يختار الكاتب جميل السلحوت للجزء الثاني من سلسلته الروائية الناقلة للواقع الإجتماعي الثقافي الفلسطيني منذ بدايات القرن العشرين عنوانا لافتا ذا إيحاءات هو (جنة الجحيم)، وبعد القراءة يجد القارئ أن الجنة هي العلم والجحيم هو الجهل، في مواضع معينة ، وأن الجنة هي الوطن والجحيم هو الغربة في مواضع أخرى .(راجع الصفحات 18 و90 و122 و150 و157 ) .
وجاءت لوحة الغلاف منسجمة مع هذا الفهم، فحاولت تقريبه من خلال تقريب اللون الأسود وآثار الحريق التي تشير الى الواقع القريب، والمنظر المتخيل للجنة بلونها الأخضر وشجرها ونعيمها المتخيل …الظاهر من خلال النظرة عبر ما يشبه (الشعبة) v وكأنها غاية مشتهاة تأتي بعد التصويب والتركيز على طريقة الصياد. والشعبة نفسها جاءت تشبيها لتفرع السوقين، خان الزيت ، والواد الذي قال عنه الكاتب في صفحة161 : “…عندما أطلوا على سوق باب خان الزيت وسوق الواد ، كانا ينفرجان كشعبتي مقلاع ” .
حملت الرواية لغة سرد أدبية جميلة ما عدا بعض اللقطات التي أشار الكاتب فيها الى التطورات السياسية المرافقة، مما له الاثر في تطوير الحدث. لقد جاء السرد التاريخي المرافق خارجا عن السياق الفني للرواية، وبدا مطّوّعا لخدمة الحدث الروائي ، خارجا عن السياق، في حين كان بالإمكان تقديمه ضمن الأحداث بقليل من المعالجة الفنية .. كما يظهر في الصفحتين 15و18 .
لم تخل الرواية من لفتات لطيفة نقلت ثقافة الشخصيات، وطرافتها، ووفرت قدرا من السخرية والكوميديا من خلال الموقف والحوار، كما بدا في الموقف مع فتاة مكتب السياحة، والتناقض بين الفعل الظاهر، والموقف الخفي الذي يشير الى التناقض ، والكبت في الشخصيات التي راحت تتخيل وتتمنى بعيدا عن الفتة، في الوقت الذي كانت في تتجنب النظر المباشر إليها . لقد نقل للقارئ ثقافتين متباينتين في حوار لطيف واقعي أليف، وفّرت اللغة له أبعادا نفسية اجتماعية.
وظهر الموقف من المرأة في مجتمع الفترة المعبّر عنها خمسينيات القرن العشرين، موقف الرجل منها ومدى تقديره السلبي لها بحيث لا رأي لها ولا مشورة ولا احترام …ونقل بالمقابل موقف المرأة من ذاتها (ص155 ) وهو موقف ذوّتته لنفسها عن نفسها .
وأضافت الأحداث والحوار بعض المعلومات عن ثقافة الهنود الحمر وتجربة المغتربين وسوء تقديرهم لمفهوم الغربة والعمل .
لقد تميزت (جنة الجحيم ) بالمحلية في اللغة، والثقافة، والشخصيات، والمكان . وأرّخت لمرحلة ثقافية تاريخية بعيوبها وجهلها وانتهازية بعض أفرادها، وعدم تشجيع العمل المشترك كما بدا في تجربة دكانة القرية، والعمل الإنتخابي، واقتناء سيارة نقل . إن مفهوم العمل الجماعي ما زال غير ناضج .
كنت أتمنى على الكاتب لو قدّم للشخصية وهي تحكي بما يخدم الموقف، وينقل لغة الحوار الى بعدها النفسي ، مثل، (ضاحكا ، مستهزئا ، ساخرا ، مستغربا ، حاقدا ….) إذ كانت الشخصيات تبدي رأيها مباشرة ، وتتبادل الحوار على سجيتها دون تدخل في تقديمه من الكاتب .
هذه الرواية هي الجزء الثاني المكمل لـ (ظلام النهار) وسيليه جزء ثالث يرصد التغير الحاصل في مرحلة ستينيات القرن الفائت، الذي شهد أحداثا جساما ما زالت آثارها مستمرة الى اليوم . والكاتب وهو يراجع هذه المرحلة إنما ينبه المعنيين الى السلبيات التي قادت الى الهزائم الكبيرة.
بقي أن أشير الى شخصية(جيسيكا) العجوز اليهودية التي جاءت للتنقيب عن الآثار في محيط المسجد الأقصى ، ودورها في التضليل ، واستغلال كل ما تقع عليه عيناها ، ويداها …من هنا وجدناها تطوّع الفتى الغر خليل وتدخله غرفتها، لتكمل معادلة الامتصاص والاستفادة من العربي الشرقي .
هذه رواية مثيرة، فيها المعلومة ،والوصف، واللغة ، والموقف . وقد حملت البلد على أكفّ الروي ليرى من يود الرؤية، ويسمع من يود الإستماع ، ويبادر من بيده الحل لتغيير أسباب الهزائم .
________ ورقة مقدمة الى ندوة اليوم السابع التي ناقشت الرواية مساء الخميس 21 /7 /2011 م. والرواية صادرة عن دار الجندي للنشر في نيسان 2011 م. وتقع في176 صفحة.