمها إلا بارئها، والحبّ تغنّى به الشعراء على مدى العصور والأزمان، فهل يستطيع شاعرنا أن يخوض هذا البحر الهائج المتلاطم؟
يتأمّل الشّاعر الكائنات وهي تمرّ مرورا سريعا في هذا الكون وتذهب وكأنها لم تكن، وتنتهي وتغيب قبل أن تستطيع أن تفهم ما يدور حولها؛ فيقف محتارا أمام مفهوم الفناء وعبثيّة هذه الحياة، ويخاطب الموت ويطلب منه التأنّي وهو يرى سرعة الحياة ويقول له: يا موت قف هنيهة.
لكنّه يبتعد عن النّظر إلى الأشياء بمادّيّة بحتة، فلكل شيء روح، وإلا لما كان هناك معنى للحياة وللقصائد. فالأمومة هي أروع ما وُجد على وجه هذه الأرض، أمّا الصداقة الحقيقيّة فلا وجود لها في نظره. وينظر الشّاعر إلى الحبّ نظرة عميقة روحانيّة، فالحبّ في نظره هو التّضحية والدّموع بعيدا عن الشّهوات. ثم يعود الشّاعر لمعضلة الفناء، ويرى الزّمن وهو يمرّ سريعا والكائنات وهي تجري نحو النهاية، لكن هل هناك معنى للحياة من غير مرور الزّمن؟ وهل الفناء هو مدخل لحياة جديدة؟ معضلة الحياة والفناء تشغل الشّاعر وتزيد من حيرته.
يرى الشّاعر في قصائده روح الأشياء وجوهرها، فهو يرقب النّاس وهم يلهثون وراء الحداثة والمدنيّة ويتمسكّون بقشورها، بينما يتخلّون عن أصالتهم، كالأسير الذي يلحق ظلّه الذي لن يقوده إلى مكان أبعد من جدران زنزانته. فالنّاس يفنون حياتهم في بحثهم عن متعة الجسد الذي يشبّهه الشّاعر بالذَكر بسطوته وجبروته، أمّا الرّوح التي يغفل النّاس عنها، فهي الأنثى الرّقيقة الجميلة، فالاعتناء بحاجات الجسد وإهمال الروح يجرّد الدنيا من بهائها. وفي خضمّ هذا الصّراع ينسى الإنسان الرّحمة، التي تتجسّد في معنى البسملة، ويلجأ إلى العنف حين لا يوجد مكان لاختلاف الآراء.
ويعنون الشّاعر للمجموعة الثّانية من قصائده بِ (وطنيات: زَبَد على مهد القصيدة) متناصّا مع قوله تعالى: “فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْض.” وما الزّبد هنا إلا العدوّ الذي ظنّ أنّه دمّر روح هذا الوطن، عندما بنى حضارة زائفة على أرضه لا تلبث أن تذهب جفاء؛ فوجوده على هذا الأرض تماما كالزّبد الذي يصاحب المياه الجارية، لا وزن له وإن علا وامتدّ.
وطنيّات شاعرنا جميلة تثير المشاعر بلطف، وتفضح ظلم المحتلّ وجبروته دون أن تصف فظائع الاحتلال وصفا مباشرا منفّرا. فهو يذكر القرى التي دمّرها الاحتلال ومحاها عن خريطة الوطن لكنّها تبقى حيّة في قلوب أبنائه، ويرثي قرية عمواس رثاء مؤثّرا، ويصف المعاناة على حواجز الاحتلال وسوداوية جنوده الذين يمنعون الحركة. ثمّ يرسم الشّاعر صورة مؤثرة لبراءة الطّفل المحروق في فلسطين، والطّفل الغريق على سواحل اللجوء، حتى يظهر بشاعة قاتلهم.
بحرقه طفلا أماتوا الطّفولة!
بقتله روحا أزالوا الوداعة!
فمن يتفنّن نَصّ البقاء؟
ومن يأمر النّار
كوني سلاما وبردا على
جسد لصغير رضيع؟
وفي قصائده الوطنيّة يعمد إلى إدارة حوار بين الضحيّة والجلاد، وبين السّجين والسجّان، يفضح فيه بأسلوب أدبيّ جميل بشاعة الاحتلال وتفاهة حججه الواهية، فنرى الطفل الشهيد وهو يخاطب قاتليه قائلا:
لماذا تودّون قتلي إذا؟!
لكوني أنا لست أنت؟
لسمرة عينيّ؟ لجسمي النّحيل؟ لاسمي المقدّس؟
لرسمي العروبيّ؟ لعطفي لأرضي؟ لقدسي؟
ونلحظ أنّ الشاعر يوظّف الأسطورة في بناء قصائده وصوره الشّعريّة، ولا يكتفي بالأساطير اليونانية بل يتعداها ويستلهم بعض الأساطير العربيّة والبابليّة والكنعانيّة، ويتناصّ مع القرآن الكريم، ويستخدم بعض أسماء الفلاسفة والشّعراء والمشاهير؛ ليدل على فكرة معيّنة. فنراه يذكر ميكافيلي ونتشه وجيفارا ودرويش، وهذا يدلّ على سعة اطّلاعه وثقافته. لكن في بعض النّصوص نلحظ التكلّف في إقحام الأسطورة بما لا يخدم النّص. تأمّل قوله في قصيدة (في الزّنزانة:
أوديب سالب روح والده
ألا يعدو إلى زنزانتي ليزورني
ويريحني من سيّد
يدعى زمن؟
فما علاقة أسطورة أوديب بعذابات السجن؟
بينما نجده موفّقا عندما استحضر اسطورة جلجامش الذي يبحث عن الخلد في قصيدة (حرقوك طفلا) فحيرة جلجامش حينما رأى صديقه أنكيدو ميّتا، تتضاءل أمام حقيقة حرق الرّضيع، وأيّ خلد سيجد جلجامش أعظم من خلد وهبه الأعداء للشّهيد عندما حرموه نعمة الحياة بوحشيّة وساديّة.
ويختم الشّاعر ديوانه بمجموعة من القصائد الغزليّة، والتي تتنوع بين القصيدة العموديّة والشّعر الحرّ، يحاول فيها أن يخرج عن النّسق العامّ للديوان في تأملاته الكونيّة وقصائده الوطنيّة. في هذه القصائد، لم ألمح العاطفة الجيّاشة التي امتازت به قصائده الوطنيّة ولم أرَ ذات المستوى من الموسيقى والصّور الفنّية.
ويتساءل الشّاعر في نهاية كتابه وبنصّ نثريّ، ماذا بعد؟ لنراه ما يزال حائرا فيما وراء الكون وفي معضلة الموت والحياة والفناء فيقول:
“ومن أكون في ظلّ هذا الزّمن وذاك الكون؟ هل أنا الطفل الرّضيع أو هذا الشّابّ اليانع أو ذاك الشّيخ الذي اشتعل رأسه شيبا؟ وماذا سأكون بعد أن يواريني التّراب؟”
أمّا سوسن عابدين الحشيم فقد كتبت:
من القراءة التحليلية للكتاب والذي يجمع بين النثر والشّعر، نجد أنّ الشّاعر اتّجه اتّجاها روحانيّا بعيدا عن المادّة، متّبعا أسلوب الخطابة؛ ليوضح البعد الانسانيّ الفلسفيّ في الحياة، وقد قسّم كتابه إلى أربعة أقسام وفي كل قسم يتأمّل الشّاعر ويفكّر ويسأل ، تساءل في أوّل الكتاب عن الكون وماهيّته، وانتهى بنفس السّؤال غريب أمرك أيّها الكون! ما الهدف الأسمى من وجودك؟ وبعد تحقيقه ماذا بعد؟ هنا سأسلّط الضّوء على فلسفة الوجود أو الوجوديّة والتي حيّرت كثيرا من الفلاسفة؛ ليبحثوا ويفكّروا بماهيّة الكون والوجود الانسانيّ، ليكون الانسان انسانا وله وجود فعليه أن يتفكّر وأن يتأمّل في هذا الكون، ففي ص ٩ نجد الكاتب يسأل ويجيب عن أسئلته عن الكون والكائنات الموجودة، فيه ويخرج بنتيجة أنّ الكلّ فان والبقاء له وما يبقى بسطر الذّاكرة”، يستفسر الشّاعر بلغة سلسة مستخدما صور الحياة الطبيعيّة التي خلقها الله في هذا الكون، فيلجأ إلى الرّوح وارتباطها بكلّ شيء في الحياة في مسألة الحبّ والزّمن والصداقة والأمومة والحداثة، كما يسأل عن الموت فيقول له مخاطبا ” يا موت قف هنيهة، مت ولو للحيظة لأعيد أحلاما بلمسات المساء” كأنّ الكاتب يريد أن يوصل إلى قرّائه مفاهيم الحياة المتناقضة الحياة والموت، الرّوح والجسد، فسلفة الحياة والرّوح عنده تبدو واضحة في قوله” لو كان عالمنا بلا روح فلا معنى لمعنى الأضحية!فكل شيء في الحياة له ضدّ في المقابل، ففي نصّه “حوار مع سجّان، نراه بكل عزم وثقة يتباهى بعروبته وانسانيّته فينهي نصّه “نحيا حبّا معنى عطرا نحيي فينا قلب الإنسان”، نحن موجودون ولا أحد باستطاعته الغاء هذا الوجود لشعب له ارادة وكرامة وعزّة، له حقّ الحياة وحقّ الطّفولة ببراءتها المغتصبة، لقد حرقوا الطفولة بحرقهم لمحمد، فيخاطب الشّاعر المحتّل في ص ٥٩، لماذا تودّون قتلي إذن؟ لسمرة عينيّ؟ لجسمي النّحيل؟ لاسمي المقدّس؟ لرسمي العروبيّ؟ لعطفي لأرضي؟ لقدسي؟ لنسلي المؤرّخ؟ لرأيي الصّريح ؟ لعرضي المبجّل؟ وجودي، كياني، بهائي، عزائي، رجائي، شقائي، لقوميّتي ، أم لأمر مدبّر، فيجيب على تساؤلاته ب “تفكر تدبّر ولا تتكبّر! وهنا يعود الشّاعر إلى مبدأ الوجوديّة، ونلاحظ الكاتب تأثّره بكبار الفلاسفة أمثال ارسطو وديكارت وسارتر ودانتي، وبالقصص العالميّة مثل جلجامش والأساطير اليونانية هوميروس وأوديب، والفلاسفة العالميين أمثال ميكابيلي و نتشه، لكنّه لم يتطرق لاظهار فلسفتهم وترابطها في افكاره، ونجد الكاتب في بعض أبياته يذكر قصصا قرآنية مثل قصّة نوح ويوسف، فلا شكّ أنّ الشّاعر يملك ثقافة عالية وظّفها في نصوصه الشّعرية والنّثرية، ليلخص ما يجول في نفسه من أفكار فلسفيّة وطنيّة وروحانيّة، ليربطها معا محاولا كشف الذّات الانسانية ببساطتها وصدقها وروحانيتها فيقول على غلاف كتابه “كن فراشا ليلكيّا يحمل الرّوح إلى جلّ ربيعه، كن مياها بشفافيتها تكشف ذاتك، كن مدادا يرسم الصّدق بحرفه، كن كفينيق يعيد السّنبلة”.
وقالت نزهة أبو غوش:
تضمّن الدّيوان قصائد من الشّعر الكلاسيكي وشعر التّفعيلة، وبعض النّصوص النّثريّة.
اخترت قصيدة تفعيليّة” في الحاجز” ص 43- 39؛ من أجل تحليلها.
القصيدة على ايقاع البحر المتقارب.
حاول الشّاعر إِحسان أبوغوش في ديوانه البكر أن يبتعد عن الغموض في تعابيره، حيث نجد أنّها تزداد اتّساعًا، وجماليّة ” على بعد ميل وخمسٍ وكعبينِ هناك سذاجة جنديٍّ… على بعد مترٍ وسبع ورمشين”، هنا يبدو الاتّساع الذَكي في رموز مقاييس المسافة الّتي تبتعد عن الحاجز. لقد انتقى الشّاعر كلماتِه بدقّة واتقان، ربّما نلحظ فيها أيْضًا التّجديد في المعاني المألوفة، فسدرة المنتهى مثلًا، تُعرف بأنّها شجرةٌ عظيمة تقع آخرُ مكان بالجنّة. . لقد كان رائعًا اختيار الشّاعر لهذه العبارة للتّعبير المبالغ به لوصول الطّير لمنطقة الأمان بعد أن حجز طويلًا على الحاجز، والطّير هنا هو الرّمز للفلسطينيّ المكبّل المحجوز من الحرّيّة.
عند قراءّتنا لكلمات الدّيوان، نشعر بعبارات استفزازيّة تستفزّ القارئ ، وتخلق لديه مزيدًا من التوتّرً، هذه العواطف خلقها الشّاعر توافقًا مع روح الزّمن الّذي يحياه الفلسطيني اليوم خلف حاجز يكبّل كلّ نفَس فيه، وهذا ما يسميه النّقاد ب ” اشعاع روح العصر” في القصيدة. نحو: ” مكانك قف أيّها الشّيخ /واخلع حذاءَيك وانفض غبار الموت……لأنّك عن السّراط تمرّ جحيمًا لدانتي” …” هناك فتاة تجاوزت النّكساتِ/ تؤجّل وضع الجنين/ بعيد الحواجز….
لدى الشّاعر أبو غوش نلحظ الطّاقة الشّعريّة المتفجّرة بالقصيدة، حيث أنّه في تعبيره يحاول أن يبحث عن التّميّز: ” سنحفر صخر الحواجز/ برموش العيون/ وندفن جهل النّفوس/ بقعر الحفر/ فلا ذنب…إِلا إِذا شاء ربّ القدر.
تزدحم لغة القصيدة” في الحاجز” بعمق الاحساس البلاغي، حيث الاستعارات والتّشبيهات، والكنايات، ممّا أضاف جماليّة للّغة القصيدة ، نبضًا وايقاعًا موسيقيًّا داخليًّا ينمو عن طموح الشّاعر احسان نحو الاحتراف.
استخدم الشّاعر في قصيدته الرّمز، حيث وظّفه بشكل جماليّ فأضاف للمعنى عمقًا وتميّزًا ني. هناك الرّمز الكلّي، والرمز الجزئي:
حيث أنّ القصيدة كلّها عبارة عن كناية، أو رمز للفلسطيني المكبّل بأرضه، الفلسطيني المحتلّ، المحجوز، المعرّض لأنواع التّسلّط.
أمّا الجزء الثّاني فهو الرّموز الدّاخليّة في نصّ القصيدة:
الهويّة، اللون، الابجديّة، جذع الشّجر، الطّير، تردّد الأصوات، بلاد الظلام…وغيرها
الأصوات في القصيدة: لقد تميّزت القصيدة بكثرة الأصوات الّتي تُردّدُ على الحاجز.نشعرها تردّد من كلّ صوب:
صوت الجنديّ بعنجهيّة وكبرياء” مكانك قف أيّها الشّيخ….. فلا عيش للعيش عند الحواجز الا اذا شاء القدر”
أصوات الباعة المتجوّلين رغم صمت السّماء تتردّد أصواتهم فتخلق نوعًا من الضوضاء. بائع التّين ينادي على بضاعته، وبائع الزّيت، كذلك أصوات المشاة، وأصوات الأطفال، وصوت المرأة الّتي أجّلت ولادتها بينما تعبر الحاجز، نكاد نسمعها تخاطب جنينها: مهلًا يا صغيري، تمهّل قليلًا. أرجوك يا ألله صبّره في بطني حتّى يأتي الفرج.
صوت صدى الموت، صوت الزّير سالم، وأصوات جنود عمرو في المعارك الّتي تصلصل بها السّيوف.
هناك أصوات جحيم دانتي، كم هي مرعبة تلك الأصوات! نكاد نسمع تردّد كلّ هذه الأصوات في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا الّتي ترفض هذا الواقع المفروض علينا.
وشارك في النّقاش عدد من الحضور منهم: محمد عمر يوسف القراعين، ديمة السّمان وجميل السلحوت.